ليبيا: قطار السياسة لم يصل بعد... والحرب تمضي بلا حسم

ليبيون يعاينون آثار دمار خلفته غارة جوية على طرابلس في 14 أكتوبر أسفرت عن مقتل 3 أطفال (أ.ف.ب)
ليبيون يعاينون آثار دمار خلفته غارة جوية على طرابلس في 14 أكتوبر أسفرت عن مقتل 3 أطفال (أ.ف.ب)
TT

ليبيا: قطار السياسة لم يصل بعد... والحرب تمضي بلا حسم

ليبيون يعاينون آثار دمار خلفته غارة جوية على طرابلس في 14 أكتوبر أسفرت عن مقتل 3 أطفال (أ.ف.ب)
ليبيون يعاينون آثار دمار خلفته غارة جوية على طرابلس في 14 أكتوبر أسفرت عن مقتل 3 أطفال (أ.ف.ب)

طوت الحرب على العاصمة الليبية طرابلس قرابة تسعة أشهر من عام 2019 الذي شهد معارك دامية بين «الجيش الوطني» وقوات «الوفاق»، التي تساندها ميليشيات مسلحة، دون حسم المعركة، أو إحداث تغييرات جذرية على الأرض، باستثناء ما رأى مراقبون أنه «بعض خطوات إلى الأمام» لصالح الطرف الأول. وتواكبت هذه الأحداث مع دخول واشنطن على خط المواجهة مع موسكو، في تحرك اعتبرت أطراف سياسية وبرلمانية في حديثها إلى «الشرق الأوسط» أنه «قد يقلب موازين القوى»، في وقت لا تزال فيه القوى الدولية تتصارع فيما بينها على مساحات النفوذ، ما يشير إلى أن قطار السياسة لن يصل الآن لمحطة استقرار أو تسوية في ليبيا.
ومنذ أن أمر القائد العام للجيش الوطني، المشير خليفة حفتر، بشن عملية عسكرية على طرابلس، في الرابع من أبريل (نيسان) 2019 لـ«تحريرها» من «الجماعات الإرهابية والمسلحة»، سُفكت دماء كثيرة بفعل آلة الحرب بين الجانبين، في محاولة للوصول إمّا إلى قلب العاصمة، وإما «منعها من السقوط».
وأمام هذه المحاولات، يكثف كل طرف من ضرباته. لكن العميد خالد المحجوب، مدير إدارة التوجيه المعنوي بـ«الجيش الوطني»، رجح لـ«الشرق الأوسط» «قرب زوال»، ما أطلق عليه «دولة الميليشيات، القابضة على رقبة العاصمة منذ ثماني سنوات وأكثر»، وتوعد بـ«دحرها أينما وجدت»، وقال إن «الأمور تحت السيطرة، وأيام الميليشيات باتت معدودة».
وبموازاة تصاعد وتيرة الحرب، وتراكم أعداد القتلى والجرحى، وارتفاع معدلات النزوح، سعت البعثة الأممية، بقيادة الدكتور غسان سلامة، مبكراً لفرملة عجلة الاقتتال، لكنها كانت قد مضت سريعاً، في ظل تلكؤ القوى الكبرى في مجلس الأمن الدولي في حسم أمرها، فضلاً عن تمكن كل فريق من حشد قواته وعتاده على خطوط المواجهة المستعرة.
ورأت قوى سياسية، داعمة للعملية العسكرية، أن «الفرصة كانت مواتية أمام المجلس الرئاسي وحكومته، منذ أن هيمن على العاصمة، لإحداث إصلاحات حقيقية، ومحاربة الفساد. لكنه سقط رهينة في قبضة الميليشيات المسلحة، التي تغوّلت في أوصال المؤسسات الحكومية، والمصرفية وأمعنت فيها فساداً». لكن قوى سياسية موالية لحكومة «الوفاق» ترى أن العاصمة «تم الاعتداء عليها من (قوات شرق البلاد)، ما يستوجب الذود عنها بكل الإمكانيات».
في الأثناء، كانت نيران الحرب قد استعرت وتشعبت، ووفق تقرير أصدرته «اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان» في ليبيا، فإن حصيلة ضحايا الاشتباكات الدائرة بمحيط العاصمة طرابلس، سجلت منذ انطلاقها، وقرب نهاية 2019 نحو 2759 قتيلا، من بينهم (142 مدنياً، و23 عنصراً طبياً، و38 سيدة، و48 طفلاً)، فضلاً عن إصابة 8169 شخصاً بجروح تتراوح بين البسيطة والمتوسطة، ونوهت اللجنة الحقوقية بأن الإحصاءات مستندة إلى المعلومات الواردة من مستشفيات عدة منها: (غريان العام، والمستشفى الميداني قصر بن غشير، والسبيعة، ومصراتة العام، والزهراء، وترهونة العام، وشارع الزاوية، والمشفى الميداني طريق المطار، وأبو سليم، والخضراء، والمشفى الميداني تاجوراء).
شروط حفتر
وحول تطور الأوضاع الميدانية في طرابلس، قال العميد المحجوب لـ«الشرق الأوسط» إن «القائد العام المشير خليفة حفتر يتابع بنفسه العمليات العسكرية، والأمور تحت السيطرة، والجيش بات على مقربة من تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة الغربية»، ورأى أن القوات المسلحة «بدأت تبسط سيطرتها في أكثر من اتجاه، حيث توجهت للجنوب، وحاصرت بعض البؤر هناك، وتم ضرب أولها، وهي مجموعة ما يعرف بحسن موسى، التي سبق أن هاجمت حقل الفيل النفطي، وهي تمتهن تهريب المرتزقة، لكن تم القضاء على أميرها ومجموعة منهم، وتدمير عدد كبير من آلياتهم».
واعتبر المحجوب أن «الجيش الوطني» عبر هذه العمليات يكون قد «قطع الطريق على تهريب المرتزقة إلى المنطقة الغربية، وخصوصاً طرابلس».
ورسم المحجوب صورة للعمليات الحربية الدائرة في طرابلس، بقوله إن «الميليشيات تقهقرت، بعدما أحكمت قوات الجيش قبضتها، وباتت على تخوم الهضبة، وهو آخر خط يفصل الهضبة عن منطقة صلاح الدين، كما تم السيطرة على منطقة الهيرة، الشريان الرئيسي لمنطقة غريان، التي لم تعد لها أي قيمة ميدانية تعبوية، وهي المدينة التي دخلتها الميليشيات، واعتقدت أنها حققت إنجازاً، فإذا بها تورطت في خط أصبح مفصولاً عن بقية المجموعات الميليشياوية».
وكان حفتر قد رهن وقف إطلاق النار في طرابلس بتوفير شروط الحوار، إذ أعلن في سبتمبر (أيلول) الماضي، للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب، تأكيده على دعم العملية السياسية في ليبيا، ونقل عنه الناطق باسم القيادة العامة اللواء أحمد المسماري أنه «لا بد في نهاية المطاف من حوار وطني شامل، ولا بد من عملية سياسية». لكنه رأى أن «الحوار الضامن لوحدة ليبيا وسيادتها لا مجال أمامه، طالما بقيت المجموعات الإرهابية والإجرامية المسلحة تسيطر على مقاليد ومناحي الحياة في العاصمة طرابلس».
إعلان حفتر، الذي استبق به الاجتماع الوزاري حول ليبيا، الذي عقد على هامش اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة في السادس والعشرين من نفس الشهر، لم يلتفت فيه إلى مبادرة سابقة أطلقها غريمه فائز السراج، رئيس المجلس الرئاسي، تحدث فيها عن عقد ملتقى لمناقشة خريطة طريق للمرحلة القادمة، وإقرار قاعدة دستورية مناسبة لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية متزامنة، قبل نهاية 2019.
بدوره، رأى عضو مجلس النواب محمد بشير الفيرس «أنه لم تعد هناك فرصة للعودة ثانية إلى طاولة التفاوض لأسباب، من بينها تخبط السراج»، وذهب إلى أن «(الجيش الوطني) حقق مكاسب كبيرة على الأرض لا يستهان بها... فقد بدأ يقترب تدريجياً من قلب العاصمة، حتى أصبح هدف الميليشيات الآن، ليس صد العدوان كما تزعم، بل المحافظة على مواقعها».
وعدّد الفيرس، الذي شغل منصب رئيس دائرة قضائية بمحكمة استئناف طرابلس، في حديثه إلى «الشرق الأوسط» جانبا مما تحقق للجيش بقوله: «لقد تم استنزاف ما يقارب 70 في المائة من قوات الميليشيات، وفقدانها لأغلب قادتها الميدانيين»، فضلاً عن «التحام المناطق الغربية، مثل صبراتة والعجيلات وصرمان بالقوات المسلحة، وأعقب ذلك افتتاح فروع لديوان الحكومة المؤقتة هناك».
وقال الفيرس إن المجلس الرئاسي «تشتت وأصبح يفتقد القدرة على إدارة المعركة... وهذا واضح من تصريحاته وتخبطه السياسي»، فضلاً عن أن «القوات الجوية باتت تسيطر بشكل كامل على أجواء العاصمة، وهذا ما أربكهم. كما أن الزخم الشعبي الذي تحظى به القوات المسلحة يتزايد يوماً بعد يوم».
من جانبه، قال النائب البرلماني الصالحين عبد النبي، معلقا على الموقف التركي من دعم «الوفاق»: «إننا في انتظار تحرير قريب للعاصمة، عندما يبسط جيشنا السيطرة على طرابلس، وتعود لحضن الوطن خالية من الميليشيات والإرهاب».
في مقابل ذلك، فإن التصريحات والبيانات اليومية لعملية «بركان الغضب»، التابعة لقوات «الوفاق»، تشير في مجملها إلى انتصارات على «العدو»، وتتحدث دائماً عن تكبيده «خسائر فادحة في القوات والعتاد». كما تتهم «الوفاق» السلاح الجوي التابع للقيادة العامة باستهداف المدنيين والمناطق السكانية المكتظة، وسيارات الإسعاف، وهي الاتهامات التي ينفيها المسماري في مؤتمراته الصحافية.
صراعات القوى الكبرى
جزء من أصداء المعركة المُستعرة بالضواحي الجنوبية لطرابلس، انعكس بشكل لافت على توجهات القوى العظمى في مجلس الأمن الدولي، إذ جاءت جميع جلساته حول ليبيا محكومة بأجندات خاصة، ومصالح ذاتية، وبالتالي لم تتمكن من فرملة آلة الحرب، وبدا ذلك مبكراً في معارضة الولايات المتحدة وروسيا مشروع قرار بريطاني، يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في طرابلس. غير أن الموقف الأميركي تغير حالياً على الأرض، وذلك في تناقض واضح لم يفسره إلاّ انزعاج واشنطن من الوجود الروسي في ليبيا، فاضطرت للإعلان عن موقف مغاير لتقطع الطريق أمام التوسع المستقبلي للنفوذ الروسي في البلد الغني بالنفط.
وعكس التلاسن المبدئي بين مسؤولين من واشنطن وموسكو حول ليبيا، جانبا من الصراع على ما هو قادم، إذ اتهمت وزارة الخارجية الأميركية روسيا بـ«استغلال النزاع في ليبيا لتحقيق مكاسب خاصة، وذلك من خلال نشر شركات عسكرية خاصة هناك»، في إشارة على ما يبدو إلى «الفاغنر» الروسية. لكن المتحدث باسم الكرملين ديميتري بيسكوف نفى ذلك بقوة، وقال بهذا الخصوص: «هذه أخبار زائفة لا أساس لها من الصحة»، وزاد من توجيه انتقادات مبطنة إلى أميركا دون تسميتها بقوله: «لا يحق للكثير من الدول من الناحية الأخلاقية الحديث عن زعزعة استقرار الوضع في ليبيا، بعد أن دمروها بأفعالهم التي تنتهك القانون الدولي».
وأعلنت قوات حكومة «الوفاق» أنها قتلت عدداً من «المرتزقة»، وأسرت آخرين من شركة روسية تعمل لصالح قوات حفتر، يعتقد أنهم يتبعون ليفغيني بريغوزين، حليف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وكانوا يجهزون لعملية عسكرية ضد العاصمة طرابلس. لكن نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف نفى ذلك، وقال إن بلاده «تعمل بما يخدم مصالح عملية السلام في ليبيا».
