جرعات منخفضة من الأسبرين تحمي أصحاب الوزن الثقيل من السرطان

دراسة أميركية أوصت بتناوله 3 مرات أسبوعياً

تناول الأسبرين قد تكون له فوائد خصوصاً للمصابين بالسمنة
تناول الأسبرين قد تكون له فوائد خصوصاً للمصابين بالسمنة
TT

جرعات منخفضة من الأسبرين تحمي أصحاب الوزن الثقيل من السرطان

تناول الأسبرين قد تكون له فوائد خصوصاً للمصابين بالسمنة
تناول الأسبرين قد تكون له فوائد خصوصاً للمصابين بالسمنة

الربط بين تناول الأسبرين وتخفيض الإصابة بالسرطان ليس جديداً، ولكنّ دراسة أميركية حديثة أضافت بعداً جديداً يتعلق بالوزن.
وبدأ الربط بين الأسبرين وتخفيض الإصابة بالسرطان في عام 2012، حيث خلص تحليل لأكثر من 100 دراسة نشرتها دورية «The Lancet» إلى أنّ «الاستخدام المنتظم للأسبرين يقلّل من خطر الإصابة بعدد من أنواع السرطان».
ولاحظت ورقة بحثية أخرى بعدها بثلاث سنوات، نُشرت في دورية «حوليات الأورام» في عام 2015، أنّ الأفراد الذين تتراوح أعمارهم بين 50 و65 سنة، الذين تناولوا الأسبرين لمدة 10 سنوات قد حدث لديهم انخفاض نسبي في الإصابة بالسرطان، وصلت نسبته إلى 7% (نساء) و9% (رجال).
ولكن الدّراسة الجديدة التي نُشرت في العدد الأخير من دورية الجمعية الطبية الأميركية في شهر ديسمبر (كانون الأول) الجاري، حدّدت معدلات التّناول، وهو ثلاث مرات في الأسبوع، وأظهرت أنّ تأثيره الوقائي يظهر بشكل واضح بين الأشخاص الذين يعانون من زيادة الوزن.
وقال مؤلفو الدّراسة إنّ تناول جرعات منخفضة من الأسبرين قلّل من خطر الوفاة بالسرطان بنسبة 15% بين أكثر من 146 ألف شخص شاركوا في تجربة الكشف عن السرطان التي أجراها المعهد القومي للسرطان في أميركا بين عامي 1993 و2008، كما قلّل أيضاً من الوفاة الناجمة عن جميع الأسباب بنسبة 19%.
وبشكل خاص أحدثت معدلات تناول الأسبرين المنخفضة انخفاضاً ملحوظاً في مخاطر الوفاة بسبب سرطان الجهاز الهضمي (28%) وسرطان القولون (34%)، وذلك بين الأشخاص الذين يعانون من زيادة الوزن.
ويقول هولي لومانز كروب، الباحث في مجال الوقاية من السرطان بالمعهد الوطني للسرطان في الولايات المتحدة، في تقرير نشره موقع المعهد في 4 ديسمبر الجاري: «كان تركيزنا الأساسي في الحقيقة على وفيات سرطان القولون والمستقيم، حيث يوجد الكثير من الأدلة التي تشير إلى أنّ استخدام الأسبرين قد يقلّل من خطر الوفاة المعوية».
وتدعم نتائج الدراسة التوصية الدائمة لفريق عمل الخدمات الوقائية بالولايات المتحدة (USPSTF)، الذي يقول إنّ الأشخاص من 50 إلى 59 سنة يجب أن يتناولوا جرعة منخفضة من الأسبرين للوقاية من سرطان القولون إذا لم يتعرضوا لخطر متزايد للنزيف.
وتأتي هذه الدراسة ونتائجها المهمة في وقت أصبح استخدام الأسبرين كتدبير صحي وقائي مثيراً للجدل على مدار الأعوام القليلة الماضية.
واللافت أنّ الدراسة أوصت بالجرعات المنخفضة «3 مرات»، لتفادي الآثار السلبية التي كانت دراسة أميركية أخرى قد أشارت إليها وهي احتمالات الإصابة بقرحة المعدة بسبب الإفراط في تناول الأسبرين، حيث كشفت الدراسة التي أجراها باحثو جامعة هارفارد واعتمدت على بيانات من المسح الوطني للصحة لعام 2017، أنّ نحو نصف سكان الولايات المتحدة الذين تبلغ أعمارهم 70 عاماً وما فوق، ممن ليست لديهم أعراض مرض القلب أو لم يصابوا بالسكتة الدماغية (نحو 10 ملايين فرد)، يتناولون الأسبرين كل يوم للوقاية من أمراض القلب والأوعية الدموية.
وحذّر الباحثون من أنّ نتائج دراستهم التي نُشرت في شهر يوليو (تموز) الماضي، في دورية «Annals of Internal Medicine»، تُظهر «حاجة» الأطباء إلى أن يسألوا مرضاهم عن معدلات استخدام الأسبرين.
ويشدّد د.علي عز العرب، استشاري أورام الكبد، على ضرورة استشارة الطبيب قبل العمل بنصيحة الدراسة الأميركية الخاصة بتناول الأسبرين ثلاث مرات أسبوعياً للوقاية من السرطان.
وقال عز العرب لـ«الشرق الأوسط» إنّه «يجب إجراء فحص بالمنظار العلوي أولاً لاكتشاف هل الشّخص يعاني من التهابات في المعدة أم لا، لأنّ تناول الأسبرين بوجود تلك الالتهابات يمكن أن يسبب قرحاً في المعدة».
وعن الفائدة التي تتعلّق بأصحاب الوزن الثّقيل، أضاف عز العرب، أنّ «أصحاب الوزن الثقيل هم الأكثر عرضة للإصابة بسرطان القولون، لذلك فإنّهم الأكثر استفادة من توصيات هذه الدراسة».


