قضت الصحافية الألمانية باربرا شوماخر 50 عاماً في بلاط صاحبة الجلالة «الصحافة». في عام 1970 بدأت عملها صحافية مستقلة كما روت في حديثها لـ«الشرق الأوسط».
ورغم إيمان باربرا بالدور الكبير للتكنولوجيا وتعليمها لها، لكنّها تؤكد أنّها لا تحبذ الاعتماد، حسب قولها، على «السيد غوغل» في قصصها الصحافية. وليس لديها حساب في مواقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، و«فيسبوك» وغيرها. فهي تفضل الوجود في الميدان والاتصال المباشر بالمعنيين بقصتها، لدرجة أنّها قضت 25 عاماً، تجوب الدّول العربية، بدأتها في عمان واستقر بها الحال في السعودية، جالت مناطقها سائلة عن القصص الملهمة للسعوديين نساءً ورجالاً، وهو ما مكنّها من نشر 2000 مادة إعلامية عن الدول العربية، متنقلة بين كافة فنون الكتابة الصحافية من الخبر ومروراً بالتقرير والتحقيق وختاماً بالرأي والمقالة؛ متعهدة بالاعتماد على صورها التي التقطتها لتشكل أرشيفاً ضخماً للمواد الصحافية وقرابة 300 ألف صورة رقمية.
تمكّنت باربرا من تأليف كتاب هو الأول من نوعه، يتحدث عن داخل السعودية، وقد وجد صداه في بلادها مما دعا عدداً من الشباب والشابات السعوديات، المبتعثين إلى المبادرة بترجمته للغتين الإنجليزية والعربية.
تقول باربرا إنّها جربت العمل في أبرز المؤسسات الصحافية في ألمانيا وأوروبا ووصلت إلى الرئاسة التنفيذية لأبرز المؤسسات الألمانية، ولكنّها رأت أنّ عملها بالصّحافة المستقلة يعطيها بُعداً في كتابة قصصها كما تراها هي، وتستطيع نشرها في أكثر من مصدر إعلامي.
تحكي باربرا عن أعمالها الميدانية في الدّول العربية، فتبين أنّ الأمر بدأ معها قبل 25 سنة، حين شاهدت فيلماً أميركياً صُوّر في المغرب، تقول: «شدتني طبيعة الحياة هناك، ولفت نظري كتاب قرأته في إحدى المكتبات بالعاصمة البريطانية لندن، فترة عملي هناك؛ عنوانه (الرمال العربية)، وقد صاغ قصته بإتقان الكاتب والرحالة الإنجليزي ويلفريد ثيسيجر، الذي منحته الملكة إليزابيث لقب (سير) لاحقاً».
- «رمال السعودية»
وتشرح باربرا كيف سنحت الظروف لها بأن تلتقي مع ويلفريد ثيسيجر مؤلف «الرمال العربية»، قائلة: «استضافني في منزله بلندن، والحقيقة أنني قبل أن ألتقية لم أستطع التوقف عن قراءة الكتاب، فكنت أواصل قراءته حتى أثناء تناولي وجباتي، للإرث العظيم الذي تناوله الكاتب عن الدول العربية. ويضاف إلى صياغته التشويقية لها وهو ما جعل الكتاب يوزع في كثير من الدول الغربية. وعندما التقيت به زادي شوقاً للتّعرف على الدول العربية من خلال قصصه المدهشة عن كل منطقة زارها».
وتبين الصحافية الألمانية أنّ كتاب «الرمال العربية»، كان نقطة التحول الملهمة التي بسببها قرّرت اكتشاف العالم العربي بجولة ميدانية تقوم بها بنفسها وترى جمال التنوع في «التضاريس العربية»، حسب تعبيرها.
- بعيدا عن «غوغل»
تتابع باربرا حديثها لـ«الشرق الأوسط» قائلة: «عندما أكتب عن السعودية مثلاً، أستغني تماماً عن مساعدة «سيد غوغل»، لأنّني أتوجه بنفسي إلى الموقع وأواجه المصادر وجهاً لوجه، وأطرح أسئلتي»، وتتابع: «أعرف الكثير من الصحافيين حالياً، ممن يستخدمون (غوغل) وغيره من مواقع التواصل الاجتماعية، لا بأس بذلك، ولكن في رأيي، لا مثيل للعمل الصحافي من داخل الميدان».
وتتطرق باربرا لرؤية «السعودية 2030»، ومدى انعكاسها على رؤيتها الصحافية في المواد التي تكتبها عنها، فتقول: «أعرف السعودية عن قرب منذ عشرين سنة. تجولت بها وأعرف أدق التفاصيل. صدقاً كانت جميلة ومتنوعة وكل منقطة تختلف عن الأخرى بما فيها من إرث وموروث ثقافيين يمتدان إلى حضارات مضت من مئات السنين، ولكن رؤية 2030 عملت على اكتشاف الكنوز المدفونة في الجهات كافة، سواء فيما يتعلق بالبشر، أو الموروث الثقافي أو الفني أو حتى الكنوز البيئية التي يتميّز بها العديد من المناطق في السعودية».
- المرأة السعودية
ولم تغب المرأة عن حيث باربرا، إذ تبيّن أنّ «الفتيات السعوديات ظهرن إلى السطح، بكل قوة مع رؤية التمكين 2030. وفي الأصل كنت أتحدث إليهن منذ زيارتي للسعودية عام 2000، والجميل فيهن إتقانهن اللغة الإنجليزية حتى اللاتي لم يدرسن في الخارج، مما مكنني من كتابة القصص العديدة». وتضيف أيضاً عن المرأة السعودية: «منذ خمس سنوات مضت بدأت ألتقي مع المرأة السعودية في المطارات والفنادق والأسواق والجامعات، وفي أي مكان أتوجه إليه، ومن دون أي مبالغة أستطيع القول إنّهنّ طاقات عظمية انعكست على الاقتصاد السعودي بكل وضوح».
- كتاب «المملكة العربية السعودية... رؤية وتحول»
وعن نشر كتابها «المملكة العربية السعودية... رؤية وتحول» في عام 2017. تقول باربرا: «ذكرت خلال كلامي، أنني دهشت بالمواقع التاريخية في السعودية وبالموروث الثقافي فيها الذي يعود لمئات السّنين، ولكن ما زاد ذلك جمالاً، التغير الكبير الذي تعيشه المملكة اليوم، على أثر «رؤية 2030» التي أعطت الفرصة للطاقات البشرية لتظهر إبداعاتها للعالم، وهو ما كان بمثابة الشّعلة التي أوقدت طاقاتي لتأليف كتاب عن ذلك، وقد تطرقت فيه، تقريباً، لكل شيء في السعودية، وذلك وفق بحث علمي رصين، وقصص أخذتها من نفس الشّخصيات التي كتبت عنها». وتضيف: «يأتي الكتاب على قرابة 400 صفحة من القطع المتوسط، ويحوي قرابة 300 صورة التقطتها بنفسي. وجد الكتاب صدى كبيراً في ألمانيا، إلى حد أن دفع بكثير من الشباب السّعودي والشابات تحديداً اللواتي تدرسن في ألمانيا، لترجمته إلى اللغتين الإنجليزية والعربية، لإعطاء فرصة أكبر للانتشار واستقطاب المزيد من القراء».