غير أن واشنطن مضت في تحذيرها على لسان ديفيد شينكر، مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى، من أن روسيا تستغل الصراع على حساب الشعب الليبي، من خلال نشرها عسكريين نظاميين بأعداد لافتة هناك.
تحذير شينكر جاء بعد أيام من اجتماع وفد أميركي رفيع المستوى بحفتر في مقر إقامته بمدينة الرجمة، شرق البلاد، تناول سبل «وقف الأعمال القتالية، وإيجاد حل سياسي للصراع الليبي».
سماء ليبيا وبحرها
ومع «اقتراب الحرب على طرابلس من نهايتها»، بحسب تقدير العميد المحجوب، باتت سماء ليبيا ساحة مفتوحة للطائرات الأجنبية، وسط تخوفات من انتقال صراعات مجلس الأمن إلى سماء البلاد لمنع توسيع النفوذ، وذلك عقب الإعلان عن اختفاء طائرتين «من دون طيار» فوق ليبيا؛ وفي هذا السياق قالت القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا (أفريكوم)، إن الطائرة غير المسلحة «فقدت فوق طرابلس»، مبرزة أن «هناك تحقيقاً جارياً بشأن هذه الحادثة»، التي لم يتم تقديم مزيد من التفاصيل حولها.
وسبق سقوط الطائرة الأميركية، طائرة إيطالية مسيرة من طراز MQ - 9 بريداتور قرب العاصمة الليبية طرابلس، وسارعت هيئة الأركان الإيطالية إلى نفي أن تكون الطائرة المسيرة التي أسقطت فوق منطقة سوق الأحد بترهونة «هجومية»، مشددة على أنها كانت «تقوم بمهمة لدعم عملية البحر الآمن لإنقاذ المهاجرين في البحر المتوسط».
وبموازاة الحادثين، أعلنت القيادة العامة لـ«الجيش الوطني» فرض حظر جوي فوق منطقة العمليات العسكرية بطرابلس وحولها، وأرجعت ذلك إلى «تطور العمليات العسكرية، وتقدم قواتنا نحو العاصمة».
وحذر المسماري الناطق باسم الجيش الوطني مصلحة الطيران المدني الليبية، وكافة شركات خطوط النقل الجوي، وكل مستخدمي المجال الجوي الليبي من خرق الحظر، ودخول المنطقة المحددة دون تنسيق مسبق مع القيادة العامة، والحصول على إذن من القائد العام، حتى لا يتعرضوا لأي خطر أو أي أضرار»، وهي منطقة المايا ومصنع القماس، والكلية العسكرية بنات، ومزرعة النعام وغرب منطقة القربولي، ومنحى الطريق ومفترق الطرق.
دخول تركيا على خط الأزمة
أمام تضييق الجيش الخناق على قوات «الوفاق» والميليشيات المسلحة، اتجه السراج لتعزيز صلته بأنقرة، حيث وقع اتفاقات بحرية وأمنية مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، وهو ما منح تركيا، ولو شكلياً، نفوذاً في البحر المتوسط، فيما رآه البعض مقايضة عسكرية من جانب الأخيرة لحكومة «الوفاق»، مقابل الإذعان والتوقيع على الاتفاقية البحرية، التي كانت تحضر لها منذ سنوات.
وقال حاتم العريبي، الناطق باسم الحكومة المؤقتة في مدينة البيضاء، إن هناك «تلاعباً بالمصطلحات في الاتفاقية التي أبرمت بين تركيا وحكومة السراج، بين أن تكون اتفاقية أو مذكرة تفاهم، وذهب في تصريحات صحافية إلى أن «الاتفاقية غير قانونية، وتمس السيادة الليبية».
وعلى أثر ذلك توجه «مجمع ليبيا للدراسات المتقدمة»، الذي يترأسه سفير ليبيا السابق في دولة الإمارات، عارف النايض، برسالة عاجلة إلى المبعوث الأممي، وطالب البعثة بـ«التدخل ووقف هذا العمل لكون المجلس الرئاسي غير منتخب، ولم يختره جسم منتخب، وبالتالي فإنه لا يمثل إرادة الشعب الليبي»، وذكر بـ«فشله في نيل ثقة مجلس النواب مرتين».
كما اتهم عضو مجلس النواب علي التكبالي المجلس الرئاسي بأنه «أصبح ألعوبة في يد تركيا»، وقال في تصريح صحافي إن «الغرض من وراء توقيع تركيا اتفاقية مع السراج، هو إثبات أنها موجودة ومهمة، ولن تسمح لأي دولة بالاستحواذ على الثروات في ليبيا دون حسابها».
ما بعد «محطة» برلين
وفي وقت يجمع العام أوراقه استعداداً للرحيل، كانت القوى الدولية لا تزال تجمّع هي الأخرى صفوفها بعد قرابة 9 أشهر من الحرب الطاحنة، للالتقاء ثانية على طاولة مباحثات، في محاولة جديدة لإيجاد صيغة توافق على الأقل في مجلس الأمن. في حين هناك سياسيون ونواب، ومنهم محمد الفيرس، يرون صعوبة التئام مؤتمر برلين، باعتبار أن «الدول الداعمة لـ(الجيش الوطني) تدرك قرب سيطرته على العاصمة، وبالتالي ستختلق الأعذار لإفشاله، من جهة، وستقر مع ذلك إبعاد إيطاليا وتركيا وقطر من المشهد الليبي من جهة ثانية».
وينظر سياسيون ليبيون إلى قرار عدم تمثيل بلادهم في مؤتمر برلين بأنه «نوع من الوصاية الدولية المرفوضة»، علما بأن سلامة صرح بأن المؤتمر يستهدف «ترميم موقف الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن من الأزمة»، مبرزا أن المدنيين في ليبيا «ضحايا عقم مجلس الأمن، وتضارب المصالح بين الدول الدائمة العضوية فيه».
ووعد سلامة بأنه «بناء على ما يتم التوصل إليه في مؤتمر برلين، فإنه سيتم العمل على عقد مصالحة بين الليبيين أنفسهم، وقد يشمل ذلك عقد مؤتمر ليبي... لكن الأهم حالياً هو توحيد الموقف الدولي».


مقالات ذات صلة

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

حصاد الأسبوع Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

سطرت نيتومبو ناندي ندايتواه، 72 عاماً، اسمها في التاريخ بوصفها أول امرأة تتولى رئاسة ناميبيا منذ استقلال البلاد عام 1990، بعدما حصدت 57 في المائة من الأصوات في

فتحية الدخاخني ( القاهرة)
رياضة سعودية السعودية تستمر في تشكيل خريطة مختلف الرياضات العالمية بتنظيم واستضافات غير مسبوقة (الشرق الأوسط)

السعودية ستُشكل خريطة الرياضة العالمية في 2025

شارف عام حافل بالأحداث الرياضية بما في ذلك الألعاب الأولمبية التي حظيت بإشادة واسعة وأربع بطولات قارية لكرة القدم على الانتهاء ومن المتوقع أن يكون عام 2025 أقل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
حصاد الأسبوع فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

بعد 9 أيام من سقوط الحكومة الفرنسية بقيادة ميشال بارنييه في اقتراع لحجب الثقة، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فرنسوا بايرو، زعيم رئيس حزب الوسط (الموديم)،

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع خافيير ميلي (أ.ب)

خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

في المشهد الشعبوي واليميني المتطرف، المتنامي منذ سنوات، يشكّل الصعود الصاعق لخافيير ميلي إلى سدّة الرئاسة في الأرجنتين، حالة مميّزة، لا بل فريدة، من حيث الأفكار

شوقي الريّس (مدريد)

منطقة الساحل... ساحة صراع بين الغرب وروسيا

طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
TT

منطقة الساحل... ساحة صراع بين الغرب وروسيا

طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)

يسدلُ الستارُ على آخر مشاهد عام 2024 في منطقة الساحل الأفريقي، ورغم أن هذه الصحراء الشاسعة ظلت رتيبة لعقود طويلة، فإن المشهد الأخير جاء ليكسر رتابتها، فلم يكن أحد يتوقع أن ينتهي العام والمنطقة خالية من القوات الفرنسية، وأن يحل محلها مئات المسلحين الروس، وأنّ موسكو ستكون أقربَ من باريس لكثير من أنظمة الحكم في العديد من بلدان القارة السمراء.ورغم أن الفرنسيين كانوا ينشرون في الساحل أكثر من 5 آلاف جندي لمحاربة الإرهاب، بينما أرسل الروس بدورهم مرتزقة شركة «فاغنر» للمساعدة في المهمة نفسها، التي فشل فيها الفرنسيون، فإن الإرهاب ما زال يتمدد، بل إنه ضرب في قلب دول الساحل هذا العام، كما لم يفعل من قبل.

لم يكن الإرهاب حجةً للتدخل العسكري الأجنبي فقط، وإنما كان حجة جيوش دول الساحل للهيمنة على الحكم في انقلابات عسكرية أدخلت الدول الثلاث، مالي، النيجر وبوركينا فاسو، في أزمة حادة مع جيرانها في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، انتهت بالقطيعة التامة وانسحاب الدول الثلاث من المنظمة الإقليمية التي كانت حتى وقت قريب تمثّلُ حلماً جميلاً بالاندماج والتكامل الاقتصادي.

بالإضافة إلى تصاعد الإرهاب والعزلة الإقليمية، حمل عام 2024 معه لدول الساحل تداعيات مدمرة للتغيّر المناخي، فضرب الجفاف كثيراً من المحاصيل الزراعية، وجاءت بعد ذلك فيضانات دمّرت ما بقي من حقول وقرى متناثرة في السافانا، وتسببت في موت الآلاف، وتشريد الملايين في النيجر وتشاد ومالي وبوركينا فاسو.

صورة وزعها الجيش الفرنسي لمقاتلين من المرتزقة الروس خلال صعودهم إلى مروحية في شمال مالي في أبريل 2022 (الجيش الفرنسي - أ.ب)

الخروج الفرنسي

الساحل الذي يصنّف واحدة من أفقر مناطق العالم وأكثرها هشاشة، كان يمثّلُ الجبهة الثانية للحرب الروسية - الأوكرانية، فكان مسرحاً للصراع بين الغرب وروسيا، وقد تصاعد هذا الصراع في عام 2024، وتجاوز النفوذ السياسي والاستراتيجي، إلى ما يشبه المواجهة المباشرة من أجل الهيمنة على مناجم الذهب واليورانيوم وحقول النفط، والموارد الهائلة المدفونة في قلب صحراء يقطنها قرابة 100 مليون إنسان، أغلبهم يعيشون في فقر مدقع.

يمكن القول إن عام 2024 محطة فاصلة في تاريخ الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل، خصوصاً أن الفرنسيين دخلوا المنطقة مطلع القرن التاسع عشر، تحت غطاء تجاري واقتصادي، ولكن سرعان ما تحوّل إلى استعمار عسكري وسياسي، هيمن بموجبه الفرنسيون على المنطقة لأكثر من قرن من الزمان، وبعد استقلال هذه الدول، ظلت فرنسا موجودة عسكرياً بموجب اتفاقات للتعاون العسكري والأمني.

ازداد الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل بشكل واضح، عام 2013، بعد أن توجّه تنظيم «القاعدة» إلى منطقة الساحل الأفريقي، ليتخذ منها مركزاً لأنشطته بعد الضربات التي تلقاها في أفغانستان والعراق، ومستغلاً في الوقت ذاته الفوضى التي عمّت المنطقة عقب سقوط نظام العقيد الليبي معمر القذافي عام 2011. حينها أصبح الفرنسيون يقودون «الحرب العالمية على الإرهاب» في الساحل، وأطلقوا عملية «سيرفال» العسكرية في يناير (كانون الثاني) 2013، التي تحوّلت عام 2014 إلى عملية «برخان» العسكرية التي كان ينفق عليها الفرنسيون سنوياً مليار يورو، وينشرون فيها أكثر من 5 آلاف جندي في دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد.

على وقع هذه الحرب الطاحنة بين الفرنسيين وتنظيم «القاعدة»، وانتشار الجنود الفرنسيين بشكل لافت في شوارع المدن الأفريقية، تصاعد الشعور المعادي لفرنسا في الأوساط الشعبية، ما قاد إلى انهيار الأنظمة السياسية الموالية لباريس، وسيطر عسكريون شباب على الحكم في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وكان أول قرار اتخذوه هو «مراجعة» العلاقة مع فرنسا، وهي مراجعة انتهت بالقطيعة التامة.

