العراق... لا صوت يعلو فوق «كاتم الصوت»

مفوضية حقوق الإنسان تقر بازدياد حالات اغتيال الناشطين

متظاهر عراقي يعرض فوارغ طلقات جمعت من ساحة التحرير وسط بغداد أمس (أ.ف.ب)
متظاهر عراقي يعرض فوارغ طلقات جمعت من ساحة التحرير وسط بغداد أمس (أ.ف.ب)
TT

العراق... لا صوت يعلو فوق «كاتم الصوت»

متظاهر عراقي يعرض فوارغ طلقات جمعت من ساحة التحرير وسط بغداد أمس (أ.ف.ب)
متظاهر عراقي يعرض فوارغ طلقات جمعت من ساحة التحرير وسط بغداد أمس (أ.ف.ب)

سلط اغتيال الناشط العراقي البارز الشاعر علي اللامي، أول من أمس، الضوء على التحدي الخطير الذي بات يواجهه الحراك ممثلاً في ازدياد محاولات اغتيال ناشطين بالمسدسات المزودة بكواتم الصوت خلال الأسبوع الأخير.
وبعد سلسلة من عمليات الخطف ومحاولات الاغتيال التي طالت ناشطين في بغداد وكربلاء وميسان، عادت فرق «الصك»، وهي التسمية المحلية لحالات القتل والاغتيال التي تنفذها جماعات ميليشياوية، لتغتال الناشط الشيوعي اللامي بعد اختطافه على أيدي مجهولين أثناء مغادرته ساحة التحرير وسط بغداد.
وعُثر على جثة اللامي، وهو أب لخمسة أطفال ويبلغ من العمر 49 عاماً، في حي «الشعب» في بغداد، حيث كان يسكن في منزل شقيقته لبضعة أيام للمشاركة في مظاهرات ساحة التحرير. ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن صديقه تيسير العتابي قوله إن اللامي، وهو من مدينة الكوت جنوب بغداد، غادر ساحة التحرير عند الواحدة بعد الظهر متوجهاً إلى منزل شقيقته... «لكنه اختفى، ثم عثرنا على جثته عند العاشرة مساء (الثلاثاء) مقتولاً برصاص في الرأس أطلق من الخلف، وملقاة في شارع بمنطقة الشعب». ورجح أن يكون اغتياله «تم من قبل ميليشيا مسلحة موالية للحكومة الفاسدة».
وقال مصدر في الشرطة إن المهاجمين استخدموا مسدسات بكواتم للصوت، فيما أشار الطب الشرعي إلى أن اللامي أصيب بثلاث رصاصات. وقبيل مقتله، دعا اللامي عبر وسائل التواصل الاجتماعي المتظاهرين إلى «السلمية» وعدم دخول المنطقة الخضراء، حيث المقرات الحكومية والدبلوماسية في بغداد.
وأعلن في كربلاء، أمس، عن تعرض منزل الصحافي والناشط ناصر الياسري لاعتداء من قبل مجهولين أدى إلى تحطيم نوافذ سيارته، كما استهدف منزل الشاعر والناشط محمد الكعبي بقنبلة يدوية. وسجلت نحو 10 محاولات اغتيال بالمسدسات المزودة بكواتم الصوت في بغداد ومحافظات وسط البلاد وجنوبها، منذ بدء الحراك.
واستهدفت «عصابات الكواتم» ناشطين من «الحزب الشيوعي العراقي» و«تيار الصدر»، إضافة إلى مدنيين غير مرتبطين بأحزاب وجماعات سياسية. ولا يُعرف على وجه التحديد حتى الآن الجهات التي تقف وراء الاغتيالات التي قتلت 3 ناشطين على الأقل خلال 10 أيام، أو عمليات الخطف التي طالت المئات، لكن الاتجاه العام لجماعات الحراك يشير بأصابع الاتهام إلى الفصائل والجماعات المسلحة المرتبطة بإيران.
ويعاقب قانون منع استعمال وانتشار الأسلحة المزودة بكواتم الصوت الصادر عن البرلمان عام 2016، بالإعدام «كل من ارتكب جريمة قتل أو شرع فيها بسلاح ناري كاتم للصوت». كما يعاقب بالسجن المؤبد «كل من حاز أو حمل أو صنع أو أصلح سلاحاً نارياً كاتماً للصوت أو الكاتم فقط أو تاجر به».
إلا إن «عصابات الكواتم» ما زالت تسرح وتمرح وسط عجز السلطات عن وضع حد لتلك العمليات التي وزعت الرعب بين صفوف المواطنين في الأيام الأخيرة. وباستثناء بيان أصدرته السلطات الأمنية في محافظة كربلاء على خلفية اغتيال الناشط المدني فاهم أبو كلل الطائي توعدت فيه بملاحقة الجناة، تلتزم الأجهزة الأمنية في بغداد الصمت حيال ما يجري في العاصمة من عمليات اغتيال واختطاف للناشطين. وكان أشقاء الطائي هددوا الجهات الأمنية والقائمين على العتبتين الحسينية والعباسية في كربلاء بالرد في حال لم يتم الكشف عن الجناة خلال 48 ساعة.
وكشف عضو مفوضية حقوق الإنسان علي البياتي عن ازدياد حالات الاغتيال ضد الناشطين في الأيام الأخيرة. وقال البياتي لـ«الشرق الأوسط»: «من خلال مراقبتنا ومتابعتنا، هناك زيادة في عدد عمليات الاغتيال التي تستهدف الناشطين بالذات».
وأشار إلى أن «الاغتيالات لم تسلم منها حتى الفتيات، وهذا مؤشر خطير على الضعف الأمني والاستخباراتي للحكومة وأجهزتها ومؤسساتها الأمنية التي تقع عليها مسؤولية حماية المواطنين، سواء من الناشطين أو غيرهم. وهي كذلك مطالبة بالكشف عنهم وتقديمهم إلى القضاء لينالوا جزاءهم العادل».
وإلى جانب حملة انتقادات واستياء واسعة عبّر عنها ناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، شن الروائي الفائز بجائزة «بوكر العربية» أحمد سعداوي هجوماً على «الصكاكة» المتورطين في عمليات الاغتيال بكواتم الصوت وغيرها.
وكتب سعداوي معلقاً على اغتيال الطائي وإيهاب الوزني في كربلاء والناشط المدني نهاد الموسوي في مدينة الصدر والناشط باسم الزبيدي في محافظة ميسان الجنوبية: «لن تتوقف محاولات الصكّاكة لحماية دولتهم، ولو استطاعوا لاغتالونا جميعاً من دون أن يرف لهم جفن، لكن الشعب انعتق من أسرهم وكسر أغلال الخوف ولا رجعة إلى الوراء. هم مندحرون لا محالة، والشعب سينتصر».
ويرى سعداوي أن «هناك ميليشيات صارت جزءاً من الجهاز الأمني للدولة من 2003 إلى اليوم، وميليشيات منفلتة، وأخرى منضبطة، وظل هذا التداخل ما بين شكل وعقل الميليشيا والدولة إلى اليوم، بحيث صرنا لا نميز بين شكل الميليشيا وشكل الدولة». وتوقع استمرار عمليات الاغتيال والخطف لأن «الدولة ساقطة، وكل كلام عن تحقيقات وكشف حقائق هو لعب مع الأشباح».



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.