مؤتمر الموسيقى العربية بالقاهرة يوصي بدعم الفرق النسائية

اختتم جلساته داعياً دُور الأوبرا للاهتمام بالشباب

جانب من الجلسة الختامية لمؤتمر الموسيقى العربية
جانب من الجلسة الختامية لمؤتمر الموسيقى العربية
TT

مؤتمر الموسيقى العربية بالقاهرة يوصي بدعم الفرق النسائية

جانب من الجلسة الختامية لمؤتمر الموسيقى العربية
جانب من الجلسة الختامية لمؤتمر الموسيقى العربية

أوصى مؤتمر الموسيقى العربية بالقاهرة، المصاحب لمهرجان الموسيقى العربية الـ28، والذي تستمر فعالياته على المسرح الكبير وعدة مسارح بالقاهرة والإسكندرية ودمنهور، حتى يوم 12 نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، بدعم الفرق النسائية، والاهتمام بالشباب، في ختام جلساته بالمسرح الصغير بدار الأوبرا المصرية، مساء أول من أمس.
وقالت الدكتورة رشا طموم، رئيسة اللجنة العلمية لمؤتمر الموسيقى العربية، الذي شارك فيه نحو 40 باحثاً من 14 دولة: «شكلت جلسات المؤتمر بما شهدته من أبحاث وأطروحات علمية، مناخاً إيجابياً انعكست فيه روح التنافس الفكري الخلاق، والتناول الجاد للقضايا والتحديات التي تعتري الموسيقى في عالمنا العربي. وأسفرت المداخلات عن مسارات بحثية جديدة ومبشرة، تفتح آفاقاً جديدة لتفعيل دور الموسيقى في مجتمعاتنا العربية، وما يمكن أن تسهم به من حراك ثقافي واجتماعي وفني».
وأضافت طموم: «كنا نود هذا العام التركيز على المقام ودلالته وأصوله في العراق والدول العربية، كقضية بحثية مهمة، وللأسف تعذرت إقامة ورشة العمل حول المقام التي كان سيقيمها الباحث اللبناني أيمن بيهم، الذي تعذر وصوله من لبنان؛ لكن نأمل تقديمها العام المقبل».
وطالب المشاركون بدعوة الهيئات والمؤسسات الثقافية والفنية والإعلامية العربية إلى تفعيل الاحتفال بيوم الموسيقى العربية، في الثامن والعشرين من مارس (آذار) من كل عام، من خلال تنظيم الأنشطة الموسيقية والندوات العلمية، على المستويين الشعبي والرسمي، بما يشكل حالة لافتة تعيد اهتمام المجتمع بالتفاعل الخلاق مع الموسيقى العربية.
وأوصى المؤتمر بدعوة الهيئات والمؤسسات العربية للاهتمام بإبداعات المرأة الموسيقية، والاهتمام بإبراز دور المرأة المبدعة في مجال الموسيقى العربية، وذلك لإدراج أعمالها من مؤلفات وألحان ضمن برامج الإذاعة والتلفزيون، وإصدار كتاب للتعريف بالمبدعات المنسيات في العالم العربي، وتوصيف أعمالهن، وإعادة تقديمها في وسائل الإعلام المختلفة لتعريف الجمهور العربي بهن.
كما أجمع المشاركون على أهمية وضرورة دعم الفرق النسائية، وتبني المتميز منها، وتذليل الصعوبات التي تواجهها، ودعوا إلى الاهتمام بجمع وتوثيق الأعمال الغنائية والموسيقية التي أنتجتها وسائل الإعلام العربية للطفل، وإتاحتها للبحث والدراسة، وإعادة تقديم وبث ما يناسب الطفل العربي منها في الفترة الراهنة.
كما دعا المشاركون القائمين على تنظيم المؤتمرات الموسيقية داخل الوطن العربي، إلى إتاحة منصة للشباب، وتخصيص يوم لطرح أفكارهم البحثية، والتعبير عن رؤاهم فيما يخص قضايا الموسيقى الراهنة.
وطالب المؤتمر بدعوة المؤسسات الرسمية الفنية ودور الأوبرا في العالم العربي، للاهتمام بعرض تجارب شباب المبدعين الفردية، والتحاور حولها، وإيجاد آلية تتيح لجمهور الشباب التفاعل مع الأعمال الموسيقية الجادة في العالم العربي، من خلال تذاكر مخفضة وحفلات مخصصة لهم. بينما أوصى عدد من المشاركين بضرورة مناقشة قضايا المقامات العربية، ولا سيما المقامات العراقية، والتعريف بها وبأصولها ومسيرتها التاريخية.
وطالب المشاركون بإضافة محور خاص بالإيقاعات العربية، وعلى رأسها الإيقاعات السودانية والمغاربية، في الأعوام المقبلة.
وتتواصل حالياً بالقاهرة والإسكندرية ودمنهور فعاليات مهرجان الموسيقى العربية، الذي يقدم هذا العام 37 حفلاً غنائياً وموسيقياً، بمشاركة 92 فناناً من 7 دول عربية، هي: مصر، ولبنان، والعراق، والأردن، والمغرب، وسوريا، وسلطنة عمان.
من جانبها، قالت الدكتورة سلوى الشوان، أستاذة علم موسيقى الشعوب بجامعة «لشبونة الجديدة»، ورئيسة المجلس الدولي للموسيقى التقليدية التابع لـ«اليونيسكو»، لـ«الشرق الأوسط»: «تناول المؤتمر قضية مهمة، مثل التراث الموسيقي العربي، وإمكانية صياغته وإعادة إنتاجه، ووضعه الحالي، ومفهومه، في محاولة للإجابة عن سؤال: ما هو التراث؟»، موضحة أنها لا تزال على رأس أولويات العالم، حتى أن منظمة «اليونيسكو» تفي باتفاقياتها منذ السبعينات وحتى الآن، وهي تحاول وضع أسس للتعامل مع التراث وحفظه في المستقبل.
وتابعت: «هناك وجهات نظر مختلفة في العالم حول ما إذا كان يتم إعادة إنتاج التراث وتطويره بطريقة عصرية، أو تقديمه بالشكل الذي كان يقدم عليه في العصور القديمة. وأعتقد أنه يمكن تنفيذ الطريقتين؛ خصوصاً بالنسبة لتراث الموسيقى العربية؛ حيث كان الارتجال عنصراً أساسياً في الأداء الموسيقي والغنائي».
وعما إذا كانت آلات موسيقية عربية قد اندثرت، لفتت الشوان إلى أن «الربابة كانت مستخدمة في الفرق الموسيقية القديمة، وحل محلها الكمان، لذا لا بد من أن نتحرك لصون التراث؛ لأنه بكل أسف لا يوجد أرشيف ولا صور ولا مقاطع مصورة، ولا بد من تأسيس أرشيف عربي شامل للموسيقى العربية».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».