معركة انتخابات لسنة كاملة في إسرائيل

مخاوف من «دينامية تدهور حربي لا يرغب فيه أحد»

فلسطيني يمر بدراجته قرب ملصقات لحملات انتخابية لرئيس الوزراء الإسرائيلي  بنيامين نتنياهو مع الناشط السياسي اليميني الإسرائيلي إيتمار بن غفير في مدينة أريحا في سبتمبر الماضي (أ.ف.ب)
فلسطيني يمر بدراجته قرب ملصقات لحملات انتخابية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع الناشط السياسي اليميني الإسرائيلي إيتمار بن غفير في مدينة أريحا في سبتمبر الماضي (أ.ف.ب)
TT

معركة انتخابات لسنة كاملة في إسرائيل

فلسطيني يمر بدراجته قرب ملصقات لحملات انتخابية لرئيس الوزراء الإسرائيلي  بنيامين نتنياهو مع الناشط السياسي اليميني الإسرائيلي إيتمار بن غفير في مدينة أريحا في سبتمبر الماضي (أ.ف.ب)
فلسطيني يمر بدراجته قرب ملصقات لحملات انتخابية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع الناشط السياسي اليميني الإسرائيلي إيتمار بن غفير في مدينة أريحا في سبتمبر الماضي (أ.ف.ب)

عندما احتفلت إسرائيل، السنة الماضية، بالذكرى السنوية السبعين لتأسيسها، وعرضت صورة مضخمة لمنجزاتها في مجال العسكرة وتطوير السلاح والتكنولوجيا العالية والازدهار الاقتصادي والإعمار والتقدم الزراعي، وطرحت أفكاراً طموحة أكثر للمراحل المقبلة، لم يتوقع أحد فيها أن تتحول السنة الأولى في عقدها الثامن سنة معارك انتخابية لا تنتهي ولا تسفر عن انتخاب قيادة.
ولأول مرة في تاريخها، تولت زمام قيادتها حكومة انتقالية مؤقتة، ستستمر لأكثر من سنة. ولم يتصور أحد أن يقرر رئيس حكومتها، صاحب أطول فترة حكم فيها، سينتهي إلى المثول في قفص الاتهام لمحاكمته بثلاث قضايا فساد خطيرة. وأنه بدلاً من أن يخجل من وضعيته ويستقيل حتى تأخذ العدالة مجراها، سيختار التشبث بكرسي الحكم بأي ثمن. ويهاجم الشرطة والنيابة والقضاء وكل مؤسسات سلطة القانون والنظام ويجر إسرائيل من معركة انتخابية لأخرى، تكلفة كل واحدة منها نحو مليار دولار. وقد وصلنا إلى المعركة الثالثة، وقبل أن تختم بثلاثة أشهر، يقول الإسرائيليون إنهم يخشون من الاضطرار إلى التوجه لمعركة انتخابات رابعة؛ لأن رئيس حكومتها المتهم يستطيع بهذه الطريقة فقط ضمان البقاء في كرسيه لحقبة زمنية أخرى.
فقد استهلت سنة 2019 بقرار مفاجئ من نتنياهو تبكير موعد الانتخابات بستة أشهر. وجاء ذلك رداً على قرار المستشار القضائي للحكومة، أبيحاي مندلبليت، نشر كتاب شبهات ضده في ثلاث قضايا فساد. سلك بذلك الطريق التقليدية، «الهجوم هو أفضل السبل للدفاع». والهجوم على من؟ على الشخصيات التي عيّنها بنفسه في المناصب الرفيعة: على روني الشيخ، أحد قادة الشاباك (جهاز المخابرات العامة)، الذي فرضه على الشرطة مفتشاً عاماً، ووعده بأن يعينه بعد ثلاث سنوات رئيساً للشاباك. فقد توقع منه أن يوقف التحقيقات ضده. وحاول ذلك بكل قوته، لكن الاتهامات كانت دامغة فلم يستطع. وشن هجوماً على شاي نتسان، رئيس النيابة العامة، الذي حصل معه الأمر نفسه. ولم يستطع إنقاذ نتنياهو من لوائح الاتهام. وأما المستشار مندلبليت، فقد كان سكرتيراً مخلصاً لحكومة نتنياهو. فعيّنه في منصب المستشار، الذي يعتبر آخر محطة في المؤسسة القضائية وصاحب القرار الحاسم بمحاكمته. وتردد الرجل طويلاً وراح يماطل وألغى الشبهات الصارخة ضد نتنياهو في قضية اقتناء غواصات من ألمانيا، على عكس رأي الجيش ووزارة الدفاع. وخفف من بنود الاتهام. لكنه لم يسلم من غضب نتنياهو وثلته. فاعتبروه خائناً.
في تلك الأيام، كان أقطاب «الدولة العميقة» في إسرائيل قد وصلوا إلى قناعة بأن نتنياهو يلحق ضرراً بالمصالح الاستراتيجية للدولة. وخرج مجموعة من الجنرالات السابقين في الجيش والمخابرات يصرحون بذلك بصوت عال وبكلمات حادة. وكان في مقدمتهم مجموعة من رؤساء أركان الجيش السابقين، إيهود باراك، الذي شغل منصب وزير الدفاع ورئيس الحكومة أيضاً، ودان حالوتس وشاؤول موفاز وجابي اشكنازي وموشيه يعلون. وكذلك رؤساء الشرطة والمخابرات الداخلية «شاباك» والخارجية «الموساد» والعسكرية «أمان»، اساف حيفتس، ومئير دجان، وشبتاي شبيط، ويعقوب بيري، وكرمي جيلون، ويوفال ديسكين والعشرات من الضباط السابقين الذين يحملون رتبة «لواء».
وعندما رأى هؤلاء أن نتنياهو يكسر كل القوالب ويدير حرباً على مؤسسات الدولة حتى يضمن كرسيه ويحرض الجمهور على هذه المؤسسات، قرروا تشكيل حزب وخوض الانتخابات. فجلبوا إلى الحلبة بيني غانتس، رئيس أركان الجيش الأسبق، ووضعوه على رأس قائمة. وجلبوا عدداً من الشخصيات التي تولت مناصب رفيعة في الحكم. ونزلوا إلى المعركة. وقد كان واضحاً أن حزب الجنرالات هذا «كحول لفان»، إنما يعبر عن مصلحة الدولة العميقة، وفي مقدمتها المؤسسة العسكرية الأمنية. ونقل على لسان نتنياهو قوله مرات عدة إن «هذه محاولة لتنفيذ انقلاب عسكري أبيض ضدي».
ومع أن حزب الجنرالات حقق مكسباً كبيراً في الانتخابات، التي جرت في أبريل (نيسان) 2019؛ إذ حصل على 35 مقعداً، إلا أن نتنياهو أيضاً حصل على عدد كبير من الأصوات وارتفع من 30 إلى 35 مقعداً. وسارع إلى تشكيل ائتلاف مع الأحزاب اليمينية والدينية، فكلفه رئيس الدولة، رؤوبين رفلين، تشكيل حكومة. وفشل نتنياهو في المهمة، لكنه وبدلاً من إعادة كتاب التكليف للرئيس لجأ إلى حل الكنيست، وكانت هذه أول مرة يقدم فيها رئيس حكومة مكلف بهذا الالتفاف على الرئيس.
وفي انتخابات سبتمبر (أيلول) الأخير، خاض نتنياهو المعركة بضم حزب وزير المالية، موشيه كحلون، إليه (4 مقاعد) وكذلك حزب موشيه فيغلين اليميني (حصل في الانتخابات السابقة على 111 ألف صوت، أي ما يعادل 3 مقاعد). وكان يتوقع أن يحافظ على قوته ويحصل على 42 مقعداً على الأقل. لكنه بدلاً من ذلك خسر نحو 300 ألف صوت وهبط إلى 32 مقعداً. ولم يستسلم. فهو يعرف أن غيابه عن كرسي رئاسة الحكومة يعني أن يجلس في قفص الاتهام، كخطوة أولى نحو القبوع في السجن. فشل في تشكيل الحكومة فراح يخرب على جهود غانتس وتمكن من إفشاله. وقاد إسرائيل لانتخابات ثالثة، ستجري في 2 مارس (آذار) من السنة المقبلة.
وبهذا، ضمن نتنياهو أن يبقى رئيس حكومة أشهراً عدة تجعله في موقع يتحكم من خلاله في الإجراءات القضائية ويجهضها. والخوف الأكبر هو أن يقدم نتنياهو على خطوات بعيدة المدى تبقيه في الحكم، من خلال مغامرة حربية أو أكثر. فهو يرفق حملاته الانتخابية بحملات تهديد وتصعيد حربي ضد إيران، ليس في سوريا وحسب؛ إذ إنه يهدد العراق واليمن. ويهدد «حزب الله» في لبنان و«حماس» في قطاع غزة. وهذه قوى تدير سياسة تتيح لنتنياهو أن يستغل خطابها السياسي وممارساتها العسكرية للدفع نحو الاشتباك معها. ومع أن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية تحاول الامتناع ن حرب تحت قيادة نتنياهو؛ خوفاً من أن يستغلها لأغراضه الحزبية والشخصية، إلا أن التاريخ دل على أن دينامية التدهور إلى حرب يمكن أن تكون أقوى. وتجر إلى حرب غير مرغوبة، كما حصل مرات عدة في العقود الأخيرة.


