فوضى «أسواق الأسلحة» تتسع في اليمن تحت سيطرة الحوثيين

انتشار متاجر البيع في أحياء صنعاء يهدد السكان ويعزز جرائم القتل

عنصر أمن حوثي مسلح في أحد شوارع صنعاء (إ.ب.أ)
عنصر أمن حوثي مسلح في أحد شوارع صنعاء (إ.ب.أ)
TT

فوضى «أسواق الأسلحة» تتسع في اليمن تحت سيطرة الحوثيين

عنصر أمن حوثي مسلح في أحد شوارع صنعاء (إ.ب.أ)
عنصر أمن حوثي مسلح في أحد شوارع صنعاء (إ.ب.أ)

شهدت العاصمة اليمنية صنعاء الخاضعة لسلطة الجماعة الحوثية انتشاراً كبيراً لمحلات بيع الأسلحة بمختلف أنواعها، وظهرت بالمقابل أسواق جديدة غذّتها وتغذيها الحرب الدائرة في البلاد، التي أشعلت فتيل نيرانها الميليشيات الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في سبتمبر (أيلول) 2014.
وكشف سكان محليون في صنعاء عن ظهور محلات جديدة بمناطق متفرقة من العاصمة، وقالوا: «إن ظاهرة تجارة وبيع السلاح ازدادت بشكل مقلق ومخيف في الأسواق والأماكن العامة بعد اقتحام العاصمة صنعاء وسقوطها بيد ميليشيات الحوثي».
وتحدث السكان في الوقت ذاته عن ظهور عدد كبير من تجار السلاح في العاصمة صنعاء، مشيرين إلى أن أغلبهم ينتمون لجماعة الحوثي الانقلابية، وأن عناصر الجماعة يقومون بعرض أسلحتهم دون رقيب أو حسيب في محلات خاصة، وعلى قارعة الطريق، وعلى متن سيارات بعدد من أسواق وأحياء وحارات العاصمة صنعاء.
من جانبها، أوضحت مصادر أمنية خاضعة للميليشيات الحوثية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن «ظاهرة تجارة السلاح في توسع مستمر، وعلى نطاق واسع في مناطق متفرقة من العاصمة صنعاء، من بينها جولة عمران شمال العاصمة، ومنطقة جحانة شرق صنعاء، وحي شميلة، والحصبة، وحزيز، والسنينة، ومذبح، وشارع خولان والصباحة، وصنعاء القديمة».
وذكرت المصادر أن تجار الأسلحة «باتوا اليوم يتاجرون، بصورة عشوائية وغير خاضعة لأي رقابة أو إجراءات أمنية أو قانونية، بمختلف أنواع الأسلحة في الأسواق والمحال وبشكل علني. الأمر الذي يهدد ويقلق الحياة المدنية ويرفع من معدل جرائم القتل، ويثير الرعب والهلع في أوساط السكان».
واتهمت المصادر الجماعة الحوثية وقادتها في صنعاء بأنهم مسؤولون بشكل مباشر عن الانتشار غير المسبوق لأسواق ومحال بيع وتجارة السلاح.
ويأتي ظهور أسواق السلاح في العاصمة صنعاء، بشكل علني، بعد انتشار الأسواق السوداء الخاصة ببيع المشتقات النفطية، التي تقف الجماعة وراءها وتقوم بتغذيتها.
ويقول سكان في العاصمة صنعاء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» إن فتح أسواق بيع الأسلحة أو شراءها من المحال بمناطق سيطرة الحوثيين لا يحتاج إلى وثائق أو تراخيص أو مستندات، بل يتم كل ذلك بطريقة مباشرة بين البائع والعميل، ومن دون فواتير شراء، وبمجرد شراء السلاح تدفع قيمته وتحمله على كتفك وتمضي. الأمر الذي سهل، بحسب تلك المعلومات، عملية استحداث أسواق ومحال عدة لبيع السلاح في تلك المناطق.
وتسبب الإقبال المتزايد على شراء وبيع الأسلحة بمختلف أنواعها بمناطق سيطرة الحوثيين في رفع أسعارها بنسبة 300 في المائة، إذ يصل سعر بندقية الكلاشينكوف الروسية الصنع إلى ما يعادل 2000 دولار، بينما تتفاوت الأسعار حسب جودة القطع وبلد المنشأ.
وفي جولة عمران، بالقرب من مطار صنعاء الدولي، تعرض عدة سيارات ومحلات وبسطات صغيرة بشكل يومي أسلحة متنوعة وذخائر وقنابل ومستلزمات عسكرية أخرى للبيع من المواطنين، ويعود أغلبها، بحسب مواطنين، إلى أسلحة المعسكرات التي استولت عليها الميليشيات الحوثية.
وأبدى مواطنون يقطنون بالقرب من نقاط البيع، تخوفهم من استمرار أكثر من 8 سيارات و12 محلاً في بيع السلاح والقنابل القاتلة على مقربة من مساكنهم.
ويقول السكان في المنطقة: «يتم بهذه السوق بيع مختلف أنواع الأسلحة، بما فيها قطع الكلاشينكوف والقنابل والمسدسات المتنوعة، والذخائر بأنواعها، وكذا بقية المستلزمات العسكرية المختلفة».
وفيما أكد السكان أنه «يتم بيع تلك الأسلحة على الملأ تحت جسر جولة عمران، والأماكن المحيطة به من جميع الاتجاهات»، أشاروا أيضاً إلى أن أغلب مرتادي هذه السوق، من عناصر جماعة الحوثي الموجودين بكثرة في المنطقة.
وشهدت العاصمة صنعاء على مدى سنوات الانقلاب الحوثية حوادث حريق عدة في محلات بيع الأسلحة، ومئات الجرائم التي راح ضحيتها مئات الضحايا المدنيين نتيجة عشوائية استخدام السلاح وبيعه بطرق غير مشروعة وقانونية.
وقبل أشهر كان حريق ضخم، اندلع بمحلات السلاح بسوق شميلة جنوب العاصمة صنعاء، وانفجر خلاله عدد من القنابل اليدوية التي كانت ضمن السلاح الموجود داخل تلك المحلات.
وأفادت التقارير المحلية حينها، بأن تفجيرات الذخيرة والقنابل المخزنة داخل محلات السلاح، تسببت في حالة خوف شديد داخل سوق شميلة المزدحم بالمحلات والسكان المحليين، وخلفت أضراراً كبيرة بمحال الملابس والبهارات وغيرها من المحال المجاورة.
ولم تؤدِ الحرب التي أشعلتها ميليشيات الحوثي إلى تشريد وتجويع الملايين من اليمنيين فقط، بل أثرت على الحياة الاقتصادية والحرف التقليدية واليدوية أيضاً.
ففي صنعاء القديمة حيث يقع أهم الأسواق العريقة، تحول كثير من التجار من العمل في الحرف التقليدية وتجارة المنتجات اليدوية إلى بيع الأسلحة والذخيرة.
ويقول أحد التجار لـ«الشرق الأوسط» إنه يوجد لديه مختلف الأنواع الخفيفة والمستلزمات العسكرية، ابتداء من المسدسات والكلاشينكوفات والمسدسات والقنابل اليدوية وغيرها، مشيراً إلى أنه «ما زال في البداية ويسعى مع الأيام لتطوير محله من خلال مده بالبضاعة اللازمة والكافية».
وبدورهم، يرى مراقبون ومهتمون في صنعاء، أن تجارة السلاح أصبحت مصدر دخل كبير لثراء كثير من بائعيه. ومعظمهم، وفق المراقبين، من قيادات ومشرفين ينتمون لجماعة الحوثي الانقلابية.
وأرجع المراقبون أسباب ازدهار هذا النوع من التجارة إلى الظروف الأمنية المضطربة التي خلفها انقلاب الميليشيات، وكذا استمرار الفوضى سيدة للموقف، خصوصاً في المناطق الخاضعة لسيطرتهم.
وتحدثوا عن وجود أسباب أخرى تقف وراء انتشار أسواق ومحلات بيع وتجارة السلاح في مناطق الجماعة الحوثية. وقالوا: «من بين تلك الأسباب تعمد الميليشيات الحوثية، عقب انقلابها واقتحامها ونهبها المؤسسات والمخازن العسكرية والأمنية، في توسيع نطاق هذا النوع من المهن الخطيرة في أكثر من مكان ومنطقة يمنية».
وكثيراً ما اعتبرت الحكومات اليمنية السابقة للانقلاب الحوثي أن انتشار السلاح يمثل واحداً من 4 تحديات أمنية يواجهها اليمن.
ونفذت حينها داخلية تلك الحكومات المتعاقبة حملات ميدانية لحظر وحيازة السلاح والحدّ من انتشار المظاهر المسلحة في العاصمة صنعاء ومدن يمنية رئيسية أخرى، وصادرت السلطات أكثر من 90 ألف قطعة سلاح من أيادي مدنيين كانوا يحملونها في الشوارع أو عند محاولتهم دخول العاصمة والمدن الرئيسية.


