سجالات في ذكرى سقوط جدار برلين حول «خطأ غورباتشوف التاريخي»

روسيا عادت إلى المسرح الدولي بقوة... لكن جيوش «الأطلسي» باتت على حدودها

نحو مليون متظاهر توافدوا على ساحة ألكساندر في برلين الشرقية للاحتجاج ضد القمع في 4 نوفمبر 1989 (أ.ب)
نحو مليون متظاهر توافدوا على ساحة ألكساندر في برلين الشرقية للاحتجاج ضد القمع في 4 نوفمبر 1989 (أ.ب)
TT

سجالات في ذكرى سقوط جدار برلين حول «خطأ غورباتشوف التاريخي»

نحو مليون متظاهر توافدوا على ساحة ألكساندر في برلين الشرقية للاحتجاج ضد القمع في 4 نوفمبر 1989 (أ.ب)
نحو مليون متظاهر توافدوا على ساحة ألكساندر في برلين الشرقية للاحتجاج ضد القمع في 4 نوفمبر 1989 (أ.ب)

شهدت موسكو سجالات واسعة أخيرا، حول تداعيات خطوات الرئيس الأخير للاتحاد السوفياتي المنحل ميخائيل غورباتشوف التي أسفرت قبل ثلاثة عقود عن انهيار جدار برلين وفتح الطريق أمام وضع حد للحرب الباردة، وصولا إلى تقويض النظام ثنائي القطبية في العالم وتفكيك الدولة السوفياتية بعد أقل من عامين على انهيار الجدار الفاصل بين الشرق والغرب.
وتعرّضت السياسة التي انتهجها غورباتشوف قبل ثلاثين سنة إلى انتقادات قاسية في الأسابيع الماضية، خلال التحضيرات للاحتفال بمرور ثلاثة عقود على هدم جدار برلين. وبعدما كانت الشعارات التي رفعها في ذلك الوقت مدعاة للفخر والاحتفال، وعزّزت الآمال بإحلال السلام والانفتاح والتعاون بين الشرق والغرب، مكان خطاب «الحرب الباردة» وسباق التسلح وأفكار التمترس خلف جدران عازلة، فتحت الأوساط السياسية الروسية الدفاتر القديمة، ورأت تصريحات أن القيادة السوفياتية ارتكبت أخطاء فادحة في تعاملها مع الغرب في ذلك الوقت. واعتبرت أنها أظهرت «سذاجة» في التعامل مع الوعود الغربية، وفقا لكلمات الرئيس فلاديمير بوتين، الذي لم يسبق له أن وجّه انتقادات مماثلة إلى أداء غورباتشوف.

انتقادات قاسية لغورباتشوف
ورأى الرئيس الروسي أن الزعيم السوفياتي السابق «أخطأ بعدم مطالبته بضمانات مكتوبة بعدم توسيع حلف الأطلسي شرقاً عبر ضمّ بلدان دخلت تحت نفوذ الدولة السوفياتية». وقال إن السذاجة التي تعامل بها الاتحاد السوفياتي مع الوعود البرّاقة من جانب الغرب، فتحت الطريق لتوسيع الأطلسي والسعي إلى تطويق روسيا عسكريا.
ويشارك كثيرون في روسيا هذا الرأي. ومثل هذه الانتقادات برزت على لسان أكثر من مسؤول روسي أخيرا. وقال وزير الخارجية سيرغي لافروف في مقابلة صحافية قبل أسابيع، إن «روسيا (السوفياتية) لعبت دورا أساسيا في إعادة توحيد أوروبا وهدم الجدران، وهم (الغرب) يبنون الآن جدرانا جديدة».
ووفقا لقسطنطين كوساتشيف، رئيس لجنة مجلس الاتحاد للشؤون الخارجية، فإن انعدام الثقة في الغرب والشركاء المحتملين من ناحية أخرى لا تزال موجودة بعد مرور 30 سنة على هدم الجدار، معتبرا أن «الضرر الذي لحق بروسيا لا يمكن تعويضه». ولفت معلّقون روس إلى أن «الغرب حقّق خلال توحيد ألمانيا ما كان يريده دائما، وهو طرد القوات السوفياتية والروسية من وسط أوروبا».
ونقلت وكالة «نوفوستي» الحكومية عن رئيس ألمانيا الاشتراكية السابق أن الغرب «لم يفكّر أبداً بجدية في إزالة حقيقية للتوتر». وكانت نتيجة هذه السياسة، وفقاً لإيغون كرينز، هي أن «قوات الأطلسي اليوم باتت على حدود روسيا». وأضاف أن ألمانيا الاشتراكية السابقة شعرت بالخيانة و«لقد وثقنا في غورباتشوف لفترة طويلة».
ويلفت البعض الأنظار إلى نقطة أساسية تتعلق بانهيار جدار برلين، كون هذا الحدث أسهم في «منح الحرية لجميع الدول الاشتراكية لتحديد سياساتها الخاصة» وفقا لتعليق غورباتشوف قبل أيام، الذي ردّ عليه معلّقون بالإشارة إلى أن «البولنديين والمجريين والتشيكوسلوفاكيين والبلغاريين والرومانيين قد يعتقدون بذلك. ولكن هذا لم يكن هو الحال مع جمهورية ألمانيا الديمقراطية التي تم تأسيسها بفكرة وقرار من الاتحاد السوفياتي، وشكل قيامها جزءا من انتصار الاتحاد السوفياتي على الفاشية الألمانية».
في مقابل هذا الهجوم القوي، رد غورباتشوف في مقابلة أجريت معه أخيرا مع هيئة الإذاعة البريطانية عشية الذكرى الثلاثين لسقوط جدار برلين، بأنه ما زال «يرحب بالتغيير الديمقراطي في ألمانيا الشرقية ودول أخرى في الكتلة السوفياتية، لكنه لم يفترض أن الجدار سوف يسقط بهذه السرعة». وقلّل الزعيم السوفياتي من أهمية الاتّهام بأنّه تجاهل طلب «اتفاق مكتوب» يضمن عدم توسيع الأطلسي لاحقا، مشيرا إلى أن هذا المطلب «كان ليبدو عبثيا في ذلك الوقت»، لأن «هذا كان بمثابة إعلان مبكر عن وفاة التحالف العسكري بقيادة الاتحاد السوفياتي (حلف وارسو) قبل حله رسمياً في يوليو (تموز) 1991».

