تجديد الملابس القديمة... بين الاقتصاد والبيئة

مشغل حبيب في منطقة الأشرفية في بيروت
مشغل حبيب في منطقة الأشرفية في بيروت
TT

تجديد الملابس القديمة... بين الاقتصاد والبيئة

مشغل حبيب في منطقة الأشرفية في بيروت
مشغل حبيب في منطقة الأشرفية في بيروت

الحرص في استهلاك الموارد الطبيعية بدأ يشق طريقه إلى عالم الأزياء. وهذا يبدأ من استخدام مواد صديقة للبيئة، ينتج عنها أقلّ قدر من التلويث خلال عملية الإنتاج والتصنيع، ويصل إلى استعمال الثياب لمدة أطول، وإعطائها إلى أشخاص آخرين أو إصلاحها بدل رميها، كلما تغيّرت التصاميم أو تبدّل القياس.
وكان نشطاء يدعون إلى مكافحة تغيُّر المناخ حاولوا تعطيل أسبوع الموضة الأخير في لندن، سعياً للفت الانتباه إلى تأثير صناعة الملابس على البيئة. وسبق أن أدت الاحتجاجات في السنوات الماضي إلى منع استخدام الفرو من الحيوانات المهددة بالانقراض في صناعة الملابس، وأصبح البعض يخجل من ارتداء أي نوع من الفرو، خوفاً من النظرات المستهجِنة. ويطالب المحتجون بأساليب أكثر استدامة لإنتاج القطن والصوف، وحصر استخدام المواد الصناعية في الأقمشة، بتلك الأقل ضرراً على البيئة. كما يدعون الشركات المنتجة إلى استرجاع الألبسة المستعملة لإعادة تصنيع المواد الأولية المستخدمة فيها.
ويقدم الناشطون البيئيون إلى المستهلكين جملة نصائح لشراء ملابسهم، منها: اختيار القطن والصوف المنتجين بطريقة عضوية، عدم الانجراف السريع مع صيحات الموضة المتغيّرة، شراء ألبسة متينة تدوم لمدة أطول، استئجار الملابس بدل شرائها للمناسبات الخاصة التي لا نحتاجها إلا مرّة واحدة مثل الأعراس وحفلات الاستقبال، التبرّع بالملابس المستعملة أو بيعها بدلاً من رميها، وشراء الملابس المستعملة.
وفي حين يعمد الغربيون من جميع الطبقات الاجتماعية، إلى تبادل ملابس الأطفال الصغار، خاصة المواليد الجدد، لقصر فترة استخدامها مع النمو السريع للطفل، فما زالت هذه الممارسة محدودة في كثير من البلدان العربية، إذ يعتبرها البعض، والميسورون على وجه التحديد، عيباً.
وإذا كانت محلات بيع الملابس المستعملة منتشرة في كثير من البلدان العربية، فمعظمها يعرض بضائع قديمة (بالات) مستوردة من دول الغرب. وبعضها يبيع ملابس غير مستعملة، مستوردة من فضلات محلات الأزياء الكبرى في العالم. وغالباً ما يكون زبائن تلك المحلاّت من غير الأغنياء. ولا يزال بيع الألبسة المحلية والمستعملة أقل رواجاً.
لكن إصلاح الثياب الشخصية القديمة بدأ يلقى رواجاً لدى جميع الطبقات في البلدان العربية، أوّلاً بسبب التراجع الاقتصادي في أكثر من مكان، الذي تصيب سهامه الكثيرين، وأيضاً لتنامي الوعي البيئي، بحيث يتجنب البعض رمي الملابس، بإطالة فترة استخدامها عن طريق تعديل المقاس أو التصميم.
- لبنان: إصلاح القديم
80في المائة من عمل الخياطين
في لبنان، ازدهرت أعمال مشاغل الخياطة المتخصصة بإصلاح وتعديل الثياب، وهي منتشرة في جميع المناطق، وتستقطب الطبقات الاجتماعية كافة. حبيب زلاقط يدير مشغلاً للثياب يقع في أحد الأحياء الراقية من منطقة الأشرفية في بيروت. يقول إن معظم زبائنه اليوم يطلبون تعديل الملابس القديمة وتجديدها، بعدما كان معظم عمله قبل 40 عاماً صناعة الملابس حسب الطلب، وتعديل الملابس الجاهزة، بتطويلها أو تقصيرها.
