كتاب مصريون: الرواية والفلسفة وكتب السيرة في الصدارة

أشرف العوضي  -  أحمد الحلواني  -  بهيج إسماعيل
أشرف العوضي - أحمد الحلواني - بهيج إسماعيل
TT

كتاب مصريون: الرواية والفلسفة وكتب السيرة في الصدارة

أشرف العوضي  -  أحمد الحلواني  -  بهيج إسماعيل
أشرف العوضي - أحمد الحلواني - بهيج إسماعيل

تنوعت قراءات الكتاب المصريين في عام 2019 ما بين الرواية والمسرح والفلسفة والقصة والكتب ذات التوجه الفكري، فضلاً عن الترجمات الأدبية والشعر.
- بهيج إسماعيل: «الأسرار» و«أغرب من الخيال»
- أؤمن بأن الثقافة كمفهوم عملي هي التنقل الحر بين العلوم والمجالات المتنوعة، لذلك تعكس قراءاتي هذا التنوع والذي يراه البعض تناقضا، ولكني أحيا بين الشعر والأدب والعلم والفلسفة، وأنا أكتب روايتي «الذئب» قرأت مجموعة من الكتب لا بأس بها، وجاء كتاب «الأسرار» الأول وفق ترتيبه على مكتبي، وهو للكاتب «ديباج شبرا» وهو في الأصل طبيب يعيش في لندن وله جذور هندية ويناقش الكتاب في خمسمائة صفحة ثلاثة محاور رئيسية، الأول «من أنا؟»، والثاني «من أين أتيت؟»، والثالث والأخير جاء تحت عنوان «لماذا أنا هنا؟». ويصعب الحديث عن هذا الكتاب الضخم هنا بشكل تفصيلي ولكنه أجاب عن الأسئلة الثلاثة الكبرى بشكل صريح ومدهش.
كما أعدت قراءة مسرحيات صلاح عبد الصبور الشعرية، وأيضا كتاب «أيام صلاح جاهين» للكاتب محمد توفيق، وقرأت كتاب «الأمير» لميكافيللي، وكذا كان لي أن أقرأ خمسة كتب كاملة للدكتور خالد منتصر أصدرتها له مؤسسة «بتانة» للنشر وأعتبر منتصر الكاتب الأجرأ في مصر الآن، وكذا أعجبت بعناوين الكتب مثل «هذه أصنامكم وهذه فأسي»، و«لكم أسلافكم ولي سلفي»... وهكذا.
وقرأت «أغرب من الخيال» لـ«راجي عنايت»، وكتاب «التخاطر واليوجا» أيضا، وأمتعتني قصة حياة سلامة موسى، وآخر أيام مي زيادة في مصر، وفي الفلسفة قرأت خمسة كتب للدكتور زكريا إبراهيم أستاذ الفلسفة المعروف منها «مشكلة الإنسان»، و«مشكلة الحب»، وفي تقديري من المهم لأي شخص يبغي التثقف أن يقرأ للدكتور زكريا إبراهيم.
- مصطفى نصر: «ليس لدى الكولونيل من يكاتبه»
- أعجبت بكتاب الراحل علي أبو شادي «السينما والسياسة»، ولُمت نفسي لأنني لم أقرأه فور صدوره، يربط أبو شادي فيه بين السياسة والسينما، خاصة في الفترة الساداتية التي أعطت الضوء الأخضر لبعض السينمائيين لكي يهاجموا عبد الناصر وعصره، بداية من فيلم الكرنك المأخوذ عن رواية لنجيب محفوظ، سيناريو وحوار وإنتاج ممدوح الليثي، ومن إخراج علي بدرخان الذي وقع في أسر الشعارات التي تبحث عن الحرية وسيادة القانون.
وأعجبت أيضا برواية عمرو كمال حمودة المعنونة «سكر أسود»، فقد وظف الكاتب فيها خبرته النادرة ومعرفته بطرق التجارة العالمية في صناعة السكر، كما استغل الكاتب قربه من كبار رجال الأعمال وفضح تصرفاتهم وصراعاتهم، كاشفا للقارئ أشياء يسمع عنها لأول مرة. وأقرأ الآن رواية ماركيز «ليس لدى الكولونيل من يكاتبه»، بمناسبة رحيل صالح علماني الذي نقل إلينا هذه الرواية عن الإسبانية، وأنوي أن أقرأ باقي روايات ماركيز التي ترجمها صالح علماني، فهو مترجم صاحب كفاءة، يعرف كيف يحافظ على روح العمل الذي يترجمه ويقدمه للقارئ بلغة شيقة ممتعة.
- أشرف العوضي: من العقاد إلى آسيا
- أصبحت القراءة ممنهجة وموجهة وذلك لعدم وجود الوقت الكافي كما كنا في السابق نقرأ أي شيء نستطيع الحصول عليه، ولاهتمامي بكتابة رواية عن فترة العشرينات، فقد كانت معظم قراءاتي تصب في هذا الاتجاه، من مراجع تاريخية ومذكرات شخصية وشهادات ممن عاصروا تلك الفترة. لذلك كنت سعيدا بحصولي على نسخة نادرة من كتاب «أنا» للكاتب الفذ عباس محمود العقاد عملاق الفكر العربي، وهذه النسخة هي الطبعة الأولى لكتاب «سيرة خاصة» جدا والذي أراه من أهم كتب السيرة في القرن العشرين.
ولأنني من عشاق قارة آسيا ودائم السفر لها فقد اقتربت من الانتهاء من قراءة قصة «سنغافورة مذكرات لي كوان يو» والذي يروي أحداثها وكاتبها هو رئيس وزراء سنغافورة الأسبق، حيث يحكي تجربة هذه المدينة الفريدة وكيف تحولت من بلد صغير به الكثير من الكوارث إلى بلد يُضرب به المثل الآن في الالتزام واحترام القوانين والعدل.
كما حظيت بقراءة مكثفة للكاتب محمد المنسي قنديل، حيث قرأت له هذه العام خمس روايات هي «انكسار الروح»، «قمر على سمرقند»، «يوم غائم في البر الغربي»، «أنا عشقت» وحاليا أقرأ «كتيبة سوداء».
وأعتقد أن خيري شلبي الروائي الأثير إلى قلبي دائما له نصيب من قراءاتي وقد انبهرت بما كتبه في الرحلة الروائية «فلاح مصري في بلاد الفرنجة» فرغم قِدم الكتاب الصادر عن دار المعارف فإن الدهشة بما رأى وبما كتب تظل طازجة رغم كل تلك السنين.
كما قرأت لمحمد البساطي مرة أخرى في الأعمال الكاملة الصادرة عن الهيئة العامة المصرية للكتاب، حيث لا أمل من العودة مرة أخرى إلى ذلك المنجز الأدبي الرفيع. كذلك استمتعت بقراءة ترجمة، في مجلدين، النسخة العربية لموسوعة «ألف ليلة وليلة» أو «الليالي العربية»، لـ«أورليش مارزوف وريتشارد فان ليفن»، من ترجمة وتقديم السيد إمام.
قرأت الرواية الأخيرة للكاتب «باولو كويلو» أحد الكتاب المفضلين لدي والتي حملت عنوان «هيبي» وأيضا قرأت رواية «الزوجة المكسيكية» لإيمان يحيى لعشقي ليوسف إدريس في المقام الأول ولقوة الرواية في المقام الثاني، كما استمتعت بداية العام بقراءة رواية «طقس» لأمير تاج السر.
- أحمد الحلواني
- كتاب «في أثر عنايات الزيات» للشاعرة «إيمان مرسال» من أكثر الكتب التي شغلتني هذا العام، وهو محاولة صادقة في البحث بعمق عن مسار حياة «عنايات الزيات» المأساوي صاحبة الرواية الوحيدة «الحب والصمت»، والتي قررت في النهاية أن تنهي حياتها بالانتحار. كتاب حافل بالقصص والنقد المجتمعي في لغة تكاد تكون شعرا، وتغوص بنا إيمان مرسال بين السيرة الحقيقية في استقصاء متعمق عن سيرة حياتها وأصدقائها والطريق الذي أدى بها لتلك النهاية المفجعة، والتخيل لملء الكثير من الأمور الغامضة عن تلك الكاتبة.
وقرأت رواية «عنكبوت في القلب» للشاعر الروائي محمد أبو زيد، هي رواية تجمع بين الفنتازيا العجائبية والواقعية السحرية، ومن خلالهما يتشكل المنحى الرئيسي للسرد، والرواية تحاول في بساطة السخرية من هذا العالم، وما أعجبني في هذه الرواية هي قدرة المؤلف على التلاعب التجريبي، والخوض في الإنساني والتراثي فاستعان بعلاء الدين ومصباحه السحري، والجن، حتى الببغاء أطلق عليه «تأبط شرا» وهو شاعر من شعراء الصعاليك، و«سنو وايت»، وغيرهما من الشخصيات المتخيلة، والتماس مع الشخصيات الواقعية مثل شخصيتي «بيبو» الذي يعمل في مستشفى العباسية للأمراض النفسية، و«ميرفت» التي تحيا حياة مغلقة، وهما الشخصيتان المركزيتان في الرواية. كل هذا يميل أحيانا للسخرية من الواقع، والرواية في مجملها تعتبر من الخطوط الجديدة غير المطروقة مما يجعل منها صرخة في وجه المألوف والتقليدي.
أيضا رواية «رواق البغدادية» للكاتب الروائي أسامة السعيد، وهي رواية تاريخية تخيلية يتجادل في داخلها الزمن الماضي والحاضر في نسيج روائي مليء بالشغف والإثارة، ومقارنة النساء في كلا العصرين، وما ينالهم من قهر ما بين القاهرة المملوكية قديما، والقاهرة فيما قبل 2011 حديثا، وعنوان الرواية يشير إلى «رواق البغدادية» في العصر المملوكي وهو المكان الذي كانت تودع فيه النساء اللاتي طلقن أو هجرن، حتى يتزوجن أو يرجعن إلى أزواجهن صيانة لهن، وكأنه نوع من أنواع العقاب والزجر.
- نجوى السودة: أعمال ليسبكتور
- الأعمال الكاملة لـ«كلاريس ليسبكتور»، حيث يعد هذا الكتاب من أفضل ما قرأت في هذا العام لذلك كنت سعيدة بترجمته، وتعتبر كلاريس أعظم كاتبات العصر الحديث وللأسف لم تنل قدرها بعد في العالم العربي، بالأحرى لم يذكرها أحد، ويقع أول عمل في هذا المجلد، في الأقسام التي تحمل عنوان «القصص الأولى» و«الروابط العائلية»، فلا يحيد ما يحتويه المجلد عن نطاق الأدب القصصي، وتتسم البيئة في معظم أجزائها بالجو العائلي وحكاياتها إذا ما نظرنا إليها من حيث الجوهر خالية من الأحداث الهامة أو المعقدة.


مقالات ذات صلة

بيدرو ألمودوفار سيد الأفلام الغامضة يؤلف كتاباً لا يستطيع تصنيفه

ثقافة وفنون بيدرو ألمودوفار (إ.ب.أ)

بيدرو ألمودوفار سيد الأفلام الغامضة يؤلف كتاباً لا يستطيع تصنيفه

يجري النظر إلى بيدرو ألمودوفار، على نطاق واسع، باعتباره أعظم مخرج سينمائي إسباني على قيد الحياة. أما هو فيرى نفسه كاتباً في المقام الأول - «كاتب حكايات»،

نيكولاس كيسي
يوميات الشرق الصور الثابتة في أي كتاب مدرسي تتحوَّل نماذج تفاعلية ثلاثية البُعد (فرجينيا تك)

الذكاء الاصطناعي يضخّ الحياة بالكتب المدرسية الجامدة

طوّر فريق من الباحثين في جامعة «كولورادو بولدر» الأميركية نوعاً جديداً من الكتب المدرسية التفاعلية التي تتيح تحويل الصور الساكنة نماذجَ محاكاة ثلاثية البُعد.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق «شيء مثير للاهتمام جداً» (رويترز)

نسخة نادرة من مخطوطة «الأمير الصغير» للبيع

ستُطرح نسخة نادرة من المخطوطة الأصلية لرواية «الأمير الصغير» للكاتب أنطوان دو سانت أكزوبيري، للبيع؛ وهي التي تحتوي على تصحيحات وتعليقات مكتوبة بخطّ المؤلّف.

