«حجاب صابرين» يفجر معركة بين متابعيها

«حجاب صابرين» يفجر معركة بين متابعيها
TT

«حجاب صابرين» يفجر معركة بين متابعيها

«حجاب صابرين» يفجر معركة بين متابعيها

فجرت الفنانة المصرية صابرين أول من أمس، معركة بين متابعيها على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد نشرها صورة على حسابها الرسمي على موقع «إنستغرام» ظهرت فيها من دون غطاء رأس، أو شعر مستعار، كما اعتادت في السنوات الأخيرة، منذ إعلانها ارتداء الحجاب.
ولم تمر سوى ساعات على نشر صابرين لصورتها، حتى قوبلت بهجوم لاذع من قِبل متابعيها على مواقع التواصل الاجتماعي، وفي المقابل، انهالت عليها رسائل الدعم من زميلاتها في الوسط الفني، مثل منى زكي، ومنة شلبي، ونشوى مصطفى، وروجينا، ورانيا يوسف، وغيرهن من الفنانات، عبر تعليقاتهن المؤيدة لقرارها على الصورة، أو بمنشورات عبر صفحاتهن.
صابرين ليست أول فنانة مصرية تفجر ضجة كبيرة بعد خلعها الحجاب، إذ سبقها فنانات أخريات على غرار زيزي مصطفى، وسهير رمزي، وشهيرة، بجانب النجمة الشابة حلا شيحة التي ارتدته أكثر من 12 عاماً، بجانب النقاب، قبل أن تفاجئ جمهورها بخلعهما، والظهور في أحدث أعمالها «زلزال» أمام محمد رمضان، بالإضافة إلى المطربة شاهيناز، التي ظهرت في برنامج المسابقات الغنائية «ستار ميكر»، لتقرر من بعده الاعتزال وارتداء الحجاب، ثم عادت مجدداً من دونه، وعلى نفس النهج سارت إيمان العاصي، وعبير صبري، وكذلك الفنانة عفاف رشاد، التي ارتدته لمدة عامين فقط، من 2014 حتى 2016.
ويرى علماء اجتماع مصريون من بينهم الدكتور سعيد صادق، أن حالة التردد التي تنتاب بعض الفنانات المرتديات للحجاب، تكون نابعة من صراع داخلي، يؤثر على قراراتهن، وأضاف صادق لـ«الشرق الأوسط» أن «الصراع سببه الحيرة بين البقاء بنفس الصورة الذهنية التي أحبهن الجمهور عليها، وبين اعتقادهن بحرمانية ما يفعلنه، أو ما يقدمنه على الشاشة». مشيراً إلى أن «حالة الصراع الداخلي، هي سِمة أساسية لدى قطاع عريض من الشعب المصري، إذ يعتبرن الفن عيباً، وإلحاق أولادهم به جريمة لا تُغتفر، في حين أنهم لو شاهدوا فناناً أو فنانة في الشارع، سيهرعون نحوه لالتقاط صورة معه، ولن يهمهم في تلك اللحظة إذا كانت الفنانة مرتدية للحجاب من عدمه».
وارتدت الفنانة صابرين، شعراً مستعاراً حين حاولت العودة للتمثيل في أعمال لا تتطلب الحجاب، وظهرت به في مسلسلات: «شيخ العرب همام»، أمام يحيى الفخراني، و«دكتور أمراض نساء» مع مصطفى شعبان، و«أفراح القبة» بمشاركة منى زكي وإياد نصار، و«الشك» مع المخرج محمد النقلي، وأخيراً في مسلسل «فكرة بمليون جنيه» الذي عُرض في موسم رمضاني الماضي.
اللجوء لحيلة الشعر المُستعار، لجأت إليها أيضاً الفنانة هالة فاخر، بعدما قررت ارتداء الحجاب نهاية شهر سبتمبر (أيلول) لعام 2010. وظهرت به في أكثر من عمل.
ويرى الناقد الفني محمود قاسم، أن الفنانة التي تقرر ارتداء الحجاب تتسبب دون أن تدري في إشعال ذلك الجدل، لأنهن يظهرن بعد مدة من دونه، وهو ما يثير حفيظة جمهورهن»، وأشار إلى «الفنانتين نجاة وشادية، اللتين قررتا الاعتزال في صمت، ولم يلجأن إلى مواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت منصة لتبادل الاتهامات والدخول في النوايا»، بحسب وصفه.
ولفت قاسم إلى أن «الفنانة صابرين وغيرها من الفنانات، لو أعطين للمهنة نصف تركيزهن في المسائل الخلافية، سواء الحجاب أو الشعر المستعار، لأصبحن أهم نجمات العصر الحالي»، وفي المقابل انتقد قاسم الجمهور الذي يحتفي بنبأ اعتزال الفنانات وارتدائهن الحجاب، معتبرين ذلك «نصراً مبينا»، بحسب تعبيره، ودعا الجمهور إلى «تقييم العمل الفني من الناحية الجمالية فقط، وليس الأخلاقية، وترك أفعال الفنان الشخصية له لأنها تخصه وحده».
وعلقت الفنانة صابرين على قرار خلع الحجاب قائلة: «بعد وقت كبير جداً من التفكير استطعت اتخاذ القرار المناسب».
وأضافت في تصريحات تلفزيونية: «قدمت أدواراً كثيرة ناجحة، ولم أفعل شيئاً يخالف التعاليم الشرعية، ولكني أخذت قراراً يناسبني دون النظر لأي اعتبارات أخرى». بحسب وصفها. وزادت: «الكثير من الأشخاص هاجموني على مواقع التواصل الاجتماعي بسبب هذا القرار الذي لا يخص أحداً غيري».



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)