منافسات صعبة وتوقّعات حاسمة في ترشيحات «غولدن غلوبز»

حَوَت مفاجآت وقلبت تكهنات وحملت بعض الدهشة

مارتن سكورسيزي يتوسط لقطة خلال تصوير «الآيرلندي»
مارتن سكورسيزي يتوسط لقطة خلال تصوير «الآيرلندي»
TT

منافسات صعبة وتوقّعات حاسمة في ترشيحات «غولدن غلوبز»

مارتن سكورسيزي يتوسط لقطة خلال تصوير «الآيرلندي»
مارتن سكورسيزي يتوسط لقطة خلال تصوير «الآيرلندي»

اعتلت الدّهشة وجوهاً كثيرة عندما خرجت ترشيحات «جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» صباح أول من أمس، وهي خالية من روبرت دي نيرو في عداد المرشّحين لجائزة «غولدن غلوبز» كممثل أول عن دوره في فيلم «الآيرلندي».
صحف ومواقع أمس، الثلاثاء، عكست هذه الدهشة كون الجميع توقّع العكس تماماً، بمن فيهم مراقبو المجلات المتخصصة بالصناعة والإنتاج السينمائيين مثل «ڤاراياتي» و«ذَ هوليوود ريبورتر».
على أنّ الواقع يُشير إلى أنّ ترشيحات واحدة من أهم جوائز السنة، وهي جوائز «غولدن غلوبز»، التي ستوزع في الخامس من الشهر المقبل جوائزها للمرة السابعة والسبعين، جاءت مليئة بالمفاجآت الإيجابية والسلبية، وأنّ استبعاد دي نيرو من الترشيح في سباق أفضل ممثل درامي، ليس الوحيد الكفيل برفع حاجبي المتابع تعجباً.
واحدة من أهم المفاجآت السارة للبعض، والمثيرة للحذر لدى البعض الآخر، اقتحام شركة «نتفلكس» لإنتاج الأفلام المنزلية عقر دار الجمعية بما مجموعه 17 ترشيحاً. هذا يشمل فيلم «الآيرلندي» الذي قام دي نيرو ببطولته.
هناك ثلاثة ترشيحات لأفلام أنتجتها نتفلكس في سباق أفضل فيلم درامي وهي «الآيرلندي» و«قصة زواج» و«الباباوان» (The Two Popes). وترشيح رابع إنّما في سباق أفضل فيلم كوميدي- موسيقي وحظى به فيلم «دولمايت هو إسمي».
باقي الترشيحات التي كان لنتفلكس نصيب بها توزعت في سباقات مختلفة مثل أفضل إخراج وأفضل سيناريو وأفضل تمثيل نسائي أول وأفضل تمثيل رجالي أول، كما أفضل تمثيل رجالي مساند. لكنّ محور كل ذلك يبقى فيلم مارتن سكورسيزي الذي حصد خمسة ترشيحات وطارت السادسة من بين يدي بطله دي نيرو.
الترشيحات الخمسة التي نالها «الآيرلندي»، توزعت في سباقات أفضل فيلم وأفضل مخرج (سكورسيزي)، وأفضل ممثل مساند (آل باتشينو وجو بيشي) وأفضل سيناريو (ستيڤن زايليان).
فيلم كونتن تارنتينو «ذات مرة في هوليوود»، نال ثلاثة ترشيحات، الأول في مجال أفضل فيلم كوميدي أو موسيقي، والثاني في مجال أفضل ممثل مساند (براد بت)، والثالث في مجال أفضل ممثل في فيلم كوميدي (ليوناردو ديكابريو).
وفي ميدان الإخراج ظهرت خمسة أسماء كلها رجالية وغابت الأسماء النسائية. تحديداً غريتا غرويغ مخرجة «نساء صغيرات»، الذي نجده في قائمة أفضل فيلم درامي. وتمّ ترشيح الفيلم ذاته لجائزة أفضل موسيقى مكتوبة خصيصاً (وضعها ألكسندر دسبلات).
على أنّ الهرج والمرج الذي يصاحب هذا الحماس للإجابة على أسئلة مطروحة، ربما خفّف من وقع المفاجآت، وعلامات الدّهشة تتبدّد عند التعرض لكل مسابقة على حدة لمعرفة مكنوناتها ولماذا تكوّنت على هذا الأساس ومن هو الفيلم أو السينمائي الذي يمكن لنا التكهن بأنّه في مقدّمة أترابه.

الأفلام
هناك أربع مسابقات للأفلام السينمائية في ترشيحات الـ«غولدن غلوبز»: أفضل فيلم درامي وأفضل فيلم كوميدي- موسيقي وأفضل فيلم أجنبي (هناك مسابقة أفضل فيلم تلفزيوني، لكنّ سباق التلفزيون يستحق تحقيقاً منفصلاً).
1 - أفضل فيلم درامي
> 1917
> The Irishman
> Joker
> Marriage Story
> The Two Popes
من البداية كان من المتوقع دخول «الآيرلندي» و«جوكر» و«قصة زواج» إلى عرين هذه المسابقة. هي على التوالي أفلام عصابات ودراما عن الوجه البشع من البطولة وأخرى عن الوجه البشع من الزواج. هذا لأن مخرجي هذه الأفلام ضمنوا تصميماً جاذباً من المعالجات والأسماء الواردة في خانة التمثيل.
ولكن هناك حصانان سوداوان في هذه الحلبة وليس واحداً: فيلم سام منديس «1917» المدهش، و«البابوان» الجيد (إخراج فرناندو ميرييلس).
إذا حكم أعضاء جمعية «ذَ هوليوود فورِن برس» حسب الرغبة في تفضيل العنوان الرنان، فإنّ خيارهم سينجلي عن واحد من الأفلام الثلاثة المذكورة آنفاً (ولو أن «ذَ جوكر» يضعف حيال «الآيرلندي» بعض الشيء). أما لو جاء الحكم لصالح اللغة الفنية المستخدمة فإن «1917» سيفوز في هذه المسابقة.
2 - أفضل فيلم كوميدي أو موسيقي
> Dolmite is My Name
> Jojo Rabbit
> Knives Out
> Once Upon a Time in Hollywood
> Rocketman
حتى الآن يتقدّم «ذات مرة في هوليوود» على أترابه المذكورة. فيلم كونتن تارنتينو نظرة ساخرة وعاشقة في الوقت نفسه على هوليوود الستينات. لكنّ هذا التقدّم ليس ضمانة بفضل وجود فيلمين جيدين هما «سكاكين مسلولة» و«دولمايت هو اسمي».
هذا الناقد لا يرى في الفيلم الهزيل فنياً «جوجو رابيت» والفيلم الموسيقي «روكتمان» احتمالات كبيرة.
3 - أفضل فيلم أجنبي
> The Farewell
> Les Misérables
> Pain and Glory
> Parasite
> Portrait of a Lady on Fire
فيلم «الوداع» (إخراج لولو وانغ)، كوميديا عائلية عذبة من النوع الذي يرتاح فيه المرء كثيراً إذا ما كان من هواة النوع ويتقلب في كرسيه إن لم يكن. أقوى منه صنعة فيلم لادج لي الفرنسي «البائسون» الذي شهد عرضه الأول في مهرجان «كان» (فاز بجائزة لجنة التحكيم مناصفة مع فيلم آخر).
المنافسة القوية ستكون بين الفيلم الإسباني «ألم ومجد» لبدرو ألمودوڤار (بطولة أنطونيو بانديراس الذي يخوض منافسة أفضل ممثل درامي أول أيضاً عن هذا الفيلم)، و«فطري» لبونغ دجون - هو (كوريا الجنوبية) وهو نال أعلى بقليل مما استحق من اهتمام وتقدير وهو بدوره من عروض مهرجان «كان»، بل فاز بذهبيته الأولى.
أمّا «صورة لسيدة على النار» لسيلين شياما فهو إيطالي - فرنسي، وسبق له أيضاً أن عُرض في مهرجان «كان» من دون جوائز رئيسية (نال جائزة «كوير بالم» للأفلام المثلية).
بذلك فإنّ الفيلمين القويين والأكثر احتمالاً للفوز في هذه الفئة هما «ألم ومجد» و«فطري».
4 - أفضل فيلم أنيميشن
> Frozen 2
> How to Train Your Dragon‪:‬ The Hidden World
> The Lion King
> Missing Link
> Toy Story 4
السؤال هنا مطروح على نحو عريض: «فروزن 2» حديث وما يزال في البال وأثار إعجاباً لا بأس بحجمه. «ذَ ليون كينغ» تجاوز أرقاماً كبيرة في «شباك» التذاكر. لكن «توي ستوري 4» هو الأجود. الأسوأ فنياً هو «كيف تدرب تنينك: العالم المخفي». أمّا «العلاقة المفقودة» فيحط بين «ذَ ليون كينغ» و«فروزن 2» قلقاً.
المخرجون
هناك مسابقة واحدة للمخرجين سواء حققوا أفلاماً درامية أو موسيقية أو كوميدية والغلبة هنا لأفلام الدرامية.
> Parasite لبونغ دجون - هو
> 1917 لسام مندز
> Joker لتود فيليبس
> The Irishman لمارتن سكورسيزي
> Once Upon a Time in Hollywood لكونتن تارنتينو.
الملاحظة الأولى أنّ فيلم كونتِن تارنتينو هو الوحيد الذي نال كذلك ترشيحاً بين الأفلام الكوميدية بينما توارى مخرجو باقي أفلام تلك الفئة. والملاحظة الثانية أنّ الكوري بونغ دجون - هو حط هنا كالمخرج الوحيد أيضاً من بين مخرجي مسابقة الفيلم الأجنبي.
الملاحظة الثالثة والأخيرة أنّ سام مندز ومارتن سكورسيزي وتود فيليبس هم الآتون من دائرة أفضل فيلم روائي بينما تم تغييب نوا بومباك (مخرج «قصة زواج») ودكستر فلتشر (مخرج «روكتمان») عن هذه القائمة.
هذا يعزز احتمال أن يأتي الفائز واحداً من اثنين: مارتن سكورسيزي وسام مندز.

الممثلون في الأدوار الأولى
هناك فرعان لممثلي الأدوار الأولى: فرع درامي وفرع كوميدي. نبدأ بالدرامي
1 - أفضل ممثل في دور أول في فيلم درامي:
> كرستيان بايل عن Ford v Ferrari
> أنطونيو بانديراس عن «مجد وألم»
> أدام درايفر عن «قصة زواج»
> واكين فينكس عن «جوكر»
> جوناثان برايس عن «البابيان».
وجود كريستيان بايل وغياب شريكه في البطولة مات دامون يثير بعض الاستغراب. لكنّه وجود مستحق ولو أنّ المنافسة هنا قوية بين سواه: واكين فينكس وأنطونيو بانديراس. أدام درايفر لا نراه مؤهلاً على صعيد الموهبة وحدها. جوناثان برايس أفضل منه أداء وانسياقاً طبيعياً، لكنّه أضعف كجاذبية جماهيرية.
2 - أفضل ممثل في دور أول في فيلم كوميدي أو موسيقي:
> دانيال كريغ في Knives Out
> رومان غريفِن ديڤيز في «جوجو رابِت».
> ليوناردو ديكابريو في «ذات مرة في هوليوود»
> تارون إيغرتن في «روكتمان»
> إيدي ميرفي في «دولمايت هو اسمي»
نرى المنافسة متعادلة بين دانيال كريغ وليوناردو ديكابريو وإيدي ميرفي، لكنّها محتملة بين ديكابريو وميرفي. الممثلان الآخران أقرب لأن يخرجا بنيل الترشيحات فقط.

الممثلات في الأدوار الأولى
1 - أفضل ممثلة في دور أول في فيلم درامي:
> سينثيا إريڤو عن Harriet
> سكارلت جوهانسن عن «قصة زواج».
> ساويرس رونان عن Little Women
> تشارليز ثيرون عن Bombshell
> رنيه زلڤيغر عن Judy
لحين بدت رنيه زلڤيغر كما لو أنّها «جوكر» «سيقش» جميع المنافسات. لعبت دور المغنية والممثلة جودي غارلاند على نحو أثار إعجاب النقاد. ولكن مع وجود أداء جيد من تشارليز ثيرون وسكارلت جوهانسن فإنّ الكرة قد تتدحرج لصوب إحداهما بعيداً عن رنيه.
الممثلة التي تستحق الجائزة فعلياً هي الأفرو - أميركية سينيثيا إريڤو عن دورها الصّعب الذي أدته جيداً في فيلم «هارييت».
2 - أفضل ممثلة في دور أول في فيلم كوميدي أو موسيقي:
> أوكوافينا عن The Farwell
‫> كيت بلانشت عن Where’d You Go Bernadette?‬
> أنا دي أرماس عن Knives Out
> بيني فلدستين عن Booksmart
> إيما تومسون عن Late Night
هناك ممثلة شابة وجيدة وقديرة في موهبتها البكر اسمها أنا دي أرماس وتستحق الفوز وهي ما زالت شابة عن أدائها الرائع واللافت في «سكاكين مسلولة». كيت بلانشِت وإيما تومسون تجلبان القدر المناسب من الأداء الخارج من خبرة وربما تحظى إحداهما بالجائزة في هذا الإطار.

الممثلون والممثلات في الأدوار المساندة
2 - أفضل ممثل مساند:
> توم هانكس عن A Beautiful Day in the Neighbourhood
> أنطوني هوبكنز عن «الباباوان»
> آل باتشينو عن «الآيرلندي»
> جو بيشي عن «الآيرلندي»
> براد بت عن «ذات مرّة في هوليوود».
من المثير أن يدخل آل باتشينو وجو بيشي عن فيلم واحد. لكن إذا ما كان لا بد من التفضيل فإن جو بيشي هو من يستحق بينهما. ليس لأنّه عائد من اعتزال فقط، بل أساساً لأنّ الممثل الوحيد في «الآيرلندي» الذي لم يكن عليه أن يستعرض شيئا بل أقبل بحضوره فقط. بعده يأتي دور أنطوني هوبكنز وهو شخصية محبوبة من قِبل أعضاء الجمعية ثم براد بت الذي يتوسط الاحتمالات.
2 - أفضل ممثلة مساندة:
> كاثي بايتس عن Richard Jewell
> آنيت بانينغ عن The Report
> لورا ديرن عن «قصة زواج».
> جنيفر لوبيز عن Hustlers
> مارغوت روبي عن «بومبشل».
هناك ثلاث ممثلات تجاوزن الخمسين من العمر وتستحق كل واحدة منهن جائزة: كاثي بايتس وأنيت بانينغ ولورا ديرن، وقد تذهب الجائزة إلى إحداهن بالفعل (أرجح كاثي بايتس). مارغوت روبي هي الأفضل من بين الممثلتين الأصغر من خط الخمسين.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».