تكليف دياب تشكيل الحكومة اللبنانية يفاقم الاستياء السنّي

الحريري مقابل باسيل معادلة مرفوضة... ومسار «الإحباط» بدأ في 2008

تكليف دياب تشكيل الحكومة اللبنانية يفاقم الاستياء السنّي
TT

تكليف دياب تشكيل الحكومة اللبنانية يفاقم الاستياء السنّي

تكليف دياب تشكيل الحكومة اللبنانية يفاقم الاستياء السنّي

يشعر المسلمون السنة في لبنان منذ عام 2008 - وهو العام الذي استخدم فيه حزب الله سلاحه في الداخل - أن تأثيرهم يتضاءل على حساب الشيعة والمسيحيين. وبعدما اعتقدوا أن التسوية السياسية التي قرّر رئيس تيار «المستقبل» سعد الحريري السير بها في عام 2016، والتي أسست لشراكة مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون و«التيار الوطني الحر»، الواسع التمثيل لدى المسيحيين، من شأنها أن تعزز موقعهم في الحياة السياسية، اضطر الحريري للاستقالة. والأسوأ أن استقالته جاءت على خلفية اندلاع الانتفاضة الشعبية المستمرة منذ 17 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وتلاها تكليف وزير التربية الأسبق حسان دياب - المقرّب من الثنائي الشيعي (حزب الله وحركة أمل) وعون - لتشكيل الحكومة الجديدة بـ6 أصوات نيابية سنّية فقط. وهو ما فاقم من الاستياء السنّي الذي بات يظهر بوضوح من خلال عمليات الاعتراض المتواصلة في المناطق ذات الغالبية السنّية.

يعدّ القسم الأكبر من المسلمين السنة في لبنان اليوم، أن المطالب التي رفعتها الانتفاضة والتي نادت بإسقاط كل زعماء الطوائف دون استثناء، أتت على حسابهم وحدهم، وذلك لأن سعد الحريري، الزعيم السني الأول في البلاد، هو وحده بين الرؤساء الثلاثة الذي استقال، بينما ظل رئيس الجمهورية الماروني ورئيس مجلس النواب الشيعي في منصبيهما.
ثم إن تكليف حسان دياب تشكيل الحكومة الجديدة، بعد امتناع رئيس الجمهورية عن الدعوة لاستشارات مُلزمة فور استقالة الحريري، أثار الاستياء السنّي لسببين؛ الأول: بدء رئيس الجمهورية وحلفائه إجراء مشاورات التشكيل قبل التكليف. والثاني: لأن قسماً كبيراً من السنة يعتبر أن تكليف دياب تولاه «الثنائي الشيعي» والوزير جبران باسيل، رئيس تيار رئيس الجمهورية، وهو ما يعني برأيهم فرض إرادة طوائف أخرى على الطائفة السنّية. والسبب الثاني عبّر عنه بوضوح رئيس الحكومة السابق تمام سلام الذي اعتبر أن «الإتيان برئيس الحكومة المكلف حسان دياب لتشكيل الحكومة وملابسات تسميته يقابَل بما هو أكثر من اعتراضٍ سنّي، فهناك غضب عند السنة بفعل ما تم اعتماده من تكليفٍ مُعَلَّبٍ لدياب وبالرغم عنهم».
