حصاد سينما 2019 (4 - الأخيرة): الترتيب أبجدي

TT

حصاد سينما 2019 (4 - الأخيرة): الترتيب أبجدي

- أفضل خمسة أفلام عربية
1 - آخر زيارة | عبد الله الضبعان (السعودية)
فيلم طويل أول رائع لمخرجه عن الأب والابن وذلك الخلاف الكبير بين جيلين، الذي يتبدّى بواقعية مصحوباً بالالتزام بلغة فنية جيدة.
2 - تايم لايف | حميد بن عمرة (فرنسا)
تجريبي ذو مساحة شاسعة من الأفكار كما من الحرية. فيلم عن حب الحياة وعن ثقافات وطموحات شخصياته.
3 - ستموت في العشرين | ماجد أبو العلا (السودان)
حياة قضاها صبي منذ ولادته بانتظار أن يموت ببلوغه سن العشرين حسب نبوءة وهمية. متعة بصرية فائقة مشغولة بحب كبير لسينما ناضجة وطموحة.
4 – طرس... الصعود إلى المرئي | غسان حلواني (لبنان)
من إنتاج 2018 لكنّه شوهد في 2019، تسجيلي رائع عن المفقودين الذين زرعت الحرب الأهلية اللبنانية صورهم على جدران المدينة بانتظار من يكتشفها.
5 - يوم فقدت ظلي - سؤدد كعدان (سوريا)
الخاص في هذا الفيلم رمزياته التي لا تطغى على حكاية امرأة تجد نفسها في أرض متنازع عليها بين أعوان النظام السوري ومعارضيه. شفافية في الرصد وجودة في المعالجة.

- أفلام عربية تستحق التنويه
1 - 143 شارع الجزائر | حسن فرحاني (الجزائر)
تسجيلي: امرأة مسنة تعيش وحيدة في منزل ودكان على طريق صحراوية.
2 - بيك نعيش | مهدي برصاوي (تونس)
دراما عائلية حول كيان مهدد بفعل حادثة تكشف أخرى.
3 - جدار الصمت | أحمد غصين (لبنان)
خمسة لبنانيين في حرب 2006 مختبئون في بيت يشغله إسرائيليون.
4 - درب السما | جود سعيد (سوريا)
نزاعات الأشقاء الدامية وسط حرب سورية ضروس.
5 - سيدة البحر | شهد أمين (الإمارات)
مناجاة وجدانية عن الفتاة التي لم تذعن لعادات أهل جزيرة معزولة.

- أفضل عشرة أفلام أجنبية (غير ناطقة بالإنجليزية)
‫1 - About Endlessness | روي أندرسون (السويد).‬
ليس أفضل أفلام المخرج روي أندرسن، لكنه مصنوع حسب مدرسته وبلا تنازلات. يحدق في وجدانيات ما يعرضه من شخوص وأزمنة.
‫2 - Ash is the Purist White | جانكا جيا (الصين).‬
أحد أفضل مخرجي الصين منذ مطلع القرن يقدّم هذه الدراما العاطفية التي هي، إلى جانب مواقفها الحادة، نموذج لحرفة مخرج يمزج المادة بأدوات تقنية (فيلم ودجيتال) مختلفة.
‫3 - Irina | ناديديا كوزيڤا (بلغاريا).‬
أنتج في سنة 2018، وشهد معظم عروضه العالمية خلال العام الحالي. حكاية مؤثرة لامرأة متزوّجة عليها أن تعيل زوجها المصاب وشقيقتها في مجتمع ليس أفضل حالاً اليوم من الأمس.
‫4 - Misérables، Les | لادج لي (فرنسا).‬
أفضل فيلم فرنسي خرج هذه السنة: معايشة يومية لحكاية ثلاثة رجال شرطة. عنصري ومتردد ومعارض يسعون لدرء شهادة صبي. يستعير المخرج عنوان فيكتور هوغو وليس حكايته.
‫5 - Oleg | يوريس كورسييتس (لاتڤيا).‬
شاب يهاجر من لاتڤيا إلى بلجيكا بحثاً عن عمل ويقع في قبضة عصابة بولندية تريد دفعه للقتل والسرقة. بحث المخرج يكمن في الوازع الديني ضد شرور الإنسان في زمن صعب.
‫6 - Pain and Glory | بدرو ألمودوڤار (إسبانيا).‬
أفضل بيوغرافي هذا العام (وأفضل تمثيل من أنطونيو بانديراس) يوفر فيه المخرج الإسباني أفكاره عن حياته وميوله الجنسية ومشاعره المتناقضة.
‫7 - Parasite | بونغ دجون - هو (كوريا الجنوبية).‬
تصعد العائلة الفقيرة سلالم الثراء بخداع قصير الأمد في فيلم يكشف عن اللعبة الطبقية بين مستويين مستخدماً الواقع أساساً وبعض الرمز في أكثر من مكان.
‫8 - Song of the Tree | أيبك دايريبيكوڤ (قرغستان).‬
ميوزيكال في ربوع قرغيزيا متوّجة بتمثيل طبيعي وجيد معاً وإخراج بديع وطموح لحكاية فولكلورية بسيطة الحبكة تراجيدية المفادات ورائعة بصرياً وفنياً.
‫9 - Song Without a Name | ميلينا ليون (بيرو).‬
دراما رائعة تستحق أكثر مما أنجزت من شهرة حول عاملة تُخطف طفلتها منها حال وضعها لها في مستشفى يبيع الأولاد. كيف تبحث عن طفلتها بمساعدة صحافي.
‫10 - They Say Nothing Stays the Same | جو أوداغيري (اليابان).‬
الفيلم الأول لمخرجه ينتمي سريعاً إلى كلاسيكيات السينما اليابانية. حكاية صاحب «عبّارة» يجتاز النهر العريض برتابة ويكتشف فتاة على وشك الغرق. من بعيد ملامح زمن جديد.

- أفلام تستحق التنويه (غير ناطقة بالإنجليزية)
1- Honelyland | تامارا كوتڤسكا، ليوبومير ستيفانوڤ (مسادونيا)
تسجيلي حول امرأة تحاول حماية بيئة النحل المهددة بالانقراض.
2- The Orphanage | شهبارانو سادات (أفغانستان).
المستقبل لا يقل دكانة لمجموعة من الأولاد في ميتم أفغاني.
3- Summer of Changsha | فنغ زو (الصين) تحريان يبحثان في جريمة وأحدهما يقع في حب المشتبه بها.
4- Sun Above Me Never Sets | ليوبوڤ بوريسوڤا (جمهورية ياكوت) شاب يعمل في جزيرة بعيدة وجاره الوحيد رجل عجوز وحكيم.
5- Transit | جو أوداغيري (اليابان). يحاول بطل الفيلم تقمّص شخصية يهودي للحصول على إذن هجرة.

- أفضل عشرة أفلام ناطقة بالإنجليزية
‫1 - 1917 | سام مندس (بريطانيا).‬
عناية قصوى بكيف يمكن للسينما أن تسبر غور الحكاية سرداً وإمعاناً من دون اعتماد السياق الذي يفسر ما لا لزوم لتفسيره. شغل فني رائع لإنجاز عمل بصري خلاب.
‫2 - Ad Astra | جيمس غراي (الولايات المتحدة).‬
رحلة إلى الفضاء البعيد بحثاً عن والد براد بت (تومي لي جونز) تتميز بأنها تختلف عن كل رحلات الفضاء تقريباً. حافلة بالأفكار وتتحدث عن الأرض والحياة والموت.
‫3 - Hidden Life | ترنس مالك (الولايات المتحدة، ألمانيا).‬
صاحب أفضل تكوين بصري في سينما اليوم يعود من جديد. ما زال مشدوهاً بالحياة لكنه يسرد حكاية كاملة تتحدث عن المبدأ والتضحية.
‫4 - Irishman، The | مارتن سكورسيزي (الولايات المتحدة).‬
فيلم عصابات ممهور بتوقيع مخرج يحب هذه الأفلام ويقدم عليها بعناد. مشغول بمثابرة رائعة. لا توجد لقطة يمكن حذفها والتمثيل، رغم تقنيات تصغير السن، رائع.
‫5 - Joker، The | تود فيليبس (الولايات المتحدة).‬
جعلوه مجرماً… كما يقول عنوان فيلم قديم. «ذا جوكر» هو عن الرجل الطيب الذي خدعته الحياة ونبذه المجتمع فاستدار على عقبيه وأخذ ينتقم.
‫6 - Last Black Man in San Francisco | جو تالبوت (الولايات المتحدة).‬
عمل فني مبتكر ومستقل (الفيلم المستقل الوحيد الذي وجدناه مناسباً للقائمة) عما يعنيه أن تكون أفرو - أميركياً في مجتمع لا يتوقع منك أكثر من أن تكون النمط الذي يعتقدك أنك هو.
‫7 - Little Women | غريتا غرويغ (الولايات المتحدة).‬
له وعليه، لكنه في النهاية أفضل فيلم مقتبس عن رواية كلاسيكية (عن رواية لويزا ماي ألكوت). كالرواية عن أفراح ومآسي عائلة من المبدعات.
‫8 - Mule، The | كلينت ايستوود (الولايات المتحدة).‬
الفيلم الأكثر انضباطاً بين كل ما ورد في هذا التحقيق. المرء يتعلم السينما حين يشاهد ايستوود في العمل. يمثل شخصية عجوز يبدأ في تهريب المخدرات تجنباً لخسارة عائلته وبيته.
‫9 - Sorry We Missed You | كن لوتش (الولايات المتحدة).‬
البعض اعتبر فيلم كن لوتش إعادة لما سبق وطرحه. ليكن. هذا ليس مشكلة، لكن الواقع هو أن الفيلم ليس إعادة إلا لمنظور المخرج البريطاني لمشكلات المجتمع القائمة.
‫10 - Wating for the Barbarians | شيرو غويرا (إيطاليا).‬
مستعمرة في بعض دروب آسيا يحكمها مندوب بريطاني مسالم. يصل إليها كابتن عنصري يعتبر أبناء المنطقة برابرة. مهمة الفيلم الكشف عمن هم البرابرة الحقيقيون.

