تجديد الملابس القديمة... بين الاقتصاد والبيئة

مشغل حبيب في منطقة الأشرفية في بيروت
مشغل حبيب في منطقة الأشرفية في بيروت
TT

تجديد الملابس القديمة... بين الاقتصاد والبيئة

مشغل حبيب في منطقة الأشرفية في بيروت
مشغل حبيب في منطقة الأشرفية في بيروت

الحرص في استهلاك الموارد الطبيعية بدأ يشق طريقه إلى عالم الأزياء. وهذا يبدأ من استخدام مواد صديقة للبيئة، ينتج عنها أقلّ قدر من التلويث خلال عملية الإنتاج والتصنيع، ويصل إلى استعمال الثياب لمدة أطول، وإعطائها إلى أشخاص آخرين أو إصلاحها بدل رميها، كلما تغيّرت التصاميم أو تبدّل القياس.
وكان نشطاء يدعون إلى مكافحة تغيُّر المناخ حاولوا تعطيل أسبوع الموضة الأخير في لندن، سعياً للفت الانتباه إلى تأثير صناعة الملابس على البيئة. وسبق أن أدت الاحتجاجات في السنوات الماضي إلى منع استخدام الفرو من الحيوانات المهددة بالانقراض في صناعة الملابس، وأصبح البعض يخجل من ارتداء أي نوع من الفرو، خوفاً من النظرات المستهجِنة. ويطالب المحتجون بأساليب أكثر استدامة لإنتاج القطن والصوف، وحصر استخدام المواد الصناعية في الأقمشة، بتلك الأقل ضرراً على البيئة. كما يدعون الشركات المنتجة إلى استرجاع الألبسة المستعملة لإعادة تصنيع المواد الأولية المستخدمة فيها.
ويقدم الناشطون البيئيون إلى المستهلكين جملة نصائح لشراء ملابسهم، منها: اختيار القطن والصوف المنتجين بطريقة عضوية، عدم الانجراف السريع مع صيحات الموضة المتغيّرة، شراء ألبسة متينة تدوم لمدة أطول، استئجار الملابس بدل شرائها للمناسبات الخاصة التي لا نحتاجها إلا مرّة واحدة مثل الأعراس وحفلات الاستقبال، التبرّع بالملابس المستعملة أو بيعها بدلاً من رميها، وشراء الملابس المستعملة.
وفي حين يعمد الغربيون من جميع الطبقات الاجتماعية، إلى تبادل ملابس الأطفال الصغار، خاصة المواليد الجدد، لقصر فترة استخدامها مع النمو السريع للطفل، فما زالت هذه الممارسة محدودة في كثير من البلدان العربية، إذ يعتبرها البعض، والميسورون على وجه التحديد، عيباً.
وإذا كانت محلات بيع الملابس المستعملة منتشرة في كثير من البلدان العربية، فمعظمها يعرض بضائع قديمة (بالات) مستوردة من دول الغرب. وبعضها يبيع ملابس غير مستعملة، مستوردة من فضلات محلات الأزياء الكبرى في العالم. وغالباً ما يكون زبائن تلك المحلاّت من غير الأغنياء. ولا يزال بيع الألبسة المحلية والمستعملة أقل رواجاً.
لكن إصلاح الثياب الشخصية القديمة بدأ يلقى رواجاً لدى جميع الطبقات في البلدان العربية، أوّلاً بسبب التراجع الاقتصادي في أكثر من مكان، الذي تصيب سهامه الكثيرين، وأيضاً لتنامي الوعي البيئي، بحيث يتجنب البعض رمي الملابس، بإطالة فترة استخدامها عن طريق تعديل المقاس أو التصميم.
- لبنان: إصلاح القديم
80في المائة من عمل الخياطين
في لبنان، ازدهرت أعمال مشاغل الخياطة المتخصصة بإصلاح وتعديل الثياب، وهي منتشرة في جميع المناطق، وتستقطب الطبقات الاجتماعية كافة. حبيب زلاقط يدير مشغلاً للثياب يقع في أحد الأحياء الراقية من منطقة الأشرفية في بيروت. يقول إن معظم زبائنه اليوم يطلبون تعديل الملابس القديمة وتجديدها، بعدما كان معظم عمله قبل 40 عاماً صناعة الملابس حسب الطلب، وتعديل الملابس الجاهزة، بتطويلها أو تقصيرها.
