توني موريسون وعالمية النظرة إلى الذات

كتابها الأخير نشر قبيل وفاتها

توني موريسون وعالمية النظرة إلى الذات
TT

توني موريسون وعالمية النظرة إلى الذات

توني موريسون وعالمية النظرة إلى الذات

يشهد العالم اليوم ظواهر وقضايا بعضها حديث وله تاريخ طويل، كقضايا الهجرة الجماعية والتمييز العنصري والهيمنة الاستعمارية، وبعضها الآخر مستحدث أو ما بعد حداثي، كقضايا النظر للهوامش والأقليات والذات والآخر والانتماء والاغتراب والهوية والعولمة والخصخصة والاندماج والتنوع والتعدد، وغيرها مما جاءت به الحقبة ما بعد الكولونيالية، وتبلور مع الثورة الرقمية وما أحدثته من انفجار هائل في أساليب التفاعل الثقافي.
وقد تطرقت إلى هذه القضايا بمجموعها الروائية الأميركية توني موريسون في كتابها الأخير الذي نُشر قبيل وفاتها، وعنوانه «مصدر النظرة إلى الذات: مقالات وخطابات وتأملات مختارة» (The source of self-regard: selected essays, speeches, and meditation)، الصادر في طبعته الأولى عن دار «كنوبف» في الولايات المتحدة الأميركية عام 2019. والكتاب لم يترجم للغة العربية بعد، لكننا ارتأينا أن نقف عنده وقفة قصيرة. وقد يبدو عنوانه للوهلة الأولى متعلقاً بسيكولوجيا الشخصية، والنظرة الإيجابية لها، وسلوكيات تحسين الصورة الذهنية التي بها تتمكن الذات من مواجهة مصاعب الحياة؛ بيد أن الكتاب بصفحاته الثلاثمائة والثماني والستين يصب في باب النقد الأدبي والمثاقفة، وقد جمعت فيه موريسون مقالاتها وتأملاتها وشهاداتها التي كتبتها على مدى عقود مضت، وفيها عالجت مسائل معاصرة وراهنة تتعلق بالانتماء ومفهوم الأجنبي والسيادة وسطوة المال والتمييز ضد النساء والنظرة العنصرية للسود الأميركيين. وهي مسائل عنيت بها الرواية الأميركية المعاصرة بالعموم، وروايات موريسون بالتحديد التي توصف بأنها ما بعد حداثية، ومنها روايتها «العين الأكثر زرقة»، مركزة على ما تعانيه المرأة السوداء من التمييز، مدافعة عن النسوية ودافعة بها نحو الواجهة، نبذاً للتبعية وأنظمة الهيمنة الاستبدادية، وتوكيداً لدور الكتّاب، شعراء ومدونين ومسرحيين، في فضح هذه الأنظمة، وتحطيم إمبراطورية الاستبداد، وأنهم بعملهم هذا لا يقدمون مكافأة للبشرية فحسب، بل هم يؤدون ما هو ضروري للبشرية أصلاً (الكتاب، ص9).
وقد أدت هي نفسها هذا الدور حين ناهضت العنصرية، وكشفت ما تلقاه الأفارقة السود من اضطهاد على أيدي البيض المستعمرين الذين عاملوهم معاملة العبيد، وجعلوا منهم خدماً في مزارعهم، بعد أن جرى استقدامهم بهجرات جماعية كبرى إلى أميركا.
وتمتع موريسون بروح متحررة هو الذي مكّنها من رفض خطاب السلطة، مستشعرة ببصيرة ثقافية نضوب التصورات المركزية، ولا سيما التصورات الفكرية القارة عن الهويات والأصول العرقية.
وقد يبدو عنوان كتابها قريباً من عنوان كتاب تشارلز تايلور «The source of the self: the making of the modern identity»، المنشور باللغة الإنجليزية عام 1989، الذي ترجم إلى اللغة العربية بعنوان «منابع الذات: تكون الهوية الحديثة»، ونشر في مصر عام 2014. لكن اهتمام موريسون لا ينصب على الذات من منطلق عقلاني كانطي، أو من مرجعية سيكولوجية فرويدية، إنما مصدر نظرتها للذات متأت من منطلق ما بعد حداثي، فيه الذات مصطلح دال على (التابع) الذي يريد أن يتحرر من تابعيته، معتمدة في سبيل ذلك خطاباً متعدداً يدحض النظرة الانغلاقية الضيقة، ويستبدل بها نظرة انفتاحية تماشي سياسات الاختلاف والتنوع، لافتة النظر إلى الذوات الهامشية الواقعة تحت تأثير مركزية السلطة، وما فيه من أحادية ونخبوية تستلب هويات الهوامش، ناظرة لهم على أنهم خدم لها، إن لم يكونوا فائضين عن الحاجة.
