كتاب مصريون: الرواية والفلسفة وكتب السيرة في الصدارة

أشرف العوضي  -  أحمد الحلواني  -  بهيج إسماعيل
أشرف العوضي - أحمد الحلواني - بهيج إسماعيل
TT

كتاب مصريون: الرواية والفلسفة وكتب السيرة في الصدارة

أشرف العوضي  -  أحمد الحلواني  -  بهيج إسماعيل
أشرف العوضي - أحمد الحلواني - بهيج إسماعيل

تنوعت قراءات الكتاب المصريين في عام 2019 ما بين الرواية والمسرح والفلسفة والقصة والكتب ذات التوجه الفكري، فضلاً عن الترجمات الأدبية والشعر.
- بهيج إسماعيل: «الأسرار» و«أغرب من الخيال»
- أؤمن بأن الثقافة كمفهوم عملي هي التنقل الحر بين العلوم والمجالات المتنوعة، لذلك تعكس قراءاتي هذا التنوع والذي يراه البعض تناقضا، ولكني أحيا بين الشعر والأدب والعلم والفلسفة، وأنا أكتب روايتي «الذئب» قرأت مجموعة من الكتب لا بأس بها، وجاء كتاب «الأسرار» الأول وفق ترتيبه على مكتبي، وهو للكاتب «ديباج شبرا» وهو في الأصل طبيب يعيش في لندن وله جذور هندية ويناقش الكتاب في خمسمائة صفحة ثلاثة محاور رئيسية، الأول «من أنا؟»، والثاني «من أين أتيت؟»، والثالث والأخير جاء تحت عنوان «لماذا أنا هنا؟». ويصعب الحديث عن هذا الكتاب الضخم هنا بشكل تفصيلي ولكنه أجاب عن الأسئلة الثلاثة الكبرى بشكل صريح ومدهش.
كما أعدت قراءة مسرحيات صلاح عبد الصبور الشعرية، وأيضا كتاب «أيام صلاح جاهين» للكاتب محمد توفيق، وقرأت كتاب «الأمير» لميكافيللي، وكذا كان لي أن أقرأ خمسة كتب كاملة للدكتور خالد منتصر أصدرتها له مؤسسة «بتانة» للنشر وأعتبر منتصر الكاتب الأجرأ في مصر الآن، وكذا أعجبت بعناوين الكتب مثل «هذه أصنامكم وهذه فأسي»، و«لكم أسلافكم ولي سلفي»... وهكذا.
وقرأت «أغرب من الخيال» لـ«راجي عنايت»، وكتاب «التخاطر واليوجا» أيضا، وأمتعتني قصة حياة سلامة موسى، وآخر أيام مي زيادة في مصر، وفي الفلسفة قرأت خمسة كتب للدكتور زكريا إبراهيم أستاذ الفلسفة المعروف منها «مشكلة الإنسان»، و«مشكلة الحب»، وفي تقديري من المهم لأي شخص يبغي التثقف أن يقرأ للدكتور زكريا إبراهيم.
- مصطفى نصر: «ليس لدى الكولونيل من يكاتبه»
- أعجبت بكتاب الراحل علي أبو شادي «السينما والسياسة»، ولُمت نفسي لأنني لم أقرأه فور صدوره، يربط أبو شادي فيه بين السياسة والسينما، خاصة في الفترة الساداتية التي أعطت الضوء الأخضر لبعض السينمائيين لكي يهاجموا عبد الناصر وعصره، بداية من فيلم الكرنك المأخوذ عن رواية لنجيب محفوظ، سيناريو وحوار وإنتاج ممدوح الليثي، ومن إخراج علي بدرخان الذي وقع في أسر الشعارات التي تبحث عن الحرية وسيادة القانون.
وأعجبت أيضا برواية عمرو كمال حمودة المعنونة «سكر أسود»، فقد وظف الكاتب فيها خبرته النادرة ومعرفته بطرق التجارة العالمية في صناعة السكر، كما استغل الكاتب قربه من كبار رجال الأعمال وفضح تصرفاتهم وصراعاتهم، كاشفا للقارئ أشياء يسمع عنها لأول مرة. وأقرأ الآن رواية ماركيز «ليس لدى الكولونيل من يكاتبه»، بمناسبة رحيل صالح علماني الذي نقل إلينا هذه الرواية عن الإسبانية، وأنوي أن أقرأ باقي روايات ماركيز التي ترجمها صالح علماني، فهو مترجم صاحب كفاءة، يعرف كيف يحافظ على روح العمل الذي يترجمه ويقدمه للقارئ بلغة شيقة ممتعة.
- أشرف العوضي: من العقاد إلى آسيا
- أصبحت القراءة ممنهجة وموجهة وذلك لعدم وجود الوقت الكافي كما كنا في السابق نقرأ أي شيء نستطيع الحصول عليه، ولاهتمامي بكتابة رواية عن فترة العشرينات، فقد كانت معظم قراءاتي تصب في هذا الاتجاه، من مراجع تاريخية ومذكرات شخصية وشهادات ممن عاصروا تلك الفترة. لذلك كنت سعيدا بحصولي على نسخة نادرة من كتاب «أنا» للكاتب الفذ عباس محمود العقاد عملاق الفكر العربي، وهذه النسخة هي الطبعة الأولى لكتاب «سيرة خاصة» جدا والذي أراه من أهم كتب السيرة في القرن العشرين.
ولأنني من عشاق قارة آسيا ودائم السفر لها فقد اقتربت من الانتهاء من قراءة قصة «سنغافورة مذكرات لي كوان يو» والذي يروي أحداثها وكاتبها هو رئيس وزراء سنغافورة الأسبق، حيث يحكي تجربة هذه المدينة الفريدة وكيف تحولت من بلد صغير به الكثير من الكوارث إلى بلد يُضرب به المثل الآن في الالتزام واحترام القوانين والعدل.
