«كوكون»... شبكة تواصل اجتماعي جديدة للعائلة

تطبيق «الشرنقة» يجمع أفراد «المنزل على الهاتف»

«كوكون»... شبكة تواصل اجتماعي جديدة للعائلة
TT

«كوكون»... شبكة تواصل اجتماعي جديدة للعائلة

«كوكون»... شبكة تواصل اجتماعي جديدة للعائلة

تنطوي عملية التواصل الاجتماعي على مفارقة كبيرة، إذ إننا نستطيع أن نرى معارفنا الذين تفصل بيننا وبينهم مسافات بعيدة، أكثر من أي شخص آخر، عبر الإنترنت. والآن، يعمل موظفون سابقون في «فيسبوك» على إنشاء «كوكون»، وهي شبكة تواصل اجتماعي جديدة «خصوصية»، وليست عمومية مثل شبكات التواصل الاجتماعي الشهيرة، لأنها موجهة للعوائل.

- توجهات جديدة
إن هدف التواصل الاجتماعي الأساسي الذي كان يتمحور حول تعزيز الاتصال بالشبكات الاجتماعية التي تحيط بنا في حياتنا الحقيقية قد هُزم اليوم أمام حملات الإعلان والبروباغاندا التي تسعى لزيادة المشاركة بها بأي ثمن.
وهذا ما اعترفت به آخر مراجعات «فيسبوك». ولكن هدف الشركة الجديد، أي «تقريب العالم من بعضه» يعني أنّها تخلت عن هدفها السابق، أي «زيادة انفتاح العالم واتصاله» الذي شكّل وسيلة مناسبة وسهلة لبيع الإعلانات.
لن يتخلى الناس عن استخدام التواصل الاجتماعي، ولكنّهم بدأوا يغيّرون طريقة استخدامهم له. فقد وجد استطلاع للرأي أجراه مركز «بيو» البحثي، العام الماضي، أنه بينما يقلّل بعض روّاد «فيسبوك» من استخدامهم للموقع، سجّل عدد البالغين الذين يستخدمون التواصل الاجتماعي في الولايات المتحدة خلال العقد الأخير ارتفاعاً بمعدّل الضعف. وأظهرت الأرقام أنّ 72 في المائة من البالغين الأميركيين يستخدمون التواصل الاجتماعي، بالتزامن مع زيادة مطردة في عدد المستخدمين من الفئات العمرية الأخرى.
ولكنّ الناس باتوا يستخدمون منصّات خاصة تضمّ مجتمعهم المقرّب، وأخذت جميع التطبيقات الحديثة، مثل «واتساب» و«فيسبوك» و«مسنجر» و«سنابشات»، وغيرها من التطبيقات التي ترتكز على التراسل، تعتمد في عملها على هذه الحقيقة.

- شبكة عائلية
ولكن «شبكة» اجتماعية حقيقية وحيدة بقيت بعيدة عن مشاريع سيليكون فالي... وهي الشبكة الخاصة بأفراد العائلة المقربين.
كثيرة هي منصات التواصل الاجتماعي التي تتيح لمستخدميها الاتصال بالأقارب، ولكن قلّة منها ركّزت عملها وحصرته بالعائلة، لأنّ نموذج العمل الإعلاني يمنع ذلك. وتقول زويتانيا سوجون، من جامعة لندن للاتصالات، إنّ الحاجة الملحّة لجذب اهتمام الناس تعني أن العمل على نطاق واسع هو الوسيلة الوحيدة للنجاة (بالنسبة للشركات المعلنة)، لافتة إلى أنّ «التواصل الاجتماعي هو محرّك رأسمالية المراقبة والبيانات، وهذا المحرك يستمد طاقته من جمع البيانات الشخصية».
وفي 25 نوفمبر (تشرين الثاني)، حطت منصة «كوكون» (Cocoon) (الشرنقة) الجديدة للتواصل الاجتماعي رحالها في متجر تطبيقات «آبل». وفي أوائل هذا الشهر، أجريت مقابلة مع ساشين مونغا وأليكس كورنل، الشريكين في تأسيس «كوكون». وجمعت الشركة الناشئة التي طورت هذه المنصة الخاصّة بالعائلة، المدعومة من برنامج الدعم «واي كومبينيتور»، مبلغ 3 ملايين دولار، وشملت في بداية تطويرها بضع عشرات العائلات فقط، حتى أصبحت اليوم متاحة للجميع.
وخلال المقابلة، كان مونغا، مدير قسم المنتج سابقاً في «فيسبوك»، يجلس في مكتبه في مقاطعة «ميشين»، أحد مجمعات الشركات الناشئة في سان فرانسيسكو، وشرح لنا كيف أنه ظل لسنوات يفكّر كيف يمكنه تفادي مأزق «فيسبوك» الذي يضع والدة المستخدم وأصدقاءه المقرّبين في شبكة اجتماعية واحدة مع أبعد معارفه، أي يجمع الاهتمام في تدفق واحد، وغالباً منفر، لبيع الإعلانات.

- منزل على الهاتف
ولكن «كوكون» لا تروج لنفسها على أنها شبكة تواصل اجتماعي أو تطبيق تراسل، بل هي «المنزل على الهاتف»، بحسب ما وصفها به مونغا وهو يريني تطبيق «كوكون» على هاتفه «الآيفون».
ويضم التطبيق آخر التحديثات من والدته ووالده في تورونتو، وأخته الكبرى في نيويورك، وأخته الصغرى التي انتقلت حديثاً إلى سان فرانسيسكو. وخلال المقابلة، قال مونغا: «لم نعش في منزل واحد منذ 17 عاماً، ولكننا لا نزال عائلة، وفكرنا أنّه لا بدّ من إيجاد برنامج رقمي متطوّر للتعامل مع هذا الوضع. الأمر واضح! يجب أن يكون هناك تطبيق على هواتفنا مخصّص لأهمّ الأشخاص في حياتنا».
ويتيح «كوكون» لكل مستخدم انتقاء 10 أشخاص، لينضمّوا إلى مجموعته (أو شرنقته). وهؤلاء الأشخاص قد يكونون الوالدين، أو زميلاً في السكن الجامعي، لذلك شبّهت الشركة التطبيق بـ«العائلة المختارة». ولأنّ كلّ شخص يستطيع الانضمام إلى مجموعة واحدة فقط (في الوقت الحالي)، فإن التطبيق يجبر المستخدمين على القيام بخيارات محدودة. أمّا بالنسبة للمتزوجين، فقد اختاروا إعداد شرانق منفصلة، لتجنّب الخلط بين الأهل وعائلة الشريك، واختاروا إضافة أصدقاء يناسبون دائرتهم الاجتماعية المفضّلة. وفي الوقت الحالي، يتوفّر «كوكون» مجاناً، ولكنه في المستقبل سيتحوّل إلى خدمة اشتراك.
ويتيح التطبيق الجديد لمستخدميه نشر تحديثات، وإيموجي، وإشعارات ليعرض هذه المحادثات بشكل تلقائي. ويدعم «كوكون» أيضاً التحديثات الأوتوماتيكية، و«المشاركة المحيطة» باللغة التقنية، وتزويد أعضائه بتدفّق جارٍ لمعلومات، كالموقع والحركة والنشاط، عنكم وعن الصديق العضو في المنصة. وهذه الدرجة من المشاركة تكون عادة غير مريحة في المنصات العامة. أين تنامون ليلاً؟ هل تعملون حتى وقت متأخر؟ كم مرة تزورون النادي الرياضي؟ هذه المعلومات كلها يمكنكم مشاركتها تلقائياً من خلال إعدادات الخصوصية.

- محاكاة العيش العائلي
وتحاكي هذه المشاركة تجربة العيش في المكان نفسه مع العائلة. وبينما تقدّم لكم تطبيقات التراسل الجماعي كـ«واتساب» سلسلة من المنشورات المرتّبة زمنياً، يصنّف «كوكون» المحادثات في مجموعات لتفادي تداخل المواضيع، وينشر تحديثات أوضاع أوتوماتيكية عن الحياة اليومية لكلّ شخص.
وشرح مونغا أنهم أرادوا التخلص من جميع الحواجز التي تحول دون مشاركة اللحظات والتفاعلات في الحياة الحقيقية، لافتاً إلى أن «مساعدة الناس على التواصل بالقدر الذي يريدونه يقف على مدى رغبة خبراء التكنولوجيا بذلك».
وتراهن منصة «كوكون» على أن زمن العالم المفتوح الذي اعتمد عليه عصر الإنترنت في بدايته قد ولى، وأنّ الأمور تتجه إلى الشبكات الضيقة التي ستحتل المساحة الأكبر من حياتنا اليومية.