حزمت القوات الفرنسية أمتعتها وغادرت مالي، ثم بوركينا فاسو والنيجر، ولكن المفاجأة الأكبر جاءت يوم 28 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 حين قررت تشاد إنهاء اتفاقية التعاون العسكري مع فرنسا، وهي التي ظلت دوماً توصف بأنها «حليف استراتيجي» للفرنسيين والغرب في المنطقة.

وبالفعل بدأ الفرنسيون حزم أمتعتهم ومغادرة تشاد دون أي تأخير، وغادرت مقاتلات «ميراج» الفرنسية قاعدة عسكرية في عاصمة تشاد، إنجامينا، يوم الثلاثاء 10 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، في حين بدأ الحديث عن خطة زمنية لخروج أكثر من ألف جندي فرنسي كانوا يتمركزون في تشاد.

ربما كان تطور الأحداث خلال السنوات الأخيرة يوحي بأن الفرنسيين في طريقهم إلى فقدان نفوذهم التقليدي في منطقة الساحل، ولكن ما يمكن تأكيده هو أن عام 2024 شكّل «لحظة الإدراك» التي بدأ بعدها الفرنسيون يحاولون التحكم في صيغة «الخروج» من الساحل.

صورة جماعية لقادة دول "الإيكواس" خلال قمتهم في أبوجا بنيجيريا يوم 15 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

لقد قرَّر الفرنسيون التأقلم مع الوضع الجديد في أفريقيا، حين أدركوا حجم الجهد الضائع في محاولة المواجهة والضغط على الأنظمة العسكرية المتحالفة مع روسيا، فهذه الأنظمة لا تتوقف عن «إذلال» القوة الاستعمارية السابقة بقرارات «استفزازية» على غرار اعتقال 4 موظفين بالسفارة الفرنسية في بوركينا فاسو، واتهامهم بالتجسس، وبعد عام من السجن، أُفرج عنهم بوساطة قادها العاهل المغربي الملك محمد السادس يوم 19 ديسمبر 2024.

وفي النيجر، قرَّر المجلس العسكري الحاكم، في يونيو (حزيران) 2024، إلغاء رخصة شركة فرنسية كانت تستغل منجماً لليورانيوم شمال البلاد، وسبق أن قرَّرت النيجر، على غرار مالي وبوركينا فاسو، منع وسائل الإعلام الفرنسية من البث في البلاد بعد أن اتهمتها بنشر «أخبار كاذبة».

يدخل مثل هذه القرارات ضمن مسار يؤكد أن «النقمة» تجاه الفرنسيين في دول الساحل تحوّلت إلى قرار نهائي بالقطيعة والخروج من عباءة المستعمِر السابق. وفي ظل مخاوف من اتساع رقعة هذه القطيعة لتشمل دولاً أفريقية أخرى ما زالت قريبةً من باريس، وضع الفرنسيون خطةً لإعادة هيكلة وجودهم العسكري في أفريقيا، من خلال تخفيض قواتهم المتمركزة في السنغال، وكوت ديفوار، والغابون، وجيبوتي.

أسند الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مهمة إعداد هذه الخطة إلى جان-ماري بوكل، حين عيّنه في شهر فبراير (شباط) 2024 مبعوثاً خاصاً إلى أفريقيا، وهي المهمة التي انتهت في نحو 10 أشهر، قدّم بعدها تقريراً خاصاً سلّمه إلى ماكرون، يوم 27 نوفمبر الماضي، ينصح فيه بتقليص عدد القوات الفرنسية المتمركزة إلى الحد الأدنى، وتَحوُّل القواعد العسكرية إلى «مراكز» أكثر مرونة وخفة، هدفها التركيز على التدريب العسكري، وجمع المعلومات الاستخباراتية، وتعزيز الشراكات الاستراتيجية.

الأميركيون أيضاً

حين كان الجميعُ يتحدَّث خلال العقدين الأخيرين عن الانتشار العسكري الفرنسي، والنفوذ الذي تتمتع به باريس في منطقة الساحل وغرب أفريقيا، كان الأميركيون حاضرين ولكن بصمت، ينشرون مئات الجنود من قواتهم الخاصة في النيجر؛ لمساعدة هذا البلد في حربه ضد جماعات مثل «القاعدة»، و«بوكو حرام»، و«داعش». واستخدم الأميركيون في عملياتهم قاعدة جوية في منطقة «أغاديز» خاصة بالطائرات المسيّرة التي تمكِّنهم من مراقبة الصحراء الكبرى وتحركات «القاعدة» من جنوب ليبيا وصولاً إلى شمال مالي.

ولا يزال الأميركيون أوفياء لاستراتيجية الحضور العسكري الصامت في أفريقيا، على العكس من حلفائهم الفرنسيين وخصومهم الروس، ولكن التحولات الأخيرة في منطقة الساحل أرغمتهم على الخروج إلى العلن، خصوصاً حين بدأت مجموعة «فاغنر» تتمتع بالنفوذ في النيجر. حينها أبلغ الأميركيون نظام الحكم في نيامي بأنه لا مجال لدخول «فاغنر» إلى بلد هم موجودون فيه.

