27 قتيلا على طريق أسوان يشعلون أحزان الجنوب في مصر

تطوي صفحة جديدة من «كتاب الموتى».. وتؤكد أحقيتها بالمركز الأول عالميا في حوادث الطرق

27 قتيلا على طريق أسوان يشعلون أحزان الجنوب في مصر
TT

27 قتيلا على طريق أسوان يشعلون أحزان الجنوب في مصر

27 قتيلا على طريق أسوان يشعلون أحزان الجنوب في مصر

احتضنت سامية محمد، ولديها الاثنين وزوجها، خلال رحلتهم من مدينة إدفو إلى مدينة أسوان (جنوب مصر) أمس، خوفا عليهم من الموت المحقق على الطريق الصحراوي الغربي، عندما أخذت السيارة الأجرة (ميكروباص) تتأرجح يمينا ويسارا وكادت تنقلب، نتيجة السرعة الزائدة. حال الأم سامية لم يختلف كثيرا عن باقي الأسر في السيارات الأجرة التي سارت على هذا الطريق أمس، الذين أثارهم الفزع والخوف من أشلاء جثث الضحايا وحطام السيارات، عقب الحادث الأليم الذي وقع على هذا الطريق، أسفر عن قتل وإصابة 45 شخصا.
يأتي هذا في وقت تسعى السلطات المصرية بقوة لوقف نزيف حوادث الطرق في البلاد، فيما وجه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، عقب حادث أمس، الحكومة باتخاذ الإجراءات اللازمة للحد من وقوع حوادث الطرق حماية لأرواح المواطنين.
وقتل 27 شخصا وأصيب 18 آخرون في حادث تصادم مروع بين 3 سيارات على الطريق الصحراوي الغربي «أسوان - القاهرة»، قبل مدخل مدينة إدفو شمال محافظة أسوان، في وقت مبكر من صباح أمس. وفي حين تسبب الحادث في تفجير موجة سخط ضد السرعة الجنونية للسيارات، وعدم وجود تشديدات حكومية لمنع سير السيارات بسرعات كبيرة، طالب مواطنون وسياسيون بفتح ملف إهمال الطرق، ووضع حد لهذه الحوادث التي تتكرر يوميا بسبب رعونة السائقين والسرعة الزائدة وعدم وجود أجهزة مراقبة على هذه الطرق السريعة التي غالبا ما تخلو من الخدمات.
وتجدر الإشارة إلى أن مصر تحتل المرتبة الأولى عالميا في حوادث المرور، وذلك حسب منظمة الصحة العالمية، بمعدل 131 قتيلا لكل 100 كيلومتر على الطرق، في حين لا يتجاوز المعدل العالمي 20 قتيلا.
من جهتها، واصلت نيابة إدفو تحقيقاتها حول الحادث، وأمرت النيابة بتشكيل لجنة لمعاينة الـ3 سيارات المنكوبة لمعرفة أسباب وقوع الحادث وكتابة تقرير مفصل عنه، كما أمرت النيابة بتسليم جثث ضحايا الحادث لذويهم، وكشفت التحريات الأولية عن أن سبب الحادث هو حدوث انفجار في إطار إحدى السيارات مما أدى لحدوث تصادم فيما بينها نظرا للسرعة الزائدة للسائقين، حيث إن سيارتين «ميكروباص» كانتا محملتين بعمال وصيادين يعملون ببحيرة ناصر (السد العالي)؛ إلا أن السيارة الأولى اصطدمت بالسيارة القادمة من محافظة الأقصر (جنوب البلاد) في الاتجاه المعاكس وهي سيارة ميكروباص، مما أدى إلى تصادم الـ3 السيارات الأجرة، ونجاة السيارة ربع النقل التي كانت تسير في نفس التوقيت.
وتتسم حوادث السير في مصر بالخطورة، بسبب عدم الالتزام بالقواعد المرورية وسوء أوضاع الطرق، ووفقا للأرقام الحكومية الرسمية، يقع نحو 8 آلاف حادث سير في مصر سنويا، وتصل تكلفة حوادث الطرق في مصر سنويا إلى 1.5 في المائة من الناتج القومي الإجمالي، وتشير الأرقام إلى أن 40 حالة وفاة تشهدها الطرق المصرية يوميا، و422 مصابا يوميا، وأن معدل الوفيات في حوادث الطرق في مصر قد بلغ 340.4 حالة وفاة لكل 1000 كيلومتر من الطرق، مقارنة بالمتوسط العالمي الذي يتراوح بين 4 و20 حالة وفاة لكل 1000 كيلومتر من الطرق.
وتقول الأربعينية سامية، إنه «لابد من إجراءات حازمة لوقف نزيف الدماء الذي يسيل يوميا على هذه الطرق»، موضحة أن «الطريق الغربي ليس به خدمات نهائيا.. ولا أفراد شرطة، ونقاط الإسعاف على بعد أمتار كبيرة عند مدخل المدن والقرى فقط، وأنه حال وقوع حوادث لا أحد ينقذ الركاب»، بينما لفت محمود تهامي (50 عاما) إلى أن «السائقين يقبلون على السير بهذا الطريق الكثيرة المنحنيات، نظرا لأنها تختصر وقت الرحلة للنصف عن معدلها حال السير على الطريق الزراعي الشرقي»، مشيرا إلى أن «السائقين يسيرون على الطريق الغربي بسرعة زائدة ويتسابقون فيما بينهم أحيانا لعدم وجود أجهزة مراقبة في بعض المسافات».
من جهته، قال الدكتور وليد محمد عامر مدير مستشفى إدفو العام في اتصال مع «الشرق الأوسط»، إنه «تم نقل المتوفين إلى مشرحة مستشفى إدفو العام، وتم نقل 15 مصابا آخرين إلى المستشفى وحالتهم الصحية مستقرة ويتلقون العلاج بعناية». بينما تم نقل 3 من المصابين إلى مستشفى الأقصر الدولي، نظرا لخطورة حالتهم الصحية.
وفى هذه الأثناء، تابع الرئيس السيسي الحادث أمس، ووجه الحكومة بسرعة علاج المصابين وإجراء تحقيق عاجل في أسباب وقوعه، وقال اللواء مصطفى يسري، محافظ أسوان، الذي زار مكان الحادث وزار المصابين في المستشفى، وأمر بصرف تعويضات فورية لذويهم، إن «الرئيس السيسي وجه باحتواء تداعيات الحادث، وبسرعة علاج المصابين، وتوفير سيارات لنقل جثامين المتوفين خارج محافظة أسوان إلى محافظاتهم». مضيفا في اتصال مع «الشرق الأوسط» أن «اتصال الرئيس يدل على أن أهل مصر كلهم في خاطر وقلب الرئيس.. وأنه حريص على صحة وأرواح المصريين في أي شبر على أرض مصر»، لافتا إلى أن «الرئيس كانا يتابعنا لحظة بلحظة».
أسرة سامية ورفاقها مروا بسلام على الطريق، الذي يسير على الجهة الغربية المحاذية للنيل.. ذلك الطريق الذي يمر على امتداده في جنوب مصر متماسا مع آثار الحضارة الفرعونية التي بزغت في المنطقة. كان المصري القديم يعتبر شرق النيل هو الحياة، وبنى عليه المنازل والقصور والمعابد، فيما كان الجانب الغربي يمثل له الحياة الآخرة، حيث شيد مقابره، ووضع نصوص «كتاب الموتى» الذي يحكي فيه عن تصوره للجانب الآخر من الرحلة البشرية بعد الوفاة.. لكن المصري القديم لم يتخيل للحظة أن يستمر التدوين بصورة شبه يومية في «كتاب الموتى» على يد أحفاده بعد أكثر من 4 آلاف عام.



انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

بموازاة استمرار الجماعة الحوثية في تصعيد هجماتها على إسرائيل، واستهداف الملاحة في البحر الأحمر، وتراجع قدرات المواني؛ نتيجة الردِّ على تلك الهجمات، أظهرت بيانات حديثة وزَّعتها الأمم المتحدة تراجعَ مستوى الدخل الرئيسي لثُلثَي اليمنيين خلال الشهر الأخير من عام 2024 مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن هذا الانخفاض كان شديداً في مناطق سيطرة الجماعة المدعومة من إيران.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد واجهت العمالة المؤقتة خارج المزارع تحديات؛ بسبب طقس الشتاء البارد، ونتيجة لذلك، أفاد 65 في المائة من الأسر التي شملها الاستطلاع بانخفاض في دخلها الرئيسي مقارنة بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والفترة نفسها من العام الماضي، وأكد أن هذا الانخفاض كان شديداً بشكل غير متناسب في مناطق الحوثيين.

وطبقاً لهذه البيانات، فإن انعدام الأمن الغذائي لم يتغيَّر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، بينما انخفض بشكل طفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ نتيجة استئناف توزيع المساعدات الغذائية هناك.

الوضع الإنساني في مناطق الحوثيين لا يزال مزرياً (الأمم المتحدة)

وأظهرت مؤشرات نتائج انعدام الأمن الغذائي هناك انخفاضاً طفيفاً في صنعاء مقارنة بالشهر السابق، وعلى وجه التحديد، انخفض الاستهلاك غير الكافي للغذاء من 46.9 في المائة في نوفمبر إلى 43 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وضع متدهور

على النقيض من ذلك، ظلَّ انعدام الأمن الغذائي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية دون تغيير إلى حد كبير، حيث ظلَّ الاستهلاك غير الكافي للغذاء عند مستوى مرتفع بلغ 52 في المائة، مما يشير إلى أن نحو أسرة واحدة من كل أسرتين في تلك المناطق تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

ونبّه المكتب الأممي إلى أنه وعلى الرغم من التحسُّن الطفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن الوضع لا يزال مزرياً، على غرار المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث يعاني نحو نصف الأسر من انعدام الأمن الغذائي (20 في المائية من السكان) مع حرمان شديد من الغذاء، كما يتضح من درجة استهلاك الغذاء.

نصف الأسر اليمنية يعاني من انعدام الأمن الغذائي في مختلف المحافظات (إعلام محلي)

وبحسب هذه البيانات، لم يتمكَّن دخل الأسر من مواكبة ارتفاع تكاليف سلال الغذاء الدنيا، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية، حيث أفاد نحو ربع الأسر التي شملها الاستطلاع في مناطق الحكومة بارتفاع أسعار المواد الغذائية كصدمة كبرى، مما يؤكد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاسمية بشكل مستمر في هذه المناطق.

وذكر المكتب الأممي أنه وبعد ذروة الدخول الزراعية خلال موسم الحصاد في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر، الماضيين، شهد شهر ديسمبر أنشطةً زراعيةً محدودةً، مما قلل من فرص العمل في المزارع.

ولا يتوقع المكتب المسؤول عن تنسيق العمليات الإنسانية في اليمن حدوث تحسُّن كبير في ملف انعدام الأمن الغذائي خلال الشهرين المقبلين، بل رجّح أن يزداد الوضع سوءاً مع التقدم في الموسم.

وقال إن هذا التوقع يستمر ما لم يتم توسيع نطاق المساعدات الإنسانية المستهدفة في المناطق الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي الشديد.

تحديات هائلة

بدوره، أكد المكتب الإنمائي للأمم المتحدة أن اليمن استمرَّ في مواجهة تحديات إنسانية هائلة خلال عام 2024؛ نتيجة للصراع المسلح والكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ.

وذكر أن التقديرات تشير إلى نزوح 531 ألف شخص منذ بداية عام 2024، منهم 93 في المائة (492877 فرداً) نزحوا بسبب الأزمات المرتبطة بالمناخ، بينما نزح 7 في المائة (38129 فرداً) بسبب الصراع المسلح.

نحو مليون يمني تضرروا جراء الفيضانات منتصف العام الماضي (الأمم المتحدة)

ولعبت آلية الاستجابة السريعة متعددة القطاعات التابعة للأمم المتحدة، بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي و«اليونيسيف» وشركاء إنسانيين آخرين، دوراً محورياً في معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة الناتجة عن هذه الأزمات، وتوفير المساعدة الفورية المنقذة للحياة للأشخاص المتضررين.

وطوال عام 2024، وصلت آلية الاستجابة السريعة إلى 463204 أفراد، يمثلون 87 في المائة من المسجلين للحصول على المساعدة في 21 محافظة يمنية، بمَن في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً، الذين كان 22 في المائة منهم من الأسر التي تعولها نساء، و21 في المائة من كبار السن، و10 في المائة من ذوي الإعاقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقول البيانات الأممية إن آلية الاستجابة السريعة في اليمن تسهم في تعزيز التنسيق وكفاءة تقديم المساعدات من خلال المشاركة النشطة للبيانات التي تم جمعها من خلال عملية الآلية وتقييم الاحتياجات.