في مقابل مساعي البعض لهدم المباني التراثية والأثرية بعدد من المدن المصرية العتيقة، تخوض جمعيات أهلية مصرية معارك كبيرة للحفاظ على تلك المباني وإنقاذها من الهدم والنسيان، وتعمل كذلك على توعية المواطنين بأهمية التراث وقيمته ونشر الوعي الأثري بينهم؛ خصوصاً الأجيال الجديدة عبر حملات التوعية والرحلات التي تضم تلاميذ المدارس والجامعات، والرحلات العلمية والثقافية والترفيهية التي تهدف إلى تنشيط السياحة الداخلية.
وتضم الجمعيات العاملة في مجال الحفاظ على التراث في عضويتها أساتذة آثار وعمارة وفنون وخبراء في تخصصات متنوعة معنية بالتراث، إضافة إلى طلاب كليات الآثار والشباب المتطوعين، ويُركز كثير من الجمعيات جهودها على تسليط الأضواء على الآثار المنسية التي تعاني من الإهمال، والسّعي إلى تسجيل البنايات الأثرية ذات الطراز المعماري المتميز، كما تخوض الجمعيات معارك كثيرة لإنقاذ الآثار والتصدي للتعديات على المناطق الأثرية من خلال الحملات المجتمعية والتقارير الفنية التي ترسلها للجهات الحكومية المهنية.
وأخيراً، بدأت «جمعية التراث والفنون التقليدية» تنفيذ مشروع لحصر البنايات الأثرية ذات التراث المعماري المتميز في منطقة بولاق أبو العلا بوسط القاهرة تمهيداً لمخاطبة الجهات المختصة للعمل على تسجيلها حتى لا يتم هدمها، إذ إن معظم هذه البنايات عبارة عن عمارات سكنية يمكن لأصحابها هدمها في أي وقت.
الدكتور محمد حسام إسماعيل رئيس مجلس إدارة جمعية التراث والفنون التقليدية، يقول لـ«الشرق الأوسط» إنّ «مشروع حصر البنايات الأثرية في منطقة بولاق أبو العلا بوسط القاهرة، التي تعود إلى القرن التاسع عشر الميلادي، بدأ منتصف الصيف الماضي، ويدرس خبراء ومتخصصون تاريخ البنايات في المنطقة وطرازها المعماري، مع الاستعانة بالمراجع والدوريات العلمية التي توثق تاريخها وفنونها المعمارية؛ حيث ستُسلّم تقارير المشروع إلى الجهات المختصة لتتولى تسجيل هذه البنايات».
ويشير إسماعيل إلى أنّ جمعيته تركز على «حملات ومشروعات الحفاظ على الثروة الأثرية والمعمارية، خاصة التي تعاني من الإهمال أو النسيان، كما نتعاون مع المؤسسات الثقافية والمتاحف لتنظيم الندوات وورش العمل لنشر الوعي الأثري بين فئات المجتمع كافة، وتسليط الضوء على أهمية الحفاظ على التراث».
وتحظى الفنون والحرف اليدوية التراثية باهتمام كثير من الجمعيات، التي تعمل على الحفاظ على استمرارها وتطويرها، وتشجيع ورعاية الفنون التي تستلهم أفكارها من التراث، وتشجيع الإبداع الأدبي على استلهام أفكاره من التراث، وتنظيم الورش والمعارض للحرف اليدوية والفنون التراثية.
وخاضت جمعيات التراث معارك كثيرة لإنقاذ مواقع أثرية من التشويه أو الإهمال، من بينها حملة دشنتها «جمعية المحافظة على التراث المصري»؛ حيث نجحت في إيقاف بناء كوبري لعبور المُشاة بشارع الأزهر كان سيشوه قُبة الغوري التي تقع في مواجهته، وأعدّت الجمعية تقريراً فنياً أرسلته للجهات المختصة التي ألغت بناء الكوبري، كما خاضت الجمعية معركة أخرى قبل سنوات عندما أوقفت حكومة المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء الأسبق العمل في مشروع ترميم وتطوير منطقة هرم سقارة استناداً إلى تقارير فنية وحملات إعلامية اتهمت الشركة المصرية التي تتولى تنفيذ المشروع بعدم الالتزام بالمواصفات الفنية، وشكلت الجمعية لجنة فنية ضمت خبراء متخصصين راجعوا التقارير التي استندت إليها الحكومة في قرار إيقاف المشروع، ودرست اللجنة الموقع وقيّمت المواصفات الفنية للعمليات التي تمت بالمشروع، وخلص تقريرها النهائي إلى التزام الشركة بالمواصفات الفنية كافة وجديتها في العمل، إلى أن قرّر رئيس الوزراء استمرار المشروع مع نفس الشركة المصرية.
ويقول المهندس ماجد الراهب رئيس مجلس إدارة جمعية «المحافظة على التراث المصري» لـ«الشرق الأوسط» إنّ «الهدف الرئيسي للجمعية هو الحفاظ على التراث بكافة روافده من خلال كثير من الأنشطة، لكنّنا نركّز على إنقاذ المناطق الأثرية المهملة أو التي تتعرض لتهديدات بيئية، ونُعدّ بالتعاون مع وزارة الآثار والجهات المختصة تقارير فنية عن هذه المناطق، كما نتابع مشروعات الترميم والتطوير التي تتم، وأيضاً نتولى ترميم بعض المناطق الأثرية، ونعمل في الوقت الراهن على مشروعين لترميم مسجد الفكهاني في شارع المعز بمنطقة القاهرة الفاطمية، وتجديد سقف المتحف القبطي وترميمه في حي مصر القديمة بجنوب القاهرة».
جمعيات أهلية تصون التراث المعماري والتاريخي في مصر
جمعيات أهلية تصون التراث المعماري والتاريخي في مصر
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة