صباح الاثنين الماضي، أفاقت إسبانيا على مفاجأة نتائج الانتخابات التشريعية، التي حملت 50 نائباً من حزب «فوكس» اليميني المتطرف إلى البرلمان، ليصبح القوة السياسية الثالثة في البلاد، ويقلب المعادلة التي كانت سائدة في المشهد السياسي الإسباني منذ سنوات، منذراً بمزيد من التعقيدات لتشكيل الحكومة التي كان الفشل في التوصل إلى اتفاق لتشكيلها سبب الدعوة إلى الانتخابات الأخيرة.
لكن في الثانية والنصف من بعد ظهر أمس الثلاثاء، ذهب الإسبان إلى موائد غدائهم مع مفاجأة أخرى، نضجت بسرعة مذهلة على نار المفاجأة الأولى، عندما ظهر رئيس الوزراء الاشتراكي بيدرو سانشيز، إلى جانب زعيم حزب «بوديموس» اليساري بابلو إيغليزياس، ليشرحا تفاصيل الاتفاق الذي توصّلا إليه في الساعات الأخيرة لتشكيل ائتلاف حكومي تقدّمي، هو الأول في إسبانيا منذ الحرب الأهلية أواخر ثلاثينيات القرن الماضي.
أبرز ما في هذا الاتفاق، إضافة إلى سرعة إنجازه، هو أن كل ما كان مستحيلاً في الربيع الماضي أصبح الآن ممكناً، بما في ذلك تولّي إيغليزياس منصب نائب رئيس الحكومة. ولكي يكتمل مسلسل المفاجآت، بعد ستة أشهر من المواجهات العنيفة التي أدّت إلى قطيعة شخصية بين الطرفين، غرق الرجلان في عناق طويل أمام عشرات النوّاب والصحافيين الذين لم يتمالكوا أنفسهم من إطلاق صيحات التعجب والاستغراب.
يذكر أن سانشيز كان قد رفض بشدّة طوال أشهر القبول بدخول وزراء من «بوديموس»، خصوصاً إيغليزياس، في الحكومة، ثم عاد وكرّر ذلك مرات عديدة خلال الحملة الانتخابية الأخيرة. لكن تراجع شعبية الحزبين في الانتخابات، والصعود القوي لليمين المتطرف، دفعا بهما إلى مزيد من المرونة، خصوصاً في صفوف الاشتراكيين الذين باتوا يخشون خسارة الموقع الأول في البرلمان، إذا اضطروا للذهاب إلى انتخابات أخرى مبكرة.
وفي أوّل تعليق له على الاتفاق، قال إيغليزياس: «أزفّ وقت تجاوز الخلافات»، ليردّ سانشيز بقوله: «قال الشعب كلمته، ومن واجبنا أن نتخطّى انسداد الأفق. لم نتمكّن من التوصّل إلى اتفاق في الأشهر الماضية، وندرك مدى الإحباط الذي نتج عن ذلك في صفوف القوى التقدمية».
لكن هذا الاتفاق ليس كافياً وحده لتشكيل الحكومة الجديدة، وما زالت دونه عقبات عدة لن يكون من السهل تجاوزها. فقد خسر الحزبان ما مجموعه 10 مقاعد في الانتخابات الأخيرة، الأمر الذي يستدعي مزيداً من الدعم من أحزاب أخرى مثل الانفصاليين في كاتالونيا والقوميين في إقليم الباسك، أو امتناع هذه الأحزاب عن التصويت في جلسة الثقة، شريطة أن يمتنع أيضاً حزب «مواطنون» الذي كان الخاسر الأكبر يوم الأحد الماضي.
وبعد مفاوضات بدأت منتصف ليل الأحد الفائت، بعد ظهور النتائج الأولية للانتخابات، ودامت نحو 48 ساعة، وقّع الطرفان وثيقة أوليّة تضمّنت البنود الرئيسية للاتفاق مثل «حماية الحقوق الاجتماعية، وضمان التعايش في كاتالونيا عن طريق تعزيز فرص الحوار، وتقوية دولة الحكومات الإقليمية»، التي يقوم عليها النظام السياسي الإسباني منذ سقوط ديكتاتورية الجنرال فرنكو وعودة الديمقراطية أواخر سبعينيات القرن الماضي.
وقال سانشيز إن الهدف الأساس من هذا الاتفاق هو «حلحلة الوضع السياسي الذي كان قد وصل إلى طريق مسدودة منذ أشهر». أما إيغليزياس فقد اعتبر «أن الحكومة الائتلافية التقدمية هي أفضل لقاح ضد اليمين المتطرف».
وأفاد مصدر مسؤول في الحزب الاشتراكي بأن سانشيز سيباشر على الفور سلسلة من المشاورات مع الأحزاب الأخرى، لتأمين أوسع تأييد ممكن للحكومة المقبلة، وأكّد أن طرفي الائتلاف سيعملان على تضميد الجراح التي تسببت بها الخلافات السابقة، وأصابت كثيرين بالخيبة والإحباط في صفوف القوى التقدمية.
مصادر الحزب الشعبي قالت إن الاتفاق بين الاشتراكيين وحزب «بوديموس» يرفع الضغط عنهم بعد أن كانت جهات عدة تدعو إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية، وأكدت أن الحزب سيمارس معارضة مسؤولة بوجه حكومة الائتلاف التقدمي في حال تشكيلها، انطلاقاً من كونه البديل الوحيد لمثل هذه الحكومة. ولا شك أن الحزب الشعبي، الذي استعاد قدراً ملحوظاً من شعبيته، وعزز موقعه في المعارضة بعد الانتخابات الأخيرة، يعتبر أن حكومة ائتلاف تقدمي، في ظل تفاقم الأزمة الانفصالية في كاتالونيا ومع ما تحمله من ترسّبات الخلافات السابقة، هي أفضل فرصة له لاستعادة الأغلبية في البرلمان عند أول استحقاق انتخابي قد لا يكون بالضرورة عند نهاية الولاية التشريعية الراهنة.
تشكيل أول ائتلاف حكومي {تقدمي} في إسبانيا منذ 80 عاماً
صعود اليمين المتطرف قلب المعادلة السياسية السائدة

سانشيز وإغليسياس قبل توقيع اتفاق ائتلاف في مدريد أمس (إ.ب.أ)
تشكيل أول ائتلاف حكومي {تقدمي} في إسبانيا منذ 80 عاماً

سانشيز وإغليسياس قبل توقيع اتفاق ائتلاف في مدريد أمس (إ.ب.أ)
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة