سكان المناطق الحدودية في غزة يعيشون كابوس اعتداءات إسرائيل

يتعرضون لإطلاق النار ويُمنعون من الوصول إلى أراضيهم ومنازلهم

جني محصول الفراولة في مزارع بيت لاهيا شمال قطاع غزة على الحدود مع إسرائيل (إ.ب.أ)
جني محصول الفراولة في مزارع بيت لاهيا شمال قطاع غزة على الحدود مع إسرائيل (إ.ب.أ)
TT

سكان المناطق الحدودية في غزة يعيشون كابوس اعتداءات إسرائيل

جني محصول الفراولة في مزارع بيت لاهيا شمال قطاع غزة على الحدود مع إسرائيل (إ.ب.أ)
جني محصول الفراولة في مزارع بيت لاهيا شمال قطاع غزة على الحدود مع إسرائيل (إ.ب.أ)

تنفض سماهر موسى (34 عاماً) الرمال عن قطعة قماشية كانت قد لفت بها خضراوات حملتها من أرض عائلتها الواقعة في منطقة «جحر الديك» الحدودية وسط قطاع غزة. تقف لدقائق تتأمل حولها، وتعود بها الذاكرة لمشهد إطلاق الجنود الإسرائيليين الرصاص عليها حين كانت تتفقد المحاصيل الزراعية.
هذا الموقف ليس سوى واحد من عشرات مواقف شبيهة عايشتها سماهر وعائلتها خلال السنوات الماضية، حيث تعيش كغيرها من سكان المناطق الحدودية في قطاع غزة، كابوس الاعتداءات الإسرائيلية الدائمة بحقهم، من خلال إطلاق الرصاص ومنعهم من الوصول للأراضي والمنازل.
حكاية أخرى يسردها أبو محمد قديح (65 عاماً) الذي يسكن بلدة خزاعة الحدودية الواقعة جنوبي القطاع، ويكون كل صباح جاهزاً برفقة أفراد عائلته الذكور للانتقال إلى أرضهم الواقعة على مقربة من السلك الفاصل بين إسرائيل وغزة، حيث يعملون في الزراعة لتأمين قوت عائلتهم التي يربو عدد أفرادها عن الثلاثين شخصاً.
يروي لـ«الشرق الأوسط» أنه عاش وعائلته قبل الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي اندلعت عام 2000، حياة أفضل، ومزارعهم كانت تنتج عشرات الأطنان من الخضراوات والفواكه الموسمية، لافتاً إلى أن ذلك كله صار ماضياً بسبب تجريف إسرائيل للأرض وتدمير منابع المياه التي كانت تُسقى بها.
وتبلغ مساحة أرض قديح نحو 30 دونماً يزرعها حالياً بالخضراوات «البعلية» التي تعتمد على مياه الأمطار؛ كونه لا يجرؤ غالباً على الوصول لمياه الري بسبب التهديدات الإسرائيلية، ويوضح أنه هو وأفراد من عائلته كانوا قد تعرضوا لإصابات بالرصاص الحي، وأصيب ابنه مازن (25 عاماً) بإعاقة حركية دائمة.
ويذكر ضمن كلامه، أنه أضحى يعرف جيداً مواعيد تبديل دوريات الجيش الإسرائيلي ويحفظ أسماء بعض الجنود، ولا سيما أنهم طلبوا منه في أيام كثيرة المغادرة عبر مكبرات الصوت، منوهاً إلى أن الاقتراب من الأرض خلال التصعيدات العسكرية، مستحيل، وفي عدوان عام 2014 الذي استمر لـ51 يوماً، خسر 40 ألف دولار.
وكان مركز الميزان لحقوق الإنسان أوضح في تقرير صدر عام 2017، أن إسرائيل تعمل على تهجير سكان مناطق غزة الحدودية من خلال التضييق عليهم، وأن الجيش «يتعمد استهدافهم بشتى أنواع الأسلحة، فيصيبهم في مقتل أو يعتقلهم».
صباح أبو حليمة (51 عاماً) سيدة ريفية تسكن بلدة بيت لاهيا الحدودية الواقعة أقصى شمال القطاع، تتنقل يومياً بين الأراضي؛ لأجل جمع الأعشاب التي تستخدمها طعاماً لحيواناتها الأليفة التي تقتنيها اقتداءً بزوجها الذي كان يعشق تربيتها، قبل أن تقتله إسرائيل، فقد فقدت زوجها وأبناءها الأربعة وأصيبت هي بجراح، خلال العدوان الذي شنته إسرائيل على غزة، نهاية عام 2008، وتتذكر كيف أن عائلتها كانت تجتمع على طاولة الإفطار، لكن المقاتلات الإسرائيلية لم ترد لهم إتمام طعامهم عندما ألقت عليهم القنابل الفسفورية الحارقة.
تقول والدموع تغالبها: «كانت لحظات مرعبة. عائلتي تحترق، وسيارات الإسعاف لم تستطع الوصول إلا بعد أن تفحمت جثثهم»، مضيفة أن مشاهد الموت ما زالت ترافقها هي والناجين من عائلتها وآخرين حتى هذه اللحظة.
وبسبب إصابتها سافرت صباح أبو حليمة إلى الولايات المتحدة، وتلقت هناك علاجاً وعادت إلى غزة بعد عام، لبناء حياة جديدة، وتزيد: «حرثنا الأرض وزرعناها مجدداً، وعدنا نأكل خيرها»، منبّهة إلى أنها ومن تبقى من العائلة ما زالوا يعانون من مشكلات كثيرة بسبب الاحتلال، أهمها ملوحة المياه.
ووفقاً لبيانات المراكز الحقوقية، فإسرائيل دمرت منذ انسحابها أحادي الجانب من القطاع عام 2005، نحو 2000 منزل حدودي، كما أنها جرفت الأراضي الحدودية البالغ مساحتها 35 في المائة من مساحة غزة الكلية، وبلغ أعداد القتلى في تلك المناطق نحو الـ500 شخص.
قبل سنوات عدة، واجه المزارع أكرم أبو خوصة، التهكم، عند عرضه فكرة إنشاء مزرعة سياحية على حدود غزة، لكنه اليوم وبعد أن صارت فكرته ملموسة، أضحت أرضه الواقعة في منطقة السيفا شمالي القطاع، مزاراً مهماً يرتاده الزوار. يقول: «لطالما هاب الناس الوصول إلى مناطق الحدود بسبب اعتداءات إسرائيل، لكنهم حالياً صاروا يتوافدون بشكل يومي؛ لأجل السياحة»، مشيراً إلى أن مزرعته لا تبعد عن الخط الفاصل سوى 500 متر، وهذا الأمر يعرّضهم للخسارة في أوقات التوتر.
تقع المزرعة السياحية على مساحة 300 متر، في حين تحيطها بساتين الفراولة المعلقة والورد التي تشدّ أنظار الزائرين بأصنافها المختلفة. يقول أبو خوصة: «منطقتنا غير مجهزة بالبنية التحتية، وذلك يزيد من أزماتنا».
مع انطلاق مسيرات العودة في نهاية مارس (آذار) لعام 2018، كان أهل المناطق الحدودية على موعد مع معاناة أخرى، فالأماكن التي يتجمع فيها المواطنون أسبوعياً، هي أراضيهم، يتحدث أدهم زياد، وهو أحد المزارعين في منطقة شرق غزة: «المسيرات مهمة على الصعيد الوطني، لكنها شكّلت نكسة لنا، فأرضي تدمرت والمحاصيل كذلك؛ بفعل ازدياد العنف الإسرائيلي تجاه المتظاهرين».
وأعلنت وزارة الزراعة في غزة سابقاً، أن نحو 400 مزارع تضرروا من المسيرات. ويؤكد زياد أن الجنود الإسرائيليين أطلقوا النار عليه خلال العام الماضي، أكثر من عشر مرات، لأنهم ومنذ بدء المظاهرات صاروا يتوجسون من كل مقترب من الحدود.
جدير بالذكر، أن إسرائيل تصنف الأراضي غزة الحدودية على أنها مناطق عازلة، وتمنع اقتراب المواطنين منها، وتطلق النار على من يتجاوز حد الـ100 متر في الوضع الطبيعي، ويرى مراقبون أن فرض المنطقة العازلة يهدف لتقليص مساحة القطاع، إضافة لكونه من تبعات الحصار الإسرائيلي المفروض منذ عام 2006.
وفي السياق ذاته، توضح أحلام اللوح، وهي مديرة «جمعية الوفاء التعاونية» الواقعة في منطقة العطاطرة شمالي القطاع، أن النساء هن الأكثر تعرضاً للخطر في تلك المناطق؛ إذ إن الاحتلال يطلق عليهن النار كثيراً من دون مبرر، مستدركة أن الناس يعانون بصورة عامة من صدمات نفسية تنعكس عل سلوكهم بسبب الاعتداءات.



تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
TT

تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

سلطت أحدث التقارير الحقوقية في اليمن الضوءَ على آلاف الانتهاكات التي ارتكبتها الجماعة الحوثية ضد المدنيين في 3 محافظات، هي العاصمة المختطفة صنعاء، والجوف، والحديدة، بما شملته تلك الانتهاكات من أعمال القمع والقتل والخطف والتجنيد والإخضاع القسري للتعبئة.

وفي هذا السياق، رصد مكتب حقوق الإنسان في صنعاء (حكومي) ارتكاب جماعة الحوثيين نحو 2500 انتهاك ضد المدنيين في صنعاء، خلال عامين.

