واشنطن تدعو بيونغ يانغ مجدداً لتجنب الاستفزازات والعودة للمفاوضات

بعد إطلاقها صاروخين بالتزامن مع احتفالات عيد الشكر

أعرب الزعيم كيم جونغ أون عن «رضاه الكبير عن نتائج الاختبار» الأخير (رويترز)
أعرب الزعيم كيم جونغ أون عن «رضاه الكبير عن نتائج الاختبار» الأخير (رويترز)
TT

واشنطن تدعو بيونغ يانغ مجدداً لتجنب الاستفزازات والعودة للمفاوضات

أعرب الزعيم كيم جونغ أون عن «رضاه الكبير عن نتائج الاختبار» الأخير (رويترز)
أعرب الزعيم كيم جونغ أون عن «رضاه الكبير عن نتائج الاختبار» الأخير (رويترز)

قال مسؤول بوزارة الخارجية الأميركية إن واشنطن تدعو كوريا الشمالية لتجنب الاستفزازات والالتزام بقرارات مجلس الأمن الدولي والعودة إلى المفاوضات المستدامة، حتى تقوم بدورها بشأن استكمال عملية نزع السلاح النووي. وأضاف المسؤول في تصريح لوكالة «تاس» الروسية للأنباء أمس (الجمعة)، أن بلاده على علم بالتقارير التي أفادت بقيام كوريا الشمالية بإطلاق صواريخ، مضيفاً: «نراقب الموقف عن كثب، ونواصل مشاوراتنا مع حلفائنا في المنطقة».
ويأتي هذا بعد أن ذكر رؤساء الأركان المشتركة في كوريا الجنوبية في مؤتمر صحافي أن كوريا الشمالية أطلقت صاروخين قصيري المدى في البحر قبالة ساحلها الشرقي يوم الخميس في اختبار رابع لـ«قاذفة صواريخ متعددة كبيرة للغاية» جديدة. وجاء إطلاق القذيفتين بينما ما زالت المفاوضات بين واشنطن وبيونغ يانغ حول البرنامج النووي الكوري الشمالي، في مأزق. ورأى رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي أن إطلاق القذيفتين يشكل «تحدياً جدياً» للأسرة الدولية.
وجاء أحدث اختبار لما يسمى صاروخ KN - 25 تذكيراً بعيد الشكر للولايات المتحدة بالموعد النهائي الذي حدده كيم لواشنطن لإظهار المرونة في محادثات نزع السلاح النووي المتوقفة. وأظهرت سلسلة الاختبارات التي تم الكشف عنها لأول مرة في أغسطس (آب)، أن الكوريين الشماليين يطورون بشكل مطرد قدرتهم على إطلاق صواريخ متعددة بسرعة من مركبات الإطلاق المحمولة الخاصة بهم. ويرى مراقبون أنه ما زال من الممكن تهدئة المخاوف المتزايدة من إمكانية انهيار التفاهم الدبلوماسي بين البلدين على مدى العامين الماضيين بسبب استمرار العلاقات الجيدة بين الرئيسين دونالد ترمب وكيم جونغ أون. وكانت بيونغ يانغ قد وجهت تحذيرات متزايدة لواشنطن بشأن الموعد النهائي في نهاية العام لتقديم بعض المبادرات الجديدة لتسوية الأزمة النووية المستمرة منذ عقود. وحذر مراقبون من أن الفشل في التسوية قد يعني العودة إلى اختبارات الأسلحة الكورية الشمالية القوية التي نفذتها بصورة مكثفة في عام 2017 الذي كان من أكثر السنوات صعوبة في العلاقة بين البلدين. وكانت كوريا الشمالية قد أعلنت في السابق مواعيد نهائية لم تلتزم بها كطريقة للحصول على ما تريده في المفاوضات. ولكن رغم الشكوك المعتادة، هناك دلائل تشير إلى أن بيونغ يانغ يمكن أن تتعاون في هذه المرة. وأشارت مصادر كورية جنوبية إلى أن سيول تأخذ مهلة نهاية العام على محمل الجد وتعمل على «خطط طوارئ» مع الولايات المتحدة، التي حاولت، وفشلت، في إعادة كوريا الشمالية إلى محادثات جادة قبل نفاد الوقت.
وعندما انهارت الدبلوماسية في قمة ترمب كيم في فبراير (شباط) الماضي، حين لم تحصل كوريا الشمالية على هدفها بتخفيف العقوبات الأميركية الشاملة مقابل التنازل الجزئي عن قدراتها النووية، بدأت في إجراء سلسلة من اختبارات الأسلحة قصيرة المدى.
وذكرت كوريا الشمالية أنها لن تعقد قمة أخرى مع ترمب ما لم تحصل على شيء كبير مقابل جهودها. وترى بيونغ يانغ أن الولايات المتحدة تسعى فقط لكسب الوقت، وتتظاهر بأنها حققت تقدماً في تسوية مسألة شبه الجزيرة الكورية وتعتبر أنها لن تمنح واشنطن من الآن شيئاً يمكن أن يتباهى به. وفي حال تستغل كوريا الشمالية الأوضاع في الولايات المتحدة وإجراءات تحقيق المساءلة بالكونغرس وتنافس الانتخابات الرئاسية لعام 2020 لتعود إلى اختبارات الصواريخ الباليستية النووية والقارية التي جعلت عام 2017 عاماً خطيراً. ومع ذلك، يعتقد بعض المراقبين الخارجيين أن كيم، مع ذلك، لم يتخلَّ بعد عن المفاوضات التي لم تتحقق منذ عقود مع الجانب الأميركي.
ومع دخول عام 2020 قد يتم إغلاق الباب أمام تسوية سريعة مع الولايات المتحدة، ما يجعل العقوبات على كوريا الشمالية مستمرة لفترة أطول ويعوق وعد كيم لشعبه بالتحسن الاقتصادي. ويعدّ خبراء أن كيم يحاول أيضاً تعزيز العلاقات وتأمين المساعدات من الصين - أهم حليف لكوريا الشمالية وشريان الحياة الاقتصادي - وروسيا أثناء اختبار صواريخ قصيرة المدى، وأنه إذا قرر كيم التخلي عن المحادثات، فسيكون ذلك على الأرجح «في وقت من شأنه أن يلحق أكبر ألم بترمب». وذكر مراقبون أميركيون أنه وسط تنبؤات غير واقعية في بيونغ يانغ، قد يكون لدى الولايات المتحدة «خياران سيئان فقط»؛ تخفيف العقوبات عن كوريا الشمالية مقدماً مقابل القليل من الطرف الآخر، أو عودة بيونغ يانغ إلى اختبارات الأسلحة الأكثر قوة بعد انتهاء المهلة المحددة بنهاية العام. وكان كريستوفر هيل، كبير المفاوضين الأميركيين مع كوريا الشمالية في إدارة جورج دبليو بوش، قد ذكر أن بيونغ يانغ «ستضغط على إدارة ترمب من أجل الحصول على شيء بحلول نهاية العام».
وأعلنت بيونغ يانغ الجمعة أنها نجحت في اختبار نظام إطلاق متعدد لإطلاق الصواريخ الضخمة. وقالت وكالة الأنباء المركزية الكورية الشمالية إن «أكاديمية علوم الدفاع أجرت تدريبات للفحص النهائي لقابلية الاستخدام الفعلي لقاذفة الصواريخ للقتال». وأعرب كيم عن «رضاه الكبير» عن نتائج الاختبار. وذكرت الوكالة في تقريرها الذي أوردته وكالة «يونهاب» الكورية الجنوبية للأنباء، أن هذا الاختبار أثبت التفوق العسكري والفني لنظام الأسلحة وموثوقيته القوية. وقالت: «قادة الجيش الشمالي أعربوا عن امتنانهم للزعيم الذي رأى أن كثيراً من الأسلحة والمعدات ذات الأداء القوي تم تطويرها هذا العام من أجل التعزيز العسكري والتقني للجيش الشعبي الكوري». ويمثل هذا الاختبار التجريبي الثالث عشر للأسلحة الذي أجرته كوريا الشمالية هذا العام، والاختبار الرابع لنظام إطلاق الصواريخ كبيرة الحجم. وتم إطلاق القذائف الأخير في غضون فاصل زمني مدته 30 ثانية، وتم التحليق على بعد نحو 380 كيلومتراً، ووصل الارتفاع الأقصى إلى نحو 97 كيلومتراً، وفقا لهيئة الأركان المشتركة. وقالت وكالة الأنباء المركزية الكورية: «استهدفت التجربة اختبار منظومة إطلاق الصواريخ العملاقة متعددة الفوهات وأثبتت التفوق العسكري والفني لمنظومة الأسلحة تلك وإلى أي مدى يمكن الاعتماد عليها». وأضافت: «الزعيم الأعلى أبدى رضاه الكبير عن نتائج الاختبار». وأوضحت ريتشيل مينيونغ لي كبيرة المحللين في موقع «إن كي نيوز» الإلكتروني الأميركي أن اللغة التي استخدمتها وكالة الأنباء توحي أيضاً بأن هذا الاختبار «يمكن أن يكون الأخير» لقاذفة كبيرة جداً لصواريخ متعددة الفوهات.
وأضافت المحللة في الموقع المتمركز في سيول ويتخصص في نشر معلومات وتحليلات عن كوريا الشمالية أن «بيونغ يانغ تملك كمية كافية من الأسلحة للقيام باختبارات هذه السنة وحتى في 2020 إذا رغبت في ذلك».



لماذا يثير الحلف النووي الروسي - الصيني المحتمل مخاوف أميركا وحلفائها؟

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
TT

لماذا يثير الحلف النووي الروسي - الصيني المحتمل مخاوف أميركا وحلفائها؟

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)

يمثل الصعود العسكري للصين، وبخاصة برنامج تحديث ترسانتها النووية، هاجساً قوياً لدى دوائر صناعة القرار والتحليل السياسي والاستراتيجي في الولايات المتحدة، خصوصاً في ظل التقارب المزداد بين بكين، وموسكو التي تلوح بمواجهة عسكرية مباشرة مع الغرب على خلفية الحرب التي تخوضها حالياً في أوكرانيا.

وفي تحليل نشرته مجلة «ناشونال إنتريست» الأميركية، يتناول ستيفن سيمبالا أستاذ العلوم السياسية في جامعة براندواين العامة بولاية بنسلفانيا الأميركية، ولورانس كورب ضابط البحرية السابق والباحث في شؤون الأمن القومي في كثير من مراكز الأبحاث والجامعات الأميركية، مخاطر التحالف المحتمل للصين وروسيا على الولايات المتحدة وحلفائها.

ويرى الخبراء أن تنفيذ الصين لبرنامجها الطموح لتحديث الأسلحة النووية من شأنه أن يؤدي إلى ظهور عالم يضم 3 قوى نووية عظمى بحلول منتصف ثلاثينات القرن الحالي؛ وهي الولايات المتحدة وروسيا والصين. في الوقت نفسه، تعزز القوة النووية الصينية المحتملة حجج المعسكر الداعي إلى تحديث الترسانة النووية الأميركية بأكملها.

وأشار أحدث تقرير للجنة الكونغرس المعنية بتقييم الوضع الاستراتيجي للولايات المتحدة والصادر في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، إلى ضرورة تغيير استراتيجية الردع الأميركية للتعامل مع بيئة التهديدات النووية خلال الفترة من 2027 إلى 2035. وبحسب اللجنة، فإن النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة والقيم التي يستند إليها يواجه خطر نظام الحكم المستبد في الصين وروسيا. كما أن خطر نشوب صراع عسكري بين الولايات المتحدة وكل من الصين وروسيا يزداد، وينطوي على احتمال نشوب حرب نووية.

ولمواجهة هذه التحديات الأمنية، أوصت اللجنة الأميركية ببرنامج طموح لتحديث الترسانة النووية والتقليدية الأميركية، مع قدرات فضائية أكثر مرونة للقيام بعمليات عسكرية دفاعية وهجومية، وتوسيع قاعدة الصناعات العسكرية الأميركية وتحسين البنية التحتية النووية. علاوة على ذلك، تحتاج الولايات المتحدة إلى تأمين تفوقها التكنولوجي، وبخاصة في التقنيات العسكرية والأمنية الجديدة مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية وتحليل البيانات الكبيرة، وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء الألمانية.