دياب، الأستاذ الجامعي في هندسة الاتصالات والكومبيوتر ونائب رئيس الجامعة الأميركية في بيروت، حصل على 69 صوتاً لتشكيل الحكومة الجديدة، بينهم فقط 6 أصوات سنّية؛ وهي أصوات نواب «اللقاء التشاوري» الذي يضم النواب السنة المتحالفين مع حزب الله: عدنان طرابلسي، وعبد الرحيم مراد، والوليد سكّرية، وجهاد الصمد وفيصل كرامي، إضافة إلى النائب قاسم هاشم عضو كتلة «التنمية والتحرير» التي يرأسها رئيس المجلس النيابي نبيه برّي. وفي المقابل، أحجم 21 نائباً سنّياً من أصل 27 عن تسميته من ضمنهم كتلتا «المستقبل» و«الوسط المستقل» التي يرأسها رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي.
النائب في تيار المستقبل عاصم عراجي قال لـ«الشرق الأوسط» في لقاء معه إن «الشارع السنّي يعيش نوعاً من الإحباط نتيجة تكليف دياب، وهذا ليس خافياً على أحد. أضف أن طريقة التشكيل الحاصلة وتوزيع الحصص يفاقمان هذا الإحباط». ولفت إلى أن «الاعتراض السنّي الأساسي هو كيف أن ما أعطي لحسان دياب لم يُعطَ لسعد الحريري، ما يظهر وجود نية واضحة لإقصاء الزعامات السنية». وأضاف عراجي: «لا يقتصر الإحباط السني الحالي على تكليف دياب، بل سبقه الاستياء من محاولة جبران باسيل فرض نفسه بإطار معادلة (سعد مقابل جبران)، وهي معادلة مرفوضة تماماً، باعتبار أن باسيل رئيس تيار، أما الحريري فرئيس حكومة. وبالتالي، لا يصح وضع الحريري إلا في معادلة مع عون وبرّي، وليس ربط ترؤسه الحكومة بوجود باسيل فيها». ثم تساءل: «أليس جبران باسيل نفسه مَن سبق أن تحدث عن وجوب أن يكون رئيس الجمهورية الأقوى في طائفته؟ فلماذا ما يصحّ في رئاسة الجمهورية لا يصح في رئاسة الحكومة؟».
إلا أن الجو الذي ينقله عراجي عن الشارع السني، لا يوافق عليه تماماً النائب السني في كتلة برّي، قاسم هاشم (وهو عضو في حزب البعث - جناح سوريا -) الذي يستبعد أن يكون الإحباط تسلل إلى سنة لبنان على خلفية تكليف دياب، ويقول: «ذلك لم يحصل إلا بعد اعتذار صاحب أكبر كتلة ممثلة للسنة، ألا وهو الرئيس الحريري، علماً بأن القاصي والداني يعلم بأن (الثنائي الشيعي) أصرّ حتى ربع الساعة الأخيرة على أن يتولى رئيس (المستقبل) رئاسة الحكومة». وتابع قاسم في تصريح لـ«الشرق الأوسط» كلامه: «قرار الحريري الاعتذار عن التشكيل استدعى التعاطي وفق الأصول الدستورية التي أدت لتكليف الدكتور دياب». ومن ثم شدّد على أن «الإشكالية الأساسية تتخطى الخلاف الحالي - وتكمن في الروحية الطائفية والمذهبية المتحكمة بالبلد من خلال هذا النظام الطائفي البغيض الذي نعتبر أنه آن أوان التخلص منه».

