سيناريوهات غامضة لـ«داعش» تحت زعامة «القرشي»

الانقسامات تضرب «أوهام التمدد»

«داعش» سيأخذ وقتاً طويلاً لـ«لملمة شتاته» في أعقاب مقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي (أ.ب)
«داعش» سيأخذ وقتاً طويلاً لـ«لملمة شتاته» في أعقاب مقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي (أ.ب)
TT

سيناريوهات غامضة لـ«داعش» تحت زعامة «القرشي»

«داعش» سيأخذ وقتاً طويلاً لـ«لملمة شتاته» في أعقاب مقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي (أ.ب)
«داعش» سيأخذ وقتاً طويلاً لـ«لملمة شتاته» في أعقاب مقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي (أ.ب)

ما استراتيجية تنظيم داعش الإرهابي تحت زعامة أبو إبراهيم الهاشمي القرشي؟ وهل سيتمدد الفترة المقبلة أم سيواصل الخفوت؟ وما دور كتيبته الإعلامية مع تعيين أبو حمزة القرشي متحدثاً له؟ وكيف سيواجه «سيل الانقسامات» داخله؟... أسئلة كثيرة تشغل الخبراء والمختصين مع تنصيب الزعيم الجديد. والإجابة عنها قد ترسم ملامح السيناريوهات المحتملة للتنظيم التي يغلب عليها الغموض.
مختصون في الحركات الأصولية، وباحثون وخبراء أمنيون أجمعوا على أن «(داعش) سيأخذ وقتاً طويلاً لـ(لملمة شتاته) في أعقاب مقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». وأكدوا لـ«الشرق الأوسط» أنه «من المُرجح إجراء تغييرات في (ديوان الأمن العام) للتنظيم الفترة المقبلة، والإعلان عن معاقبة بعض عناصره، لتلافي صورة فشل التنظيم في حماية البغدادي ومتحدث التنظيم السابق»، لافتين إلى أن «التنظيم لن يتأثر بمقتل البغدادي؛ بل يسعى لرد اعتباره من أميركا، فضلاً عن شن حرب إعلامية ضد عناصر (القاعدة) وقادتها، لأن مقتل البغدادي عمق الخلافات بين (القاعدة) و(داعش)».
وقالوا إن «(داعش) قد يعود للرهان مجدداً على (الانفراديين) و(الخلايا النائمة) لتنفيذ ضربات سريعة في الدول، لإحداث دوي وتأكيد بقاء التنظيم، وسيحاول التنظيم مواجهة سيل الانشقاقات».
وأعلن «داعش» مقتل البغدادي في أعقاب غارة أميركية الشهر الماضي، وتعيين «القرشي» خلفاً له، ومقتل المتحدث السابق باسمه أبو الحسن المهاجر، وتعيين أبو حمزة القرشي... وقبل تولي «القرشي» قيادة التنظيم كان هناك تباين حول أعداد التنظيم؛ ففي حين أكد غينادي كوزمين، نائب مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة في أغسطس (آب) الماضي، أن «عناصر (داعش) في سوريا قرابة 3 آلاف شخص»، رجحت تقديرات أخرى أن «عناصر التنظيم في العراق ما بين ألف و3 آلاف»، وأشارت تقارير أميركية إلى أن «(داعش) يضم ما بين 14 ألف عنصر إرهابي و18 ألفاً منهم».

هيكلة داخلية
استراتيجية «داعش» المقبلة تحت قيادة «القرشي»، فسرها عمرو عبد المنعم، المختص في شؤون الحركات الأصولية، بقوله: «في الأغلب لن يتغير نظام (داعش) وهياكله الداخلية وهي 14 هيكلاً، أهمها ما يسمى (ديوان الأمن العام)، وأعلى مكتب به يطلق عليه (مكتب الخدمات والمعلومات)، وهو قريب الشبه بإدارات الاستخبارات في الدول»، مضيفاً أنه «وفقاً لمعلومات، فإن (ديوان الأمن العام) يخضع حالياً للتحقيقات، وتم سجن أحد عناصره القيادية المتورطة في تسريب معلومات بطريقة غير مباشرة للعناصر في (حراس الدين)... ومن المرجح أن تتم هيكلة (الديوان) في المرحلة المقبلة، وقد يتم إعلان إعدام أحد مسؤوليه، لتلافي ما تردد عن فشل التنظيم في حماية البغدادي».
وقال عبد المنعم إن «التجربة أثبتت أن مقتل أي زعيم للجماعات الجهادية لا يؤثر على مسار هذه الجماعات بشكل مباشر، وزعامة (داعش) أسست ما يسمى (اللجنة المفوضة) التي تقوم فعلاً بالحكم على الأرض، والبغدادي انحصر أداؤه بعد هزيمة التنظيم في الموصل، واقتصر على الأداء الإعلامي فقط، فكانت هذه اللجنة هي من تقوم بقيادة التنظيم على الأرض، وهو ما وضح بشكل كبير خلال الاختيار السريع لـ(القرشي) والمتحدث الإعلامي الجديد».
وبحسب دراسة أعدها باحثون في «مرصد الأزهر لمكافحة التطرف»، فإن «هناك إشكالية ستواجه (القرشي) هي الأموال، وما يُعرف بـ(بيت مال التنظيم) وخزانته، التي تسيطر عليها بعض القيادات، وقد يطمع هؤلاء في الأموال، ويهربون بها، أو ينفصلون، ويشكلون جماعات إرهابية أخرى، وقد حدث هذا بالفعل بعد مقتل أبو مصعب الزرقاوي، وأبو حمزة المهاجر». يذكر أن الزرقاوي، هو مؤسس التنظيم في بداياته، وأول من قام بذبح أحد الرهائن الأميركيين في العراق ويدعى يوجيين أرمسترونغ عام 2004، بحز رقبته بسكين، وقد قامت جماعة «التوحيد والجهاد» حينذاك بنشر الفيديو المصور لعملية الذبح على الإنترنت.
وحول قيام «داعش» بعمليات جديدة خلال الفترة المقبلة لإثبات الذات خصوصاً لـ«القاعدة»، أكد عبد المنعم، أن «(داعش) يخطط لرد اعتباره من أميركا، والانتقام من الأكراد وقوات سوريا الديمقراطية، فضلاً عن شن حرب إعلامية ضد عناصر (القاعدة) وقادته، فعملية مقتل البغدادي عمقت الخلافات بين (القاعدة) و(داعش)، لأن مقتل البغدادي كان بسبب أو بآخر بسبب تسريبات (القاعدة)، وهذا هو سر وجود (حراس الدين) في قصة مقتل البغدادي».
في حين قال باحثون بـ«مرصد الأزهر»، إن «مقتل قادة أي تنظيم إرهابي له تأثيرات قد تكون إيجابية أو سلبية؛ إذ يرى فريق أن مقتل قائد أي تنظيم قد يصل إلى حل التنظيم أو إضعافه بصورة كبيرة، لأن موته سيؤدي لوقف العمليات، وترك كثير من الميليشيات للتنظيم، وخفض الروح المعنوية لعناصره، وعدم الاستقرار والضعف التنظيمي... في حين يرى فريق آخر أن شعور التنظيم بأن الزعيم قتل في سبيل القضية، قد يؤدي لتدفق ميليشيات جديدة، والقيام بعمليات إرهابية».

انقسامات وتململ
في السياق ذاته، كشفت دعوة أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» لأعضاء التنظيم عند إعلان الولاء للزعيم الجديد، عن حالة الانقسامات التي تخيم على التنظيم، خصوصاً أن لغته لم تختلف كثيراً عن لغة البغدادي، حيث حث أبو حمزة أتباعه في رسالته الصوتية الأخيرة على الالتزام بما أصدره البغدادي في رسالته سبتمبر (أيلول) الماضي، التي طالب فيها «بتحرير أنصار التنظيم من السجون، وتجنيد أتباع جدد لاستكمال المهمة، والوعيد والتهديد لأميركا، وتأكيد مواصلة التنظيم تمدده في الشرق الأوسط وخارجه».
وكان البغدادي قد حرض بشكل مُباشر في سبتمبر الماضي على مهاجمة السجون في سوريا والعراق، لإنقاذ ما عدّهم «مقاتلي التنظيم وعائلاتهم المحتجزين والمحتجزات في السجون والمخيمات». وقال البغدادي في حديثه حينها، إن «تنظيمه لا يزال موجوداً رغم توسعه في البداية، ومن ثم الانكماش»، عادّاً ذلك «اختباراً من الله» - على حد زعمه. وقال العميد السيد عبد المحسن، الخبير الأمني في مصر، إن «أبو حمزة سعى في تسجيله الأخير إلى رفع الروح المعنوية لعناصر التنظيم، بهدف مواجهة سيل الانشقاقات»، لافتاً إلى أن «حديث أبو حمزة ينم عن حجم صراعات وانشقاقات، وتراجع في قدرات التنظيم المادية والبشرية، لذا سعى لبث روح الثبات في نفس فلوله المتبقية، بالحديث عن تمددات وهمية»، مضيفاً: «قد يعود (داعش) للرهان مجدداً على (الانفراديين) أو (الذئاب المنفردة)، و(الخلايا النائمة) لتنفيذ ضربات سريعة في الدول، لإحداث دوي وتأكيد بقاء التنظيم، وأنه ما زالت لديه القدرة على تنفيذ عمليات إرهابية».
الكلام السابق، اتسق مع تحذيرات لمرصد «الإسلاموفوبيا» التابع لدار الإفتاء المصرية، من «قيام عناصر (داعش) خلال الفترة المقبلة بعمليات إرهابية في الغرب... وأنه عقب كل عملية إرهابية سيخرج التنظيم بفيديو تسجيلي يعلن فيه مسؤوليته عن العملية الإرهابية، ويبرر قيامه بها بأنها على سبيل القصاص من الغرب - على حد زعم التنظيم، وهذه العمليات سوف تنطلق فرادى وجماعات، لإثبات أن التنظيم لا يزال صلباً ولم يهتز بقتل زعيمه السابق».
في حين أوضح عمرو عبد المنعم أن «التنظيم لن يتوانى عن سياسة التجنيد، التي تعتمد على حماس واندفاع الشباب، ومن هنا تنبع فكرة الاستقطاب الحادة في صفوف هذا التنظيم، التي أسفرت الأعوام الماضية عن حجم كبير من الانشقاقات». و«الانفراديون» هم شخص أو أشخاص يخططون وينفذون باستخدام السلاح المتاح لديهم... وكان البغدادي قد توعد في وقت سابق بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
ويشار إلى أن أول ظهور لمصطلح «الذئاب المنفردة» كان في أحد فصول كتاب «دعوة المقاومة العالمية» الذي أعده أبو مصعب السوري بعد التحديات الأمنية التي واجهها تنظيم «القاعدة» عقب هجمات 11 سبتمبر (أيلول) عام 2001، والذي دعا فيه أفراد التنظيم والمتعاطفين معه لقتال الغرب.
وحول نشاط «داعش» الإعلامي الفترة المقبلة، قال عبد المنعم إن «التنظيم يعاني ضربة قوية بفقده المتحدث الإعلامي السابق، وبالتالي يحتاج وقتاً لاستعادة الثقة مرة أخرى في بعض مكوناته الداخلية، خصوصاً أنه يملك ترسانة إعلامية، بأدوات تكنولوجية حديثة».
وأكد مراقبون أن «(داعش) منذ نشاطه الذي تبلور عام 2014 نجح في استغلال العالم الإلكتروني، لبث عملياته، واستقطاب المتعاطفين من الجنسيات المختلفة نتيجة افتتانهم بفكر التنظيم».
ويشار إلى أن «داعش» اعتمد كلياً منذ نشأته على آلته الإعلامية لبث آيديولوجيته خلال الشبكة العنكبوتية، حيث كان يقضي أنصار التنظيم غالب وقتهم على مواقع التواصل؛ للعمل على استقطاب مُناصرين جُدد، وتجنيد مقاتلين من كل أنحاء العالم... وكذلك لتلقي نداءات التنظيم، وشرح كيفية إعداد المتفجرات يدوية الصنع، وكيفية شن هجمات بأي وسيلة كانت، حتى لا يلفت أنظار المحيطين به.
وعن عودة التنظيم لقوته السابقة، قال عمرو عبد المنعم: «لا أظن أن التنظيم يعود بفائق قوته وقدراته الكاملة التي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي، والسيطرة الكبيرة على بعض المناطق في العراق وسوريا من قبل القوات النظامية والتحالف الدولي، التي تستخدم طرقاً جديدة غير الطرق التقليدية في الحرب والمواجهة، لكن هناك خطوة من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، وقتال الشوارع واستنزاف القوى الكبرى، وهي الاستراتيجية القديمة نفسها مع زيادة العنصر (الانفرادي) الذي يعرف بـ(الذئاب المنفردة)».


مقالات ذات صلة

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)
شؤون إقليمية عناصر من الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا في شمال سوريا (إعلام تركي)

العملية العسكرية التركية في شمال سوريا تواجه رفضاً روسياً وغموضاً أميركياً

تصاعدت التصريحات التركية في الفترة الأخيرة حول إمكانية شن عملية عسكرية جديدة تستهدف مواقع «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) في شمال سوريا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.