ولم يقترح تقرير اللجنة أرقاماً دقيقة للأسلحة التي تحتاجها الولايات المتحدة ولا أنواعها، لمواجهة صعود الصين قوة نووية منافسة وتحديث الترسانة النووية الروسية. ورغم ذلك، فإن التكلفة المرتبطة بتحديث القوة النووية الأميركية وبنيتها التحتية، بما في ذلك القيادة النووية وأنظمة الاتصالات والسيطرة والدعم السيبراني والفضائي وأنظمة إطلاق الأسلحة النووية وتحسين الدفاع الجوي والصاروخي للولايات المتحدة، يمكن أن تسبب مشكلات كبيرة في الميزانية العامة للولايات المتحدة.

في الوقت نفسه، فالأمر الأكثر أهمية هو قضية الاستراتيجية الأميركية والفهم الأميركي للاستراتيجية العسكرية الصينية والروسية والعكس أيضاً، بما في ذلك الردع النووي أو احتمالات استخدامه الذي يظهر في الخلفية بصورة مثيرة للقلق.

في الوقت نفسه، يرى كل من سيمبالا صاحب كثير من الكتب والمقالات حول قضايا الأمن الدولي، وكورب الذي عمل مساعداً لوزير الدفاع في عهد الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان، أنه من المهم تحديد مدى تنسيق التخطيط العسكري الاستراتيجي الروسي والصيني فيما يتعلق بالردع النووي والبدء باستخدام الأسلحة النووية أو القيام بالضربة الأولى. وقد أظهر الرئيسان الصيني شي جينبينغ والروسي فلاديمير بوتين، تقارباً واضحاً خلال السنوات الأخيرة، في حين تجري الدولتان تدريبات عسكرية مشتركة بصورة منتظمة. ومع ذلك فهذا لا يعني بالضرورة أن هناك شفافية كاملة بين موسكو وبكين بشأن قواتهما النووية أو خططهما الحربية. فالقيادة الروسية والصينية تتفقان على رفض ما تعدّانه هيمنة أميركية، لكن تأثير هذا الرفض المشترك على مستقبل التخطيط العسكري لهما ما زال غامضاً.

ويمكن أن يوفر الحد من التسلح منتدى لزيادة التشاور بين الصين وروسيا، بالإضافة إلى توقعاتهما بشأن الولايات المتحدة. على سبيل المثال، حتى لو زادت الصين ترسانتها النووية الاستراتيجية إلى 1500 رأس حربي موجودة على 700 أو أقل من منصات الإطلاق العابرة للقارات، سيظل الجيش الصيني ضمن حدود معاهدة «ستارت» الدولية للتسلح النووي التي تلتزم بها الولايات المتحدة وروسيا حالياً. في الوقت نفسه، يتشكك البعض في مدى استعداد الصين للمشاركة في محادثات الحد من الأسلحة الاستراتيجية، حيث كانت هذه المحادثات تجري في الماضي بين الولايات المتحدة وروسيا فقط. ولكي تنضم الصين إلى هذه المحادثات عليها القبول بدرجة معينة من الشفافية التي لم تسمح بها من قبل بشأن ترسانتها النووية.

وحاول الخبيران الاستراتيجيان سيمبالا وكورب في تحليلهما وضع معايير تشكيل نظام عالمي ذي 3 قوى عظمى نووية، من خلال وضع تصور مستقبلي لنشر القوات النووية الاستراتيجية الأميركية والروسية والصينية، مع نشر كل منها أسلحتها النووية عبر مجموعة متنوعة من منصات الإطلاق البرية والبحرية والجوية. ويظهر التباين الحتمي بين الدول الثلاث بسبب الاختلاف الشديد بين الإعدادات الجيوستراتيجية والأجندات السياسة للقوى الثلاث. كما أن خطط تحديث القوة النووية للدول الثلاث ما زالت رهن الإعداد. لكن من المؤكد أن الولايات المتحدة وروسيا ستواصلان خططهما لتحديث صواريخهما الباليستية العابرة للقارات والصواريخ الباليستية التي تطلق من الغواصات والقاذفات الثقيلة بأجيال أحدث من منصات الإطلاق في كل فئة، في حين يظل الغموض يحيط بخطط الصين للتحديث.

ورغم أن الولايات المتحدة تمتلك ترسانة نووية تتفوق بشدة على ترسانتي روسيا والصين، فإن هذا التفوق يتآكل بشدة عند جمع الترسانتين الروسية والصينية معاً. فالولايات المتحدة تمتلك حالياً 3708 رؤوس نووية استراتيجية، في حين تمتلك روسيا 2822 رأساً، والصين 440 رأساً. علاوة على ذلك، فالدول الثلاث تقوم بتحديث ترساناتها النووية، في حين يمكن أن يصل حجم ترسانة الأسلحة النووية الاستراتيجية الصينية إلى 1000 سلاح بحلول 2030.

ولكن السؤال الأكثر إلحاحاً هو: إلى أي مدى ستفقد الولايات المتحدة تفوقها إذا واجهت هجوماً مشتركاً محتملاً من جانب روسيا والصين مقارنة بتفوقها في حال التعامل مع كل دولة منهما على حدة؟ ولا توجد إجابة فورية واضحة عن هذا السؤال، ولكنه يثير قضايا سياسية واستراتيجية مهمة.

على سبيل المثال، ما الذي يدفع الصين للانضمام إلى الضربة النووية الروسية الأولى ضد الولايات المتحدة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي (ناتو)؟ ولا بد أن نتخيل سيناريو متطرفاً، حيث تتحول الأزمات المتزامنة في أوروبا وآسيا إلى أزمات حادة، فتتحول الحرب الروسية - الأوكرانية إلى مواجهة بين روسيا وحلف «الناتو»، في الوقت الذي تتحرك فيه الصين للاستيلاء على تايوان، مع تصدي الولايات المتحدة لمثل هذه المحاولة.

وحتى في هذه الحالة المتطرفة، لا شك أن الصين تفضل تسوية الأمور مع تايوان بشروطها الخاصة وباستخدام القوات التقليدية. كما أنها لن تستفيد من الاشتراك في حرب بوتين النووية مع «الناتو». بل على العكس من ذلك، أشارت الصين حتى الآن بوضوح تام إلى روسيا بأن القيادة الصينية تعارض أي استخدام نووي أولاً في أوكرانيا أو ضد حلف شمال الأطلسي. والواقع أن العلاقات الاقتصادية الصينية مع الولايات المتحدة وأوروبا واسعة النطاق.

وليس لدى الصين أي خطة لتحويل الاقتصادات الغربية إلى أنقاض. فضلاً عن ذلك، فإن الرد النووي للولايات المتحدة و«الناتو» على الضربة الروسية الأولى يمكن أن يشكل مخاطر فورية على سلامة وأمن الصين.

وإذا كان مخططو الاستراتيجية الأميركية يستبعدون اشتراك روسيا والصين في توجيه ضربة نووية أولى إلى الولايات المتحدة، فإن حجم القوة المشتركة للدولتين قد يوفر قدراً من القوة التفاوضية في مواجهة حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة.

وربما تدعم الصين وروسيا صورة كل منهما للأخرى بوصفها دولة نووية آمنة في مواجهة الضغوط الأميركية أو حلفائها لصالح تايوان أو أوكرانيا. ولكن إذا كان الأمر كذلك، فمن المرجح أن توفر «الفجوة» بين أعداد الأسلحة النووية غير الاستراتيجية أو التكتيكية التي تحتفظ بها روسيا والصين والموجودة في المسرح المباشر للعمليات العسكرية، مقارنة بتلك المتاحة للولايات المتحدة أو حلف شمال الأطلسي، عنصر ردع ضد أي تصعيد تقليدي من جانب الولايات المتحدة ضد أي من الدولتين.

أخيراً، يضيف ظهور الصين قوة نووية عظمى تعقيداً إلى التحدي المتمثل في إدارة الاستقرار الاستراتيجي النووي. ومع ذلك، فإن هذا لا يمنع تطوير سياسات واستراتيجيات إبداعية لتحقيق استقرار الردع، والحد من الأسلحة النووية، ودعم نظام منع الانتشار، وتجنب الحرب النووية. ولا يمكن فهم الردع النووي للصين بمعزل عن تحديث قوتها التقليدية ورغبتها في التصدي للنظام الدولي القائم على القواعد التي تفضلها الولايات المتحدة وحلفاؤها في آسيا. في الوقت نفسه، فإن التحالف العسكري والأمني بين الصين وروسيا مؤقت، وليس وجودياً. فالتوافق بين الأهداف العالمية لكل من الصين وروسيا ليس كاملاً، لكن هذا التحالف يظل تهديداً خطيراً للهيمنة الأميركية والغربية على النظام العالمي.