«الشرق الأوسط» (لندن)
كتب القوة في موازين الحياة

القوة في موازين الحياة

يسعى كتاب «لعب الأدوار بقوة» للكاتبة والباحثة الأميركية، ديبورا جرونفيلد، إلى تفكيك مفهوم «القوة»، بما له من حمولات سيكولوجية، واجتماعية، وسياسية، وإنثروبولوجية

منى أبو النصر (القاهرة)
كتب «استنطاق الصامت» يختصر أبحاثاً طويلة في بضعة سطور

«استنطاق الصامت» يختصر أبحاثاً طويلة في بضعة سطور

يأخذ المفكر اللبناني مشير باسيل عون قارئه، في مؤلفه الجديد «استنطاق الصامت: مفاتحات فلسفية في الاجتماع والدين والسياسة» الصادر حديثاً عن دار «سائر المشرق»

مالك القعقور (لندن)

«استنطاق الصامت» يختصر أبحاثاً طويلة في بضعة سطور

«استنطاق الصامت» يختصر أبحاثاً طويلة في بضعة سطور
TT

«استنطاق الصامت» يختصر أبحاثاً طويلة في بضعة سطور

«استنطاق الصامت» يختصر أبحاثاً طويلة في بضعة سطور

يأخذ المفكر اللبناني مشير باسيل عون قارئه، في مؤلفه الجديد «استنطاق الصامت: مفاتحات فلسفية في الاجتماع والدين والسياسة» الصادر حديثاً عن دار «سائر المشرق»، في رحلة إلى عمق شخصيته وفكره ونظريته الفلسفية.

فأستاذ الفلسفة الألمانية في الجامعة اللبنانية درج على أخذ قرائه إلى أفكار كبار الفلاسفة والمفكرين، عبر أكثر من 30 كتاباً وعدد من الأبحاث وضعها خلال 40 عاماً، لكنه أراد لكتابه الجديد (207 صفحات من القطع الوسط) أن يكون رسالته المباشرة إلى القارئ، بلغته ونهجه ومفرداته، التي حمّلها أفكاره ورؤيته الفلسفية عبر استنطاقات (حوارات) أجراها معه باحثون ليعرفوا، وينشروا، خلاصة التصورات التي «استقرت في وعيي على تعاقب سنوات البحث الفلسفي والتعليم الجامعي والنضال الوجودي في جميع أبعاده».

مشير باسيل عون

وقبل أن يدخل القارئ إلى مفاتحات عون، يجده يطلب منه أن ينحي أفكاره المسبقة جانباً وألا يسلك طريقته الخاصة في النقاش والحوار والأحكام القَبْلية؛ لأن «كل واحد منا إذا راجع طريقته في محاورة الآخرين، اتضح له أنه، في كثير من الأحيان، يغترف الدليل من أنظومته الدينية، وفي ظنّه أنه يستمده من الشرعة الحقوقية العالمية التي يعترف بها معظم الناس. حينئذٍ يتعثّر الحوار، وتضطرب العلاقة، وتسوء النيات، وتفسد المقاصد. أما لو بذلنا جهداً يسيراً في استجلاء مصادر تصوراتنا وأفكارنا واقتناعاتنا، لتبين لنا أننا غالباً ما نفرض على الآخرين ما نعده أمراً مسلّماً به أو حقيقة ساطعة سطوع الشمس. وحده مثل هذا التمييز يجعل الناس والمختلفين يرتاحون إلى المجالسة والمحاورة والمباحثة، وفي يقينهم أن التلاقي تسوده رغبة الاحترام الصادق المتبادل وتؤيده مشيئة التقابس المغني».

وفي مقدمة كتابه أيضاً، يقول عون لقارئه أن يبحث عما يريد قوله في ثنايا فقراته وعليه أن «يضاعف اليقظة ويحبس الانتباه حتى يتقصى المرمى ويدرك المغزى المستتر في ثنايا الآراء المرسلة»، عازياً السبب إلى أنه يختصر في بضعة سطور أبحاثاً طويلة «أضناني إنشاؤها وأرهقني صوغها».

يذهب عون إلى القضايا الإنسانية، وربما أعسرها، محلياً وعالمياً، موضحاً أن «الفرق واضح بين الإفصاح عن الموقف الفلسفي العام، والدفاع عن بعض الأفكار الفلسفية في قضايا الوجود التاريخي، لا سيما في قرائن الاجتماع اللبناني والعربي».

فما هي هذه الأفكار التي يتبناها عون ويدافع عنها؟ يعنى عون، ومنذ سنوات طويلة من الانخراط الفكري في أوروبا ولبنان، بـ«تأصيل التعددية الكونية تأصيلاً فلسفياً». فهو يقول بأنثروبولوجيا الماهية الإنسانية المشرعة؛ أي بضرورة النظر في جوهر الإنسان نظراً تاريخياً يراعي التطور المطرد الذي يصيب كل الكائنات و«من جراء تسارع وتيرة الفتوحات العلمية، أعتقد أننا لن ننتظر طويلاً حتى نعاين صورة أخرى عن الإنسان الآتي في المقبل من العقود»، وفق تعبيره.