- مسار طويل من الإحباط
في هذه الأثناء، يرى وزير ونائب سابق من تيار «المستقبل» - فضل إغفال الإشارة إلى هويته - أن تكليف دياب «ليس إلا نتيجة طبيعية للمسار الذي تسلكه الأمور منذ عام 2008 عندما أخذ السنة في لبنان يشعرون من وقتها حينها بالإحباط لوجود انطباع سائد بسيطرة حزب الله على كل شيء وضمناً مقدرات الطائفة». وأشار في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه بعد اغتيال رئيس الحكومة رفيق الحريري في عام 2005، كان هناك نوع من استنهاض سنّي ما لبث أن تلاشى بعد 3 سنوات. وأردف المسؤول «المستقبلي» السابق: «توالت الانتكاسات سواءً في عام 2011 بعد إقالة الرئيس سعد الحريري من رئاسة الحكومة وفرض نجيب ميقاتي رئيساً جديداً ووصولاً إلى إقرار قانون انتخاب في عام 2017 جاء على حساب تيار المستقبل». وعدّ النائب السابق أن «أزمة السنة ليست محصورة في لبنان، إنما تمتد إلى سنة سوريا والعراق الذين حُمّلوا مسؤوليات كبيرة بموضوع الإرهاب وسواه من المواضيع... أضف إلى أن الهجمة الإيرانية على منطقتنا لعبت دوراً كبيراً في الإحباط السنّي، من دون أن ننكر أن الطائفة لم تتمكن، وبالتحديد في لبنان، من أن تفرز قيادات تكون على مستوى الأحداث أو أنه لم يُسمح لها بذلك».
«مركز كارنيغي للشرق الأوسط» يعتبر من جهته أن رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري - وهو أحد الزعماء السنة ذوي الشعبية - كان في النتيجة ركناً أساسياً في إعادة بناء وتعزيز المؤسّسات التي دمرتها الحرب الأهلية في البلاد بين عامي 1975 و1990. غير أن اغتياله في عام 2005 غيّر هذه المعادلة بصورة كبيرة. ويشير المركز في دراسة سابقة له إلى أنه مع اغتيال الحريري، ظلّ السنة من دون زعيم «كاريزمي» ذي نفوذ في هرم الدولة.
عودة إلى النائب عراجي، الذي يتحدث عن «تحوّل» في طريقة تعاطي السنة في لبنان مع المسار العام للأمور، «فهم لم يفكروا يوماً خلال الحرب الأهلية بتشكيل ميليشيات على غرار باقي الطوائف، فكان الفلسطينيون هم من يقودون الجبهة». ويضيف: «هم لطالما شعروا أنهم طائفة كبيرة على مستوى العالم العربي، وبالتالي لا مكان للوهن والضعف في نفوسهم، بل على العكس كانوا يعتبرون أنهم من المفترض أن يحتضنوا كل الطوائف. غير أن ما حصل في سوريا، بشكل أساسي، كما الدور الإيراني المتعاظم في المنطقة، كانا من العوامل التي زرعت القلق في نفوسهم وجعلت الإحباط يتسلل إليها».
وفي هذا السياق، كتبت الدكتورة منى فياض، الأستاذة في الجامعة اللبنانية ببيروت، في أحد مقالاتها أنه «من الظلم حصر مظلومية الطائفة السنيّة، التي حوصرت بتهم (التكفير) و(التخوين) و(الدعشنة)، حتى طرابلس - عروس الثورة - وُسمت بأنها (قندهار لبنان)، بكيفية تعيين الرئيس المكلف». وأشارت إلى أن «الإحباطات تتراكم منذ اغتيل رفيق الحريري عام 2005 مروراً بغزوة 7 مايو (أيار) التي تسببت في مقتل أكثر من 100 ضحية. وتوالت المحطات المشابهة، فوصل الأمر إبّان حصار السراي الحكومية إلى الاعتداء على رجال دين سنة من صبية حي اللجاه والخندق الغميق نفسه فحلقوا ذقونهم. ناهيك بشيطنة (الرئيس فؤاد) السنيورة الذي أصبح الممثل الحصري للفساد الذي يغرقون به جميعهم». وأضافت: «وليس إسقاط الحريري، في سابقة لا مثيل لها، من الرابية في لحظة دخوله البيت الأبيض هو الذي سيرفع معنويات السنة، كما اللبنانيين، ولا وضع البلد في الثلاجة لعامين ونصف العام من أجل الإتيان بالرئيس الذي فرضته الثنائية الشيعية».
ورأت الدكتورة فياض (وهي شيعية) أنه «تم إضعاف الطائفة السنّيّة عندما وافق الحريري على التسوية التي جعلته الغطاء (الميثاقي) لفرض قانون انتخاب (أرثوذكسي) على الطريقة الفرزلية (اقترحه نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي، حليف الرئيس عون) سمح لحزب الله بالحفاظ على دولته وسلاحه وعلى احتكاره للتمثيل الشيعي، بصورة دستورية هذه المرة». ثم لفتت إلى أن «الحريري وحلفاءه برّروا التسوية - الصفقة تحت شعار تجنب الفراغ؛ فوقعنا في الهاوية». وأيضاً، رأت فياض أنه «من الطبيعي أن يورث تراكم هذه الجروح الشارع السني، المرارة والإحباط الشديدين حتى الغليان. ليس لأنه يريد استعادة الحريري (سوى بجزء ضئيل منه)، بل لأن الثورة لم تعنِ إسقاطه وحده لتعويم أركان السلطة الباقين».