ويوضح زلاقط أنه لتلبية الإقبال المتزايد على إصلاح الملابس القديمة، الذي أصبح يمثل 80 في المائة من طلبات الزبائن، اضطر إلى استقدام عمال من الخارج، إلى جانب عمال الخياطة اللبنانيين الذين يعملون في مشغله، من نساء ورجال. وتشمل الأعمال تكبير الثياب وتصغيرها، تبعاً لتبدّل قياس الزبونة عبر السنين، كما تشمل تغيير البطانات الداخلية، وصولاً إلى تعديل الموديل لينسجم مع الموضة الحديثة. الوضع الاقتصادي المتدهور، يقول زلاقط، دفع بالناس إلى تجديد ملابسهم القديمة بدل رميها وشراء غيرها. ولا يقتصر الزبائن على فئة معينة، إذ بينهم فقراء ومتوسطو الحال وأغنياء، نساءً ورجالاً، من جميع الأعمار. ويكشف أن سيّدة أصلحت معطفاً شتوياً ثلاث مرات خلال خمس سنوات، مرتين لتعديل القياس ومرّة لتبديل البطانة الداخلية. ويعزو حبيب الإقبال المتزايد على تجديد الملابس القديمة، حتى بين الفئات الميسورة، إلى تنامي الوعي البيئي إلى جانب الأحوال الاقتصادية المتدهورة.
- الأردن: الاقتصاد قبل البيئة
كما في لبنان، تشهد محلات خياطة الملابس في الأردن إقبالاً كبيراً من قبل المواطنين لتجديد الملابس القديمة ورتي ثقوبها، في ضوء تدنّي القدرة الشرائية وارتفاع أسعار الملابس الجديدة. وعدا عن الدافع الاقتصادي، يحرص بعض النشطاء البيئيين على إصلاح وتعديل ملابسهم القديمة، خاصة أن تلك المصنوعة من الألياف الاصطناعية والبترولية تحتاج إلى عقود حتى تتحلل في مكبات النفايات.
وتقول فتحية العاصي، صاحبة مخيطة محمد الواقعة في العاصمة عمّان، إن «الأمر كان مختلفاً قبيل خمس سنوات، حيث كان المواطنون يفضّلون شراء الملابس الجاهزة واستبدالها بعد كل موسم صيف أو شتاء. لكن الوضع تبدّل، خاصة في مواسم الأعياد وغيرها». وتشرح العاصي أن معظم عملها أصبح تبديل البطانة الداخلية للملابس، ورتي الممزقة منها، أو استبدال الأزرار، وصولاً إلى تعديل التصاميم القديمة.
يُشار إلى أن مستوردات الأردن من الألبسة تراجعت خلال النصف الأول من العام الحالي بنسبة 20 في المائة، لتصل إلى 120 مليون دينار، مقابل 150 مليون دينار خلال الفترة نفسها من العام الماضي، في وقت يتجاوز إجمالي عدد محلات الألبسة والأحذية العشرة آلاف.
- هولندا: اختصاص الخياطين الأتراك
وإذا كانت الأسباب الاقتصادية هي الدافع الرئيسي لرواج إصلاح الملابس القديمة في البلدان العربية، فالوعي البيئي هو الدافع الأهم في أوروبا. ففي هولندا، مثلاً، تنتشر مئات مشاغل الخياطة المخصّصة لإصلاح الثياب، يدير معظمها خيّاطون من أصل تركي. وفي جولة على بعض المشاغل في أمستردام، أجمع الخياطون أنّ معظم عملهم قبل عشر سنين كان تعديل مقاسات الثياب الجديدة، لأن أسعارهم أرخص مما تتقاضاه محلات الأزياء حيث تباع البضاعة. لكن الوضع انقلب الآن، ليصبح 80 في المائة من عمل المشاغل إصلاح ثياب قديمة وتعديل مقاسها. ويعتقدون أن السبب الرئيسي لإقبال الزبائن الهولنديين على تعديل الثياب القديمة لإعادة استعمالها يعود إلى انتشار ثقافة التدوير. فقد حصل تبدُّل كبير في العادات الاستهلاكية، بحيث أصبح الرمي في المطامر عيباً، خاصة حين تكون إعادة الاستعمال ممكنة. ولا شك أن شراء كمية أقل من قطع الثياب ذات النوعية الجيّدة التي تدوم طويلاً، أفضل من شراء قطع متعدّدة، تتمزق وتتلاشى ألوانها بعد فترة قصيرة من الاستعمال.


مقالات ذات صلة

مصر: غالبية الدول تعتبر مشاريع قرارات «كوب 27» متوازنة

شمال افريقيا وزير الخارجية المصري سامح شكري (إ.ب.أ)

مصر: غالبية الدول تعتبر مشاريع قرارات «كوب 27» متوازنة

أكد رئيس مؤتمر الأطراف حول المناخ (كوب27) سامح شكري اليوم (السبت) أن «الغالبية العظمى» من الدول تعتبر مشاريع القرارات التي قدمتها رئاسة مؤتمر المناخ «متوازنة» بعدما انتقدها الاتحاد الأوروبي. وأوضح وزير خارجية مصر سامح شكري للصحافيين بعد ليلة من المفاوضات المكثفة إثر تمديد المؤتمر في شرم الشيخ أن «الغالبية العظمى من الأطراف أبلغتني أنها تعتبر النص متوازنا وقد يؤدي إلى اختراق محتمل توصلا إلى توافق»، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية. وتابع يقول «على الأطراف أن تظهر تصميمها وأن تتوصل إلى توافق».

«الشرق الأوسط» (شرم الشيخ)
بيئة البيئة في 2021... قصص نجاح تعزز الأمل في تخفيف أزمة المناخ

البيئة في 2021... قصص نجاح تعزز الأمل في تخفيف أزمة المناخ

شهدت سنة 2021 الكثير من الكوارث والخيبات، لكنها كانت أيضاً سنة «الأمل» البيئي. فعلى الصعيد السياسي حصلت تحولات هامة بوصول إدارة داعمة لقضايا البيئة إلى سدة الرئاسة في الولايات المتحدة. كما شهدت السنة العديد من الابتكارات الخضراء والمشاريع البيئية الواعدة، قد يكون أبرزها مبادرة «الشرق الأوسط الأخضر» التي أطلقتها السعودية. وفي مجال الصحة العامة، حقق العلماء اختراقاً كبيراً في مواجهة فيروس كورونا المستجد عبر تطوير اللقاحات وبرامج التطعيم الواسعة، رغم عودة الفيروس ومتحوراته. وفي مواجهة الاحتباس الحراري، نجح المجتمعون في قمة غلاسكو في التوافق على تسريع العمل المناخي.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
يوميات الشرق فرقة «كولدبلاي» تراعي المعايير البيئية في جولتها سنة 2022

فرقة «كولدبلاي» تراعي المعايير البيئية في جولتها سنة 2022

أعلنت فرقة «كولدبلاي» البريطانية، الخميس، عن جولة عالمية جديدة لها سنة 2022 «تراعي قدر الإمكان متطلبات الاستدامة»، باستخدام الألواح الشمسية وبطارية محمولة وأرضية تعمل بالطاقة الحركية لتوفير كامل الكهرباء تقريباً، فضلاً عن قصاصات «كونفيتي» ورقية قابلة للتحلل وأكواب تحترم البيئة. وذكرت «كولدبلاي» في منشور عبر «تويتر» أن «العزف الحي والتواصل مع الناس هو سبب وجود الفرقة»، لكنها أكدت أنها تدرك «تماماً في الوقت نفسه أن الكوكب يواجه أزمة مناخية». وأضاف المنشور أن أعضاء فرقة الروك الشهيرة «أمضوا العامين المنصرمين في استشارة خبراء البيئة في شأن سبل جعل هذه الجولة تراعي قدر الإمكان متطلبات الاستدامة» و«

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق بعد انخفاضها بسبب الإغلاق... انبعاثات الكربون تعاود الارتفاع