بقايا منازل فجرها الحوثيون في اليمن انتقاماً من ملاكها (إكس)

وتنوّعت الانتهاكات التي طالت المدنيين في صنعاء بين القتل والاعتداء الجسدي والاختطافات والإخفاء القسري والتعذيب ونهب الممتلكات العامة والخاصة وتجنيد الأطفال والانتهاكات ضد المرأة والتهجير القسري وممارسات التطييف والتعسف الوظيفي والاعتداء على المؤسسات القضائية وانتهاك الحريات العامة والخاصة ونهب الرواتب والتضييق على الناس في سُبل العيش.

وناشد التقرير كل الهيئات والمنظمات الفاعلة المعنية بحقوق الإنسان باتخاذ مواقف حازمة، والضغط على الجماعة الحوثية لإيقاف انتهاكاتها ضد اليمنيين في صنعاء وكل المناطق تحت سيطرتها، والإفراج الفوري عن المخفيين قسراً.

11500 انتهاك

على صعيد الانتهاكات الحوثية المتكررة ضد السكان في محافظة الجوف اليمنية، وثق مكتب حقوق الإنسان في المحافظة (حكومي) ارتكاب الجماعة 11500 حالة انتهاك سُجلت خلال عام ضد سكان المحافظة، شمل بعضها 16 حالة قتل، و12 إصابة.

ورصد التقرير 7 حالات نهب حوثي لممتلكات خاصة وتجارية، و17 حالة اعتقال، و20 حالة اعتداء على أراضٍ ومنازل، و80 حالة تجنيد للقاصرين، أعمار بعضهم أقل من 15 عاماً.

عناصر حوثيون يستقلون سيارة عسكرية في صنعاء (أ.ف.ب)

وتطرق المكتب الحقوقي إلى وجود انتهاكات حوثية أخرى، تشمل حرمان الطلبة من التعليم، وتعطيل المراكز الصحية وحرمان الموظفين من حقوقهم وسرقة المساعدات الإغاثية والتلاعب بالاحتياجات الأساسية للمواطنين، وحالات تهجير ونزوح قسري، إلى جانب ارتكاب الجماعة اعتداءات متكررة ضد المناوئين لها، وأبناء القبائل بمناطق عدة في الجوف.

ودعا التقرير جميع الهيئات والمنظمات المحلية والدولية المعنية بحقوق الإنسان إلى إدانة هذه الممارسات بحق المدنيين.

وطالب المكتب الحقوقي في تقريره بضرورة تحمُّل تلك الجهات مسؤولياتها في مناصرة مثل هذه القضايا لدى المحافل الدولية، مثل مجلس حقوق الإنسان العالمي، وهيئات حقوق الإنسان المختلفة، وحشد الجهود الكفيلة باتخاذ موقف حاسم تجاه جماعة الحوثي التي تواصل انتهاكاتها بمختلف المناطق الخاضعة لسيطرتها.

انتهاكات في الحديدة

ولم يكن المدنيون في مديرية الدريهمي بمحافظة الحديدة الساحلية بمنأى عن الاستهداف الحوثي، فقد كشف مكتب حقوق الإنسان التابع للحكومة الشرعية عن تكثيف الجماعة ارتكاب مئات الانتهاكات ضد المدنيين، شمل بعضها التجنيد القسري وزراعة الألغام، والتعبئة الطائفية، والخطف، والتعذيب.

ووثق المكتب الحقوقي 609 حالات تجنيد لمراهقين دون سن 18 عاماً في الدريهمي خلال عام، مضافاً إليها عملية تجنيد آخرين من مختلف الأعمار، قبل أن تقوم الجماعة بإخضاعهم على دفعات لدورات عسكرية وتعبئة طائفية، بغية زرع أفكار تخدم أجنداتها، مستغلة بذلك ظروفهم المادية والمعيشية المتدهورة.

الجماعة الحوثية تتعمد إرهاب السكان لإخضاعهم بالقوة (إ.ب.أ)

وأشار المكتب الحكومي إلى قيام الجماعة بزراعة ألغام فردية وبحرية وعبوات خداعية على امتداد الشريط الساحلي بالمديرية، وفي مزارع المواطنين، ومراعي الأغنام، وحتى داخل البحر. لافتاً إلى تسبب الألغام العشوائية في إنهاء حياة كثير من المدنيين وممتلكاتهم، مع تداعيات طويلة الأمد ستظل تؤثر على اليمن لعقود.

وكشف التقرير عن خطف الجماعة الحوثية عدداً من السكان، وانتزاعها اعترافات منهم تحت التعذيب، بهدف نشر الخوف والرعب في أوساطهم.

ودعا مكتب حقوق الإنسان في مديرية الدريهمي المجتمع الدولي إلى التدخل العاجل لإيقاف الانتهاكات التي أنهكت المديرية وسكانها، مؤكداً استمراره في متابعة وتوثيق جميع الجرائم التي تواصل ارتكابها الجماعة.