مصر تحتفي بمرور 150 عاماً على تأسيس الأوبرا الخديوية

عفاف راضي لـ«الشرق الأوسط»: تكريمي هو الأفضل في مسيرتي

جانب من الاحتفالية
جانب من الاحتفالية
TT

مصر تحتفي بمرور 150 عاماً على تأسيس الأوبرا الخديوية

جانب من الاحتفالية
جانب من الاحتفالية

أقامت وزارة الثقافة المصرية، بالتعاون مع دار الأوبرا، احتفالية موسيقية فنية ضخمة بالقاهرة، مساء أول من أمس، بمناسبة مرور 150 عاماً على افتتاح الأوبرا الخديوية، بحضور الدكتورة إيناس عبد الدايم وزيرة الثقافة المصرية، والدكتور مجدي صابر رئيس دار الأوبرا.
بدأت الاحتفالية بعرض فيلم تسجيلي عن الأوبرا الخديوية، التي أسسها الخديوي إسماعيل عام 1869 للاحتفال بافتتاح قناة السويس، وبعرض مشاهد نادرة من العروض التي قدمت على مسرحها حتى احتراقها، ثم افتتاح دار الأوبرا المصرية ومسيرتها حتى الآن، وصاحبها معرض لعدد من الصور الفوتوغرافية للأوبرا القديمة.
وخلال الاحتفالية، كرمت وزيرة الثقافة المغني الدكتور ألفي ميلاد، والباليرينا سونيا سركيس، والدكتور شريف بهادر العميد الأسبق للمعهد العالي للبالية، والدكتور عصمت يحيى الرئيس الأسبق لأكاديمية الفنون، والمطربة الدكتورة عفاف راضي، والباليرينا الدكتورة علية عبد الرازق، ومغنية الأوبرا الدكتورة عواطف الشرقاوي، وعازفة البيانو العالمية مارسيل متى، والباليرينا الدكتورة مايا سليم، والباليرينا الدكتورة ودود فيظى، ومغنية الأوبرا الدكتورة نبيلة عريان، ومغنى الأوبرا الدكتور جابر البلتاجي.
وبدأ الحفل الفني بتقديم أوركسترا القاهرة السيمفوني، بقيادة المايسترو أحمد الصعيدي، مختارات من أشهر المؤلفات الموسيقية العالمية، وهي: افتتاحية أوبرا كتيبة الفرسان لـ«فرانز فون سوبيه»، ودويتو «أنا أكون» من أوبرا الحفل التنكري لـ«جوزيبي فيردي»، أداء إيمان مصطفى وعمرو مدحت، و«فالس الدانوب الأزرق» لـ«يوهان شتراوس»، ومشهد من باليه «دون كيشوت» لـ«لودفيج مينوكس»، أداء هاني حسن وكاترينا زيبرزينها مع أعضاء فرقة الباليه، وأغنية «يا ابنة الحب الجميلة» من أوبرا «ريجوليتو»، أداها كل من داليا فاروق وأمينة خيرت وهشام الجندي وعزت غانم، وأغنيتي «مصارع الثيران» و«الهابانيرا» من أوبرا كارمن لـ«جورج بيزيه»، واختتم البرنامج بـ«يا إلهة الحظ» من أوبرا «كارمينا بورانا».
وقالت وزيرة الثقافة المصرية إن «الأوبرا الخديوية جسدت الريادة المصرية التي ولدت منذ فجر التاريخ، وظلت المنارة الثقافية الأولى في الشرق الأوسط وأفريقيا طوال ما يزيد على قرن من الزمان حتى احتراقها عام 1971»، مضيفة: أن «دار الأوبرا المصرية جاءت لاستكمال الرسالة التي بدأتها سلفها، المتمثلة في تقديم مختلف ألوان الفنون الجادة، سعياً للارتقاء بالوعي، وتطوير المجتمع وبناء الإنسان».
وأكد رئيس دار الأوبرا لـ«الشرق الأوسط»: «أعتز كثيراً بأنني على رأس إدارة (دار الأوبرا المصرية) وهي تحتفل بمرور 150 عاماً على تأسيسها، ونحن جميعاً أبناء تلك القلعة الحضارية الثقافية التي أنارت الوطن العربي والعالم»، مضيفاً: «اتفقنا مع وزيرة الثقافة المصرية على أن الفترة المقبلة ستشهد تغيرات جذرية في جدول عروض وفعاليات الأوبرا، فهي شددت على أهمية أن تكون طيلة الأشهر المقبلة حفلات ذات مستوى عالٍ، وحضور كبار الفنانين والمطربين من أجل إقامة حفلات فنية».
وقالت الفنانة عفاف راضي، التي تم تكريمها، لـ«الشرق الأوسط»: «شرف كبير أن يتذكرني بيتي الأول دار الأوبرا المصرية في مناسبة مهمة وتاريخية مثل هذه المناسبة... وأشكر كل من اختارني من أجل التكريم الذي يعد الأهم في تاريخي، فهذا المكان قدمت فيه الكثير»، مضيفة أن «الأوبرا هي الصرح الذي ما زال قادراً على حماية التراث والفن من حملات التشوية الآتية من الخارج كافة... وأدعو الجميع إلى حضور الفعاليات والعروض التي تقدمها دار الأوبرا على مدار العام».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».