مقالات ذات صلة

تقرير أُممي يتّهم الحوثيين بالتنسيق مع إرهابيين وجني عشرات الملايين بالقرصنة

العالم العربي استعراض الجماعة الحوثية لقدراتها العسكرية في العاصمة صنعاء والتي تتضمن أسلحة نوعية (رويترز)

تقرير أُممي يتّهم الحوثيين بالتنسيق مع إرهابيين وجني عشرات الملايين بالقرصنة

تقرير جديد لفريق الخبراء الأُمميّين المعنيّ باليمن يكشف عن تعاون الحوثيين مع تنظيم «القاعدة»، و«حركة الشباب» الصومالية، وابتزاز وكالات الشحن الدولية.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي توقعات بإقصاء من يرفضون المشاركة في فعاليات الجماعة الحوثية من وظائفهم (رويترز)

انقلابيو اليمن يستكملون «حوثنة» المؤسسات بهياكل إدارية جديدة

بدأت الجماعة الحوثية بإعداد آلية لدمج عدد من مؤسسات الدولة وتقليص الهيكل الإداري لها وتغيير مهامها في سبيل المزيد من السيطرة والنفوذ عليها وأدلجتها.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي جانب من لقاء وزير التخطيط اليمني مع مسؤولي البنك الدولي على هامش زيارته لواشنطن (سبأ)

اليمن يقدم رؤية شاملة للبنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات التنموية

قدمت الحكومة اليمنية إلى البنك الدولي رؤية شاملة لإعادة هيكلة المشروعات، في مسعى لزيادة المخصصات المالية للبلاد.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي بمعية محافظ مأرب ورئيس هيئة الأركان في زيارة سابقة للخطوط الأمامية بمأرب (سبأ)

الجيش اليمني يحذر من محاولة حوثية للعودة للحرب وإجهاض جهود السلام

تتصاعد حدة التوترات في عدة جبهات يمنية في ظل استمرار جماعة الحوثي في تحشيد عناصرها وحفر الخنادق، خصوصاً بمحافظة الحديدة على ساحل البحر الأحمر.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
خاص المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الشرق الأوسط)

خاص مكتب غروندبرغ لـ«الشرق الأوسط»: نناقش مع صنعاء وعدن تجنب انهيار اقتصادي أعمق

قال المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن إن مشاوراته ونقاشاته مستمرة مع مسؤولي «البنك المركزي» في صنعاء وعدن؛ لإيجاد حلول تقنية ومستدامة.

عبد الهادي حبتور (الرياض)

إرغام محال الإنترنت بصنعاء على المشاركة في التعبئة الحوثية

اليمنيون يشتكون من بطء الإنترنت رغم مزاعم تدشين خدمة الجيل الرابع (إكس)
اليمنيون يشتكون من بطء الإنترنت رغم مزاعم تدشين خدمة الجيل الرابع (إكس)
TT

إرغام محال الإنترنت بصنعاء على المشاركة في التعبئة الحوثية

اليمنيون يشتكون من بطء الإنترنت رغم مزاعم تدشين خدمة الجيل الرابع (إكس)
اليمنيون يشتكون من بطء الإنترنت رغم مزاعم تدشين خدمة الجيل الرابع (إكس)

شنَّت الجماعة الحوثية أخيراً حملات ضد مُلاك مَحال وشبكات الإنترنت في العاصمة المختطفة صنعاء، بغية ابتزازهم مالياً، وإجبارهم على الترويج لأفكار الجماعة، والمساهمة في التعبئة العسكرية.

وأكدت مصادر محلية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، أن الحملة التي تنفِّذها عناصر تابعة لما تُسمَّى دائرة «التعبئة والتحشيد» الحوثية، ومكتب الاتصالات الخاضع للجماعة، أغلقت محال الإنترنت في مديريتي الوحدة ومعين، بذريعة مخالفة التعليمات ونشر محتوى برامج وتطبيقات علمية ورياضية وترفيهية، مخالفة لما تسميه الجماعة «الهوية الإيمانية».

مقر شركة «تيليمن» المزودة الرئيسية لخدمة الاتصالات الخاضع للحوثيين في اليمن (إكس)

واشترطت الجماعة الحوثية لإعادة فتح المحال، أن يقوم مُلاكها بدفع غرامات تأديبية، وتقديم محتوى يركز على نشر «الملازم الخمينية» وخطب زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي.

واشتكى مُلاك محال إنترنت في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، من حملات ابتزاز تستهدفهم ومصادر عيشهم على أيدي مشرفين ومسلحين، يجبرونهم على نشر محتوى أُحادي يُحرِّض الشبان والمراهقين من مرتادي محال الإنترنت على الانضمام للجبهات.

ووفقاً لبعض السكان، فإن مسلحي الجماعة لم يتركوا المجال لأي مالك محل وشبكة إنترنت دون أن يستهدفوه، إما بالابتزاز والإغلاق، وإما بالإرغام على المشاركة في الترويج لأفكار الجماعة ذات المنحى الطائفي، وبث الأهازيج الحماسية بغية حشد المقاتلين.

وتتحكم الجماعة الانقلابية في اليمن بخدمة الإنترنت من خلال سيطرتها على شركة «تيليمن» المزودة الوحيدة للخدمة، وتحصل جميع شركات الهاتف الجوال -خصوصاً بمناطق سيطرتها- على الخدمة من الشركة.

استغلال عسكري

ويأتي التعسف الحوثي ضد محال الإنترنت متوازياً مع تقرير حديث صادر عن فريق خبراء الأمم المتحدة، اتهم الجماعة باستغلال إيرادات قطاع الاتصالات في الجانب العسكري، وشراء معدات الاتصال ذات الاستخدام المزدوج.

وأوضح التقرير أن جماعة الحوثي استغلت وسائل التواصل في حربها ضد اليمنيين، واستخدموا وجنَّدوا كثيراً من المشاهير في الشبكات الاجتماعية، للحديث باسم الجماعة، وتمرير أي رسائل وأجندة.

الجماعة الحوثية تستغل الاتصالات للتجسس على السكان (إعلام حوثي)

ويتزامن ذلك مع تصاعد شكاوى سكان في صنعاء ومدن أخرى تحت سيطرة الحوثيين، من استمرار تردي خدمة الإنترنت بصورة غير مسبوقة، لافتين إلى أن ذلك البطء تصاعد أكثر خلال الأيام القليلة الماضية.

ولفت السكان إلى وجود مساعٍ حوثية لعزلهم عن العالم، عبر التدابير المتعاقبة التي تقوم بها الجماعة، والمتصلة بخدمة الإنترنت، سواءً من حيث إضعاف الخدمة إلى درجة كبيرة، أو رفع أسعارها بصورة متكررة.

ولا يُعد هذا الاستهداف الأول لملاك محال وشبكات الإنترنت، فقد سبق للجماعة أن استهدفت أكثر من 50 ألف شبكة إنترنت محلية في مناطق سيطرتها.