كان ليستر سيتي يحتل المركز الثاني في جدول ترتيب الدوري الإنجليزي الممتاز ولم يخسر أي مباراة على ملعبه هذا الموسم ولم تهتز شباكه سوى خمس مرات فقط في آخر تسع مباريات. لكن ليفربول سحقه برباعية نظيفة، يوم الخميس الماضي، في عقر داره وقدم أداءً استثنائياً وسيطر على مجريات اللقاء تماماً.
ولعب ليفربول 18 مباراة في الدوري الإنجليزي الممتاز هذا الموسم، فاز في 17 منها وتعادل في مباراة واحدة، وهي النتائج التي لم تتحقق سوى مرة واحدة فقط في تاريخ الدوري الإنجليزي الممتاز، والتي حققها مانشستر سيتي في الموسم قبل الماضي.
والآن، يغرد ليفربول منفرداً في صدارة جدول ترتيب الدوري الإنجليزي الممتاز بفارق 14 نقطة كاملة عن حامل اللقب مانشستر سيتي، بالإضافة إلى أن ليفربول ما زالت له مباراة مؤجلة، قبل أن يستضيف وولفرهامبتون واندررز على ملعب «آنفيلد» مساء الأحد. وفي الوقت الحالي، لا يعد ليفربول بطل كأس العالم للأندية فحسب، لكنه يعد أفضل فريق في العالم في حقيقة الأمر.
وبالتالي، فإن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة الآن هو: هل هناك أي شيء يمكن أن يمنع ليفربول من الفوز بلقب الدوري الإنجليزي الممتاز للمرة الأولى منذ عام 1990؟
لقد رد ليفربول بنفسه على هذا السؤال من خلال الأداء الاستثنائي الذي قدمه أمام ليستر سيتي والطريقة التي تحكّم بها في مجريات الشوط الثاني أمام سالزبورغ في دوري أبطال أوروبا، وهو الأمر الذي يعكس قدرة الفريق على التحكم في وتيرة المباريات بالشكل الذي يريده. لكن كان هناك شعور واضح في أواخر الخريف بأن ليفربول لا يلعب بالشكل الذي تعكسه النتائج الرائعة التي يحققها.
وتشير الإحصاءات الصادرة عن شركة «أوبتا» للإحصاءات الرياضية إلى أن ليفربول سجل 10.03 هدف، أكثر من الأهداف المتوقعة للفريق، أي أفضل من أي فريق آخر في الدوري الإنجليزي الممتاز على الرغم من أن هذا بالطبع قد لا يعني شيئاً سوى أن الفريق يضم خط هجوم قوياً للغاية.
وربما كان الشيء الذي لم ينتبه إليه كثيرون يتمثل في أن ليفربول، بقيادة المدير الفني الألماني يورغن كلوب، قد استقبل 2.18 هدف أقل من الأهداف المتوقع استقبالها، ليأتي في المركز التاسع في هذا الصدد. وتعني هذه الأرقام معاً أن فارق الأهداف كان أفضل من فارق الأهداف المتوقع بـ12.21 هدف؛ ولا يتفوق عليه في هذه الإحصائية سوى ليستر سيتي.
وعلاوة على ذلك، سجل ليفربول العديد من الأهداف الحاسمة في أوقات قاتلة من المباريات، مثل هدف الفوز على ليستر سيتي على ملعب «آنفيلد»، وهدفي الفوز على كل من أستون فيلا وكريستال بالاس، وهدف التعادل أمام مانشستر يونايتد على ملعب «أولد ترافورد». كما تعرض ليفربول لضغط شديد في المراحل الأخيرة من مباراتيه أمام كل من تشيلسي وبرايتون، وكان يدافع بضراوة من أجل الخروج بنتيجة إيجابية.
وفي الحقيقة، تعتمد درجة خطورة أي مشكلة على مدى إعطاء أولوية للبيانات والإحصائيات والشكل الذي يلعب به الفريق، بدلاً من النظر إلى شخصية الفريق القوية في المواقف الصعبة. ومن الصعب للغاية في عالم كرة القدم أن تستمر في تحقيق نتائج إيجابية وتحرز أهدافاً في وقت متأخر من المباريات، لكنّ ليفربول يقوم بهذا الأمر كثيراً، وهو ما يعكس الشخصية القوية للفريق.
وينجح ليفربول في القيام بذلك لأنه يؤمن تماماً بقدرته على إحراز الأهداف، ويعمل بكل قوة ومن دون ملل أو يأس على تحقيق هذا الهدف، كما أن الفريق المنافس في المقابل يشعر بالقلق، وبأنه قد يستقبل هدفاً في أي وقت، وبالتالي يتراجع من أجل الحفاظ على النتيجة، لكنه لا يستطيع أمام الزحف الهجومي القوي للريدز، خصوصاً في ظل الرغبة الجامحة لدى ليفربول في حصد اللقب هذا الموسم، وهو الأمر الذي يدعمه وجود عدد من اللاعبين الموهوبين في صفوف الفريق والقادرين على حسم نتيجة أي مباراة في أي وقت.
وعلاوة على ذلك، هناك شعور دائم بالقلق من احتمال تعرض العناصر الأساسية بالفريق للإصابة، خصوصاً المدافع الهولندي فيرجيل فان دايك، نظراً إلى التأثير الكبير الذي أحدثه في صفوف الفريق على مدار العامين الماضيين. ومن المؤكد أن دفاع ليفربول من دون فان دايك سيكون هزيلاً وعرضة لاستقبال الكثير من الأهداف. لكنه ليس اللاعب الوحيد الذي سيكون من الصعب للغاية تعويضه، فهناك الظهير الأيمن الرائع والمبدع ترينت ألكسندر أرنولد، الذي يصعب للغاية تعويضه هو الآخر، على الرغم من أن جيمس ميلنر وجو غوميز يلعبان مكانه عندما يغيب، لكن هناك فارقاً كبيراً للغاية في المستوى بين ترينت ألكسندر أرنولد وأي لاعب آخر يلعب مكانه. كما يصعب أيضاً تعويض الظهير الأيسر لليفربول أندي روبرتسون، الذي يقدم مستويات استثنائية في النواحي الهجومية ويعد لاعباً فريداً من نوعه في عالم كرة القدم في الوقت الحالي. وبعد ذلك، هناك الثلاثي الهجومي الخطير –محمد صلاح وروبرتو فيرمينيو وساديو ماني– والذين يصعب إيجاد بديل لهم أيضاً، رغم أن ديفوك أوريجي وآدم لالانا وتشيردان شاكيري يلعبون مكانهم في حال غيابهم، لكن الفارق في المستوى واضح للجميع أيضاً.
ورغم أن ليفربول لا يملك خيارات كثيرة في خط الوسط، فإن كلوب نجح في تكوين فريق لليفربول لم يشهده النادي خلال آخر عقدين من الزمان. وهناك مزايا واضحة للعب بمجموعة ثابتة من اللاعبين، حيث يساعد ذلك على زيادة التفاهم بين عناصر الفريق داخل المستطيل الأخضر، سواء في الناحية الدفاعية أو الهجومية، لكن تعرض أي لاعب من اللاعبين الأساسيين للإصابة يؤثر كثيراً على مستوى وأداء الفريق.
وقد يفسر هذا جزئياً السبب وراء الشكوى المتكررة من جانب يورغن كلوب وجوسيب غوارديولا بشأن المباريات المتلاحقة، نظراً لأن تعرض اللاعبين الأساسيين للإصابات سوف يقلل كثيراً من حظوظ الفريقين في المنافسة على البطولات والألقاب. وقد فقد ليفربول خدمات نجم خط وسطه البرازيلي فابينيو بسبب الإصابة، لكن الجانب الدفاعي للفريق تحسن كثيراً منذ عودة جوردان هيندرسون للقيام بدور أكبر في الجانب الدفاعي بخط الوسط.
لكن إذا بدأ مستوى ليفربول في التراجع وقلّت الفجوة بينه وبين أقرب ملاحقيه –وهو أمر وارد الحدوث نظراً إلى صعوبة الاستمرار في تقديم هذه المستويات وتحقيق هذه النتائج– فسوف يبدأ الفريق يعاني مرة أخرى من ضغوط الأعوام الثلاثين الماضية من دون الحصول على أي لقب للدوري الإنجليزي الممتاز. وفي كل مرة يفقد فيها الفريق نقاطاً، سيتذكر لاعبو وجمهور الفريق المرات التي كانوا فيها قريبين للغاية من حصد اللقب قبل أن يصادفهم سوء حظ غريب – مثل الانزلاقة الشهيرة لقائد الفريق السابق ستيفين جيرارد، وتصريح جيرار هولييه الشهير بأن فريقه «على بُعد عشر مباريات من المجد»، قبل أن يفشل الفريق في حصد اللقب في نهاية المطاف. لكن رغم كل ذلك، هناك شعور الآن بأن الفريق قوي ولديه الثقة اللازمة لحصد اللقب.
علاوة على ذلك، لكي يتعرض ليفربول للضغط يجب أن يكون هناك تهديد حقيقي له، لكن مانشستر سيتي تعرض للكثير من الهزائم ولا يقدم المستويات التي كان يقدمها خلال الموسمين الماضيين، كما أثبت ليستر سيتي في مباراته الأخيرة أمام ليفربول أنه لن يكون منافساً حقيقياً على اللقب. ربما لا يزال مانشستر سيتي قادراً على سحق المنافسين، لكنه لم يعد يضغط على الفرق المنافسة كما كان يفعل في السابق، ويمنحها الفرصة لشن هجمات مرتدة سريعة عليه تكلّفه الكثير من الأهداف، وقد تعرض السيتزنز لخسارة جديدة أمام وولفرهامبتون واندررز، الجمعة الماضية. صحيح أن عودة المدافع إيمريك لابورت في فبراير (شباط) المقبل سوف تقوّي خط دفاع الفريق كثيراً وتدعم حظوظه في المنافسة على لقب دوري أبطال أوروبا، لكن مانشستر سيتي لم يعد ذلك الفريق القادر على تحقيق الفوز في 12 أو 13 مباراة متتالية، وهي النتائج التي من شأنها أن تضع ليفربول تحت الضغط، وهو الأمر الذي اعترف به غوارديولا نفسه.
لقد علّمتنا كرة القدم أن كل شيء يمكن أن يحدث. فهل يواصل ليفربول العمل بكل قوة ويحقق نتائج جيدة ويستمر في الابتعاد كثيراً عن أقرب ملاحقيه، أم أن مستواه سيتراجع ويكون بحاجة لهدف حاسم في الجولة الأخيرة، على غرار هدف مايكل توماس لآرسنال في مرمى ليفربول على ملعب «آنفيلد» في عام 1989 أو الهدف القاتل الذي أحرزه سيرجيو أجويرو لمانشستر سيتي في مرمى كوينز بارك رينجرز في موسم 2012، أو حتى الهدف الذي أحرزه ستيف بروس برأسه في مرمى شيفيلد وينزداي في عام 1993، لكي يحسم اللقب بصعوبة؟ لكن الشيء المؤكد الآن هو أنه لو لعب ليفربول في النصف الثاني من الموسم بنفس القوة التي لعب بها في النصف الأول فسوف يُنهي السنوات الثلاثين العجاف ويحصد لقب الدوري الذي طال انتظاره، ويبدو أن هذا هو الأقرب للحدوث.
ما الذي يمنع ليفربول من حصد لقب الدوري الإنجليزي؟
الريدز لا يعدّ الأفضل في بلاده فحسب بل في العالم أجمع
ما الذي يمنع ليفربول من حصد لقب الدوري الإنجليزي؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة