ليبيا: قطار السياسة لم يصل بعد... والحرب تمضي بلا حسم

ليبيون يعاينون آثار دمار خلفته غارة جوية على طرابلس في 14 أكتوبر أسفرت عن مقتل 3 أطفال (أ.ف.ب)
ليبيون يعاينون آثار دمار خلفته غارة جوية على طرابلس في 14 أكتوبر أسفرت عن مقتل 3 أطفال (أ.ف.ب)
TT

ليبيا: قطار السياسة لم يصل بعد... والحرب تمضي بلا حسم

ليبيون يعاينون آثار دمار خلفته غارة جوية على طرابلس في 14 أكتوبر أسفرت عن مقتل 3 أطفال (أ.ف.ب)
ليبيون يعاينون آثار دمار خلفته غارة جوية على طرابلس في 14 أكتوبر أسفرت عن مقتل 3 أطفال (أ.ف.ب)

طوت الحرب على العاصمة الليبية طرابلس قرابة تسعة أشهر من عام 2019 الذي شهد معارك دامية بين «الجيش الوطني» وقوات «الوفاق»، التي تساندها ميليشيات مسلحة، دون حسم المعركة، أو إحداث تغييرات جذرية على الأرض، باستثناء ما رأى مراقبون أنه «بعض خطوات إلى الأمام» لصالح الطرف الأول. وتواكبت هذه الأحداث مع دخول واشنطن على خط المواجهة مع موسكو، في تحرك اعتبرت أطراف سياسية وبرلمانية في حديثها إلى «الشرق الأوسط» أنه «قد يقلب موازين القوى»، في وقت لا تزال فيه القوى الدولية تتصارع فيما بينها على مساحات النفوذ، ما يشير إلى أن قطار السياسة لن يصل الآن لمحطة استقرار أو تسوية في ليبيا.
ومنذ أن أمر القائد العام للجيش الوطني، المشير خليفة حفتر، بشن عملية عسكرية على طرابلس، في الرابع من أبريل (نيسان) 2019 لـ«تحريرها» من «الجماعات الإرهابية والمسلحة»، سُفكت دماء كثيرة بفعل آلة الحرب بين الجانبين، في محاولة للوصول إمّا إلى قلب العاصمة، وإما «منعها من السقوط».
وأمام هذه المحاولات، يكثف كل طرف من ضرباته. لكن العميد خالد المحجوب، مدير إدارة التوجيه المعنوي بـ«الجيش الوطني»، رجح لـ«الشرق الأوسط» «قرب زوال»، ما أطلق عليه «دولة الميليشيات، القابضة على رقبة العاصمة منذ ثماني سنوات وأكثر»، وتوعد بـ«دحرها أينما وجدت»، وقال إن «الأمور تحت السيطرة، وأيام الميليشيات باتت معدودة».
وبموازاة تصاعد وتيرة الحرب، وتراكم أعداد القتلى والجرحى، وارتفاع معدلات النزوح، سعت البعثة الأممية، بقيادة الدكتور غسان سلامة، مبكراً لفرملة عجلة الاقتتال، لكنها كانت قد مضت سريعاً، في ظل تلكؤ القوى الكبرى في مجلس الأمن الدولي في حسم أمرها، فضلاً عن تمكن كل فريق من حشد قواته وعتاده على خطوط المواجهة المستعرة.
ورأت قوى سياسية، داعمة للعملية العسكرية، أن «الفرصة كانت مواتية أمام المجلس الرئاسي وحكومته، منذ أن هيمن على العاصمة، لإحداث إصلاحات حقيقية، ومحاربة الفساد. لكنه سقط رهينة في قبضة الميليشيات المسلحة، التي تغوّلت في أوصال المؤسسات الحكومية، والمصرفية وأمعنت فيها فساداً». لكن قوى سياسية موالية لحكومة «الوفاق» ترى أن العاصمة «تم الاعتداء عليها من (قوات شرق البلاد)، ما يستوجب الذود عنها بكل الإمكانيات».
في الأثناء، كانت نيران الحرب قد استعرت وتشعبت، ووفق تقرير أصدرته «اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان» في ليبيا، فإن حصيلة ضحايا الاشتباكات الدائرة بمحيط العاصمة طرابلس، سجلت منذ انطلاقها، وقرب نهاية 2019 نحو 2759 قتيلا، من بينهم (142 مدنياً، و23 عنصراً طبياً، و38 سيدة، و48 طفلاً)، فضلاً عن إصابة 8169 شخصاً بجروح تتراوح بين البسيطة والمتوسطة، ونوهت اللجنة الحقوقية بأن الإحصاءات مستندة إلى المعلومات الواردة من مستشفيات عدة منها: (غريان العام، والمستشفى الميداني قصر بن غشير، والسبيعة، ومصراتة العام، والزهراء، وترهونة العام، وشارع الزاوية، والمشفى الميداني طريق المطار، وأبو سليم، والخضراء، والمشفى الميداني تاجوراء).
شروط حفتر
وحول تطور الأوضاع الميدانية في طرابلس، قال العميد المحجوب لـ«الشرق الأوسط» إن «القائد العام المشير خليفة حفتر يتابع بنفسه العمليات العسكرية، والأمور تحت السيطرة، والجيش بات على مقربة من تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة الغربية»، ورأى أن القوات المسلحة «بدأت تبسط سيطرتها في أكثر من اتجاه، حيث توجهت للجنوب، وحاصرت بعض البؤر هناك، وتم ضرب أولها، وهي مجموعة ما يعرف بحسن موسى، التي سبق أن هاجمت حقل الفيل النفطي، وهي تمتهن تهريب المرتزقة، لكن تم القضاء على أميرها ومجموعة منهم، وتدمير عدد كبير من آلياتهم».
واعتبر المحجوب أن «الجيش الوطني» عبر هذه العمليات يكون قد «قطع الطريق على تهريب المرتزقة إلى المنطقة الغربية، وخصوصاً طرابلس».
ورسم المحجوب صورة للعمليات الحربية الدائرة في طرابلس، بقوله إن «الميليشيات تقهقرت، بعدما أحكمت قوات الجيش قبضتها، وباتت على تخوم الهضبة، وهو آخر خط يفصل الهضبة عن منطقة صلاح الدين، كما تم السيطرة على منطقة الهيرة، الشريان الرئيسي لمنطقة غريان، التي لم تعد لها أي قيمة ميدانية تعبوية، وهي المدينة التي دخلتها الميليشيات، واعتقدت أنها حققت إنجازاً، فإذا بها تورطت في خط أصبح مفصولاً عن بقية المجموعات الميليشياوية».
وكان حفتر قد رهن وقف إطلاق النار في طرابلس بتوفير شروط الحوار، إذ أعلن في سبتمبر (أيلول) الماضي، للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب، تأكيده على دعم العملية السياسية في ليبيا، ونقل عنه الناطق باسم القيادة العامة اللواء أحمد المسماري أنه «لا بد في نهاية المطاف من حوار وطني شامل، ولا بد من عملية سياسية». لكنه رأى أن «الحوار الضامن لوحدة ليبيا وسيادتها لا مجال أمامه، طالما بقيت المجموعات الإرهابية والإجرامية المسلحة تسيطر على مقاليد ومناحي الحياة في العاصمة طرابلس».
إعلان حفتر، الذي استبق به الاجتماع الوزاري حول ليبيا، الذي عقد على هامش اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة في السادس والعشرين من نفس الشهر، لم يلتفت فيه إلى مبادرة سابقة أطلقها غريمه فائز السراج، رئيس المجلس الرئاسي، تحدث فيها عن عقد ملتقى لمناقشة خريطة طريق للمرحلة القادمة، وإقرار قاعدة دستورية مناسبة لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية متزامنة، قبل نهاية 2019.
بدوره، رأى عضو مجلس النواب محمد بشير الفيرس «أنه لم تعد هناك فرصة للعودة ثانية إلى طاولة التفاوض لأسباب، من بينها تخبط السراج»، وذهب إلى أن «(الجيش الوطني) حقق مكاسب كبيرة على الأرض لا يستهان بها... فقد بدأ يقترب تدريجياً من قلب العاصمة، حتى أصبح هدف الميليشيات الآن، ليس صد العدوان كما تزعم، بل المحافظة على مواقعها».
وعدّد الفيرس، الذي شغل منصب رئيس دائرة قضائية بمحكمة استئناف طرابلس، في حديثه إلى «الشرق الأوسط» جانبا مما تحقق للجيش بقوله: «لقد تم استنزاف ما يقارب 70 في المائة من قوات الميليشيات، وفقدانها لأغلب قادتها الميدانيين»، فضلاً عن «التحام المناطق الغربية، مثل صبراتة والعجيلات وصرمان بالقوات المسلحة، وأعقب ذلك افتتاح فروع لديوان الحكومة المؤقتة هناك».
وقال الفيرس إن المجلس الرئاسي «تشتت وأصبح يفتقد القدرة على إدارة المعركة... وهذا واضح من تصريحاته وتخبطه السياسي»، فضلاً عن أن «القوات الجوية باتت تسيطر بشكل كامل على أجواء العاصمة، وهذا ما أربكهم. كما أن الزخم الشعبي الذي تحظى به القوات المسلحة يتزايد يوماً بعد يوم».
من جانبه، قال النائب البرلماني الصالحين عبد النبي، معلقا على الموقف التركي من دعم «الوفاق»: «إننا في انتظار تحرير قريب للعاصمة، عندما يبسط جيشنا السيطرة على طرابلس، وتعود لحضن الوطن خالية من الميليشيات والإرهاب».
في مقابل ذلك، فإن التصريحات والبيانات اليومية لعملية «بركان الغضب»، التابعة لقوات «الوفاق»، تشير في مجملها إلى انتصارات على «العدو»، وتتحدث دائماً عن تكبيده «خسائر فادحة في القوات والعتاد». كما تتهم «الوفاق» السلاح الجوي التابع للقيادة العامة باستهداف المدنيين والمناطق السكانية المكتظة، وسيارات الإسعاف، وهي الاتهامات التي ينفيها المسماري في مؤتمراته الصحافية.
صراعات القوى الكبرى
جزء من أصداء المعركة المُستعرة بالضواحي الجنوبية لطرابلس، انعكس بشكل لافت على توجهات القوى العظمى في مجلس الأمن الدولي، إذ جاءت جميع جلساته حول ليبيا محكومة بأجندات خاصة، ومصالح ذاتية، وبالتالي لم تتمكن من فرملة آلة الحرب، وبدا ذلك مبكراً في معارضة الولايات المتحدة وروسيا مشروع قرار بريطاني، يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في طرابلس. غير أن الموقف الأميركي تغير حالياً على الأرض، وذلك في تناقض واضح لم يفسره إلاّ انزعاج واشنطن من الوجود الروسي في ليبيا، فاضطرت للإعلان عن موقف مغاير لتقطع الطريق أمام التوسع المستقبلي للنفوذ الروسي في البلد الغني بالنفط.
وعكس التلاسن المبدئي بين مسؤولين من واشنطن وموسكو حول ليبيا، جانبا من الصراع على ما هو قادم، إذ اتهمت وزارة الخارجية الأميركية روسيا بـ«استغلال النزاع في ليبيا لتحقيق مكاسب خاصة، وذلك من خلال نشر شركات عسكرية خاصة هناك»، في إشارة على ما يبدو إلى «الفاغنر» الروسية. لكن المتحدث باسم الكرملين ديميتري بيسكوف نفى ذلك بقوة، وقال بهذا الخصوص: «هذه أخبار زائفة لا أساس لها من الصحة»، وزاد من توجيه انتقادات مبطنة إلى أميركا دون تسميتها بقوله: «لا يحق للكثير من الدول من الناحية الأخلاقية الحديث عن زعزعة استقرار الوضع في ليبيا، بعد أن دمروها بأفعالهم التي تنتهك القانون الدولي».
وأعلنت قوات حكومة «الوفاق» أنها قتلت عدداً من «المرتزقة»، وأسرت آخرين من شركة روسية تعمل لصالح قوات حفتر، يعتقد أنهم يتبعون ليفغيني بريغوزين، حليف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وكانوا يجهزون لعملية عسكرية ضد العاصمة طرابلس. لكن نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف نفى ذلك، وقال إن بلاده «تعمل بما يخدم مصالح عملية السلام في ليبيا».
غير أن واشنطن مضت في تحذيرها على لسان ديفيد شينكر، مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى، من أن روسيا تستغل الصراع على حساب الشعب الليبي، من خلال نشرها عسكريين نظاميين بأعداد لافتة هناك.
تحذير شينكر جاء بعد أيام من اجتماع وفد أميركي رفيع المستوى بحفتر في مقر إقامته بمدينة الرجمة، شرق البلاد، تناول سبل «وقف الأعمال القتالية، وإيجاد حل سياسي للصراع الليبي».
سماء ليبيا وبحرها
ومع «اقتراب الحرب على طرابلس من نهايتها»، بحسب تقدير العميد المحجوب، باتت سماء ليبيا ساحة مفتوحة للطائرات الأجنبية، وسط تخوفات من انتقال صراعات مجلس الأمن إلى سماء البلاد لمنع توسيع النفوذ، وذلك عقب الإعلان عن اختفاء طائرتين «من دون طيار» فوق ليبيا؛ وفي هذا السياق قالت القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا (أفريكوم)، إن الطائرة غير المسلحة «فقدت فوق طرابلس»، مبرزة أن «هناك تحقيقاً جارياً بشأن هذه الحادثة»، التي لم يتم تقديم مزيد من التفاصيل حولها.
وسبق سقوط الطائرة الأميركية، طائرة إيطالية مسيرة من طراز MQ - 9 بريداتور قرب العاصمة الليبية طرابلس، وسارعت هيئة الأركان الإيطالية إلى نفي أن تكون الطائرة المسيرة التي أسقطت فوق منطقة سوق الأحد بترهونة «هجومية»، مشددة على أنها كانت «تقوم بمهمة لدعم عملية البحر الآمن لإنقاذ المهاجرين في البحر المتوسط».
وبموازاة الحادثين، أعلنت القيادة العامة لـ«الجيش الوطني» فرض حظر جوي فوق منطقة العمليات العسكرية بطرابلس وحولها، وأرجعت ذلك إلى «تطور العمليات العسكرية، وتقدم قواتنا نحو العاصمة».
وحذر المسماري الناطق باسم الجيش الوطني مصلحة الطيران المدني الليبية، وكافة شركات خطوط النقل الجوي، وكل مستخدمي المجال الجوي الليبي من خرق الحظر، ودخول المنطقة المحددة دون تنسيق مسبق مع القيادة العامة، والحصول على إذن من القائد العام، حتى لا يتعرضوا لأي خطر أو أي أضرار»، وهي منطقة المايا ومصنع القماس، والكلية العسكرية بنات، ومزرعة النعام وغرب منطقة القربولي، ومنحى الطريق ومفترق الطرق.
دخول تركيا على خط الأزمة
أمام تضييق الجيش الخناق على قوات «الوفاق» والميليشيات المسلحة، اتجه السراج لتعزيز صلته بأنقرة، حيث وقع اتفاقات بحرية وأمنية مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، وهو ما منح تركيا، ولو شكلياً، نفوذاً في البحر المتوسط، فيما رآه البعض مقايضة عسكرية من جانب الأخيرة لحكومة «الوفاق»، مقابل الإذعان والتوقيع على الاتفاقية البحرية، التي كانت تحضر لها منذ سنوات.
وقال حاتم العريبي، الناطق باسم الحكومة المؤقتة في مدينة البيضاء، إن هناك «تلاعباً بالمصطلحات في الاتفاقية التي أبرمت بين تركيا وحكومة السراج، بين أن تكون اتفاقية أو مذكرة تفاهم، وذهب في تصريحات صحافية إلى أن «الاتفاقية غير قانونية، وتمس السيادة الليبية».
وعلى أثر ذلك توجه «مجمع ليبيا للدراسات المتقدمة»، الذي يترأسه سفير ليبيا السابق في دولة الإمارات، عارف النايض، برسالة عاجلة إلى المبعوث الأممي، وطالب البعثة بـ«التدخل ووقف هذا العمل لكون المجلس الرئاسي غير منتخب، ولم يختره جسم منتخب، وبالتالي فإنه لا يمثل إرادة الشعب الليبي»، وذكر بـ«فشله في نيل ثقة مجلس النواب مرتين».
كما اتهم عضو مجلس النواب علي التكبالي المجلس الرئاسي بأنه «أصبح ألعوبة في يد تركيا»، وقال في تصريح صحافي إن «الغرض من وراء توقيع تركيا اتفاقية مع السراج، هو إثبات أنها موجودة ومهمة، ولن تسمح لأي دولة بالاستحواذ على الثروات في ليبيا دون حسابها».
ما بعد «محطة» برلين
وفي وقت يجمع العام أوراقه استعداداً للرحيل، كانت القوى الدولية لا تزال تجمّع هي الأخرى صفوفها بعد قرابة 9 أشهر من الحرب الطاحنة، للالتقاء ثانية على طاولة مباحثات، في محاولة جديدة لإيجاد صيغة توافق على الأقل في مجلس الأمن. في حين هناك سياسيون ونواب، ومنهم محمد الفيرس، يرون صعوبة التئام مؤتمر برلين، باعتبار أن «الدول الداعمة لـ(الجيش الوطني) تدرك قرب سيطرته على العاصمة، وبالتالي ستختلق الأعذار لإفشاله، من جهة، وستقر مع ذلك إبعاد إيطاليا وتركيا وقطر من المشهد الليبي من جهة ثانية».
وينظر سياسيون ليبيون إلى قرار عدم تمثيل بلادهم في مؤتمر برلين بأنه «نوع من الوصاية الدولية المرفوضة»، علما بأن سلامة صرح بأن المؤتمر يستهدف «ترميم موقف الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن من الأزمة»، مبرزا أن المدنيين في ليبيا «ضحايا عقم مجلس الأمن، وتضارب المصالح بين الدول الدائمة العضوية فيه».
ووعد سلامة بأنه «بناء على ما يتم التوصل إليه في مؤتمر برلين، فإنه سيتم العمل على عقد مصالحة بين الليبيين أنفسهم، وقد يشمل ذلك عقد مؤتمر ليبي... لكن الأهم حالياً هو توحيد الموقف الدولي».


مقالات ذات صلة

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

حصاد الأسبوع شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت

فاضل النشمي (بغداد)
حصاد الأسبوع ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

رجل واحد حمله المستشار الألماني أولاف شولتس مسؤولية انهيار حكومته، وما نتج عن ذلك من فوضى سياسية دخلت فيها ألمانيا بينما هي بأمس الحاجة للاستقرار وتهدئة

راغدة بهنام ( برلين)
حصاد الأسبوع شيل

ألمانيا... الحزب الديمقراطي الحر «شريك الحكم» شبه الدائم

مع أن «الحزب الديمقراطي الحر»، الذي يعرف في ألمانيا بـ«الحزب الليبرالي»، حزب صغير نسبياً، مقارنةً بالقطبين الكبيرين «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (المحافظ)

«الشرق الأوسط» (برلين)
حصاد الأسبوع لقاء ترمب وبوتين على هامش "قمة العشرين" عام 2017 (آ ف ب)

موسكو تترقّب إدارة ترمب... وتركيزها على سوريا والعلاقة مع إيران

لم تُخفِ موسكو ارتياحها للهزيمة القاسية التي مُنيت بها الإدارة الديمقراطية في الولايات المتحدة. إذ في عهد الرئيس جو بايدن تدهورت العلاقات بين البلدين إلى أسوأ

رائد جبر (موسكو)
حصاد الأسبوع يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا

عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو»... دبلوماسي يقود «أرض الصومال» في «توقيت مصيري»

حياة مغلفة بـ«هم الاستقلال»، سواءً عن المستعمر القديم في السنوات الأولى، أو تشكيل «الدولة المستقلة» طوال فترتَي الشباب والشيخوخة، لم تثنِ عبد الرحمن محمد عبد

محمد الريس (القاهرة)

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
TT

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين

رجل واحد حمله المستشار الألماني أولاف شولتس مسؤولية انهيار حكومته، وما نتج عن ذلك من فوضى سياسية دخلت فيها ألمانيا بينما هي بأمس الحاجة للاستقرار وتهدئة اقتصادها المتدهور. رجل وصفه المستشار بأنه «أناني»، وشن عليه هجوماً شخصياً نادراً ما يصدر عن شولتس المعروف بتحفظه وهدوئه. ذلك الرجل كان وزير ماليته كريستيان ليندنر، زعيم «الحزب الديمقراطي الحر» الذي كان شريكاً في الحكومة الائتلافية الثلاثية منذ عام 2021، برئاسة «الحزب الديمقراطي الاجتماعي» (الاشتراكي)، ومشاركة حزب «الخضر». ولقد طرده شولتس من الحكومة بعد خلافات حول ميزانية سنة 2025، ما تسبب بخروج الوزراء المتبقين من «الحزب الديمقراطي الحر»، ليبقى المستشار يقود حكومة أقلية حتى إجراء الانتخابات المبكرة في 23 فبراير المقبل. ثم إن شولتس تعرض لانتقادات كثيرة لهجومه الشخصي على ليندنر، خاصة من المستشارة السابقة أنجيلا ميركل التي وصفته بأنه كان «خارجاً عن السيطرة». لكن مع ذلك، فإن الصورة التي رسمها المستشار عن وزيره قد تحمل شيئاً من الواقع؛ إذ خرجت انتقادات من أوساط الديمقراطيين الأحرار لليندنر و«تصرفه بشكل أحادي» في دفع المستشار لإقالته. وقبل ذلك طالته انتقادات بعدما أصبح «الوجه الأوحد» لـ«الحزب الديمقراطي الحر» إبان الانتخابات الماضية عام 2021 وقبلها عام 2017. ولعل الحزب تسامح مع تصرفات ليندنر «الأنانية» تلك لنجاحه بإعادة الحزب إلى الخارطة السياسية بعد انهياره تقريباً عام 2013 وفشله بدخول البرلمان للمرة الأولى في تاريخه. إلا أن مستقبل الرجل الذي أعاد حزبه إلى الحياة... هو نفسه في خطر. فهل يستمر ليندنر بالبناء على تاريخه حتى اليوم للنهوض مجدداً؟

قد يكون كريستيان ليندنر أصغر زعيم انتُخب ليرأس حزبه «الديمقراطي الحر»، عن عمر 34 سنة فقط عام 2013، بيد أنه لم يكن ناجحاً على الدوام. وبعكس حياته السياسية وصعوده السريع إلى القمة، فشل ليندنر في مشاريع أعمال أطلقها عندما كانت السياسة ما زالت هواية بالنسبة إليه. واعترف لاحقاً بإخفاقاته تلك، مستعيناً بعبارة «المشاكل هي مجرد فرص شائكة» لكي يدفع نفسه إلى الأمام.

وبين عامَي 1997 و2001 أسس شركات خاصة مع أصدقاء له، انتهت بالفشل آخرها شركة «موماكس» التي انهارت وأفلست بعد أقل من سنة على إطلاقها.

هذه «الإخفاقات» التي طبعت مغامراته التجارية وهو في مطلع العشرينات قد تكون دفعته للتوجه إلى السياسة بجدية أكبر. وبالفعل، نجح عام 2001 بدخول البرلمان المحلي في ولايته شمال الراين-وستفاليا وهو ابن 21 سنة ليغدو أصغر نائب يدخل برلمان الولاية. ولصغر سنه وقسمات وجهه الخجولة كسب ليندنر آنذاك لقب «بامبي» بين أعضاء الحزب نسبة للغزال الصغير عند «ديزني».

«بامبي» في «البوندستاغ»

في عام 2009، فاز ليندنر بمقعد في البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) ليعود عام 2012 إلى ولايته أميناً عاماً للحزب في الولاية ونائباً محلياً مرة أخرى.

وبعدها ساعدت إخفاقات الديمقراطيين الأحرار في الانتخابات العامة عام 2013 بتسليط الضوء على ليندنر، الشاب الكاريزماتي الطموح الذي وجد فرصة سانحة أمامه للصعود داخل الحزب. ويومذاك فشل الحزب بتخطي عتبة الـ5 في المائة من أصوات الناخبين التي يحددها القانون شرطاً لدخول «البوندتساغ». وعقد أعضاؤه اجتماعاً خاصاً لمناقشة النتائج الكارثية التي لم يسبق للحزب أن سجلها في تاريخه، وانتخب ليندنر، وهو في سن الـ34، زعيماً للحزب مكلفاً بتأهيله وإعادته للحياة... وبذلك بات أصغر زعيم ينتخب لـ«الحزب الديمقراطي الحر».

شاب أنيق وجذّاب

شكّل سن ليندنر وأناقته وشخصيته عاملاً جاذباً للناخبين الشباب خاصة. وقاد حملة مبنية على أساس جذب الشباب ونفض صورة الحزب القديم التقليدي عنه، كما ساعده حضوره على وسائل التواصل الاجتماعي في التواصل مع مستخدميها من الشباب وتقريبهم إلى الحزب.

وغالباً ما نُشرت له صور من حياته الشخصية على «إنستغرام»، منها صورة لإجازة مع فرانكا ليهفيلدت، زوجته الصحافية التي كانت تعمل في قناة «دي فيلت»، ولقد عقدا قرانهما وهو في الحكومة عام 2022 في حفل ضخم وباذخ بجزيرة سيلت حضره عدد كبير من السياسيين. وينتظر الزوجان مولودهما الأول في الربيع المقبل.

للعلم، كان ليندر متزوجاً قبل ذلك من صحافية أخرى كانت نائبة رئيس تحرير «دي فيلت» أيضاً، هي داغمار روزنفلت، التي تكبره سناً ولم ينجبا أطفالاً معاً. لكنهما ظلا متزوجين من 2011 وحتى 2018 عندما أعلن طلاقهما وكشف عن علاقته مع ليهفيلدت.

أيضاً، لا يخفي ليندنر حبه للسيارات السريعة، وكان قال غير مرة قبل دخوله الحكومة مع حزب «الخضر» بأنه يهوى السيارات القديمة ويملك سيارة بورشه قديمة ومعها يملك رخصة للسباقات. وبجانب هذه الهواية يحب اليخوت ويملك رخصة للإبحار الرياضي وأخرى للصيد.

صورة شبابية عصرية

هذه الصورة التي رسمها ليندنر لنفسه، صورة الرجل الأنيق الذي يهتم بمظهره (لدرجة أنه خضع لزرع شعر) ويمارس هوايات عصرية، ساعدته على اجتذاب ناخبين من الشباب خاصة، وجعلته ينجح بإعادة حزبه إلى البرلمان عام 2017 بحصوله على نسبة أصوات قاربت 11 في المائة.

في حينه دخل في مفاوضات لتشكيل حكومة ائتلافية مع المستشارة أنجيلا ميركل التي فاز حزبها بالانتخابات، وكانت تبحث عن شركاء للحكم إثر حصولها على 33 في المائة من الأصوات. وفعلاً، بدأت ميركل مفاوضات مع الديمقراطيين الأحرار و«الخضر»، لكن ليندنر انسحب فجأة من المفاوضات بعد 4 أسابيع، ليعلن: «أفضل عدم الحكم من الحكم بشكل خاطئ».

ليندنر كان يختلف آنذاك مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين قبل سنتين. ويومها واجه الانتقاد لتفويته على حزبه فرصة الحكم، وهي فرصة خشي بعض الحزبيين ألا تُتاح مُجدداً.

ائتلاف مع اليسار

غير أن الفرصة أتيحت مرة أخرى في الانتخابات التالية عام 2021 عندما حقق «الحزب الديمقراطي الحر» نتائج أفضل من الانتخابات السابقة، حاصلاً على نسبة 11.5 في المائة من الأصوات. ومع أن «الحزب الديمقراطي الحر» حزب وسطي ليبرالي يؤيد الحريات الاقتصادية، ويعدّ شريكاً طبيعياً لحزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (يمين معتدل)، قرر ليندنر عام 2021 الدخول في ائتلاف حاكم مع الاشتراكيين و«الخضر»؛ ذلك أن الأخير يعتبر نقيضاً فكرياً للديمقراطيين الأحرار الذين يرون سياساته البيئية مكلفة وكابحة للتقدم الاقتصادي.

وهكذا تسلم ليندنر إحدى أهم الوزرات؛ إذ عُيّن وزيراً للمالية وثاني نائب للمستشار. وحقق بذلك حلمه الذي غالباً ما كرره خلال الحملات الانتخابية بأنه يريد أن يصبح وزيراً للمالية، وحتى إنه عرّف نفسه في إحدى الحملات ممازحاً: «تعرّفوا على وزير ماليتكم المقبل!».

خلفيته العلمية والفكرية

اهتمام ليندنر بالسياسة الاقتصادية ينبع من اهتماماته منذ تخرّجه من الجامعة؛ حيث درس العلوم السياسية ثم القانون والفلسفة في جامعة بون المرموقة (واسمها الرسمي جامعة راينيشه فريدريش - فيلهامز).

ثم إنه لم ينضم فور مغادرته المدرسة للخدمة العسكرية التي كانت إجبارية آنذاك، وأجّلها للدراسة وإكمال مغامراته التجارية، لكنه عاد لاحقاً وانضم إلى جنود الاحتياط ووصل لرتبة رائد. ورغم فشل مغامراته التجارية، بقيت اهتماماته السياسية منصبّة على الجانب المالي، ومن هنا جاء طموحه بأن يصبح وزيراً للمالية في الحكومة الفيدرالية.

وفكرياً، يؤمن ليندنر وحزبه بتقليص الإنفاق العام وخفض الضرائب وفتح الأسواق أمام الشركات الخاصة. ودائماً عارض خططاً عدّها متطرفة يدعمها «الخضر» لاستثمارات أكبر في الطاقة النظيفة بحجة تكلفتها العالية وتأثيرها على الشركات والأعمال. وكانت المفارقة أنه تسلّم حكومة كانت مسؤولة عن تطبيق سياسات تروّج للطاقة البديلة وتزيد من النفقات الاجتماعية وترفع من الضرائب.

هذا الأمر كان صعباً عليه تقبّله. ورغم وجود اتفاق حكومي حدّدت الأحزاب الثلاثة على أساسه العمل خلال السنوات الأربع من عمرها، عانى عمل الحكومات من الخلافات منذ اليوم الأول. وطبعاً لم تساعد الحكومة الأزمات المتتالية التي اضطرت لمواجهتها وكانت لها تأثيرات مباشرة على الاقتصاد، بدءاً بجائحة كوفيد-19 إلى الحرب الأوكرانية.

ولذا كان شولتس غالباً ما يعقد خلوات مع ليندنر وزعيم «الخضر»، روبرت هابيك، ويطول النقاش لساعات بأمل التوصل لحلول وسط يمكن للحكومة أن تكمل فيها عملها. وفي النهاية، كان من أبرز نقاط الخلاف التي رفض ليندنر المساومة فيها هي ما يُعرف في ألمانيا بـ«مكابح الدَّين العام»؛ إذ يرفض الدستور الألماني الاستدانة إلا في حالات الطوارئ، ولقد استخدمت الحكومة كوفيد-19 كطارئ للتخلي عن «مكابح الدَّين العام»، وبالتالي، الاستدانة والإنفاق للمساعدة عجلة الاقتصاد.

وأراد شولتس تمديد العمل بحالة الطوارئ كي تتمكن حكومته من الاستدانة وتمويل الحرب في أوكرانيا من دون الاقتطاع من الخدمات العامة، لكن ليندنر رفض مقترحاً تخفيض الإنفاق العام في المقابل، الأمر الذي اعتبره شولتس «خطاً أحمر».

تهم وشكوك

وحقاً، اتُّهم ليندنر بعد طرده بأنه كان يخطط للانسحاب من الحكومة منذ فترة، وبأنه وضع خطة لذلك بعدما وجد أن حزبه منهار في استطلاعات الرأي وأن نسبة تأييده عادت لتنخفض إلى ما دون عتبة الـ5 في المائة.

أيضاً، كُشف بعد انهيار الحكومة عن «وثيقة داخلية» أعدّها ليندنر وتداولها مع نفر من المقرّبين منه داخل الحزب، تحضّر للانسحاب من الحكومة بانتظار الفرصة المناسبة. وقيل إنه بدأ يخشى البقاء في حكومة فقدت الكثير من شعبيتها بسبب المشاكل الاقتصادية وارتفاع التضخّم خلال السنوات الثلاث الماضية، ما أثر على القدرة الشرائية للألمان. وبناءً عليه، خطّط ليندنر للخروج منها قبل موعد الانتخابات واستخدام ذلك انتخابياً لإعادة رفع حظوظ حزبه الذي يبدو الأكثر تأثراً من الأحزاب المشاركة في الحكومة، بخسارة الأصوات. وطرحت «الوثيقة» التي كُشف عنها مشكلة أخرى بالنسبة لليندنر - داخل حزبه هذه المرة - فواجه اتهامات بالتفرّد بالقرارات وحتى دعوات لإقالته.

طامح لمواصلة القيادة

حتى الآن، يبدو كريستيان ليندنر مصراً على قيادة حزبه في انتخابات فبراير (شباط)، وما زال لم يفقد الأمل العودة حتى إلى الحكومة المقبلة وزيراً للمالية في حكومة يقودها زعيم الديمقراطيين المسيحيين، فريدريش ميرتز، الذي يتقدّم حزبه في استطلاعات الرأي ومن المرجح أن يتولى المستشارية. وللعلم، ميرتز نفسه أبدى انفتاحاً على ضم ليندنر إلى حكومته المحتملة، وشوهد الرجلان بعد أيام من إقالة ليندنر يتهامسان بتفاهم ظاهر داخل «البوندستاغ».

ولكن عودة ليندنر للحكومة ستتطلب منه بدايةً تخطي عقبتين: الأولى أن يبقى على رأس حزبه لقيادته للانتخابات. والثانية أن ينجح بإقناع الناخبين بمنح الحزب أصواتاً كافية لتخطي عتبة الـ5 في المائة الضرورية لدخول البرلمان.