كيف تعاملت موسكو مع انهيار الجدار؟
في صباح اليوم التالي لسقوط جدار برلين، عقد غورباتشوف اجتماعاً للمكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي لمناقشة رد الفعل الممكن من جانب الاتحاد السوفياتي.
وقرّر المكتب السياسي بالإجماع أنه سيتم استبعاد أي نوع من إجراءات رد الفعل العنيف، ولفت خبراء إلى أنه «برزت بالتأكيد مواقف في البداية تدعو إلى التصرف بحزم وزج الدبابات والسيطرة على الموقف»، لكن هذه الآراء لم يؤخذ بها وتم اتخاذ قرار بالإجماع في المحصلة.
ونقلت وسائل إعلام عن بافل بالازشينكو، الذي كان مترجما لغورباتشوف في ذلك الوقت، أن «أي قرار آخر كان يمكن أن يكون له عواقب وخيمة للغاية وخطيرة للغاية، وقد يكون بداية لكارثة». ويذكر خبراء روس أنه كان في ألمانيا الشرقية في ذلك الوقت أكثر من 300 ألف جندي من القوات السوفياتية، وأكثر من 12 ألف دبابة وعربات مدرعة أخرى.
وقال أحد الخبراء إنّه «كان بإمكانهم إغلاق الحدود بالكامل، لكن الجنود ظلوا في الثكنات». وأدركت القيادة السوفياتية أن «حقبة جديدة قد بدأت اليوم». عموما، رأى خبراء أن نقاشات كثيرة قد تدور حول الخيارات التي كان يجب على غورباتشوف أن يتخذها لضمان مصالح روسيا الحيوية في المستقبل؛ خصوصاً أن حقيقة انهيار «حلف وارسو» لاحقا، واستمرار حلف الأطلسي في توسيع مناطق نفوذه قرب الحدود الروسية، تشكل حاليا أحد أهم عناصر التوتر بين روسيا والغرب. لكن في المقابل، لا يخفي كثيرون أن «روسيا تعلمت من دروس تلك المرحلة»، وأن الإصرار الروسي حاليا على أن تكون أي اتفاقات متعلّقة بالأمن الاستراتيجي مع الغرب «شاملة»، بمعنى أنّها تستند إلى رزمة متكاملة من الاتفاقات التي تنظم الرقابة على التسلح، وتضع قيودا على نشر معدات وأسلحة على طرفي الحدود، وتأخذ في الاعتبار دخول لاعبين دوليين جدد في المنافسة وسباق التسلح.
وتعكس المواقف الروسية الحالية مدى شعور النخبة الروسية بخيبة الأمل، لأن «الاتحاد السوفياتي كان يعاني من أزمات في ذلك الوقت، ولم يكن قادرا على خوض مفاوضات شاقة تضمن مصالحه الاستراتيجية» خلافا لمعطيات المشهد السياسي الروسي حاليا، بعدما «استعادت روسيا مكانة قوية على المسرح الدولي، ولم يعد ممكنا التعامل مع أي ملف دوليا أو إقليميا بمعزل عنها».



ما الدول التي أعلنت التزامها قرار «الجنائية الدولية» باعتقال نتنياهو وغالانت؟

TT

ما الدول التي أعلنت التزامها قرار «الجنائية الدولية» باعتقال نتنياهو وغالانت؟

مقر المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي (أ.ف.ب)
مقر المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي (أ.ف.ب)

نقلت وكالة الأنباء الهولندية (إيه إن بي)، اليوم (الخميس)، عن وزير الخارجية، كاسبار فيلدكامب، قوله إن هولندا مستعدة للتحرّك بناءً على أمر الاعتقال الذي أصدرته المحكمة الجنائية الدولية بحقّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إذا لزم الأمر، في حين قال مسؤول السياسة الخارجية لدى الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، خلال مؤتمر صحافي مع وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي في عمان، إن جميع الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية، ومنها دول أعضاء في الاتحاد، ملزَمة بتنفيذ قرارات المحكمة.