- «المستقبل للخصوصية»
وفي نسخة العام الماضي من مؤتمر «F8» الذي ينظّمه «فيسبوك» سنوياً للمطورين، أعلن مارك زوكربيرغ المدير التنفيذي للشركة أن مستقبل التواصل الاجتماعي هو الخصوصية. ولكن إعلانه هذا لم يكن أحد التوقعات، بل جاء مبنياً على أمر واقع، إذ يعمد الناس منذ بعض الوقت إلى الانتقال إلى القنوات والمجموعات الخاصة على «فيسبوك» و«إنستغرام» و«واتساب» (وجميع هذه المنصات تشارك البيانات، وتقع ضمن نطاق ملكية «فيسبوك»).
ودخل العثور على نموذج عمل لا يعتمد على الغضب و«الخلاف» لحث المشاركة أخيراً في رادارات سيليكون فالي، بعد سنوات من محاولة تكرار نجاح «فيسبوك» و«غوغل».
ومن جهته، رأى غراهام براون، أحد المستثمرين في شركة «كوكون» أن هذا الأمر يعني منح «كوكون» وغيرها من المنصات مساراً نحو تحقيق الأرباح، أو على الأقل مخرجاً، لا يعتمد على نمو إسّي أو على استحواذ من قبل «فيسبوك». وأضاف غراهام في رسالة إلكترونية أنّ «الناس أصبحوا يشعرون براحة أكبر عندما يدفعون مبلغاً مالياً لقاء الحصول على منتجات وخدمات رقمية تساهم في تحسين حياتهم. وفي حال نجحت منصّة «كوكون» كمنتج، ستشعركم بقرب أكبر من الأشخاص الذين تحبونهم».
ولكنّ «كوكون» ليست المنصّة الأولى التي تحاول في هذا الاتجاه، حيث إن بدائل كان قد طرحها كلّ من «فيسبوك» و«تويتر» حاولت أن تدخل في مشهد الخصوصية، ولكنها فشلت.

- بدائل سابقة
في 2012، انطلق تطبيق «آب.نت» على شكل بديل مدفوع خالٍ من الإعلانات لـ«تويتر»، ولكنه انتهى في 2017. وفي عام 2016، توقع الناس أن تكون منصة «ماستودون» التي حققت نجاحاً مفاجئاً الخطوة المقبلة لـ«تويتر»، بينما بنى البعض شبكات تواصل اجتماعي خاصة على الخدمة.
وأخيراً، أعلن جيمي ويلز، مؤسس ويكيبيديا، عن شبكة اجتماعية جديدة مدفوعة، اسمها «دبليو تي-سوشيال»، قال إنها مخصصة للأخبار، ومهمتها إبعاد المنتهكين والأخبار الكاذبة. وبدت هذه الشبكة واعدة بدورها، حيث إنها جمعت 78 ألف مشترك بـ100 دولار في العام، ولكن الوقت لا يزال مبكراً لنعرف ما إذا كانت ستنجح في الاستمرار أم لا.
واليوم، يشكل إطلاق «كوكون» أحدث محاولات سيليكون فالي لصناعة نموذج مدفوع وخاص وشخصي في ميدان «فيسبوك». وقد بدأ الناس يتعاملون مع مواقع كـ«فيسبوك» وكأنها أداة للتواصل الضروري بدل منصات للتفاعل الاجتماعي. ولكن سواء حققت «كوكون» نجاحاً أم لم تحقق، فإن ظهورها يرجح أن المستقبل سيكون من حصة الشبكات الخاصة والمفيدة.

- كوارتز - خدمات «تريبيون ميديا»


مقالات ذات صلة

رئيس «أبل» للمطورين الشباب في المنطقة: احتضنوا العملية... وابحثوا عن المتعة في الرحلة

تكنولوجيا تيم كوك في صورة جماعية مع طالبات أكاديمية «أبل» في العاصمة السعودية الرياض (الشرق الأوسط)

رئيس «أبل» للمطورين الشباب في المنطقة: احتضنوا العملية... وابحثوا عن المتعة في الرحلة

نصح تيم كوك، الرئيس التنفيذي لشركة «أبل»، مطوري التطبيقات في المنطقة باحتضان العملية بدلاً من التركيز على النتائج.

مساعد الزياني (دبي)
تكنولوجيا خوارزمية «تيك توك» تُحدث ثورة في تجربة المستخدم مقدمة محتوى مخصصاً بدقة عالية بفضل الذكاء الاصطناعي (أ.ف.ب)

خوارزمية «تيك توك» سر نجاح التطبيق وتحدياته المستقبلية

بينما تواجه «تيك توك» (TikTok) معركة قانونية مع الحكومة الأميركية، يظل العنصر الأبرز الذي ساهم في نجاح التطبيق عالمياً هو خوارزميته العبقرية. هذه الخوارزمية…

عبد العزيز الرشيد (الرياض)
خاص تم تحسين هذه النماذج لمحاكاة سيناريوهات المناخ مثل توقع مسارات الأعاصير مما يسهم في تعزيز الاستعداد للكوارث (شاترستوك)

خاص «آي بي إم» و«ناسا» تسخّران نماذج الذكاء الاصطناعي لمواجهة التحديات المناخية

«الشرق الأوسط» تزور مختبرات أبحاث «IBM» في زيوريخ وتطلع على أحدث نماذج الذكاء الاصطناعي لفهم ديناميكيات المناخ والتنبؤ به.