مقالات ذات صلة

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

حصاد الأسبوع Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

سطرت نيتومبو ناندي ندايتواه، 72 عاماً، اسمها في التاريخ بوصفها أول امرأة تتولى رئاسة ناميبيا منذ استقلال البلاد عام 1990، بعدما حصدت 57 في المائة من الأصوات في

فتحية الدخاخني ( القاهرة)
رياضة سعودية السعودية تستمر في تشكيل خريطة مختلف الرياضات العالمية بتنظيم واستضافات غير مسبوقة (الشرق الأوسط)

السعودية ستُشكل خريطة الرياضة العالمية في 2025

شارف عام حافل بالأحداث الرياضية بما في ذلك الألعاب الأولمبية التي حظيت بإشادة واسعة وأربع بطولات قارية لكرة القدم على الانتهاء ومن المتوقع أن يكون عام 2025 أقل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
حصاد الأسبوع فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

بعد 9 أيام من سقوط الحكومة الفرنسية بقيادة ميشال بارنييه في اقتراع لحجب الثقة، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فرنسوا بايرو، زعيم رئيس حزب الوسط (الموديم)،

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع خافيير ميلي (أ.ب)

خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

في المشهد الشعبوي واليميني المتطرف، المتنامي منذ سنوات، يشكّل الصعود الصاعق لخافيير ميلي إلى سدّة الرئاسة في الأرجنتين، حالة مميّزة، لا بل فريدة، من حيث الأفكار

شوقي الريّس (مدريد)

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

تشون دو - هوان (رويترز)
تشون دو - هوان (رويترز)
TT

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

تشون دو - هوان (رويترز)
تشون دو - هوان (رويترز)

سينغمان ري (الصورة الرئاسية الرسمية)

إلى جانب يون سوك - يول، فإن أربعة من رؤساء كوريا الجنوبية السبعة إما قد عُزلوا أو سُجنوا بتهمة الفساد منذ انتقال البلاد إلى الديمقراطية في أواخر الثمانينات.

وفي سلسلة من التاريخ المظلم لقادة البلاد، عزل البرلمان الرئيسة بارك غيون - هاي، التي كانت أول امرأة تتولى منصب الرئاسة الكورية الجنوبية، ثم سُجنت في وقت لاحق من عام 2016. ولقد واجهت بارك، التي هي ابنة الديكتاتور السابق بارك تشونغ - هي، اتهامات بقبول أو طلب عشرات الملايين من الدولارات من مجموعات اقتصادية وصناعية كبرى.

وفي الحالات الأخرى، انتحر روه مو - هيون، الذي تولى الرئاسة في الفترة من 2003 إلى 2008، بصورة مأساوية في مايو (أيار) 2009 عندما قفز من منحدر صخري بينما كان قيد التحقيق بتهمة تلقي رشوة، بلغت في مجموعها 6 ملايين دولار، ذهبت إلى زوجته وأقاربه.

وعلى نحو مماثل، حُكم على الرئيس السابق لي ميونغ - باك بالسجن 15 سنة في أكتوبر (تشرين الأول) 2018 بتهمة الفساد. ومع ذلك، اختُصرت فترة سجنه عندما تلقى عفواً من الرئيس الحالي يون سوك - يول في ديسمبر (كانون الأول) عام 2022.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ أدين تشون دو - هوان، الرجل العسكري القوي والسيئ السمعة، الملقّب بـ«جزار غوانغجو»، وتلميذه الرئيس نوه تاي - وو، بتهمة الخيانة لدوريهما في انقلاب عام 1979، وحُكم عليهما بالسجن لأكثر من 20 سنة، ومع ذلك، صدر عفو عنهما في وقت لاحق.

بارك غيون- هاي (رويترز)

الأحكام العرفية

باعتبار اقتصاد كوريا الجنوبية، رابع أكبر اقتصاد في آسيا، وكون البلاد «البلد الجار» المتاخم لكوريا الشمالية المسلحة نووياً، تأثرت كوريا الجنوبية بفترات تاريخية من الحكم العسكري والاضطرابات السياسية، مع انتقال الدولة إلى نظام ديمقراطي حقيقي عام 1987.

والواقع، رغم وجود المؤسسات الديمقراطية، استمرت التوترات السياسية في البلاد، بدءاً من تأسيسها بعد نيل الاستقلال عن الاستعمار الياباني عام 1948. كذلك منذ تأسيسها، شهدت كوريا الجنوبية العديد من الصدامات السياسية - الأمنية التي أُعلن خلالها فرض الأحكام العرفية، بما في ذلك حلقة محورية عام 1980 خلّفت عشرات القتلى.

وهنا يشرح الصحافي الهندي شيخار غوبتا، رئيس تحرير صحيفة «ذا برنت»، مواجهات البلاد مع الانقلابات العسكرية وملاحقات الرؤساء، بالقول: «إجمالاً، أعلنت الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية 16 مرة على الأقل. وكان أول مرسوم بالأحكام العرفية قد أصدره عام 1948 الرئيس (آنذاك) سينغمان ري، إثر مواجهة القوات الحكومية تمرداً عسكرياً بقيادة الشيوعيين. ثم فرض ري، الذي تولى الرئاسة لمدة 12 سنة، الأحكام العرفية مرة أخرى في عام 1952».

مع ذلك، كان تشون دو - هوان آخر «ديكتاتور» حكم كوريا الجنوبية. وتشون عسكري برتبة جنرال قفز إلى السلطة في انقلاب إثر اغتيال الرئيس بارك تشونغ - هي عام 1979، وكان بارك جنرالاً سابقاً أعلن أيضاً الأحكام العرفية أثناء وجوده في السلطة لقمع المعارضة حتى لا تنتقل البلاد رسمياً إلى الديمقراطية. نيودلهي: «الشرق الأوسط»