كما حظيت بقراءة مكثفة للكاتب محمد المنسي قنديل، حيث قرأت له هذه العام خمس روايات هي «انكسار الروح»، «قمر على سمرقند»، «يوم غائم في البر الغربي»، «أنا عشقت» وحاليا أقرأ «كتيبة سوداء».
وأعتقد أن خيري شلبي الروائي الأثير إلى قلبي دائما له نصيب من قراءاتي وقد انبهرت بما كتبه في الرحلة الروائية «فلاح مصري في بلاد الفرنجة» فرغم قِدم الكتاب الصادر عن دار المعارف فإن الدهشة بما رأى وبما كتب تظل طازجة رغم كل تلك السنين.
كما قرأت لمحمد البساطي مرة أخرى في الأعمال الكاملة الصادرة عن الهيئة العامة المصرية للكتاب، حيث لا أمل من العودة مرة أخرى إلى ذلك المنجز الأدبي الرفيع. كذلك استمتعت بقراءة ترجمة، في مجلدين، النسخة العربية لموسوعة «ألف ليلة وليلة» أو «الليالي العربية»، لـ«أورليش مارزوف وريتشارد فان ليفن»، من ترجمة وتقديم السيد إمام.
قرأت الرواية الأخيرة للكاتب «باولو كويلو» أحد الكتاب المفضلين لدي والتي حملت عنوان «هيبي» وأيضا قرأت رواية «الزوجة المكسيكية» لإيمان يحيى لعشقي ليوسف إدريس في المقام الأول ولقوة الرواية في المقام الثاني، كما استمتعت بداية العام بقراءة رواية «طقس» لأمير تاج السر.
- أحمد الحلواني
- كتاب «في أثر عنايات الزيات» للشاعرة «إيمان مرسال» من أكثر الكتب التي شغلتني هذا العام، وهو محاولة صادقة في البحث بعمق عن مسار حياة «عنايات الزيات» المأساوي صاحبة الرواية الوحيدة «الحب والصمت»، والتي قررت في النهاية أن تنهي حياتها بالانتحار. كتاب حافل بالقصص والنقد المجتمعي في لغة تكاد تكون شعرا، وتغوص بنا إيمان مرسال بين السيرة الحقيقية في استقصاء متعمق عن سيرة حياتها وأصدقائها والطريق الذي أدى بها لتلك النهاية المفجعة، والتخيل لملء الكثير من الأمور الغامضة عن تلك الكاتبة.
وقرأت رواية «عنكبوت في القلب» للشاعر الروائي محمد أبو زيد، هي رواية تجمع بين الفنتازيا العجائبية والواقعية السحرية، ومن خلالهما يتشكل المنحى الرئيسي للسرد، والرواية تحاول في بساطة السخرية من هذا العالم، وما أعجبني في هذه الرواية هي قدرة المؤلف على التلاعب التجريبي، والخوض في الإنساني والتراثي فاستعان بعلاء الدين ومصباحه السحري، والجن، حتى الببغاء أطلق عليه «تأبط شرا» وهو شاعر من شعراء الصعاليك، و«سنو وايت»، وغيرهما من الشخصيات المتخيلة، والتماس مع الشخصيات الواقعية مثل شخصيتي «بيبو» الذي يعمل في مستشفى العباسية للأمراض النفسية، و«ميرفت» التي تحيا حياة مغلقة، وهما الشخصيتان المركزيتان في الرواية. كل هذا يميل أحيانا للسخرية من الواقع، والرواية في مجملها تعتبر من الخطوط الجديدة غير المطروقة مما يجعل منها صرخة في وجه المألوف والتقليدي.
أيضا رواية «رواق البغدادية» للكاتب الروائي أسامة السعيد، وهي رواية تاريخية تخيلية يتجادل في داخلها الزمن الماضي والحاضر في نسيج روائي مليء بالشغف والإثارة، ومقارنة النساء في كلا العصرين، وما ينالهم من قهر ما بين القاهرة المملوكية قديما، والقاهرة فيما قبل 2011 حديثا، وعنوان الرواية يشير إلى «رواق البغدادية» في العصر المملوكي وهو المكان الذي كانت تودع فيه النساء اللاتي طلقن أو هجرن، حتى يتزوجن أو يرجعن إلى أزواجهن صيانة لهن، وكأنه نوع من أنواع العقاب والزجر.
- نجوى السودة: أعمال ليسبكتور
- الأعمال الكاملة لـ«كلاريس ليسبكتور»، حيث يعد هذا الكتاب من أفضل ما قرأت في هذا العام لذلك كنت سعيدة بترجمته، وتعتبر كلاريس أعظم كاتبات العصر الحديث وللأسف لم تنل قدرها بعد في العالم العربي، بالأحرى لم يذكرها أحد، ويقع أول عمل في هذا المجلد، في الأقسام التي تحمل عنوان «القصص الأولى» و«الروابط العائلية»، فلا يحيد ما يحتويه المجلد عن نطاق الأدب القصصي، وتتسم البيئة في معظم أجزائها بالجو العائلي وحكاياتها إذا ما نظرنا إليها من حيث الجوهر خالية من الأحداث الهامة أو المعقدة.


مقالات ذات صلة

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

ثقافة وفنون «أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

في كتابها «رحِم العالم... أمومة عابرة للحدود» تزيح الكاتبة والناقدة المصرية الدكتورة شيرين أبو النجا المُسلمات المُرتبطة بخطاب الأمومة والمتن الثقافي الراسخ

منى أبو النصر (القاهرة)
تكنولوجيا شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

مع ازدياد احتياجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدأت أوساط قطاع النشر هي الأخرى في التفاوض مع المنصات التي توفر هذه التقنية سعياً إلى حماية حقوق المؤلفين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق كاميلا ملكة بريطانيا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الأدب بحضور الأميرة آن (رويترز)

قدمتها لها الأميرة آن... الملكة كاميلا تحصل على دكتوراه فخرية في الأدب

حصلت الملكة البريطانية كاميلا، زوجة الملك تشارلز، على الدكتوراه الفخرية؛ تقديراً لـ«مهمتها الشخصية» في تعزيز محو الأمية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
كتب سوزان بلاكمور وابنتها أميلي تروسيانكو  أثناء حفل توقيع كتاب "الوعي: مقدمة"

الشبحُ في الآلة

شغل موضوع أصل الأشياء The Origin مكانة مركزية في التفكير البشري منذ أن عرف البشر قيمة التفلسف والتفكّر في الكينونة الوجودية.