وحين اختارت النيجر التوجه نحو روسيا و«فاغنر»، قرَّر الأميركيون في شهر أغسطس (آب) 2024 سحب قواتهم من النيجر، وإغلاق قاعدتهم العسكرية الجوية الموجودة في شمال البلاد.

وأعلن الأميركيون خطةً لإعادة تموضع قواتهم في غرب أفريقيا، فتوجَّهت واشنطن نحو غانا وكوت ديفوار وبنين، وهي دول رفعت من مستوى تعاونها العسكري مع الولايات المتحدة، وتسلّمت مساعدات عسكرية كانت موجهة إلى النيجر، عبارة عن مدرعات وآليات حربية.

دبابة فرنسية على مقربة من نهر النيجر عند مدخل مدينة غاو بشمال مالي يوم 31 يناير 2013 (أ.ب)

البديل الروسي

لقد كانت روسيا جاهزة لاستغلال تراجع النفوذ الغربي في منطقة الساحل، وهي المتمركزة منذ سنوات في ليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى، فنشرت المئات من مقاتلي «فاغنر» في مالي أولاً، ثم في بوركينا فاسو والنيجر، كما عقدت صفقات سلاح كبيرة مع هذه الدول.

لكن موسكو حاولت في العام الماضي أن ترفع من مستوى تحالفها مع دول الساحل إلى مستويات جديدة. فبالإضافة إلى الشراكة الأمنية والعسكرية، كان الروس يطمحون إلى شراكة اقتصادية وتجارية.

ولعل الحدث الأبرز في هذا الاتجاه كان جولة قام بها وفد روسي بقيادة نائب رئيس الوزراء ألكسندر نوفاك، نهاية نوفمبر الماضي، وقادته إلى دول الساحل الثلاث: مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

كان الهدف من الجولة هو «تعزيز الشراكة الاقتصادية»، مع تركيز روسي واضح على مجال «الطاقة». فقد ضم الوفد الروسي رجال أعمال وفاعلين في قطاع الطاقة، وسط حديث عن اتفاقات لإقامة محطات لإنتاج الطاقة الشمسية، تتولى شركات روسية تنفيذها في الدول الثلاث.

وفي شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، وقَّع رؤساء مالي وبوركينا فاسو والنيجر اتفاقاً مع وكالة الفضاء الروسية، ستقدم بموجبه الوكالة الروسية لهذه الدول «صور الأقمار الاصطناعية»؛ من أجل تعزيز مراقبة الحدود وتحسين الاتصالات، أي أن روسيا أصبحت العين الرقيبة على دول الساحل بعد أن أُغمضت العين الفرنسية. هذا عدا عن نجاح روسيا في اللعب بورقة الأمن الغذائي، فكان القمح الروسي أهم سفير لموسكو لدى دول الساحل، وفي العام الماضي أصبحت موسكو أكبر مورِّد للحبوب لهذه الدول التي تواجه مشكلات كبيرة في توفير حاجياتها من الغذاء، فأصبح القمح الروسي يسيطر على سوق حجمها 100 مليون نسمة.

رغم المكاسب التي حققتها روسيا في منطقة الساحل الأفريقي، فإن عام 2024 حمل معه أول هزيمة تتعرَّض لها مجموعة «فاغنر» الخاصة، منذ أن بدأت القتال إلى جانب الجيش المالي، قبل سنوات عدة.

جاء ذلك حين تصاعدت وتيرة المعارك بين الجيش المالي والمتمردين الطوارق، إثر انسحاب مالي من اتفاقية الجزائر المُوقَّعة بين الطرفين عام 2015، ودخل الطرفان في هدنة بموجبها امتدت لقرابة 10 سنوات. لكن الهدنة انتهت حين قرر الماليون الزحف العسكري نحو الشمال حيث يتمركز المتمردون.

استطاع الجيش المالي، المدعوم من «فاغنر»، أن يسيطر سريعاً على كبريات مدن الشمال، حتى لم تتبقَّ في قبضة المتمردين سوى قرية صغيرة، اسمها تينزواتين، على الحدود مع الجزائر، وعلى مشارفها وقعت معركة نهاية يوليو (تموز) 2024، قُتل فيها العشرات من الجيش المالي و«فاغنر»، ووقع عدد منهم في الأسر.

كانت هزيمة مفاجئة ومذلة، خصوصاً حين نشر المتمردون مقاطع فيديو لعشرات الجثث المتفحمة، بعضها يعود لمقاتلين من «فاغنر»، كان من بينهم قائد الفرقة التي تقدّم الدعم للجيش المالي من أجل استعادة السيطرة على شمال البلاد.