نسيم رمضان (زيوريخ)
خاص يمثل تحول الترميز الطبي في السعودية خطوة حاسمة نحو تحسين كفاءة النظام الصحي ودقته (شاترستوك)

خاص ما دور «الترميز الطبي» في تحقيق «رؤية 2030» لنظام صحي مستدام؟

من معالجة اللغة الطبيعية إلى التطبيب عن بُعد، يشكل «الترميز الطبي» عامل تغيير مهماً نحو قطاع طبي متطور ومستدام في السعودية.

نسيم رمضان (لندن)
خاص من خلال الاستثمارات الاستراتيجية والشراكات وتطوير البنية التحتية ترسم السعودية مساراً نحو أن تصبح قائداً عالمياً في التكنولوجيا (شاترستوك)

خاص كيف يحقق «الاستقلال في الذكاء الاصطناعي» رؤية السعودية للمستقبل؟

يُعد «استقلال الذكاء الاصطناعي» ركيزة أساسية في استراتيجية المملكة مستفيدة من قوتها الاقتصادية والمبادرات المستقبلية لتوطين إنتاج رقائق الذكاء الاصطناعي.

نسيم رمضان (لندن)

«جيميناي 2.0»... «غوغل» بدأت إتاحة نموذجها الأحدث للذكاء الاصطناعي التوليدي

شعار «جيميناي» يظهر على شاشة هاتف جوال (رويترز)
شعار «جيميناي» يظهر على شاشة هاتف جوال (رويترز)
TT

«جيميناي 2.0»... «غوغل» بدأت إتاحة نموذجها الأحدث للذكاء الاصطناعي التوليدي

شعار «جيميناي» يظهر على شاشة هاتف جوال (رويترز)
شعار «جيميناي» يظهر على شاشة هاتف جوال (رويترز)

أعلنت شركة «غوغل» اليوم (الأربعاء) بدء العمل بنموذجها الأكثر تطوراً إلى اليوم في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي «جيميناي 2.0» Gemini 2.0 الذي تسعى من خلاله إلى منافسة شركات التكنولوجيا العملاقة الأخرى في قطاع يشهد نمواً سريعاً، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

وتوقّع رئيس مجموعة «ألفابت» التي تضم «غوغل» سوندار بيشاي أن تفتح هذه النسخة الحديثة من البرنامج «عصراً جديداً» في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي القادر على أن يسهّل مباشرة الحياة اليومية للمستخدمين.

وأوضحت «غوغل» أن الصيغة الجديدة من «جيميناي» غير متاحة راهناً إلا لقلّة، أبرزهم المطوّرون، على أن تُوفَّر على نطاق أوسع في مطلع سنة 2025. وتعتزم الشركة دمج الأداة بعد ذلك في مختلف منتجاتها، وفي مقدّمها محركها الشهير للبحث، وبأكثر من لغة.

وشرح سوندار بيشاي ضمن مقال مدَوَّنة أعلن فيه عن «جيميناي 2.0» أن هذه الأداة توفّر «القدرة على جعل المعلومات أكثر فائدة، مشيراً إلى أن في وِسعها فهم سياق ما وتوقّع ما سيلي استباقياً واتخاذ القرارات المناسبة للمستخدم».

وتتنافس «غوغل» و«أوبن إيه آي» (التي ابتكرت تشات جي بي تي) و«ميتا» و«أمازون» على التوصل بسرعة فائقة إلى نماذج جديدة للذكاء الاصطناعي التوليدي، رغم ضخامة ما تتطلبه من أكلاف، والتساؤلات في شأن منفعتها الفعلية للمجتمع في الوقت الراهن.

وبات ما تسعى إليه «غوغل» التوجه الجديد السائد في سيليكون فالي، ويتمثل في جعل برنامج الذكاء الاصطناعي بمثابة «خادم رقمي» للمستخدم وسكرتير مطّلع على كل ما يعنيه، ويمكن استخدامه في أي وقت، ويستطيع تنفيذ مهام عدة نيابة عن المستخدم.

ويؤكد المروجون لهذه الأدوات أن استخدامها يشكّل مرحلة كبرى جديدة في إتاحة الذكاء الاصطناعي للعامّة، بعدما حقق «تشات جي بي تي» تحوّلاً جذرياً في هذا المجال عام 2022.

وأشارت «غوغل» إلى أن ملايين المطوّرين يستخدمون أصلاً النسخ السابقة من «جيميناي».

وتُستخدَم في تدريب نموذج «جيميناي 2.0» وتشغيله شريحة تنتجها «غوغل» داخلياً، سُمّيت بـ«تريليوم». وتقوم نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي بشكل أساسي على معدات تصنعها شركة «نفيديا» الأميركية العملاقة المتخصصة في رقائق وحدات معالجة الرسومات (GPUs).