لطفية الدليمي
كتب سيمون سكاما

قصة اليهود... من وادي النيل حتى النفي من إسبانيا

يروي الكاتب البريطاني اليهودي «سيمون سكاما»، في كتابه «قصة اليهود»، تفاصيل حياة اليهود ابتداءً من استقرارهم في منطقة الألفنتين

سولافة الماغوط (لندن)

كل الحروب سياسية... والاستراتيجية الرديئة تزيدها سوءاً

الحرب الكورية
الحرب الكورية
TT

كل الحروب سياسية... والاستراتيجية الرديئة تزيدها سوءاً

الحرب الكورية
الحرب الكورية

اشتهر كارل فون كلاوزفيتز، كبير فلاسفة الحرب في الغرب، بملاحظته أن الحرب امتداد للسياسة، كما أشار إلى نقطة ثانية، وهي أن الحرب تابعة للسياسة، ومن ثم فهي تتشكّل من خلالها، مما يجعل «تأثيرها ملموساً حتى في أصغر التفاصيل العملياتية».

نحن نرى هذا اليوم في الشرق الأوسط، حيث قد تسترشد محاولات إنقاذ الرهائن الفتاكة، والاغتيالات الكبرى، كتلك التي أودت بحياة حسن نصر الله زعيم «حزب الله»، بنقاط سياسية بقدر ما تسترشد بالرغبة في إنهاء الحرب بأسرع وقت ممكن. وعلى الجانب الآخر من المعادلة، يبدو أن أحدث سرب من الصواريخ الباليستية الإيرانية، التي انفجر معظمها من دون ضرر فوق إسرائيل، كان عملاً من أعمال المسرح السياسي الذي يهدف في المقام الأول إلى رفع المعنويات على الجبهة الداخلية.

من المفيد لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وآية الله علي خامنئي من إيران، ناهيكم عن الرئيس الأميركي المقبل، أن يقرأوا كتاب جفري فافرو «حرب فيتنام: تاريخ عسكري» (652 صفحة، دار «بيسك بوكس» للنشر).

إنه يُلقي أفضل نظرة عامة على المغامرة الأميركية في جنوب شرقي آسيا، ومن المؤكد أنه سوف يصبح كتاباً معيارياً عن تلك الحرب، وبينما نتابع المعاناة الجارية في الشرق الأوسط، فإن هذا الكتاب يقدّم لنا أيضاً دروساً قوية بشأن المخاطر المترتبة على شن حرب مفتوحة من دون إستراتيجية حقيقية.

تركّز أغلب كتب التاريخ عن حرب فيتنام على الدبلوماسية والسياسة في الصراع، بالعودة إلى العمليات العسكرية للأحداث الرئيسية فقط، مثل هجوم «تيت» ومعركة مدينة «هوي»؛ إذ يتبع واورو، المؤرخ في جامعة نورث تكساس، نهجاً أكثر تنويراً.

ووفقاً لرأي فافرو، كان التدخل الأميركي في فيتنام بمثابة درس كبير في كيفية تجنّب شنّ الحرب، وقد أدى الاعتقاد الطائش في فاعلية القوة النارية المحضة، إلى حملات القصف الأميركية المدمِّرة التي كما يقول واورو: «أدّت إلى إحراق سُبع أراضي جنوب فيتنام» و«خلقت خمسة ملايين لاجئ داخلي»، على أمل دفع قوات «فيت كونغ» الفيتنامية إلى العراء، ورفض الخصم الشيوعي القتال بهذه الطريقة، بل كانوا يشتبكون سريعاً، ثم ينسحبون عندما يردّ الأميركيون بوابل عنيف من نيران المدفعية والغارات الجوية. في الأثناء ذاتها، كلما حاول الرئيس ليندون جونسون - الذي لم يدرس مبادئ كلاوزفيتز - فصل الحرب عن السياسة، بالكذب بشأن تكاليفها ورفض تعبئة الاحتياطي العسكري؛ صارت الحرب أكثر سياسية، وهيمنت على الخطاب الأميركي، ثم عصفت به خارج الرئاسة.

لم يكن أداء أميركا أفضل مع الهجمات المستهدفة، وكما هو الحال مع أجهزة البيجر المتفجرة التي استخدمتها إسرائيل، فإن برنامج «فينكس» من إعداد وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية لاغتيال أعضاء «فيت كونغ» قد «ركّز على (القبض أو القتل)»، كما كتب واورو، وأدى إلى سقوط ضحايا أبرياء، كما أنه لم يؤدِّ إلى الاقتراب من نهاية الحرب؛ لأن البرنامج بأكمله كان مبنياً على «أرقام ملفقة»، كما يوضح المؤلف، «وليس على الواقع الحقيقي»، وكان البرنامج عبارة عن طريقة أخرى لقتل الناس من دون فهم الحرب.

جعلتني قراءة التاريخ الرائع الذي كتبه فافرو أفكّر في نتيجة لازمة جديدة لنظريات كلاوزفيتز: كلما كانت الاستراتيجية أقل تماسكاً في الحرب، أصبحت أكثر تسييساً، دخلت الولايات المتحدة الحرب لأسباب سياسية ودبلوماسية غامضة (الظهور بمظهر الصرامة أمام خصوم الحرب الباردة ليس نهاية المطاف). بعد عقدين من الزمان كان الغزو القصير والفوضوي لجنوب «لاوس» من قِبل القوات البرّية الفيتنامية الجنوبية والقوة الجوية الأميركية بمثابة «مسرحية سياسية، وليس حرباً»، ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية عام 1972، لم تكن هناك نهاية في الأفق، وكان الدافع وراء الهجوم هو رغبة الرئيس ريتشارد نيكسون في جعل الأمر يبدو وكأن فيتنام الجنوبية تتولّى زمام الأمور في القتال، وبدلاً من ذلك، زاد من زعزعة استقرار المنطقة، ولم يفعل شيئاً يُذكر لقطع خطوط إمداد العدو.

لحسن الحظ، خلال الحرب العالمية الثانية استخدمت الولايات المتحدة السياسة لخدمة المجهود الحربي بدلاً من العكس، وإن لم يكن الجميع يرَون الأمر على هذا النحو. في كتاب «أميركا أولاً: روزفلت ضد ليندبيرغ في ظل الحرب» (444 صفحة، دار «دوبلداي للنشر»)، يُصوّر إتش دبليو براندز، نجم الطيران الشهير تشارلز ليندبيرغ، الذي تحدث عن النزعة الانعزالية في البث الإذاعي الوطني، بوصفها أمراً ساذجاً، ولكن صادقاً، في حين يُصوّر الرئيس فرانكلين روزفلت بأنه مخادع بشكل ملحوظ في جهوده لدفع الولايات المتحدة إلى الحرب.

لكن في الواقع، كان فرانكلين روزفلت هدفاً كبيراً لهذه التهمة؛ إذ تعهد الرئيس أثناء حملته الانتخابية للفوز بولاية ثالثة غير مسبوقة، قائلاً: «لن يُرسَل أبناؤكم إلى أي حروب خارجية»، وكان جيمس، نجل روزفلت، يتساءل عن سبب اتخاذ والده هذا الموقف، فقال والده موضحاً: «جيمي، كنت أعلم أننا ذاهبون إلى الحرب، كنت متأكداً من أنه لا يوجد مخرج من ذلك، كان لزاماً أن أثقّف الناس بشأن الحتمية تدريجياً، خطوة بخطوة»، ربما يكون هذا مخادِعاً، لكن هذه السياسة ساعدت الأميركيين على المشاركة في المجهود الحربي، كان كلاوزفيتز ليفخر بذلك.

في الوقت نفسه، عندما يرفض ليندبيرغ الدعوة إلى هزيمة ألمانيا في أواخر يناير (كانون الثاني) 1941، يُعيد إلى الأذهان رفض دونالد ترمب دعم المعركة الأوكرانية ضد العدوان الروسي، ويلاحظ براندز، وهو مؤرخ في جامعة تكساس فرع أوستن، ليونةَ ليندبيرغ إزاء ألمانيا النازية، ولكن - في رسم صورة متعاطفة للرجل - يستبعد عديداً من التفاصيل التي تظهر في كتب أخرى، مثل السيرة الذاتية تأليف «إيه سكوت بيرغ»، الفائزة بجائزة بوليتزر لعام 1998.

لا يذكر براندز، على سبيل المثال، أن ليندبيرغ رفض في مايو (أيار) 1940 الحديث عن مخاطر انتصار النازية، بوصفه «ثرثرة هستيرية»، أو أنه، في العام نفسه، ألّفت زوجة الطيار آن مورو ليندبيرغ كتاب «موجة المستقبل»، وفيه جادلت بأن العهد الجديد ينتمي إلى أنظمة استبدادية، وكان ذلك الرجل يحمل مثل هذه الولاءات المُرِيبة حتى بعد بيرل هاربر، كما قال ليندبيرغ (في تصريحات أغفلها براندز أيضاً): «إن بريطانيا هي السبب الحقيقي وراء كل المتاعب في العالم اليوم».