ويوضح زلاقط أنه لتلبية الإقبال المتزايد على إصلاح الملابس القديمة، الذي أصبح يمثل 80 في المائة من طلبات الزبائن، اضطر إلى استقدام عمال من الخارج، إلى جانب عمال الخياطة اللبنانيين الذين يعملون في مشغله، من نساء ورجال. وتشمل الأعمال تكبير الثياب وتصغيرها، تبعاً لتبدّل قياس الزبونة عبر السنين، كما تشمل تغيير البطانات الداخلية، وصولاً إلى تعديل الموديل لينسجم مع الموضة الحديثة. الوضع الاقتصادي المتدهور، يقول زلاقط، دفع بالناس إلى تجديد ملابسهم القديمة بدل رميها وشراء غيرها. ولا يقتصر الزبائن على فئة معينة، إذ بينهم فقراء ومتوسطو الحال وأغنياء، نساءً ورجالاً، من جميع الأعمار. ويكشف أن سيّدة أصلحت معطفاً شتوياً ثلاث مرات خلال خمس سنوات، مرتين لتعديل القياس ومرّة لتبديل البطانة الداخلية. ويعزو حبيب الإقبال المتزايد على تجديد الملابس القديمة، حتى بين الفئات الميسورة، إلى تنامي الوعي البيئي إلى جانب الأحوال الاقتصادية المتدهورة.
- الأردن: الاقتصاد قبل البيئة
كما في لبنان، تشهد محلات خياطة الملابس في الأردن إقبالاً كبيراً من قبل المواطنين لتجديد الملابس القديمة ورتي ثقوبها، في ضوء تدنّي القدرة الشرائية وارتفاع أسعار الملابس الجديدة. وعدا عن الدافع الاقتصادي، يحرص بعض النشطاء البيئيين على إصلاح وتعديل ملابسهم القديمة، خاصة أن تلك المصنوعة من الألياف الاصطناعية والبترولية تحتاج إلى عقود حتى تتحلل في مكبات النفايات.
وتقول فتحية العاصي، صاحبة مخيطة محمد الواقعة في العاصمة عمّان، إن «الأمر كان مختلفاً قبيل خمس سنوات، حيث كان المواطنون يفضّلون شراء الملابس الجاهزة واستبدالها بعد كل موسم صيف أو شتاء. لكن الوضع تبدّل، خاصة في مواسم الأعياد وغيرها». وتشرح العاصي أن معظم عملها أصبح تبديل البطانة الداخلية للملابس، ورتي الممزقة منها، أو استبدال الأزرار، وصولاً إلى تعديل التصاميم القديمة.
يُشار إلى أن مستوردات الأردن من الألبسة تراجعت خلال النصف الأول من العام الحالي بنسبة 20 في المائة، لتصل إلى 120 مليون دينار، مقابل 150 مليون دينار خلال الفترة نفسها من العام الماضي، في وقت يتجاوز إجمالي عدد محلات الألبسة والأحذية العشرة آلاف.
- هولندا: اختصاص الخياطين الأتراك
وإذا كانت الأسباب الاقتصادية هي الدافع الرئيسي لرواج إصلاح الملابس القديمة في البلدان العربية، فالوعي البيئي هو الدافع الأهم في أوروبا. ففي هولندا، مثلاً، تنتشر مئات مشاغل الخياطة المخصّصة لإصلاح الثياب، يدير معظمها خيّاطون من أصل تركي. وفي جولة على بعض المشاغل في أمستردام، أجمع الخياطون أنّ معظم عملهم قبل عشر سنين كان تعديل مقاسات الثياب الجديدة، لأن أسعارهم أرخص مما تتقاضاه محلات الأزياء حيث تباع البضاعة. لكن الوضع انقلب الآن، ليصبح 80 في المائة من عمل المشاغل إصلاح ثياب قديمة وتعديل مقاسها. ويعتقدون أن السبب الرئيسي لإقبال الزبائن الهولنديين على تعديل الثياب القديمة لإعادة استعمالها يعود إلى انتشار ثقافة التدوير. فقد حصل تبدُّل كبير في العادات الاستهلاكية، بحيث أصبح الرمي في المطامر عيباً، خاصة حين تكون إعادة الاستعمال ممكنة. ولا شك أن شراء كمية أقل من قطع الثياب ذات النوعية الجيّدة التي تدوم طويلاً، أفضل من شراء قطع متعدّدة، تتمزق وتتلاشى ألوانها بعد فترة قصيرة من الاستعمال.


مقالات ذات صلة

مصر: غالبية الدول تعتبر مشاريع قرارات «كوب 27» متوازنة

شمال افريقيا وزير الخارجية المصري سامح شكري (إ.ب.أ)

مصر: غالبية الدول تعتبر مشاريع قرارات «كوب 27» متوازنة

أكد رئيس مؤتمر الأطراف حول المناخ (كوب27) سامح شكري اليوم (السبت) أن «الغالبية العظمى» من الدول تعتبر مشاريع القرارات التي قدمتها رئاسة مؤتمر المناخ «متوازنة» بعدما انتقدها الاتحاد الأوروبي. وأوضح وزير خارجية مصر سامح شكري للصحافيين بعد ليلة من المفاوضات المكثفة إثر تمديد المؤتمر في شرم الشيخ أن «الغالبية العظمى من الأطراف أبلغتني أنها تعتبر النص متوازنا وقد يؤدي إلى اختراق محتمل توصلا إلى توافق»، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية. وتابع يقول «على الأطراف أن تظهر تصميمها وأن تتوصل إلى توافق».

«الشرق الأوسط» (شرم الشيخ)
بيئة البيئة في 2021... قصص نجاح تعزز الأمل في تخفيف أزمة المناخ

البيئة في 2021... قصص نجاح تعزز الأمل في تخفيف أزمة المناخ

شهدت سنة 2021 الكثير من الكوارث والخيبات، لكنها كانت أيضاً سنة «الأمل» البيئي. فعلى الصعيد السياسي حصلت تحولات هامة بوصول إدارة داعمة لقضايا البيئة إلى سدة الرئاسة في الولايات المتحدة. كما شهدت السنة العديد من الابتكارات الخضراء والمشاريع البيئية الواعدة، قد يكون أبرزها مبادرة «الشرق الأوسط الأخضر» التي أطلقتها السعودية. وفي مجال الصحة العامة، حقق العلماء اختراقاً كبيراً في مواجهة فيروس كورونا المستجد عبر تطوير اللقاحات وبرامج التطعيم الواسعة، رغم عودة الفيروس ومتحوراته. وفي مواجهة الاحتباس الحراري، نجح المجتمعون في قمة غلاسكو في التوافق على تسريع العمل المناخي.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
يوميات الشرق فرقة «كولدبلاي» تراعي المعايير البيئية في جولتها سنة 2022

فرقة «كولدبلاي» تراعي المعايير البيئية في جولتها سنة 2022

أعلنت فرقة «كولدبلاي» البريطانية، الخميس، عن جولة عالمية جديدة لها سنة 2022 «تراعي قدر الإمكان متطلبات الاستدامة»، باستخدام الألواح الشمسية وبطارية محمولة وأرضية تعمل بالطاقة الحركية لتوفير كامل الكهرباء تقريباً، فضلاً عن قصاصات «كونفيتي» ورقية قابلة للتحلل وأكواب تحترم البيئة. وذكرت «كولدبلاي» في منشور عبر «تويتر» أن «العزف الحي والتواصل مع الناس هو سبب وجود الفرقة»، لكنها أكدت أنها تدرك «تماماً في الوقت نفسه أن الكوكب يواجه أزمة مناخية». وأضاف المنشور أن أعضاء فرقة الروك الشهيرة «أمضوا العامين المنصرمين في استشارة خبراء البيئة في شأن سبل جعل هذه الجولة تراعي قدر الإمكان متطلبات الاستدامة» و«

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق بعد انخفاضها بسبب الإغلاق... انبعاثات الكربون تعاود الارتفاع

بعد انخفاضها بسبب الإغلاق... انبعاثات الكربون تعاود الارتفاع

انخفضت انبعاثات الغازات المسببة للاحترار العالمي بشكل كبير العام الماضي حيث أجبر وباء «كورونا» الكثير من دول العالم على فرض الإغلاق، لكن يبدو أن هذه الظاهرة الجيدة لن تدوم، حيث إن الأرقام عاودت الارتفاع بحسب البيانات الجديدة، وفقاً لشبكة «سي إن إن». وتسببت إجراءات الإغلاق لاحتواء انتشار الفيروس التاجي في انخفاض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 7 في المائة على مدار عام 2020 - وهو أكبر انخفاض تم تسجيله على الإطلاق - وفق دراسة نُشرت أمس (الأربعاء) في المجلة العلمية «نيتشر كلايميت شينج». لكن مؤلفيها يحذرون من أنه ما لم تعطِ الحكومات الأولوية للاستثمار بطرق بيئية في محاولاتها لتعزيز اقتصاداتها الم

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
بيئة 5 ملفات بيئية هامة في حقيبة بايدن

5 ملفات بيئية هامة في حقيبة بايدن

أعلن الفريق الانتقالي للرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن أن وزير الخارجية السابق جون كيري سيكون له مقعد في مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، وهي المرة الأولى التي يخصّص فيها مسؤول في تلك الهيئة لقضية المناخ. ويأتي تعيين كيري في إطار التعهدات التي قطعها جو بايدن خلال حملته الانتخابية بإعادة الولايات المتحدة إلى الطريق الصحيح في مواجهة تغيُّر المناخ العالمي ودعم قضايا البيئة، بعد فترة رئاسية صاخبة لسلفه دونالد ترمب الذي انسحب من اتفاقية باريس المناخية وألغى العديد من اللوائح التشريعية البيئية. وعلى عكس ترمب، يعتقد بايدن أن تغيُّر المناخ يهدّد الأمن القومي، حيث ترتبط العديد من حالات غياب الاستقرار

«الشرق الأوسط» (بيروت)

ارتفاع الحرارة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بوتيرة أسرع من مثلي المعدل العالمي

عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)
عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)
TT

ارتفاع الحرارة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بوتيرة أسرع من مثلي المعدل العالمي

عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)
عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)

قالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة، في تقرير، إن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سجّلت أكثر الأعوام حرارة على الإطلاق في عام 2024، حيث ارتفعت درجات الحرارة بوتيرة تزيد بمقدار المثلين عن المتوسط العالمي في العقود الأخيرة.

وأصبحت الموجات الحارة في المنطقة أطول وأكثر حدة، وفقاً لأول تقرير للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، يركز على المنطقة.

وقالت سيليست ساولو الأمينة العامة للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية: «ترتفع درجات الحرارة بمعدل مثلي المتوسط العالمي، مع موجات حرّ شديدة ومرهقة للمجتمع إلى أقصى الحدود».

وخلص التقرير إلى أن متوسط درجات الحرارة في عام 2024 تجاوز متوسط الفترة من 1991 إلى 2020، بمقدار 1.08 درجة مئوية، فيما سجّلت الجزائر أعلى زيادة بلغت 1.64 درجة مئوية فوق متوسط الثلاثين عاماً الماضية.

وحذّرت ساولو من أن الفترات الطويلة التي زادت فيها الحرارة عن 50 درجة مئوية في عدد من الدول العربية كانت «حارة للغاية» بالنسبة لصحة الإنسان والنظم البيئية والاقتصاد.

درجات الحرارة المرتفعة سجلت أرقاماً قياسية (أرشيفية - رويترز)

وأشار التقرير إلى أن موجات الجفاف في المنطقة، التي تضم 15 بلداً من أكثر بلدان العالم ندرة في المياه، أصبحت أكثر تواتراً وشدة، مع اتجاه نحو تسجيل موجات حرّ أكثر وأطول في شمال أفريقيا منذ عام 1981.

وخلص التقرير إلى أن مواسم الأمطار المتتالية، التي لم يسقط فيها المطر، تسببت في جفاف في المغرب والجزائر وتونس.

وقالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية إن أكثر من 300 شخص في المنطقة لقوا حتفهم العام الماضي بسبب الظواهر الجوية القاسية، ولا سيما موجات الحر والفيضانات، في حين تضرر ما يقرب من 3.8 مليون شخص.

وأكّد التقرير الحاجة الماسة للاستثمار في الأمن المائي، عبر مشروعات مثل تحلية المياه وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي، إلى جانب تطوير أنظمة الإنذار المبكر للحدّ من مخاطر الظواهر الجوية. ويمتلك نحو 60 في المائة من دول المنطقة هذه الأنظمة حالياً.

ومن المتوقع أن يرتفع متوسط درجات الحرارة في المنطقة بمقدار 5 درجات مئوية، بحلول نهاية القرن الحالي، في ظل مستويات الانبعاثات الحالية، استناداً إلى التوقعات الإقليمية الصادرة عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ.


دراسة جينية تكشف مرحلة فارقة في تاريخ استئناس القطط

قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)
قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)
TT

دراسة جينية تكشف مرحلة فارقة في تاريخ استئناس القطط

قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)
قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)

تعيش مع البشر مئات الملايين من القطط في جميع أنحاء العالم، سواء أكانت سيامية أو فارسية أو من سلالة ماين كون أو غيرها. لكن على الرغم من شعبيتها كحيوانات أليفة، ظلّ تاريخ استئناسها وتربيتها بالمنازل سرّاً صعباً يستعصي على العلماء.

وتقدم دراسة جينية جديدة نظرة في هذه المسألة، من خلال تحديد التوقيت الزمني لمرحلة رئيسية في تدجين القطط، عندما استُقدمت القطط المنزلية إلى أوروبا من شمال أفريقيا.

ووجد الباحثون أن القطط الأليفة وصلت إلى أوروبا منذ ما يقرب من ألفي عام، في أوائل عصر الإمبراطورية الرومانية، ربما من خلال التجارة البحرية.

ويحتمل أن يكون البحارة قد جلبوا بعض هذه القطط لاصطياد الفئران على متن السفن التي كانت تجوب البحر المتوسط حاملة الحبوب من حقول مصر الخصبة إلى الموانئ التي تخدم روما والمدن الأخرى في الإمبراطورية الرومانية مترامية الأطراف.

تتناقض هذه النتائج مع الفكرة السائدة منذ فترة طويلة بأن الاستئناس حدث في عصور ما قبل التاريخ، ربما قبل 6 إلى 7 آلاف سنة، حينما انتقل المزارعون من الشرق الأدنى والشرق الأوسط القديم إلى أوروبا لأول مرة، حاملين القطط معهم.

قطة (أ.ف.ب)

وقال عالم الجينات كلاوديو أوتوني، من جامعة روما تور فيرجاتا، المؤلف الرئيسي للدراسة التي نُشرت اليوم (الخميس)، في مجلة «ساينس»: «أظهرنا أن أقدم جينومات للقطط المنزلية في أوروبا تعود إلى فترة الإمبراطورية الرومانية وما بعدها»، بداية من القرن الأول الميلادي.

استخدمت الدراسة بيانات جينية من بقايا القطط من 97 موقعاً أثرياً في جميع أنحاء أوروبا والشرق الأدنى، وكذلك من قطط تعيش في الوقت الحاضر. قام الباحثون بتحليل 225 عظمة من عظام القطط، الأليفة والبرية، التي ترجع إلى نحو 10 آلاف سنة مضت إلى القرن التاسع عشر الميلادي، وأنتجوا 70 جينوماً قديماً للقطط.

ووجد الباحثون أن بقايا القطط من مواقع ما قبل التاريخ في أوروبا تنتمي إلى القطط البرية، وليس القطط الأليفة القديمة.

كانت الكلاب هي أول حيوان مستأنس من قبل البشر، إذ انحدرت من فصيلة ذئاب قديمة مختلفة عن الذئاب الحديثة. وجاءت القطط الأليفة في وقت لاحق، منحدرة من القط البري الأفريقي.

قال ماركو دي مارتينو، عالم الحفريات بجامعة روما تور فيرجاتا، والمؤلف المشارك في الدراسة: «دخول القطط الأليفة إلى أوروبا مهم لأنه يمثل لحظة مهمة في علاقتها طويلة الأمد مع البشر. فالقطط ليست مجرد نوع آخر وصل إلى قارة جديدة. إنها حيوان أصبح مندمجاً بعمق في المجتمعات البشرية والاقتصادات حتى المعتقدات».

