القضاء العراقي يطلق حملة لملاحقة الفساد

حكم بالسجن 7 سنوات على رئيسة «مؤسسة الشهداء»

TT

القضاء العراقي يطلق حملة لملاحقة الفساد

فيما أعلن القضاء العراقي شنّ حملة واسعة ضد كبار المسؤولين المشتبهين بسوء الإدارة والفساد، كشفت «هيئة النزاهة»، أمس، عن صدور حكم حضوري بالسجن 7 سنوات بحق رئيسة «مؤسسة الشهداء» ناجحة عبد الأمير الشمري، عضو حزب «الدعوة» الذي يتزعمه رئيس الوزراء السابق نوري المالكي.
وسبق أن شغلت الشمري عضوية مجلس النواب عن الحزب بين 2010 و2014، قبل تعيينها رئيسة للمؤسسة بدرجة وزير. وقالت دائرة التحقيقات في «هيئة النزاهة» في معرض حديثها عن القضية التي حققت فيها وأحالتها إلى القضاء، إن «محكمة جنايات الكرخ أصدرت حكماً حضورياً على رئيسة مؤسسة الشهداء الحالية، على خلفية عقد لجنة الاستشارات المركزية في المؤسسة مع شركتين أهليتين لاستثمار نصب الشهيد».
ويبدو أن المظاهرات الاحتجاجية المتواصلة منذ مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، باتت تمارس ضغوطاً هائلة على صناع القرار وجميع الهيئات الحكومية، ومنها «هيئة النزاهة»، إذ لم يسبق لقضايا حركّتها الهيئة أن أدت إلى حكم حضوري بالسجن على وزير أو رئيس هيئة مستقلة، وهو ما زال في الخدمة. وأعلنت «هيئة النزاهة» في وقت سابق، أنها أصدرت 60 أمر قبض واستقدام بحق نواب ومسؤولين محليين عن تهم فساد وهدر في المال العام.
وكانت المطالبات بحل «هيئة الشهداء» و«هيئة السجناء السياسيين» من بين المطالب التي رفعها متظاهرون، بسبب الاتهامات بالفساد التي تحوم حول طبيعة المستفيدين منهما وطريقة إدارتهما. وشُكّلت هاتان الهيئتان طبقاً لقانون العدالة الانتقالية الذي صدر بعد 2003. بهدف إنصاف ضحايا نظام «حزب البعث»، لكنهما شأن بقية المؤسسات والهيئات الحكومية تعرضتا لهيمنة الأحزاب السياسية وسطوتها.
وقال المتحدث باسم مجلس القضاء الأعلى عبد الستار بيرقدار، في بيان، أمس، عشية مظاهرات «جمعة الصمود» التي دعا إليها المحتجون، إن «المجلس أصدر تعميماً للمحاكم كافة بتنفيذ إجراءات التحقيق مع النواب المطلوبين عن جرائم الفساد المالي ‏والإداري، من دون الحاجة إلى مفاتحة مجلس النواب لرفع ‏الحصانة عن النواب المطلوبين»، مشدداً على ضرورة «التأكيد على الجهات التنفيذية بالتنفيذ المباشر ‏لمذكرات القبض أو الاستقدام». ونشط القضاء خلال الأسبوعين الماضيين في إصدار كثير من مذكرات القبض بحق مسؤولين وأعضاء في البرلمان، إذ أتاح له قرار مجلس النواب، الذي صدر أخيراً برفع الحصانة التلقائي عن المتهمين بالفساد من النواب، اتخاذ ‏الإجراءات القانونية بحقهم.
وعشية انطلاق المظاهرات الشعبية بداية أكتوبر الماضي، شكّل مجلس القضاء محكمة مركزية لمكافحة الفساد، تعنى بما أسماها «القضايا الكبرى». ويقول بيرقدار إن مجلس القضاء أوعز إلى المحكمة «باتخاذ الإجراءات الاستثنائية بإصدار مذكرات القبض بحق المتهمين الداخلة ‏قضاياهم ضمن اختصاص المحكمة ومنع سفرهم والإيعاز إلى الجهات التنفيذية».
وأوضح أن «هذه الإجراءات ساهمت ‏في مساءلة مسؤولين متهمين شغلوا مواقع مهمة، منهم وزيران سابقان وأعضاء مجلس نواب ‏حالياً، أصدر قاضي تحقيق محكمة مكافحة الفساد المركزية قراراً باستقدامهم عن قضايا ‏هدر المال العام».‏ ولفت إلى «صدور أوامر كثيرة بالقبض والاستقدام بحق محافظين وأعضاء مجلس محافظة ‏ومفتشين ومديرين عامين في بغداد والمحافظات».
وتأتي معالجة ملف الفساد المتفاقم منذ سنوات على رأس مطالب المتظاهرين، ولم تؤدِ الإجراءات السريعة التي تقوم بها السلطات القضائية والرقابية ضد بعض المشتبهين بالفساد هذه الأيام إلى إقناع قطاعات واسعة من المتظاهرين بجدية ما يجري من علاجات في هذا الملف الشائك، وما زالت المطالبات المتكررة بمحاسبة كبار الفاسدين من الساسة تتصدر شعارات وهتافات المتظاهرين.
وأشار بيرقدار إلى أن رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان «وجّه بتكليف المحكمة المركزية لمكافحة الفساد أيضاً، وبالتنسيق مع فريق التحقيق الخاص في هيئة النزاهة، وديوان الرقابة المالية، بتدقيق أعمال الوزارات والجهات غير المرتبطة بالوزارة التي تشكلت بعد 2003 حتى الآن، وتحديداً العقود والمشروعات الكبيرة»، مشدداً على «اتخاذ الإجراءات القانونية ضد المخالفين».
وعن إجراءات القضاء في أعمال القتل التي رافقت المظاهرات، قال البيان إن «القضاء شكّل هيئات تحقيقية باشرت أعمالها في المحافظات التي حصلت فيها المظاهرات»، لافتاً إلى أن تحقيقها يشمل «حوادث استشهاد وإصابة المتظاهرين والقوات الأمنية والاعتداء على وسائل الإعلام». ودعا إلى «التفريق بين المتظاهرين والمخربين ممن يعتدون على الأملاك العامة وممتلكات المواطنين».
وأظهرت إحصائية رسمية لمجلس القضاء الأعلى استرجاع محاكم النزاهة التابعة له مبالغ كبيرة جداً منذ 2003 حتى بداية الشهر الماضي، تصل إلى أكثر من 752 مليار دولار.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».