ويقول إنه عمد إلى البحث عن أفضل الأنظمة الحضارية التي تتيح للناس أن يتدبروا اختلافاتهم «فإذا بي أصوغ مفهوم العلمانية التي تميّز الحقل الاقتناعي الذاتي الشخصي الخاص من الحقل التنظيمي التدبيري التقني الجماعي المشترك العام».

وانطلاقاً من ذلك، ينصرف عون في أبحاثه إلى بناء نظرية فلسفية تقوم على 3 أصول:

التسالمية الحضارية المقترنة بالتعددية الكونية، وتكاملية القيم الإنسانية في تناولاتها التأويلية المتباينة، والحيادية الحاضنة في العلمانية الهنية.

لكن ما هي «العلمانية الهنية»؟ يجيب عون قائلاً صفة «الهنية» تجعل العلمانية ترعى بالحياد المتعاطف اختبارات الإنسان من غير أن تسوغ له فرضها على الآخرين، و«العلمانية الهنية وحدها تتيح للناس أن يصونوا اقتناعاتهم الإيمانية، ولكن من غير أن يفرضوا تفسيراتها القانونية وأحكامها التشريعية وتطبيقاتها المسلكية العملية (...) في نطاق المجال العمومي المشترك».

ولا يرى عون إلى هذا الأمر سوى الفلسفة سبيلاً «بالرغم من المشهد المأساوي».

إذا كان للفلسفة اليوم من رسالة استنهاض تلائم واقع العالم العربي فإنها رسالة تحرير الذات العربية من ذاتها

ولكن ما الذي يمكن أن تقدّمه الفلسفة للعالم العربي؟ يجيب عون، على الرغم من أن واقع الفلسفة في العالم العربي لا يشجعه على التفاؤل، قائلاً: «إذا كان للفلسفة اليوم من رسالة استنهاض تلائم واقع العالم العربي فإنها رسالة تحرير الذات العربية من ذاتها (...) وحدها الفلسفة، على ما تختزنه من طاقات تحرير الذات العربية، قادرة على استنهاض العالم العربي والتوثب به إلى آفاق التجديد والإبداع».

ويرى أن الفلسفة العربية المقبلة لن تقوم على الفتح الإبستمولوجي العالمي؛ لأن مختبرات العالم الأول تسلطت، فيما يشبه الاحتكار، على مصادر المعرفة العلمية المتطورة، ولن تنهض أيضاً على أسس القوميات الملتبسة لأن المجتمعات المعاصرة لم تعد تثق بالانتماء القومي حافزاً على الإبداع الثقافي، وطفقت تنحو اليوم منحى الأخوة الإنسانية المسكونية التي تتجاوز حدود العرق والمنبت واللغة، داعياً الإنسان العربي إلى «نحت هوية جديدة تستصفي أفضل ما في التراث من قيم وتعتمد أرفع ما في الحداثة من مكتسبات».

ولا يخفي عون دعوته إلى حوار مسيحي - إسلامي، موضحاً أن هذا الحوار يجب أن يكون سياسي المنحى ولا «يفلح فيثمر إلا إذا نشبت جذوره في حوار لاهوتي رصين موضوعي مجرد من غايات الاقتناص والاستعلاء والاحتواء»، ومستشهداً بزمن عربي قديم استطاع فيه المسيحيون والمسلمون أن يتحاوروا في صدق و«لا سيما في حقبات التسامح الديني الإسلامي».

ودعوته إلى هذا الحوار تستند إلى تجربة شخصية خاضها في إدارة مركز الأبحاث في الحوار المسيحي - الإسلامي؛ حيث عكف على استجلاء مسألة الحقيقة الدينية ومقامها في نطاق الأنظومة الفكرية التي تبتنيها الأديان التوحيدية الثلاثة (اليهودية والمسيحية والإسلام)، وخلص إلى «الاستنتاج اللاهوتي الذي يميّز بين الحق الإلهي في ذاته، والحق الإلهي في تجلياته»، مبتكراً اصطلاحاً لاهوتياً حوارياً سمّاه «الإطلاقية النسبية».