وقد نظرت موريسون عن كثب للمشهد الثقافي العالمي عموماً، والأفروأميركي تحديداً، واضعة تصوراتها حول نظرة الأميركيين البيض المتعالية للمواطنين من ذوي الأصول الأفريقية، وما يترتب على ذلك من تمييز عنصري، هو امتداد لما عاناه أسلافهم من تمييز خاضوا في سبيل التخلص منه نضالات مريرة. لذا، خصصت موريسون للقس الأميركي مارتن لوثر كينغ مقالاً، قدمت فيه تحيتها له تثميناً لما بذله من جهود في سبيل الدفاع عن حقوق هذه الفئة البشرية.
ومن المقالات التي تطرقت فيها إلى قضية العرق واللون: «الجسد المستعبد والجسد الأسود»، و«العبيد والرقيق»، و«أشياء لا توصف غير معلنة»، و«حضور الأفروأميركي في الأدب الأميركي»، و«وساوس أكاديمية»، و«مع السلامة لكل هذا: العرق والأرحام»، و«العرق وفي الاعتبار»، و«العنصرية والفاشية».
ووقفت باستفاضة عند شخصيات روائية اهتمت بالتهميش والغربة، ومنهم جميس بالدوين، الكاتب المسرحي الأميركي من أصل أفريقي، وقد وجهت له موريسون تحية خاصة أيضاً، بسبب ما تكشفه أعماله من صور التمييز العنصري والجنسي والطبقي الذي يتعرض له السود في المجتمعات الغربية، وبالأخص في أميركا الشمالية.
وخصصت للروائي النيجيري تشينوا أتشيبي وقفة مستفيضة، وهو صاحب رواية «الأشياء تسقط» التي تعد تحفة الأدب الأفريقي الحديث، الذي عرف بمواقفه التحررية ضد الاستعمار والعنصرية.
وتحدثت عن الفنان الأميركي من أصل أفريقي روماري بيردين الذي عمل في الجيش الأميركي، وعرف عن كثب حقيقة افتقار العالم إلى الإنسانية، فكانت كتاباته الأدبية معبرة عن ذلك كله.
وناقشت موريسون أيضاً مسألة الجندر، متناولة شخصيات نسوية، كما في مقالتها «جيرترود شتاين والاختلاف الذي صنعته» التي استطاعت أن تستحدث لوناً أثرى الكتابة القصصية والروائية الأميركية المعاصرة، وقوامه التكرار والتجزئة والإيغال في التبسيط.
ومن مقالاتها التي فيها تطرقت إلى ما يطال المرأة من تمييز جنسي: «صعب وحقيقي ودائم»، و«الوحش الذكر وأمه»، و«الكاتب قبل الصفحة»، و«مشكلة مع النخبة»، و«فوكنر والنساء»، و«مصدر احترام الذات»، و«أخوات خطوة سندريلا»، و«النساء والعرق».
وتتضح عالمية موريسون في الجزء الثاني من الكتاب، في تناولها لقضايا أدبية عامة تتعلق بالإبداع والتخييل والكتابة، كما في مقالاتها «عادة الفن - فنان فردي - الصحافة في الفعل - الدعوة للفن - المتاحف الثقافة والاندماج - لغة الرب - الأدب والحياة العامة - هارلم في ذهني - محاضرة نوبل في الأدب - زمن المستقبل: الأدب وتضاؤل التوقعات - حبر غير مرئي: قراءة الكتابة وكتابة القراءة - موقع الذاكرة - إعادة التذكر - ذاكرة الإبداع»، وموضوعات أخرى عن الحرب حين تكون خطأ والأخلاق والثروة.
ولأن العالم اليوم يتميز بظاهرة الهجرات الجماعية التي تعد تحدياً من تحديات العولمة، وما أخذت تستقطبه من اهتمام النقاد والمفكرين، عنيت موريسون بمناقشة هذه التحديات واقفة عند بعض من رهاناتها، ومنها «وطن الأجنبي»، مبتدئة بالحديث عن تجارة الرقيق التي كانت على أوجها في القرن التاسع عشر، وكيف زالت مع تصاعد الحركات الجماهيرية، والكيفية التي بها تنامت حركة التحرر، لتصل إلى شكلها الأعظم من أي زمن مضى في المرحلة ما بعد الكولونيالية، أواخر القرن العشرين ومطلع القرن الحادي والعشرين (الكتاب، ص5).
وشهد العالم خلال هذه المرحلة أيضاً إعادة توزيع المجموعات البشرية، وكان من أسباب هذه الإعادة حركة العمال والمثقفين وهجرات اللاجئين وحملات الجيوش العابرة للمحيطات والقارات.
ولا ترى موريسون العولمة هي اتحاد عمال العالم في أجندات عالمية قديمة، كما أنها ليست العالمية ولا الدولية ولا الإمبراطورية التي تبتغي السيطرة الثقافية (الكتاب، ص6)، وإنما العولمة تطور تاريخي مرحب به بالقوة نفسها التي كان فيها مصير الأممية قد وصل إلى مستوى عظيم في مخيلتنا.
والظاهر أن موريسون لا تنجذب كثيراً للعولمة ولا تعاديها. وتبقى العولمة التي توصف بأنها التيه في فندق ضخم أهم ممثل للمرحلة ما بعد الكولونيالية، التي في ظلها تغيرت كثير من المقاييس المتعلقة بالانتماء والنظرة المقاومة للثوابت الكبرى الشمولية، ومركزيات العقل والتاريخ واللغة والعلم وقضايا الهامش، وما يتعرض له من قمع وإبادة وعنف وحرمان.
وإذا كانت العولمة تهيئ الأجواء للمطالبة بالمساواة وعدم التمييز والتعدد والتنوع في اللغات والاعتراف بثقافة الأقليات، فإنها يمكن أن ترتهن بالفوضى، وما يرتبط بذلك من مخاطر تحددها الكاتبة في تجاهل الحدود، واختراق البنى التحتية الوطنية، وخلخلة البيروقراطية المحلية، والرقابة على الإنترنت، والرسوم الجمركية والقوانين واللغات. وتشير إلى خطر آخر تمثله العولمة، وهو تشويه الرأي العام، وتدمير القطاع الخاص، من خلال خصائصها الهائلة، كمحو اللغات الأصلية، والإزالة لخصوصيات التسويق وأغراضه. وهو ما يتطلب التخلي عن كثير من متطلبات التفاعل الحكومي والسياسي والتجاري والاحتياجات الأمنية عبر الخصخصة في شروط التطبيقات والسجون ومراقبة الشركات الخاصة للمنشآت العامة والمدارس العامة والقاعات والحدائق والملاعب والشواطئ، الأمر الذي يجعل حياتنا أشبه بمخازن عرض ترتب كديكورات منزلية لا يميز داخلها من خارجها. وهكذا، يؤدي هذان العاملان، الخصخصة والعولمة، إلى طمس أو تهشيم مفهومنا للوطن.
ومن ثم، تتساءل موريسون لأجل أي شيء يكون ولاؤنا؟ وهل أن ما يقلقنا ويشعرنا بعدم الارتياح من الأجنبي الذي نواجهه بمشاعر الغضب هو اللغات أو الثقافات أو الأجناس أو الدين أو الأعراق؟ وهل نحن سنكون ببساطة متسامحين ودودين وعالميين لكي نقرر أين ننتمي؟ وما اقتناعنا بما نفعل؟ وبشكل آخر: ما المشكلة مع الغربة؟
واختارت موريسون للتعليق على هذه الأسئلة روايات كتبت في الثلاثينات والخمسينات، أرادت أن تصب في تحليل هذه الروايات ما أثمرت عنه قراءتها للأدب الأفريقي، مستكملة به تجوالها في أدب الغربة المعاصر، وما فيه من (مشكلات الأجنبي الغريب في الفندق الكولونيالي)، مبينة أنّ الكتّاب الأفارقة ليسوا وحدهم المعنيين بالعولمة والغربة، لكنهم يمتلكون في مواجهتها تاريخاً فريداً طويلاً، فيه الفرد يوجد في وطن هو نفسه منفى.
ومن تلك الروايات رواية «The Radiance of the King»، للكاتب غيني كامارا لاييه (1928-1980)، وقد كتبها بالفرنسية عام 1954، وكرس فيها موضوع الغربة داخل الوطن وخارجه، معالجاً إياه معالجة مجازية وسيكولوجية ضمن أطر محلية ووطنية وآيديولوجية، فيها تشتبك الثقافات بحثاً عن الانتماء. وتدور أحداثها حول رحلة يقوم بها كلارنس، الرجل الأبيض المفلس، في أفريقيا السوداء، في محاولة للوصول إلى الحكمة العميقة التي فيها يجد البطل خلاصه ونعيمه وحريته، شاعراً بالنبض في قلبه الشاب بسبب الكلمات التي ترحب به، والدالة على الانتماء: ألا تعلم أنني كنت بانتظارك؟ (الكتاب، ص13)
ومما وجدته موريسون أن كامارا تمكن من المحاكاة باستعمال الاستعارة الأدبية التي تستنسخ تصورات أفريقية حساسة دقيقة للغربة، وقد حددتها موريسون في التهديد - الفساد - الغموض، واجدة أنها «كلها تضغط علينا لننكر الأجنبي في نفوسنا، ونصنع مقاومة تموت بها كل القواسم البشرية المشتركة».
إن نظرة موريسون الانفتاحية للذات تتضح أكثر وهي تنظر للآخر بعيداً عن العنصرية والفاشية والاستهلاك، مؤكدة أن مقياس قيمتنا كبشر هو إنسانيتنا وتعاطفنا.
- أكاديمية وناقدة عراقية



عائلة سعودية تتوارث لقب «القنصل الفخري» لفنلندا

الجد سعيد بن زقر أول قنصل فخري لجمهورية فنلندا في جدة (الشرق الأوسط)
الجد سعيد بن زقر أول قنصل فخري لجمهورية فنلندا في جدة (الشرق الأوسط)
TT

عائلة سعودية تتوارث لقب «القنصل الفخري» لفنلندا

الجد سعيد بن زقر أول قنصل فخري لجمهورية فنلندا في جدة (الشرق الأوسط)
الجد سعيد بن زقر أول قنصل فخري لجمهورية فنلندا في جدة (الشرق الأوسط)

حملت أسرة بن زقر التجارية العريقة في جدة شرف التمثيل القنصلي الفخري لفنلندا عبر 3 أجيال متعاقبة.

يروي الحفيد سعيد بن زقر، لـ«الشرق الأوسط»، أنه بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، عندما علم الجد سعيد بن زقر بوجود جالية مسلمة في فنلندا تعاني من غياب مسجد، سافر إلى هناك لبناء مسجد، لكنه واجه تحديات قانونية.

ويضيف: «بعد تعثر بناء المسجد، تقدمت الجالية المسلمة هناك بطلب رسمي إلى الحكومة الفنلندية لتعيين الجد سعيد قنصلاً فخرياً يمثلهم، وهو ما تحقق لاحقاً بعد موافقة الحكومة السعودية على ذلك».

ويسعى الحفيد بن زقر إلى مواصلة إرث عائلته العريق في تعزيز العلاقات بين السعودية وفنلندا.