طائرة ميراج فرنسية تُقلع من قاعدة في إنجامينا... (أ.ف.ب)

المفاجأة الأوكرانية

اللافت بعد هزيمة «فاغنر» والجيش المالي في «معركة تينزواتين» هو اكتشاف دور لعبته أوكرانيا في دعم المتمردين من أجل كسر كبرياء روسيا، من خلال إذلال «فاغنر»، وهو ما أكدته مصادر أمنية وعسكرية أوكرانية.

تحدَّثت مصادر عدة عن حصول المتمردين في شمال مالي على تدريب خاص في أوكرانيا، واستفادتهم من طائرات مسيّرة حصلوا عليها من كييف مكّنتهم من حسم المعركة بسرعة، بالإضافة إلى معلومات استخباراتية وفّرتها لهم المخابرات الأوكرانية وكان لها الأثر الكبير في الهزيمة التي لحقت بقوات «فاغنر» وجيش مالي.

لم يكن لأوكرانيا، في الواقع، أي نفوذ في منطقة الساحل الأفريقي، ولا يتجاوز حضورها سفارات شبه نائمة، لكنها وبشكل مفاجئ ألحقت بروسيا أول هزيمة على صحراء مالي، وأصبحت تطمح لما هو أكثر من ذلك. ولكن مالي أعلنت بعد مرور أسبوع على «معركة تينزواتين»، قطع علاقاتها الدبلوماسية مع أوكرانيا، وتبعتها في ذلك النيجر وبوركينا فاسو، كما تقدَّمت مالي بشكوى إلى مجلس الأمن الدولي تتهم فيها أوكرانيا بدعم «الإرهاب» في منطقة الساحل الأفريقي.

رغم مكاسب روسيا في الساحل، إلا إن عام 2024 حمل معه أول هزيمة لمجموعة «فاغنر» منذ أن بدأت القتال إلى جانب جيش مالي

قادة مالي الكولونيل أسيمي غويتا، والنيجر الجنرال عبدالرحمن تياني، وبوركينا فاسو النقيب إبراهيم تراوري خلال لقاء لـ "تحالف دول الساحل" في نيامي، عاصمة النيجر، يوم 6 يوليو الماضي (رويترز)

خطر الإرهاب

في 2024 كثّفت جيوش دول الساحل حربها ضد التنظيمات الإرهابية، ونجحت في تحقيق مكاسب مهمة، وقضت على مئات المقاتلين من تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، وقد ساعدت على ذلك الشراكة مع روسيا، حيث حصلت جيوش الساحل على أسلحة روسية متطورة، كما كان هناك عامل حاسم تَمثَّل في مسيّرات «بيرقدار» التركية التي قضت على مئات المقاتلين.

لكن الخطوة الأهم في الحرب، جاءت يوم 6 مارس (آذار) 2024، حين أعلن قادة جيوش دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو إنشاء «قوة عسكرية مشتركة»؛ لمواجهة الجماعات الإرهابية التي تنشط في المنطقة، خصوصاً في المناطق الحدودية، ما قلّص من قدرة التنظيمات الإرهابية على التنقل عبر الحدود.

في هذه الأثناء قرَّرت دول الساحل رفع مستوى هذا التعاون مطلع يوليو 2024، من خلال تشكيل «تحالف دول الساحل»؛ بهدف توحيد جهودها في مجال محاربة الإرهاب، ولكن أيضاً مواقفها السياسية والاقتصادية والاستراتيجية، قبل أن تتجه نحو تشكيل عملة موحدة وجواز سفر موحد.

في غضون ذلك، لم تتوقف التنظيمات الإرهابية عن شنِّ هجماتها في الدول الثلاث، ولعل الهجوم الأهم في العام الماضي ذاك الذي نفَّذه تنظيم «القاعدة» يوم 17 سبتمبر الماضي ضد مطار عسكري ومدرسة للدرك في العاصمة المالية باماكو. شكّل الهجوم الذي خلّف أكثر من 70 قتيلاً، اختراقاً أمنياً خطيراً، أثبت من خلاله التنظيم الإرهابي قدرته على الوصول إلى واحدة من أكثر المناطق العسكرية حساسية في قلب دولة مالي.

في يوم 28 يناير 2024 أعلنت الأنظمة العسكرية الحاكمة، في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، الانسحاب من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، التي فرضت عقوبات ضد دول الساحل إثر الانقلابات العسكرية التي وقعت فيها، وفي يوليو عادت لتُشكِّل «تحالف دول الساحل».

يؤكد التحالف الجديد رغبة هذه الدول في الانسحاب من المنظمة بشكل نهائي، ولكنه في المقابل يرسم ملامح الصراع الدولي في المنطقة. فتحالف دول الساحل يمثّل المحور الموالي لروسيا، أما منظمة «إيكواس» فهي الحليف التقليدي لفرنسا والغرب.

ورغم أن منظمة «إيكواس» في آخر قمة عقدتها خلال ديسمبر الحالي، تركت الباب مفتوحاً أمام تراجع دول الساحل عن القرار، ومنحتها مهلة 6 أشهر، إلا أن القادة العسكريين لدول الساحل ردوا على المنظمة بأن قرارهم «لا رجعة فيه».