- اختلال ميزان القوى
في أي حال، تتعرض القوى والأحزاب السنّية للانتقاد بسبب تقصيرها الكبير تجاه المجتمع السنّي، ما يجعل المناطق ذات الغالبية السنية، خصوصاً في عكار وطرابلس بشمال لبنان، ومناطق في البقاع بشرق لبنان، ترزح تحت فقر مدقع كان وراء دفع عدد كبير من أبنائها للانضواء في صفوف «الانتفاضة الشعبية» أخيراً.
ووفق مركز «كارنيغي»، فإن «عدداً متزايداً من السنة يشعرون بخيبة أمل بسبب ما يعدّه البعض تخلّي تيار (المستقبل) عن نضاله ضد النفوذ السوري والإيراني في لبنان، الذي يشكّل أحد البرامج التي قام على أساسها». إلا أن الوزير والنائب «المستقبلي» السابق يردّ السبب الرئيسي لتراجع دور السنة في لبنان وتيار «المستقبل» إلى «كون البلد من دون سيادة، ولتحكم لعبة توازن القوى به واختلال الميزان بميله بوضوح لمصلحة حزب الله، بدل أن نكون في كنف قوة التوازن». ويصف الإحباط السنّي بـ«المخيف» مشدداً على أنه لا يمكن تبيان إلى أين يمكن أن يؤدي، ومضيفاً: «هناك عنصر أساسي لا يجري كثيراً التوقف عنده، وهو يشكل تحولاً جذرياً بالطائفة السنّية في لبنان التي لطالما كانت (مدينية)، أي تتمركز في مدن بيروت وطرابلس وصيدا، فإذا بها اليوم وبنسبة تفوق 50 في المائة تتحول ريفية... بحيث بات سنة لبنان يتمركزون بشكل لافت في مناطق عكار والبقاع الغربي والبقاع الشمالي وزحلة وشبعا وغيرها من المناطق الريفية، ما يعني نظرة مختلفة للأمور ولكيفية مقاربتها».
على صعيد متصل، لاحظت دراسة لـ«معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى» أن الطائفة السنّية اللبنانية، والتي تشهر صفات الانفتاح والعصرية، قد تمكنت بالفعل من مقاومة الضغوط المتعددة باتجاه التطرف والتشدد، وذلك نتيجة بناها الذاتية الداخلية وتواصلاتها الاجتماعية الاقتصادية مع الطوائف الأخرى. إلا أنها ترى أن الزعامات السنّية، التي تعرضّت لقدر جديد من التشظّي بعد اغتيال رفيق الحريري، لم تواكب الجهد الأهلي في مقاومة هذه الضغوط. وترد الدراسة السبب لكون هؤلاء الزعماء يواجهون صعوبات مشهودة وتحديات متواصلة لمواقعهم، وتعتبر أن «التعويل على الدفاعات الداخلية للطائفة السنّية لن يكون كافياً لمواجهة السعي القائم من جانب محور المقاومة (أي حزب الله وخلفه نظام إيران) لوسم الطائفة بالتطرف ولدفعها إليه».

- الصراع السني ـ الماروني على الصلاحيات
لا يرتبط «الإحباط السنّي» المستجد حصراً بتكليف حسان دياب تشكيل الحكومة، إذ لطالما شهدنا في الآونة الأخيرة صراعاً بين القوى السنّية في لبنان من جهة ورئيس الجمهورية ميشال عون وصهره الوزير جبران باسيل من جهة ثانية. وهذان الأخيران تتهمهما القوى السنّية بمحاولة استعادة صلاحيات أخذها «اتفاق الطائف» من موقع رئيس الجمهورية وأعطاها لمجلس الوزراء مجتمعاً.
ويركز رؤساء الحكومات السابقون في الفترة الأخيرة على ما يرون أنها «خروقات متكررة للطائف»، كان آخرها برأيهم تأخير إتمام الاستشارات النيابية. وفي بيان أصدره أخيراً رؤساء الحكومات السابقون نجيب ميقاتي وتمام سلام وفؤاد السنيورة، تحدثوا عن «اعتداء سافر على صلاحيات النواب بتسمية الرئيس المكلف من خلال الاستشارات النيابية المُلزمة لرئيس الجمهورية بإجرائها وبنتائجها، ومن ثم الاعتداء على صلاحيات رئيس الحكومة عندما يتمّ تكليفه تشكيل الحكومة بعد إجراء الاستشارات اللازمة، وذلك من خلال استباق هذه الاستشارات وابتداع ما يسمى رئيساً محتملاً للحكومة، وهو ما قام به فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والوزير جبران باسيل كما أعلنه الوزير باسيل بذاته». وذهبوا إلى حد اعتبار «الاعتداء غير المسبوق، لا قبل الطائف ولا بعده، على موقع رئاسة الحكومة، جريمة خطيرة بحق وحدة الشعب اللبناني وبحق أحكام الدستور».
وكانت رئاسة الجمهورية ردت على رؤساء الحكومات السابقين، معتبرة أنهم «لو أدركوا ما كان سيترتّب على الإسراع في إجراء الاستشارات النيابية المُلزمة من انعكاسات سلبية على الوضع العام في البلاد وعلى الوحدة الوطنية والشرعية الميثاقية، لما أصدروا هذا البيان وما تضمنه من مغالطات ولكانوا أدركوا صوابية القرار الذي اتخذه رئيس الجمهورية».
لكن خلدون الشريف، المستشار السياسي للرئيس نجيب ميقاتي قال في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن «الانطباع العام السائد هو أن الموقع السنّي الأول في البلد، أي رئاسة الحكومة، لم يعد يوازن المواقع المارونية والشيعية. إذ لدينا رئيس جمهورية سُمّي (القوي) ورئيس مجلس نواب هناك توافق عام على اعتباره أعتى الأقوياء. وفي المقابل، هناك رئيس حكومة مكلف، صحيح أنه أتى بغطاء دستوري، لكنه يفتقد للتمثيل الشعبي، كما السياسي، اللذين يحظى بهما عون وبرّي. وهذا ما أدى لشعور الطائفة السنّية أنها همّشت من المعادلة السياسية في لبنان». ويضيف الشريف: «لكن الطائفة السنّية تبقى في نهاية المطاف طائفة مؤسسة للوطن ولا يمكن لأي كان تجاوزها، وإن كانت تمرّ كما كل الطوائف في مرحلة من المراحل بظروف صعبة... وهي اليوم في أضعف أحوالها».
ويصوّب الشريف باتجاه المشكلة التي يعدّها أساسية ألا وهي «الإحجام عن تطبيق اتفاق الطائف». ويشدد على أن أي حل ينطلق من العودة إلى بنود هذا الاتفاق الذي أمكن التوصل إليه بعد حرب طويلة، قائلاً: «أين ما اتفق عليه بوقتها لجهة انتخاب النواب خارج القيد الطائفي وإنشاء مجلس شيوخ وهيئة عليا لإلغاء الطائفية السياسية بالإضافة للامركزية الإدارية؟».
ولا يخفي الشريف وجود انطباع عام بأن عون وباسيل يتعمدان مصادرة صلاحيات رئيس الحكومة، وآخر هذه المحاولات حصلت في الاستشارات النيابية الملزمة حين روّجت مصادرهما بأن «الاستشارات مُلزمة لكن نتائجها غير مُلزمة. وهذا أمر لا يستدعي حتى التفكير به باعتباره من خارج كل ما تم الاتفاق عليه بالطائف، الذي يجعل من رئيس الجمهورية صندوق بريد تقتصر مهمته على عد الأصوات، أما الترويج لما هو خلاف ذلك، فيندرج في إطار المحاولات المتواصلة لاستعادة الوضع الذي كان قائماً قبل الطائف».
بالمقابل، تنفي مصادر «الوطني الحر» (تيار عون) تهمة محاولة للانقضاض على صلاحيات رئاسة الحكومة، وتقول: «على أن ما يحصل هو ممارسة رئيس الجمهورية دوره وصلاحياته المنصوص عليها في الدستور»، مضيفة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أنه «إذا كانوا لم يعتادوا ذلك في العهود السابقة، فهذا لا يعني خرق الدستور والطائف بل تطبيقهما فعلياً. فليعودوا إلى النصوص ويدققوا بها وبعدها فليتهمونا بتجاوزها، في حال صح ذلك».


مقالات ذات صلة

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

حصاد الأسبوع جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب

يوسف دياب (بيروت)
حصاد الأسبوع تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني

براكريتي غوبتا (نيودلهي (الهند))
حصاد الأسبوع تشون دو - هوان (رويترز)

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

إلى جانب يون سوك - يول، فإن أربعة من رؤساء كوريا الجنوبية السبعة إما قد عُزلوا أو سُجنوا بتهمة الفساد منذ انتقال البلاد إلى الديمقراطية في أواخر الثمانينات.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)
حصاد الأسبوع الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

شرق السودان... نار تحت الرماد

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق

أحمد يونس (كمبالا (أوغندا))
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ب)

"تايم "تختار دونالد ترمب شخصية العام 2024

اختارت مجلة تايم الأميركية دونالد ترمب الذي انتخب لولاية ثانية على رأس الولايات المتحدة شخصية العام 2024.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.