وحدّدت البيانات الجينية مرحلتين لدخول القطط إلى أوروبا من شمال أفريقيا. فمنذ ما يقرب من 2200 سنة، جلب البشر القطط البرية من شمال غربي أفريقيا إلى جزيرة سردينيا، التي تنحدر قططها البرية الحالية من تلك القطط المهاجرة.

لكن هذه القطط لم تكن أليفة. فهناك هجرة منفصلة من شمال أفريقيا بعد نحو قرنين من الزمان، شكّلت الأساس الجيني للقطط المنزلية الحديثة في أوروبا.

تشير نتائج الدراسة إلى أنه لم تكن هناك منطقة أساسية واحدة لترويض القطط، بل لعبت عدة مناطق وثقافات في شمال أفريقيا دوراً في ذلك، وفقاً لعالمة الآثار الحيوانية والمؤلفة المشاركة في الدراسة، بيا دي كوبير، من المعهد الملكي البلجيكي للعلوم الطبيعية.

وقالت دي كوبير: «يتزامن توقيت الموجات الوراثية لإدخال القطط من شمال أفريقيا مع الفترات التي تكثفت فيها التجارة حول البحر المتوسط بقوة. ومن المرجح أن القطط كانت تسافر لصيد فئران على متن سفن الحبوب، لكن ربما أيضاً كحيوانات ذات قيمة دينية ورمزية».

كانت القطط مهمة في مصر القديمة، وكان ملوك مصر يحتفظون بقطط أليفة، وأحياناً يحنطونها لدفنها في توابيت أنيقة.

ولعب الجيش الروماني القديم، الذي انتشرت مواقعه العسكرية في جميع أنحاء أوروبا، وحاشيته، دوراً أساسياً في انتشار القطط الأليفة في جميع أنحاء القارة، وتشهد على ذلك بقايا القطط التي اكتشفت في مواقع المعسكرات الرومانية.

ويرجع تاريخ أقدم قط مستأنس في أوروبا تم تحديده في الدراسة، وهو قط مشابه وراثياً للقطط المنزلية الحالية، إلى ما بين 50 قبل الميلاد و80 ميلادية من بلدة ماوترن النمساوية، وهي موقع حصن روماني على طول نهر الدانوب.

ومع ذلك، لم تكشف الدراسة عن توقيت ومكان التدجين الأولي للقطط.

قال أوتوني: «تدجين القطط أمر معقد، وما يمكننا قوله حالياً هو توقيت دخول القطط المنزلية إلى أوروبا من شمال أفريقيا. لا يمكننا أن نقول الكثير عما حدث قبل ذلك، وأين حدث».


إسطنبول تتجه لحظر الكلاب الضالة في الأماكن العامة

رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)
رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)
TT

إسطنبول تتجه لحظر الكلاب الضالة في الأماكن العامة

رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)
رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)

أصدرت السلطات المحلية في إسطنبول، اليوم (الاثنين)، مرسوماً يقضي بحظر إطعام الكلاب الضالة داخل المدينة في المستقبل، وكذلك منع وجودها في الأماكن العامة بالمدينة.

وقالت السلطات إنه سيتم منع الكلاب الضالة من الوجود على الأرصفة، والمرافق الصحية والتعليمية، والمطارات، ودور العبادة، والمتنزهات، وذلك بهدف منع انتشار الآفات والتلوث البيئي.

ولم يتم تقديم أي تفاصيل حول العقوبات المحتملة، وفقاً لوكالة الأنباء الألمانية.

وتهدف الإجراءات الجديدة أيضاً إلى تسريع عملية الإمساك بالكلاب التي لا مالك لها وتعقيمها، وإيوائها في ملاجئ الحيوانات. وستكون البلديات مسؤولة عن تنفيذ القواعد الجديدة.

وأصبحت هذه القضية محل جدل كبيراً منذ صدور قانون العام الماضي، يسمح في حالات معينة بإعدام الكلاب الضالة. ويمكن الآن إلزام البلديات بإمساك الحيوانات الضالة وإيوائها في ملاجئ خاصة.

وتقوم هذه الملاجئ بالبحث عن مالكين جدد للاعتناء بهذه الحيوانات.