وأضاف بوريل: «هذا ليس قراراً سياسياً، بل قرار محكمة. وقرار المحكمة يجب أن يُحترم ويُنفّذ».

وكتب بوريل، في وقت لاحق على منصة «إكس»: «هذه القرارات ملزمة لجميع الدول الأعضاء في نظام روما الأساسي (للمحكمة الجنائية الدولية) الذي يضم جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي».

كذلك قال رئيس الوزراء الآيرلندي، سيمون هاريس، في بيان: «القرار... خطوة بالغة الأهمية. هذه الاتهامات على أقصى درجة من الخطورة». وأضاف: «آيرلندا تحترم دور المحكمة الجنائية الدولية. ويجب على أي شخص في وضع يسمح له بمساعدتها في أداء عملها الحيوي أن يفعل ذلك الآن على وجه السرعة».

وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية إن ردّ فعل باريس على أمر المحكمة الجنائية الدولية باعتقال نتنياهو سيكون متوافقاً مع مبادئ المحكمة، لكنه رفض الإدلاء بتعليق حول ما إذا كانت فرنسا ستعتقل نتنياهو إذا وصل إليها.

ورداً على سؤال خلال مؤتمر صحافي حول ما إذا كانت فرنسا ستعتقل نتنياهو، قال كريستوف لوموان إن السؤال معقد من الناحية القانونية، مضيفاً: «إنها نقطة معقّدة من الناحية القانونية، لذا لن أعلّق بشأنها اليوم».

بدوره، قال متحدث باسم رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، إن بريطانيا «تحترم استقلال المحكمة الجنائية الدولية».

وقال أنطونيو تاياني، وزير الخارجية الإيطالي، إن روما ستدرس مع حلفاء كيفية تفسير القرار واتخاذ إجراء مشترك. وأضاف: «ندعم المحكمة الجنائية الدولية... لا بد أن تؤدي المحكمة دوراً قانونياً، لا دوراً سياسياً». بينما أكد وزير الدفاع الإيطالي جويدو كروزيتو أن روما سيتعين عليها اعتقال نتنياهو إذا زار البلاد.

أما وزير الخارجية النرويجي، إسبن بارت أيدي، فقال إنه «من المهم أن تنفذ المحكمة الجنائية الدولية تفويضها بطريقة حكيمة. لديّ ثقة في أن المحكمة ستمضي قدماً في القضية على أساس أعلى معايير المحاكمة العادلة».

وقالت وزيرة الخارجية السويدية، ماريا مالمر ستينرغارد، إن استوكهولم تدعم «عمل المحكمة» وتحمي «استقلالها ونزاهتها». وأضافت أن سلطات إنفاذ القانون السويدية هي التي تبتّ في أمر اعتقال الأشخاص الذين أصدرت المحكمة بحقّهم مذكرات اعتقال على أراضٍ سويدية.

بدوره، قال رئيس الوزراء الكندي، جاستن ترودو، إن بلاده ستلتزم بكل أحكام المحاكم الدولية، وذلك رداً على سؤال عن أمري الاعتقال بحقّ نتنياهو وغالانت. وأضاف، في مؤتمر صحافي، بثّه التلفزيون: «من المهم حقاً أن يلتزم الجميع بالقانون الدولي... نحن ندافع عن القانون الدولي، وسنلتزم بكل لوائح وأحكام المحاكم الدولية».

ووصف وزير الخارجية التركي هاكان فيدان إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي التوقيف بأنه «مرحلة بالغة الأهمية».

وكتب فيدان على منصة «إكس»: «هذا القرار هو مرحلة بالغة الأهمية بهدف إحالة المسؤولين الإسرائيليين الذين ارتكبوا إبادة بحق الفلسطينيين أمام القضاء».

أمل فلسطيني

وأفادت وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية الرسمية (وفا) بأن السلطة الفلسطينية أصدرت بياناً ترحب فيه بقرار المحكمة الجنائية الدولية. وطالبت السلطة جميع الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية وفي الأمم المتحدة بتنفيذ قرار المحكمة. ووصفت القرار بأنه «يعيد الأمل والثقة في القانون الدولي ومؤسساته».

وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية، اليوم (الخميس)، أوامر اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، بخصوص «جرائم حرب في غزة»، وكذلك القيادي في حركة «حماس» محمد الضيف.

وقالت المحكمة، في بيان، إن هناك «أسباباً منطقية» لاعتقاد أن نتنياهو وغالانت ارتكبا جرائم، موضحة أن «الكشف عن أوامر الاعتقال هذه يصبّ في مصلحة الضحايا».

وأضاف بيان المحكمة الجنائية الدولية أن «قبول إسرائيل باختصاص المحكمة غير ضروري». وأشارت المحكمة الجنائية الدولية إلى أن «جرائم الحرب ضد نتنياهو وغالانت تشمل استخدام التجويع سلاح حرب... وكذلك تشمل القتل والاضطهاد وغيرهما من الأفعال غير الإنسانية».