- أفلام ناطقة بالإنجليزية تستحق التنويه
1- Apollo 11 | تود دوغلاس ميلر (الولايات المتحدة)
تسجيلي. من الملفات الخاصة برحلة «أبوللو 11» إلى القمر.
2- Knives Out | رايان جونسون (الولايات المتحدة) كوميديا على طراز روايات أغاثا كريستي البوليسية.
3- The Laundromat | ستيڤن سوندربيرغ (الولايات المتحدة)
4- The Lighthouse | روبرت إيغرز (كندا) دراما تقع بكل دكانتها وحدّتها فوق جزيرة تكتنف سراً.
5- Once Upon a Time... in Hollywood | كونتِن تارنتينو (الولايات المتحدة) فيلم ذائع الصيت حول هوليوود الستينات وممثليها.


مقالات ذات صلة

هل يُبرَّر تكريم نجوم السينما في مهرجانات المسرح؟

يوميات الشرق الفنان المصري محمود حميدة (صفحته في «فيسبوك»)

هل يُبرَّر تكريم نجوم السينما في مهرجانات المسرح؟

أثار قرار مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، تكريم الفنان الكبير محمود حميدة سجالاً في الأوساط الفنية وعلى مواقع التواصل... فماذا جرى؟

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق لوحة مرسومة تركتها معجبة (أ.ف.ب)

50 مدعواً يودّعون ألان ديلون في جنازة «حميمة»

في أفلامه التي أخرجها وأدّى بطولتها، كانت للممثل ألان ديلون الكلمة العليا. وكذلك في جنازته التي جرت بعد ظهر السبت.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق مشهد من ملحمة كوبولا (أ.ب)

اقتباسات مفبركة تفرض حذف تريلر «ميغالوبوليس» لكوبولا

سحبت شركة «ليونزغيت» الأميركية المقطع الدعائي لفيلم «ميغالوبوليس» لفرنسيس فورد كوبولا، لتضمُّنه اقتباسات مُفبركة لنقّاد سينمائيين حول أعمال المخرج السابقة.

«الشرق الأوسط» (لوس أنجليس)
يوميات الشرق المهرجان لدعم الأفلام القصيرة (الجونة السينمائي)

«الجونة السينمائي» يُطلق برنامجاً جديداً لدعم الأفلام القصيرة

أعلن مهرجان الجونة السينمائي عن إطلاق برنامج جديد للأفلام القصيرة تحت مظلة «سيني جونة» خلال دورته السابعة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
أوروبا الممثل الفرنسي جيرارد ديبارديو في 24 أكتوبر 2020 (أ.ف.ب)

الادعاء الفرنسي يوصي بإحالة الممثل جيرار ديبارديو للمحاكمة بتهمة الاغتصاب

قال مكتب الادعاء في باريس، اليوم الخميس، إن الممثل الفرنسي جيرار ديبارديو يجب أن يواجه محاكمة أمام محكمة جنائية بتهمة اغتصاب ممثلة شابة.

«الشرق الأوسط» (باريس)

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)