إن مثل هذه الإغفالات تجعل كتاب براندز يبدو وكأنه مُوجَز متحيّز إلى ليندبيرغ أكثر من كونه كتاباً تاريخياً نزيهاً. كتب براندز يقول: «لقد أصاب ليندبيرغ كثيراً في حملته ضد الحداثة، لكنه أخطأ في أمر واحد كبير- فهو لم يرَ أن الأميركيين كانوا على استعداد للتدخل في الصراعات الخارجية». وأودّ أن أزعم أن ليندبيرغ كان مخطئاً أكثر من ذلك؛ فقد عبث بمعاداة السامية، وهو شيء ينتقص براندز من أهميته، وعلى نحو مفاجئ بالنسبة لطيار شهير، لم يكن يبدو أن لديه الكثير من البصيرة في دور القوة الجوية في الحرب، وحتى في القراءة الأكثر تعاطفاً، لا بد أن كلاوزفيتز كان ليحتدم غيظاً.

الجنرال البروسي العجوز هو موضوع تحليل جديد لاذع، وربما شديد التحريض من ناحية «أزار غات»، المؤرخ الفكري في جامعة تل أبيب. في كتابه «أسطورة كلاوزفيتز: أو ملابس الإمبراطور الجديدة» (228 صفحة، دار «كرونوس للنشر»)، يزعم غات أن كتاب كلاوزفيتز «عن الحرب» مؤثر بصورة رئيسية؛ لأنه مُحير للغاية. ويَخلُص إلى أن «الكثير من سمعة الكتاب تستند إلى سوء فهم دائم لما يعنيه في الواقع».

هناك في الأساس اثنان من كلاوزفيتز؛ الأول ألّف في وقت مبكر من حياته المهنية الكثير من كتب «عن الحرب»، بينما يسعى إلى فهم انتصارات نابليون السريعة والساحقة على بروسيا، والآخر كان يحاول بعد سنوات رسم مسارٍ لاستعادة بروسيا مكانتها في أوروبا، ولكن بدلاً من تأليف كتاب ثانٍ، كما يقول غات، عاد الضابط البروسي ونقّح كتاب «عن الحرب» بطرق تتناقض على نحو جَلِيّ مع بعض الأجزاء الأسبق من نفس الكتاب. بدأ كلاوزفيتز بكتابة أن النصر يعتمد على هزيمة سريعة للعدوّ في معركة كبيرة واحدة. وفي وقت لاحق أدرك أن العديد من الأطراف الفاعلة، سيما الأضعف منها، قد يكون لديها سبب لإطالة أمد القتال. وشرع في التنقيح، لكنه لم يكن لديه الوقت لعلاج هذا التضادّ قبل وفاته عام 1831.

وبينما كنت أقرأ كتاب غات، ظللتُ أفكّر في أنه لم يدرك النقطة الأكثر أهميةً؛ قد تشوب الأعمال الكلاسيكية حالة من النقص إلى حد بعيد؛ إذ تطرح أسئلة أكثر مما تقدّم من إجابات، وهو ما كان بمثابة طريق أكثر أماناً للاستمرار عبر الزمن. في الواقع، كانت واحدة من أشهر ملاحظات كلاوزفيتز تتعلّق بطرح الأسئلة، وهو يقول إنه قبل أن تتصاعد أعمال العنف يجب على القادة المفكرين أن يسألوا أنفسهم: ما نوع هذه الحرب؟ وما الذي تريد أمّتي تحقيقه؟ وهل يمكن أن تحقّق ذلك فعلاً؟

هذه اعتبارات جيدة. إن مواصلة حرب استنزاف لا نهاية لها، سواء في جنوب شرقي آسيا، أو في الشرق الأوسط، من غير المرجّح أن تؤدي إلا إلى المزيد من الفوضى والموت، وعلى نحو مماثل، لو تعامل قادة أميركا بجدّية مع نهاية المسألة قبل غزو فيتنام، ناهيكم عن العراق أو أفغانستان، ربما كانت حروبهم لتسير على نحو أفضل كثيراً، أو ربما لم تكن لتحدث على الإطلاق.

-------------------

خدمة: «نيويورك تايمز».