بعد انخفاضها بسبب الإغلاق... انبعاثات الكربون تعاود الارتفاع

انخفضت انبعاثات الغازات المسببة للاحترار العالمي بشكل كبير العام الماضي حيث أجبر وباء «كورونا» الكثير من دول العالم على فرض الإغلاق، لكن يبدو أن هذه الظاهرة الجيدة لن تدوم، حيث إن الأرقام عاودت الارتفاع بحسب البيانات الجديدة، وفقاً لشبكة «سي إن إن». وتسببت إجراءات الإغلاق لاحتواء انتشار الفيروس التاجي في انخفاض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 7 في المائة على مدار عام 2020 - وهو أكبر انخفاض تم تسجيله على الإطلاق - وفق دراسة نُشرت أمس (الأربعاء) في المجلة العلمية «نيتشر كلايميت شينج». لكن مؤلفيها يحذرون من أنه ما لم تعطِ الحكومات الأولوية للاستثمار بطرق بيئية في محاولاتها لتعزيز اقتصاداتها الم

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
بيئة 5 ملفات بيئية هامة في حقيبة بايدن

5 ملفات بيئية هامة في حقيبة بايدن

أعلن الفريق الانتقالي للرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن أن وزير الخارجية السابق جون كيري سيكون له مقعد في مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، وهي المرة الأولى التي يخصّص فيها مسؤول في تلك الهيئة لقضية المناخ. ويأتي تعيين كيري في إطار التعهدات التي قطعها جو بايدن خلال حملته الانتخابية بإعادة الولايات المتحدة إلى الطريق الصحيح في مواجهة تغيُّر المناخ العالمي ودعم قضايا البيئة، بعد فترة رئاسية صاخبة لسلفه دونالد ترمب الذي انسحب من اتفاقية باريس المناخية وألغى العديد من اللوائح التشريعية البيئية. وعلى عكس ترمب، يعتقد بايدن أن تغيُّر المناخ يهدّد الأمن القومي، حيث ترتبط العديد من حالات غياب الاستقرار

«الشرق الأوسط» (بيروت)

علماء: عام 2024 سيكون الأكثر حرارة على الإطلاق

متوسط درجات الحرارة كان مرتفعاً للغاية منذ يناير حتى أكتوبر (أ.ب)
متوسط درجات الحرارة كان مرتفعاً للغاية منذ يناير حتى أكتوبر (أ.ب)
TT

علماء: عام 2024 سيكون الأكثر حرارة على الإطلاق

متوسط درجات الحرارة كان مرتفعاً للغاية منذ يناير حتى أكتوبر (أ.ب)
متوسط درجات الحرارة كان مرتفعاً للغاية منذ يناير حتى أكتوبر (أ.ب)

كشفت خدمة «كوبرنيكوس» لتغير المناخ التابعة للاتحاد الأوروبي، اليوم (الخميس)، عن أن عام 2024 سيتخطى 2023 ليصبح العام الأعلى حرارة منذ بدء التسجيلات، وفقاً لوكالة «رويترز».

يأتي هذا قبل مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ «كوب 29» المقرر عقده الأسبوع المقبل في أذربيجان، حيث ستحاول الدول الاتفاق على زيادة التمويل لمواجهة تغير المناخ.

وقوض فوز دونالد ترمب في الانتخابات الرئاسية الأميركية التوقعات بشأن ما الذي ستتمخض عنه المحادثات.

وذكرت خدمة «كوبرنيكوس» أن متوسط درجات الحرارة كان مرتفعاً للغاية منذ يناير (كانون الثاني) حتى أكتوبر (تشرين الأول)، ما يؤكد أن 2024 سيكون العام الأكثر سخونة ما لم تنخفض درجات الحرارة عالمياً إلى ما يقرب من الصفر فيما تبقى من العام.

وقال مدير الخدمة كارلو بونتيمبو لـ«رويترز»: «المناخ يزداد سخونة في كل القارات والمحيطات... لذا من المؤكد أننا سنشهد تحطيم الأرقام القياسية».

وتمثل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن حرق الفحم والنفط والغاز السبب الرئيسي للاحتباس الحراري.

واتفقت الدول، في اتفاق باريس عام 2015، على محاولة منع ارتفاع درجة حرارة الأرض إلى ما يزيد على 1.5 درجة مئوية لتجنب العواقب الأسوأ للاحتباس الحراري. ولم يتجاوز العالم هذا الهدف، لكن خدمة «كوبرنيكوس» تتوقع الآن أن يتخطى العالم هدف اتفاق باريس قرب عام 2030.