مقالات ذات صلة

دراسة جديدة: «أوميغا 3» قد يكون مفتاح إبطاء سرطان البروستاتا

صحتك مكملات «أوميغا 3» قد تبطئ سرطان البروستاتا (جامعة أكسفورد)

دراسة جديدة: «أوميغا 3» قد يكون مفتاح إبطاء سرطان البروستاتا

توصلت دراسة أجرتها جامعة كاليفورنيا إلى أن اتباع نظام غذائي منخفض في أحماض أوميغا 6 وغني بأحماض أوميغا 3 الدهنية، يمكن أن يبطئ سرطان البروستاتا.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك أسنان جديدة قد يقدمها عقار جديد (رويترز)

باحثون يابانيون يختبرون عقاراً رائداً يجعل الأسنان تنمو من جديد

قد يتمكن الأشخاص الذين فقدوا أسناناً من الحصول على أخرى بشكل طبيعي، بحسب أطباء أسنان يابانيين يختبرون عقاراً رائداً.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
صحتك مرض ألزهايمر يؤدي ببطء إلى تآكل الذاكرة والمهارات الإدراكية (رويترز)

بينها الاكتئاب... 4 علامات تحذيرية تنذر بألزهايمر

يؤثر مرض ألزهايمر في المقام الأول على الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 65 عاماً، ولكن ليس من المبكر أبداً أن تكون على دراية بالعلامات التحذيرية لهذا الاضطراب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك تناول وجبة إفطار متوازنة ودسمة يساعد على إدارة السعرات الحرارية اليومية (رويترز)

تخطي وجبة الإفطار في الخمسينات من العمر قد يسبب زيادة الوزن

أظهرت دراسة حديثة أن تخطي وجبة الإفطار في منتصف العمر قد يجعلك أكثر بدانةً، ويؤثر سلباً على صحتك، وفقاً لصحيفة «التليغراف».

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك 10 نقاط حول توقف «فياغرا» عن العمل

10 نقاط حول توقف «فياغرا» عن العمل

وصل إلى بريد «استشارات» استفسار من أحد المرضى هو: «عمري فوق الستين، ولدي مرض السكري وارتفاع ضغط الدم. وتناولت (فياغرا) للتغلب على مشكلة ضعف الانتصاب.

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)