معركة انتخابات لسنة كاملة في إسرائيل

مخاوف من «دينامية تدهور حربي لا يرغب فيه أحد»

فلسطيني يمر بدراجته قرب ملصقات لحملات انتخابية لرئيس الوزراء الإسرائيلي  بنيامين نتنياهو مع الناشط السياسي اليميني الإسرائيلي إيتمار بن غفير في مدينة أريحا في سبتمبر الماضي (أ.ف.ب)
فلسطيني يمر بدراجته قرب ملصقات لحملات انتخابية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع الناشط السياسي اليميني الإسرائيلي إيتمار بن غفير في مدينة أريحا في سبتمبر الماضي (أ.ف.ب)
TT

معركة انتخابات لسنة كاملة في إسرائيل

فلسطيني يمر بدراجته قرب ملصقات لحملات انتخابية لرئيس الوزراء الإسرائيلي  بنيامين نتنياهو مع الناشط السياسي اليميني الإسرائيلي إيتمار بن غفير في مدينة أريحا في سبتمبر الماضي (أ.ف.ب)
فلسطيني يمر بدراجته قرب ملصقات لحملات انتخابية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع الناشط السياسي اليميني الإسرائيلي إيتمار بن غفير في مدينة أريحا في سبتمبر الماضي (أ.ف.ب)

عندما احتفلت إسرائيل، السنة الماضية، بالذكرى السنوية السبعين لتأسيسها، وعرضت صورة مضخمة لمنجزاتها في مجال العسكرة وتطوير السلاح والتكنولوجيا العالية والازدهار الاقتصادي والإعمار والتقدم الزراعي، وطرحت أفكاراً طموحة أكثر للمراحل المقبلة، لم يتوقع أحد فيها أن تتحول السنة الأولى في عقدها الثامن سنة معارك انتخابية لا تنتهي ولا تسفر عن انتخاب قيادة.
ولأول مرة في تاريخها، تولت زمام قيادتها حكومة انتقالية مؤقتة، ستستمر لأكثر من سنة. ولم يتصور أحد أن يقرر رئيس حكومتها، صاحب أطول فترة حكم فيها، سينتهي إلى المثول في قفص الاتهام لمحاكمته بثلاث قضايا فساد خطيرة. وأنه بدلاً من أن يخجل من وضعيته ويستقيل حتى تأخذ العدالة مجراها، سيختار التشبث بكرسي الحكم بأي ثمن. ويهاجم الشرطة والنيابة والقضاء وكل مؤسسات سلطة القانون والنظام ويجر إسرائيل من معركة انتخابية لأخرى، تكلفة كل واحدة منها نحو مليار دولار. وقد وصلنا إلى المعركة الثالثة، وقبل أن تختم بثلاثة أشهر، يقول الإسرائيليون إنهم يخشون من الاضطرار إلى التوجه لمعركة انتخابات رابعة؛ لأن رئيس حكومتها المتهم يستطيع بهذه الطريقة فقط ضمان البقاء في كرسيه لحقبة زمنية أخرى.
فقد استهلت سنة 2019 بقرار مفاجئ من نتنياهو تبكير موعد الانتخابات بستة أشهر. وجاء ذلك رداً على قرار المستشار القضائي للحكومة، أبيحاي مندلبليت، نشر كتاب شبهات ضده في ثلاث قضايا فساد. سلك بذلك الطريق التقليدية، «الهجوم هو أفضل السبل للدفاع». والهجوم على من؟ على الشخصيات التي عيّنها بنفسه في المناصب الرفيعة: على روني الشيخ، أحد قادة الشاباك (جهاز المخابرات العامة)، الذي فرضه على الشرطة مفتشاً عاماً، ووعده بأن يعينه بعد ثلاث سنوات رئيساً للشاباك. فقد توقع منه أن يوقف التحقيقات ضده. وحاول ذلك بكل قوته، لكن الاتهامات كانت دامغة فلم يستطع. وشن هجوماً على شاي نتسان، رئيس النيابة العامة، الذي حصل معه الأمر نفسه. ولم يستطع إنقاذ نتنياهو من لوائح الاتهام. وأما المستشار مندلبليت، فقد كان سكرتيراً مخلصاً لحكومة نتنياهو. فعيّنه في منصب المستشار، الذي يعتبر آخر محطة في المؤسسة القضائية وصاحب القرار الحاسم بمحاكمته. وتردد الرجل طويلاً وراح يماطل وألغى الشبهات الصارخة ضد نتنياهو في قضية اقتناء غواصات من ألمانيا، على عكس رأي الجيش ووزارة الدفاع. وخفف من بنود الاتهام. لكنه لم يسلم من غضب نتنياهو وثلته. فاعتبروه خائناً.
في تلك الأيام، كان أقطاب «الدولة العميقة» في إسرائيل قد وصلوا إلى قناعة بأن نتنياهو يلحق ضرراً بالمصالح الاستراتيجية للدولة. وخرج مجموعة من الجنرالات السابقين في الجيش والمخابرات يصرحون بذلك بصوت عال وبكلمات حادة. وكان في مقدمتهم مجموعة من رؤساء أركان الجيش السابقين، إيهود باراك، الذي شغل منصب وزير الدفاع ورئيس الحكومة أيضاً، ودان حالوتس وشاؤول موفاز وجابي اشكنازي وموشيه يعلون. وكذلك رؤساء الشرطة والمخابرات الداخلية «شاباك» والخارجية «الموساد» والعسكرية «أمان»، اساف حيفتس، ومئير دجان، وشبتاي شبيط، ويعقوب بيري، وكرمي جيلون، ويوفال ديسكين والعشرات من الضباط السابقين الذين يحملون رتبة «لواء».
وعندما رأى هؤلاء أن نتنياهو يكسر كل القوالب ويدير حرباً على مؤسسات الدولة حتى يضمن كرسيه ويحرض الجمهور على هذه المؤسسات، قرروا تشكيل حزب وخوض الانتخابات. فجلبوا إلى الحلبة بيني غانتس، رئيس أركان الجيش الأسبق، ووضعوه على رأس قائمة. وجلبوا عدداً من الشخصيات التي تولت مناصب رفيعة في الحكم. ونزلوا إلى المعركة. وقد كان واضحاً أن حزب الجنرالات هذا «كحول لفان»، إنما يعبر عن مصلحة الدولة العميقة، وفي مقدمتها المؤسسة العسكرية الأمنية. ونقل على لسان نتنياهو قوله مرات عدة إن «هذه محاولة لتنفيذ انقلاب عسكري أبيض ضدي».
ومع أن حزب الجنرالات حقق مكسباً كبيراً في الانتخابات، التي جرت في أبريل (نيسان) 2019؛ إذ حصل على 35 مقعداً، إلا أن نتنياهو أيضاً حصل على عدد كبير من الأصوات وارتفع من 30 إلى 35 مقعداً. وسارع إلى تشكيل ائتلاف مع الأحزاب اليمينية والدينية، فكلفه رئيس الدولة، رؤوبين رفلين، تشكيل حكومة. وفشل نتنياهو في المهمة، لكنه وبدلاً من إعادة كتاب التكليف للرئيس لجأ إلى حل الكنيست، وكانت هذه أول مرة يقدم فيها رئيس حكومة مكلف بهذا الالتفاف على الرئيس.
وفي انتخابات سبتمبر (أيلول) الأخير، خاض نتنياهو المعركة بضم حزب وزير المالية، موشيه كحلون، إليه (4 مقاعد) وكذلك حزب موشيه فيغلين اليميني (حصل في الانتخابات السابقة على 111 ألف صوت، أي ما يعادل 3 مقاعد). وكان يتوقع أن يحافظ على قوته ويحصل على 42 مقعداً على الأقل. لكنه بدلاً من ذلك خسر نحو 300 ألف صوت وهبط إلى 32 مقعداً. ولم يستسلم. فهو يعرف أن غيابه عن كرسي رئاسة الحكومة يعني أن يجلس في قفص الاتهام، كخطوة أولى نحو القبوع في السجن. فشل في تشكيل الحكومة فراح يخرب على جهود غانتس وتمكن من إفشاله. وقاد إسرائيل لانتخابات ثالثة، ستجري في 2 مارس (آذار) من السنة المقبلة.
وبهذا، ضمن نتنياهو أن يبقى رئيس حكومة أشهراً عدة تجعله في موقع يتحكم من خلاله في الإجراءات القضائية ويجهضها. والخوف الأكبر هو أن يقدم نتنياهو على خطوات بعيدة المدى تبقيه في الحكم، من خلال مغامرة حربية أو أكثر. فهو يرفق حملاته الانتخابية بحملات تهديد وتصعيد حربي ضد إيران، ليس في سوريا وحسب؛ إذ إنه يهدد العراق واليمن. ويهدد «حزب الله» في لبنان و«حماس» في قطاع غزة. وهذه قوى تدير سياسة تتيح لنتنياهو أن يستغل خطابها السياسي وممارساتها العسكرية للدفع نحو الاشتباك معها. ومع أن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية تحاول الامتناع ن حرب تحت قيادة نتنياهو؛ خوفاً من أن يستغلها لأغراضه الحزبية والشخصية، إلا أن التاريخ دل على أن دينامية التدهور إلى حرب يمكن أن تكون أقوى. وتجر إلى حرب غير مرغوبة، كما حصل مرات عدة في العقود الأخيرة.


مقالات ذات صلة

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

حصاد الأسبوع Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

سطرت نيتومبو ناندي ندايتواه، 72 عاماً، اسمها في التاريخ بوصفها أول امرأة تتولى رئاسة ناميبيا منذ استقلال البلاد عام 1990، بعدما حصدت 57 في المائة من الأصوات في

فتحية الدخاخني ( القاهرة)
رياضة سعودية السعودية تستمر في تشكيل خريطة مختلف الرياضات العالمية بتنظيم واستضافات غير مسبوقة (الشرق الأوسط)

السعودية ستُشكل خريطة الرياضة العالمية في 2025

شارف عام حافل بالأحداث الرياضية بما في ذلك الألعاب الأولمبية التي حظيت بإشادة واسعة وأربع بطولات قارية لكرة القدم على الانتهاء ومن المتوقع أن يكون عام 2025 أقل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
حصاد الأسبوع فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

بعد 9 أيام من سقوط الحكومة الفرنسية بقيادة ميشال بارنييه في اقتراع لحجب الثقة، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فرنسوا بايرو، زعيم رئيس حزب الوسط (الموديم)،

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع خافيير ميلي (أ.ب)

خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

في المشهد الشعبوي واليميني المتطرف، المتنامي منذ سنوات، يشكّل الصعود الصاعق لخافيير ميلي إلى سدّة الرئاسة في الأرجنتين، حالة مميّزة، لا بل فريدة، من حيث الأفكار

شوقي الريّس (مدريد)

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.