عاصفة سياسية في برلين بعد عقوبات ترمب على «نورد ستريم 2»

ميركل لدى مصافحتها ماس خلال اجتماع وزاري الأربعاء الماضي (إ.ب.أ)
ميركل لدى مصافحتها ماس خلال اجتماع وزاري الأربعاء الماضي (إ.ب.أ)
TT

عاصفة سياسية في برلين بعد عقوبات ترمب على «نورد ستريم 2»

ميركل لدى مصافحتها ماس خلال اجتماع وزاري الأربعاء الماضي (إ.ب.أ)
ميركل لدى مصافحتها ماس خلال اجتماع وزاري الأربعاء الماضي (إ.ب.أ)

لم يكن قد وقّع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، بعد مرسوم العقوبات الذي يستهدف الشركات العاملة على خط أنبوب الغاز «نورد ستريم 2» بين روسيا وألمانيا، حتى علقت أول شركة بحرية عملها. وفي بيان مقتضب على موقعها، كتبت شركة «أول سيز» السويسرية، وهي شركة متخصصة تنقل الأنابيب الضخمة لتركيبها في البحر، بأنها ستعلق عملها مؤقتاً على مشروع «نورد ستريم 2» ريثما تتوفر لها معلومات وتوجيهات إضافية من الولايات المتحدة.
وكانت شركة «أول سيز» قد تلقت رسالة من النائبين الجمهوريين اللذين تقدما بمشروع القرار الذي مرره الكونغرس قبل أيام، وبات نافذاً بعد توقيع ترمب عليه، يهددها في حال أكملت عملها ليوم إضافي واحد بعد التوقيع على العقوبات، بعواقب قانونية واقتصادية وخيمة.
ويستهدف القرار الأميركي الشركات العاملة على المشروع والتي سيحددها الكونغرس بالأسماء بعد 60 يوماً من توقيع ترمب على القرار، وقد تستهدف شركة «غاز بروم» الروسية التي تموّل نصف المشروع، إضافةً إلى 5 شركات غاز أوروبية تتحمل تكلفة النصف الآخر. وينقد ترمب المشروع منذ توليه منصبه، ويرى أنه سيزيد من اعتماد ألمانيا على الغاز الروسي ويجعلها تدور سياسياً في فلكها، إلا أن برلين لطالما رفضت الانتقادات على اعتبار أنه مشروع اقتصادي بحت. وتريد واشنطن أيضاً أن تشتري أوروبا الغاز منها، عوضاً عن روسيا، ولكن برلين ترى أن هذا لا يصب في مصلحتها الاقتصادية كون الغاز الأميركي أغلى ثمناً.
ورغم أن الإدارة الأميركية تهدد ألمانيا بعقوبات منذ نحو عام تقريباً إذا ما أكملت عملها على مشروع «نورد ستريم 2»، فإن توقيع ترمب على القرار شكّل عاصفة في برلين التي اعترفت بأنها قللت «من أهمية الآثار السياسية» لهذا المشروع، وبدأت تتخوف من إمكانية تأخير أو حتى توقيف المشروع الذي شارف على الانتهاء.
وقالت المتحدثة باسم الحكومة أولريك ديمر، صباح أمس، بعد توقيع ترمب على القرار، إن الحكومة الألمانية «تأسف لقرار العقوبات الأميركية»، ووصفتها بأنها تدخل «في الشؤون الداخلية» لألمانيا. وكان كلام شبيه قد صدر قبل يوم عن وزير الخارجية هايكو ماس، بعد أن ناقش الموضوع مع نظيره الأميركي مايك بومبيو، وقال إن «سياسة الطاقة الأوروبية تقررها أوروبا لا الولايات المتحدة».
وقبل ذلك، انتقدت المستشارة أنجيلا ميركل، العقوبات التي كانت تلوح في الأفق قبل أسبوع، وقالت في كلمة أمام البرلمان الألماني إنها مستعدة لفتح محادثات مع الولايات المتحدة حول الموضوع، وعبّرت عن رفضها لأي عقوبات قد تُفرض على المشروع.
ولكن رغم ذلك، فإن ألمانيا لا يبدو أنها ستردّ بعقوبات على واشنطن، لأن العقوبات تطال شركات خاصة عاملة على المشروع، حسب تبريرها، ولا تستهدف ألمانيا. وقال النائب بيتر باير، منسق العلاقات عبر الأطلسي في حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي الحاكم: «لهذا السبب، لن ترد ألمانيا بخطوات مشابهة. وحتى لو كان هذا ليحصل يجب أن يتم على المستوى الأوروبي، وهذا لن يحدث أيضاً». ورغم أن المفوضية الأوروبية رفضت العقوبات الأميركية، فإن بروكسل نفسها كانت قد دخلت في سجال طويل مع برلين بسبب أنبوب الغاز الجديد هذا الذي من المفترض أن يبدأ بضخ الغاز بشكل مباشر إلى ألمانيا العام المقبل، أي من دون المرور بأوكرانيا وبولندا كما هو حاصل الآن. ويعد الاتحاد الأوروبي أن هذا الأنبوب قد يضعف أوكرانيا سياسياً في وجه روسيا الذي سيصبح بإمكانها قطع الغاز عن كييف في حال أي خلاف سياسي أو تصعيد عسكري، من دون أن يؤثر ذلك على ضخ الغاز إلى كامل أوروبا. وتعترض أوكرانيا بشكل كبير على المشروع، أولاً لأنها تعتقد أنه سيضعفها سياسياً أمام روسيا، وثانياً بسبب المداخيل الكبيرة المالية التي يؤمّنها لها خط الترانزيت المعتد حالياً بنقل الغاز الروسي إلى أوروبا.
ومع أن العقوبات لم تكن مفاجئة لبرلين، فإن النائب بيتر باير عن الحزب الحاكم، اعترف بأن برلين قللت من أهمية الآثار السياسية للمشروع، وقال: «إن شركاءنا الأوروبيين عبّروا باكراً جداً عن انتقادهم لخط الأنابيب الجديد، ولكن لم نُعر الأمر أهمية، أشك فيما لو كان سيتخذ قرار المضي قدماً بالمشروع لو كان القرار يُتخذ اليوم». ولكنه تابع أن قرار العقوبات الأميركية لم يكن مفاجئاً، وبالتالي هو «ليس نقطة تحول في العلاقات الأميركية - الألمانية»، مضيفاً أن «العلاقات الثنائية هي علاقة صداقة قوية، ونحن تخطينا في السابق مراحل صعبة معاً».وكانت الانتقادات التي وجهها الحزب الاشتراكي الديمقراطي، الشريك في الائتلاف الحكام، إلى واشنطن أقسى بكثير، إذ اتهم زعيم الكتلة البرلمانية رولف موتزنيش، الكونغرس الأميركي «بالتدخل بشكل كبير في سيادة الطاقة للاتحاد الأوروبي بقرار العقوبات». وأضاف أن «توقيع ترمب على القرار هو عبء إضافي على العلاقات الثنائية»، مضيفاً أن اختيار ترمب للتوقيع على القرار في «قاعدة عسكرية أمام الصحافيين هو أمر غير لائق بتاتاً». وشدد على أن ألمانيا «لن تخضع لوسائل الابتزاز» تلك.
ولكن رغم العقوبات التي تهدف إلى وقف إكمال المشروع، يعتقد كثيرون أن الأوان قد فات لوقفه، وهو ما قاله أصلاً الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في المؤتمر الصحافي السنوي الذي عقده قبل أيام. وهدد فيه حتى بالرد إذا ما استهدفت واشنطن شركة «غاز بروم» بالعقوبات. وقد تم تركيب معظم الأنابيب التي تمر في بحر البلطيق بدءاً من سان بطرسبورغ في روسيا وصولاً إلى لوبمن الألمانية في ولاية ماكلينبيرغ. وحتى الآن تم تركيب 2100 كلم من الأنابيب وتبقى فقط 300 كلم من الأنابيب التي يجب مدها.
وكانت الولايات المتحدة تعوّل على رفض الدنمارك منح تصريح للمشروع بتمرير الأنابيب عبر مياهها، إلا أن كوبنهاغن منحت التصريح للمشروع نهاية أكتوبر، ما مهد الطريق قانونياً أمام إكماله. ولم يبقَ أمام الإدارة الأميركية إلا طريق العقوبات لمحاولة وقف «نورد ستريم 2».



