الحراك مصدوم من اقتحام المنطقة الخضراء «العصية» عليهم

ناشطون استغربوا وصول متظاهري «الحشد» بسهولة إلى السفارة الأميركية

نائب رئيس هيئة الحشد أبو مهدي المهندس وزعيم «عصائب أهل الحق» يتقدمان متظاهري «الحشد»  أمام السفارة الأميركية أمس (رويترز)
نائب رئيس هيئة الحشد أبو مهدي المهندس وزعيم «عصائب أهل الحق» يتقدمان متظاهري «الحشد» أمام السفارة الأميركية أمس (رويترز)
TT

الحراك مصدوم من اقتحام المنطقة الخضراء «العصية» عليهم

نائب رئيس هيئة الحشد أبو مهدي المهندس وزعيم «عصائب أهل الحق» يتقدمان متظاهري «الحشد»  أمام السفارة الأميركية أمس (رويترز)
نائب رئيس هيئة الحشد أبو مهدي المهندس وزعيم «عصائب أهل الحق» يتقدمان متظاهري «الحشد» أمام السفارة الأميركية أمس (رويترز)

أحدثت مشاركة قيادات الحشد في التظاهر أمام السفارة الأميركية، والسماح بإحراق جدارها، «صدمة» داخل أوساط المراقبين والمتابعين المحليين، نظراً لما يمثله الفعل من انتهاكات صارخة للتقاليد والأعراف الدبلوماسية الدولية، خاصة حين يأتي من جهات تابعة للدولة، وتحت أمرة رئيس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة.
كما أحدث اقتحام المنطقة الخضراء شديدة التحصين من قبل متظاهري الحشد الشعبي «صدمة» مماثلة بين صفوف المتظاهرين في ساحات الاعتصام والتظاهر المختلفة، نظراً لأن محاولة الوصول إلى المنطقة الخضراء كلفتهم آلاف القتلى والجرحى منذ أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، في مقابل دخول متظاهري الحشد بيسر وسهولة، وكأن الأمر لا يعدو عن مجرد نزهة.
ومثلما هي عادة العراقيين في السخرية والتندر في مثل هذه الحالات، نشر عدد غير قليل من النشطاء أخباراً ساخرة. وكتب الناشط الصحافي أحمد السهيل ساخراً: «أنباء عن اختطاف الناشطين هادي وقيس بعد عودتهما من مظاهرة السفارة! الحرية للمخطوفين والعار للقناصين والعلاسين والخاطفين وكل القتلة».
وكتب الكاتب الإعلامي علي عبد الأمير عجام: «قتلت القوات الأمنية العراقية العشرات من الشباب حين أرادوا العبور نحو (الخضراء)»، ثم تساءل قائلاً: «كيف وصل هؤلاء إلى قلب المنطقة، وتجمعوا أمام السفارة الأميركية، وأحرقوا مداخلها؟ دولة الميليشيات تتقدم!».
وإلى جانب حملة التهكم والسخرية التي أطلقها ناشطون حول دخول الحشد إلى المنطقة الخضراء من دون أي اعتراض من القوات الأمنية، تخوف آخرون من إمكانية تكرار النموذج «الحوثي» اليمني في العراق، بعد أن كشف دخول الخضراء غياب سلطة الحكومة لصالح سلطات قيادات الحشد المتحالفة مع إيران. وفي هذا الاتجاه، يقول الباحث العراقي المقيم في الولايات المتحدة حارث حسن إن «العراق في طريقه لأن يصبح دولة (حوثية)؛ فريق سياسي - عسكري قرر أن يفرض إرادته على الجميع، وأن يصادر قرار البلد، وسط صمت الخائفين وشهود الزور»، ويضيف: «العام الجديد سيكون على الأرجح بداية لسنوات عجاف في طريق عزل البلد، وتسليمه لقوى القمع».
أما رئيس التحرير التنفيذي لجريدة «المدى» البغدادية علي حسين فاستغرب «فكرة أن تعيش في وطن يتحول فيه مسؤول حكومي مثل فالح الفياض من قائد أمني يحذر المتظاهرين من أن هناك قصاصاً رادعاً لهم لو اقتربوا من الخضراء، إلى متظاهر يحرق الإطارات داخل المنطقة الخضراء»، ثم تساءل: «ماذا يعمل فالح الفياض بالضبط؟». وغطى حادث اقتحام المنطقة الخضراء من قبل جماعات «الحشد»، وحرق سياجها الخارجي، أمس، الغليان الشعبي الذي عاد إلى مدينة الناصرية في محافظة ذي قار، عقب اغتيال الناشط الصدري علي خالد الخفاجي على يد مجهولين، مساء الاثنين.
ونأى المتظاهرون في ساحة التحرير بأنفسهم عن مجريات المنطقة الخضراء. وتلا متظاهرو التحرير عبر الإذاعة الداخلية هناك بياناً مقتضباً، دعوا فيه المتظاهرين إلى عدم مغادرة الساحة، والمحافظة على سلمية المظاهرات. وقال البيان: «يعلن متظاهرو التحرير والمناطق القريبة منها أن ليس لهم علاقة بالخضراء، والأعمال التي تحدث هناك»، وأضاف: «يمنع على المتظاهرين ترك الساحة، وإن المظاهرات ستبقى سلمية حتى تحقيق النصر، رحم الله شهدائنا، والشفاء العاجل للجرحى».
وكانت أنباء قد ترددت، أمس، عن عزم بعض الأذرع الإيرانية على التوجه إلى ساحة التحرير، بذريعة التنديد بالقصف الإيراني ضد بعض فصائل الحشد في الأنباء، تمهيداً لفض الاعتصامات فيها، وطرد المتظاهرين السلميين.
ولفت أنظار أعداد كبيرة من النشطاء خلو مظاهرات المنطقة «الخضراء» من الإعلام العراقية، واكتفاء المتظاهرين برفع أعلام هيئة الحشد و«كتائب حزب الله». كما لفت أنظارهم خلوها من جميع التصرفات التي قامت بها القوات الأمنية ضد المتظاهرين في بغداد وبقية المحافظات، في وسط وجنوب البلاد.
يقول الناشط جهاد جليل إن «من علامات اقتحام الخضراء، والسفارة الأميركية، عدم وجود غاز مسيل للدموع لقمع المتظاهرين من قبل (الطرف الثالث)، واختفاء القناص، ولا يوجد علم عراقي، وغياب (التكتك) وحضور الجكسارات والتاهوات (سيارات حديثة يستعملها قادة الحشد)».
وحفلت مواقع التواصل الاجتماعي بسخرية كبيرة من قادة الفصائل المسلحة المشتركين في مظاهرات السفارة الأميركية، وأظهرت بعص الصورة «المفبركة» قيس الخزعلي وفالح الفياض وقد أصيبوا بقنابل دخانية في الرأس، على غرار ما حدث مع العشرات من المتظاهرين في ساحات الاحتجاج. كما نشر بعض المدونين تعليقات ساخرة تطالب بالحرية لـ«الناشطين» هادي العامري وقيس الخزعلي وفالح الفياض. وكتب أحد الناشطين: «يعتذر القناص عن تقديم خدماته اليوم، كونه مشغولاً باقتحام السفارة».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم