موسكو تنتقد الضربات وتشكك بـ«فاعلية» التنسيق مع تل أبيب

TT

موسكو تنتقد الضربات وتشكك بـ«فاعلية» التنسيق مع تل أبيب

وجهت موسكو أمس، انتقادات لإسرائيل بسبب الضربات الجوية التي استهدفت ليلة الأربعاء مواقع تشغلها قوات إيرانية وأخرى تابعة للجيش السوري. ورغم أن الاستياء الروسي لم يصل إلى درجة توجيه إدانة كاملة، واقتصر على إشارة إلى «انتهاك مبادئ القانون الدولي»، لكن أوساطا روسية تحدثت عن بروز شكوك جدية بمدى فاعلية التفاهمات على التنسيق الأمني والعسكري بين موسكو وتل أبيب في سوريا.
ونقلت وكالة «نوفوستي» الحكومية الروسية عن نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، أن التحركات الإسرائيلية تشكل انتهاكا لمبادئ القانون الدولي، محذرا من تداعياتها المحتملة، وقال إنها «يمكن أن تسفر عن مزيد من توتر الوضع وهو أمر لا يرغب فيه أي طرف». وأكد أن موسكو «على تواصل مع كل الشركاء، لتوضيح ملابسات التطور».
وكان لافتا أن وزارة الدفاع الروسية وهي الطرف المسؤول عن قناة التنسيق العسكري والأمني مع إسرائيل، لم تعلق على التطورات، كما لم تصدر الخارجية الروسية بيانا رسميا يوضح موقفها حيال الضربة الإسرائيلية.
لكن انتقادات بوغدانوف عكست أن العمليات العسكرية الإسرائيلية لم تكن منسقة مع الجانب الروسي وفقا لاتفاقات سابقة نصت على ضرورة إبلاغ الروس بأي تحركات للطيران الإسرائيلي «قبل وقت كاف» لتجنب وقوع احتكاكات غير مقصودة في الأجواء السورية، وكذلك لتجنب وقوع ضحايا من الروس في المواقع التي يمكن أن تستهدفها إسرائيل.
وبدا أن هذه النقطة ستكون محور النقاشات الأساسية مع الجانب الإسرائيلي في إطار «توضيح الموقف» المطلوب من جانب موسكو. وهذا يفسر عدم تطرق الوزير سيرغي لافروف الذي عقد أمس مؤتمرا صحافيا تناول فيه التسوية السياسية في سوريا وملف ضمان مصالح الأكراد في التسوية، متجاهلا الإشارة إلى الحدث المتعلق بالغارات الإسرائيلية. وأشار معلقون روس إلى أن سبب الاستياء الروسي قد يكون مرتبطا بالدرجة الأولى بأن الطيران الإسرائيلي استهدف مواقع تابعة للجيش السوري، لأن موسكو كانت غضت الطرف عشرات المرات في السابق عن استهداف مواقع إيرانية ولم تكن تصدر أي تعليق على الموضوع، في حين أنها حذرت أكثر من مرة من استهداف مواقع البنية التحتية العسكرية أو مراكز القيادة والتوجيه التابعة للدولة السورية. ولفتت أوساط روسية إلى أن الضربة الإسرائيلية تضع شكوكا حول جدية تل أبيب في الالتزام بما يتم التوصل إليه من تفاهمات مع الجانب الروسي، وقد تعرض التفاهمات السابقة لهزة كبيرة.
وكانت مصادر روسية أشارت إلى أن موسكو تريثت حتى الآن في تشغيل منظومات «إس 300» التي زودت بها الجيش السوري في وقت سابق. وأن هذا التريث كان جزءا من تفاهمات روسية إسرائيلية تقوم على تفهم القلق الإسرائيلي من التموضع الإيراني في سوريا، وأن روسيا لا ترغب في أن يسفر استخدام منظوماتها الصاروخية ضد أهداف إسرائيلية عن استفزاز لمواجهة مباشرة بين تل أبيب ودمشق، لكن موسكو في المقابل كانت حذرت الإسرائيليين أكثر من مرة بضرورة عدم استهداف المواقع الحكومية السورية.
في المقابل لفتت وسائل إعلام روسية إلى أن موسكو «قد تكون اطلعت على توجه إسرائيلي لشن ضربة قوية ضد مواقع تمركز القوات الإيرانية في سوريا، بسبب حصول تل أبيب على معطيات حول محاولات إيرانية لتعزيز التحرك من الأراضي السورية ضد أهداف إسرائيلية». وربطت مصادر إعلامية روسية ذلك بجولة محادثات حول الشأن السوري جرت قبل يومين، بين سكرتير مجلس الأمن الروسي نيكولاي باتروشيف، ونظيره الإسرائيلي مئير بن شبات. ولم تستبعد أن تكون زيارة بن شبات برفقة مسؤولين أمنيين بارزين هدفت إلى إطلاع موسكو على نيات إسرائيل المبيتة، التي شكل قصف مواقع إسرائيلية بأربع قذائف قبل يومين سببا مباشرا لتنفيذها.
على صعيد آخر، أعلن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أن انسحاب الجماعات الكردية المسلحة في شمال سوريا «انتهى عمليا» في إطار تنفيذ الجانب الروسي لمذكرة سوتشي الموقعة مع تركيا، لكنه أشار إلى أن «هناك بعض المناطق التي ما زال المقاتلون الأكراد يوجدون فيها، وهذا أمر يتم التعامل معه وفقا للتفاهمات المبرمة مع تركيا».
وقال لافروف خلال مؤتمر صحافي بعد لقائه مع وزير الخارجية البحريني، الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة، أن موسكو تعمل لضمان حقوق كل الأطراف السورية في إطار جهود التسوية. وزاد: «لدينا حوار مع ممثلي الأكراد (قوات سوريا الديمقراطية)، وقبل كل شيء، في إطار تنفيذ المذكرة الروسية - التركية، التي تتضمن سحب وحدات (قسد) لأسلحتها 30 كم من الحدود التركية - السورية».
وقال إن «هذا الاتفاق أقره الرئيس (السوري بشار) الأسد وقيادات (قسد)... وتم الانتهاء عمليا من انسحاب المسلحين، وربما هناك بعض المناطق التي يحتاج العمل فيها إلى الانتهاء».
وتطرق وزير الخارجية الروسي إلى الشق السياسي، لا فتا إلى الأهمية التي توليها موسكو لتعزيز الحوار بين الحكومة السورية والمكون الكردي. وانتقد «أطرافا في قيادة الأكراد ما زالت تراهن على واشنطن» وقال إن هذا «رهان خاطئ». وأضاف أن «الولايات المتحدة تحاول عرقلة الحوار بين الأكراد السوريين ودمشق، بينما نتخذ الموقف المعاكس تماماً ونحن مقتنعون بأن الحوار فقط بين الأكراد ودمشق يمكن أن يحل ليس مشكلة ضمان حقوق الأكراد فحسب، بل أيضا مشكلة ضمان المصالح الأمنية المشروعة للجمهورية التركية».



تهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل وسيلة الحوثيين لإرهاب السكان

وقفة للجماعة الحوثية في وسط العاصمة صنعاء ضد الضربات الأميركية البريطانية على مواقعها (أ.ب)
وقفة للجماعة الحوثية في وسط العاصمة صنعاء ضد الضربات الأميركية البريطانية على مواقعها (أ.ب)
TT

تهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل وسيلة الحوثيين لإرهاب السكان

وقفة للجماعة الحوثية في وسط العاصمة صنعاء ضد الضربات الأميركية البريطانية على مواقعها (أ.ب)
وقفة للجماعة الحوثية في وسط العاصمة صنعاء ضد الضربات الأميركية البريطانية على مواقعها (أ.ب)

أفرجت الجماعة الحوثية عن عدد ممن اختطفتهم، على خلفية احتفالاتهم بعيد الثورة اليمنية في سبتمبر (أيلول) الماضي، لكنها اختطفت خلال الأيام الماضية المئات من سكان معقلها الرئيسي في صعدة، ووجَّهت اتهامات لهم بالتجسس، بالتزامن مع بث اعترافات خلية مزعومة، واختطاف موظف سابق في السفارة الأميركية.

وذكرت مصادر محلية في محافظة صعدة (242 كيلومتراً شمال صنعاء)، أن الجماعة الحوثية تنفِّذ منذ عدة أيام حملة اختطافات واسعة طالت مئات المدنيين من منازلهم أو مقار أعمالهم وأنشطتهم التجارية، وتقتادهم إلى جهات مجهولة، بتهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل، مع إلزام أقاربهم بالصمت، وعدم التحدُّث عن تلك الإجراءات إلى وسائل الإعلام، أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

وقدرت المصادر عدد المختطَفين بأكثر من 300 شخص من مديريات مختلفة في المحافظة التي تُعدّ معقل الجماعة، بينهم عشرات النساء، وشملت حملة المداهمات منازل عائلات أقارب وأصدقاء عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني، عثمان مجلي، الذي ينتمي إلى صعدة.

فعالية حوثية في صعدة التي تشهد حملة اختطافات واسعة لسكان تتهمم الجماعة بالتجسس (إعلام حوثي)

ورجحت المصادر أن اختطاف النساء يأتي بغرض استخدامهن رهائن لابتزاز أقاربهن الذين لم تتمكن الجماعة من الوصول إليهم، أو لإقامتهم خارج مناطق سيطرتها، ولإجبار من اختُطفنَ من أقاربهم على الاعتراف بما يُطلب منهن. وسبق للجماعة الحوثية اتهام حميد مجلي، شقيق عضو مجلس القيادة الرئاسي، أواخر الشهر الماضي، بتنفيذ أنشطة تجسسية ضدها، منذ نحو عقدين لصالح دول عربية وغربية.

إلى ذلك، اختطفت الجماعة الحوثية، الاثنين الماضي، موظفاً سابقاً في سفارة الولايات المتحدة في صنعاء، من منزله دون إبداء الأسباب.

وبحسب مصادر محلية في صنعاء؛ فإن عدداً من العربات العسكرية التابعة للجماعة الحوثية، وعليها عشرات المسلحين، حاصرت مقر إقامة رياض السعيدي، الموظف الأمني السابق لدى السفارة الأميركية في صنعاء، واقتحمت مجموعة كبيرة منهم، بينها عناصر من الشرطة النسائية للجماعة، المعروفة بـ«الزينبيات»، منزله واقتادته إلى جهة غير معلومة.

مسلحون حوثيون يحاصرون منزل موظف أمني في السفارة الأميركية في صنعاء قبل اختطافه (إكس)

وعبث المسلحون و«الزينبيات» بمحتويات منزل السعيدي خلال تفتيش دقيق له، وتعمدوا تحطيم أثاثه ومقتنياته، وتسببوا بالهلع لعائلته وجيرانه.

إفراج عن مختطَفين

أفرجت الجماعة الحوثية عن الشيخ القبلي (أمين راجح)، من أبناء محافظة إب، بعد 4 أشهر من اختطافه، كما أفرجت عن عدد آخر من المختطفين الذين لم توجه لهم أي اتهامات خلال فترة احتجازهم.

وراجح هو أحد قياديي حزب «المؤتمر الشعبي» الذين اختطفتهم الجماعة الحوثية إلى جانب عدد كبير من الناشطين السياسيين وطلاب وشباب وعمال وموظفين عمومين، خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، على خلفية احتفالهم بثورة «26 سبتمبر» 1962.

مخاوف متزايدة لدى اليمنيين من توسيع حملات الترهيب الحوثية بحجة مواجهة إسرائيل (أ.ب)

ومن بين المفرَج عنهم صاحب محل تجاري أكَّد لـ«الشرق الأوسط» أنه لم يعلم التهمة التي اختُطِف بسببها؛ كونه تعرض للاختطاف في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أي بعد شهرين من حملة الاختطافات التي طالت المحتفلين بذكرى الثورة اليمنية.

وذكر أن الوسطاء الذين سعوا لمحاولة الإفراج عنه لم يعرفوا بدورهم سبب اختطافه؛ حيث كان قادة أجهزة أمن الجماعة يخبرونهم في كل مرة بتهمة غير واضحة أو مبرَّرة، حتى جرى الإفراج عنه بعد إلزامه بكتابة تعهُّد بعدم مزاولة أي أنشطة تخدم أجندة خارجية.

خلية تجسس مزعومة

بثَّت الجماعة الحوثية، عبر وسائل إعلامها، اعترافات لما زعمت أنها خلية تجسسية جديدة، وربطت تلك الخلية المزعومة بما سمته «معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس»، في مواجهة الغرب وإسرائيل.

وطبقاً لأجهزة أمن الجماعة، فإن الخلية المزعومة كانت تسعى لإنشاء بنك أهداف، ورصد ومراقبة المواقع والمنشآت التابعة للقوة الصاروخية، والطيران المسيَّر، وبعض المواقع العسكرية والأمنية، بالإضافة إلى رصد ومراقبة أماكن ومنازل وتحركات بعض القيادات.

خلال الأشهر الماضية زعمت الجماعة الحوثية ضبط عدد كبير من خلايا التجسس (إعلام حوثي)

ودأبت الجماعة، خلال الفترة الماضية، على الإعلان عن ضبط خلايا تجسسية لصالح الغرب وإسرائيل، كما بثَّت اعترافات لموظفين محليين في المنظمات الأممية والدولية والسفارات بممارسة أنشطة تجسسية، وهي الاعترافات التي أثارت التهكُّم، لكون ما أُجبر المختطفون على الاعتراف به يندرج ضمن مهامهم الوظيفية المتعارف عليها ضمن أنشطة المنظمات والسفارات.

وسبق للجماعة أن أطلقت تحذيرات خلال الأيام الماضية للسكان من الحديث أو نشر معلومات عن مواقعها والمنشآت التي تسيطر عليها، وعن منازل ومقار سكن ووجود قادتها.

تأتي هذه الإجراءات في ظل مخاوف الجماعة من استهداف كبار قياداتها على غرار ما جرى لقادة «حزب الله» اللبناني، في سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي إطار المواجهة المستمرة بينها وإسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا، بعد هجماتها على طرق الملاحة الدولية في البحر الأحمر، والهجمات الصاروخية باتجاه إسرائيل.