الرباعي وشيرين وأصالة يطربون عشاق الأغنية العاطفية بـ«بوليفارد» الرياض

أعادوا غناء «زمان الصمت» و«ع اللي جرى» و«عيون القلب» على مسرح أبو بكر سالم

صابر الرباعي  -  شيرين عبد الوهاب تغنت بـ«عيون القلب» لنجاة الصغيرة  -  أصالة نصري  (تصوير: بشير صالح)
صابر الرباعي - شيرين عبد الوهاب تغنت بـ«عيون القلب» لنجاة الصغيرة - أصالة نصري (تصوير: بشير صالح)
TT

الرباعي وشيرين وأصالة يطربون عشاق الأغنية العاطفية بـ«بوليفارد» الرياض

صابر الرباعي  -  شيرين عبد الوهاب تغنت بـ«عيون القلب» لنجاة الصغيرة  -  أصالة نصري  (تصوير: بشير صالح)
صابر الرباعي - شيرين عبد الوهاب تغنت بـ«عيون القلب» لنجاة الصغيرة - أصالة نصري (تصوير: بشير صالح)

قدم الثلاثي الغنائي العربي صابر الرباعي وشيرين عبد الوهاب وأصالة نصري على مسرح الفنان أبو بكر سالم في منطقة البوليفارد في العاصمة الرياض ليلة طربية لا تنسى أول من أمس ضمن موسم الرياض أمتعت عشاق الأغنية العاطفية تفاعلاً وإحساساً بعد أن كانت تذاكر الحفلة الغنائية نفدت بعد يوم واحد من الإعلان عنها، حيث شهدت الحفلة حضوراً جماهيرياً كبيراً.
وتغنى الفنان صابر الرباعي خلال وصلته الغنائية بـ«زمان الصمت» للفنان الراحل طلال مداح، بينما طلبت أصالة خلال اعتلائها المسرح من صابر، الانضمام لها لغناء دويتو أغنية «ع اللي جرى» الذي سبق أن قدماه سويا عام 2001. في الوقت الذي تغنت شيرين عبد الوهاب بأغنية «عيون القلب» للفنانة نجاة الصغير.
وفتح «موسم الرياض» الآفاق والأبعاد الفنية، بما فيها إنجازات فنية عظيمة للفنانات العربيات، كتلك التي حققتها أصالة نصري بحفلات السعودية؛ إذ تفرَّدت بأن تكون أكثر فنانة عربية تغني بالسعودية في أكثر من 13 حفلة غنائية خلال عام ونصف، وهي الحال للفنانة شيرين التي تغنت في حفلتين في ظرف 10 أيام في «موسم الرياض»، محققة واحداً من الأرقام الفنية في الحفلات الغنائية.
وبدأ صابر الرباعي الحفل، بأغنية «يا أغلى»، أتبعها بمجموعة من أغانيه المميزة منها: «ببساطة، يا عسل، أجمل نساء الدنيا، عز الحبايب، اتحدى العالم، برشا برشا»، كما قدم أغنية «غشاش» لأول مرة لايف من ألبومه الجديد، كما تغنى بأغنية «زمان الصمت» للفنان الراحل طلال مداح وسط تفاعل جماهيري كبير مع وصلته الغنائية.
ووصف الفنان صابر الرباعي أغنية «زمان الصمت» بأنها لا تموت، مشيراً إلى معرفة الشباب والصغار بالأغنية، مضيفاً أنه حرص على تقديم لمسة وفاء فنية للراحل طلال مداح، معرباً عن سعادته بالجَمعِ الفني والثقافي الجميل بالموسم، منوهاً بأن هذا العمل يُحسَب للعاملين بموسم الرياض، كما قدَّم شكره لهيئة الترفيه وتركي آل الشيخ على هذا الإنجاز، وأضاف صابر أن هذا الإنجاز وصلنا له بفضل الهِمَّة والطموح والعمل الدؤوب.
وحول أدائه للأغنية الخليجية قال إن الخزينة الفنية له لا بد أن تكتمل بالأغنية الخليجية، منوهاً بأن هذا اللون الغنائي مُقرَّب له، حيث تغنَّى من ألحان الفنان عبد الرب إدريس والملحن الموسيقار طلال مداح، وصرَّح صابر أنه بصدد التحضير لألبوم قادم، يحمل العديد من الأعمال الخليجية.
واختم «الرباعي»، وصلته الغنائية مودعاً الجمهور وليترك المسرح للمطربة أصالة التي استهلت وصلتها الغنائية بـ«كان يهمني» قبل تواصل إبداعها بمشاركة الجماهير الحاضرة لها أداء وصلتها الغنائية والتي قدمت خلالها حزمة من أغانيها المميزة منها «كبير الشوق» و«أسلي نفسي» و«روح نجدية» و«شف عذر» و«إذا هان الغلا عندك» و«ع اللي جرى» دويتو مع صابر و«سواها قلبي» و«ذاك الغبي» قبل أن تختتم وصلتها الغنائية.
وجهت الفنانة السورية أصالة نصري، رسالة للفنان صابر الرباعي قائلة: «إن اليوم معنا واحد من أحسن وأهذب وأعلى الفنانين اللي اتعاملت معهم، وعشرتي معه عمرها 25 عاماً، اجتمعت فيه الأخلاق والرجولة، والفن، وحسن التعامل والتفاهم».
بينما اعتلت الفنانة شيرين عبد الوهاب المسرح وسط ترحيب كبير قابلتها بكلمة لها تضمنت «لحقت أوحشكم» حيث كانت قد أحيت قبلها بأيام حفلة غنائية، استهلتها بأغنية «طريقي» و«كنت تسبيني» و«كان طبعه قاسي» لتواصل إبداعها خلال وصلتها الغنائية ملبية طلبات الجماهير حيث تغنت «أنا كلي ملكك» و«الوتر الحساس» و«جرح ثاني» و«طمن قلبي و«ضعفي» و«افتكر كلامك يا حبيبي» و«بتوحشني» و«افتكرت كلامك يا حبيبي» و«ضعفي» و«مشربتش من نيلها» و«بطمنك» و«واحدة بواحدة» قبل أن تعيد غناء أغنية «عيون القلب» للفنانة نجاة الصغيرة، وتختتم حفلتها بأغنية «صبري قليل».



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)