باريس بعد تهديدات ترمب: سنرد إذا تعرضت مصالحنا التجارية للضرر

وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو (أ.ف.ب)
TT

باريس بعد تهديدات ترمب: سنرد إذا تعرضت مصالحنا التجارية للضرر

وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو (أ.ف.ب)

حذّر وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، أمس (السبت)، من أنه «إذا تعرضت مصالحنا للضرر فسوف نرد»، في وقت ينذر فيه وصول دونالد ترمب إلى السلطة في الولايات المتحدة بعلاقات تجارية ودبلوماسية عاصفة بين واشنطن والاتحاد الأوروبي.

وقال بارو في مقابلة مع صحيفة «ويست فرنس»: «من لديه مصلحة في حرب تجارية بين الولايات المتحدة وأوروبا؟ الأميركيون لديهم عجز تجاري معنا، ولكن العكس تماماً من حيث الاستثمار. فكثير من المصالح والشركات الأميركية موجود في أوروبا».

وأضاف: «إذا رفعنا رسومنا الجمركية، فستكون المصالح الأميركية في أوروبا الخاسر الأكبر. والأمر نفسه ينطبق على الطبقات الوسطى الأميركية التي ستشهد تراجع قدرتها الشرائية».

ووفق ما نقلته «وكالة الصحافة الفرنسية»، فقد حذر بارو قائلاً: «إذا تأثرت مصالحنا، فسوف نرد بإرادة من حديد».

وتابع: «يجب أن يدرك الجميع جيداً أن أوروبا قررت ضمان احترام العدالة في التبادلات التجارية. وإذا وجدنا ممارسات تعسفية أو غير عادلة، فسنرد عليها».

وقد هدد ترمب الذي يعود إلى البيت الأبيض، الاثنين، الأوروبيين بفرض رسوم جمركية شديدة جداً. وهو يتوقع خصوصاً أن يشتري الاتحاد الأوروبي مزيداً من النفط والغاز الأميركي ويقلل من فائضه التجاري مع الولايات المتحدة.