فنانون من 4 دول يغزلون حروفهم بمعرض «دواية» للخط في ليبيا

يستعدون لإقامة نسخة جديدة بألمانيا نهاية نوفمبر

فنانون من 4 دول يغزلون حروفهم بمعرض «دواية» للخط في ليبيا
TT

فنانون من 4 دول يغزلون حروفهم بمعرض «دواية» للخط في ليبيا

فنانون من 4 دول يغزلون حروفهم بمعرض «دواية» للخط في ليبيا

كيف لفنان أن يستنطق الخشب، ولآخر أن يسبح بحروفه بين ضفتي لوحة تموج بالألوان فينتجا أعمالاً ثرية بالتفاصيل، وملئ بالصنعة؟ فكلاهما تمكنا من تحويل النص المحفوظ إلى عالم لا متناه من الروعة والاندهاش... شيء من ذلك وأكثر شهده «بيت إسكندر» للفنون في معرض للخط بالمدينة القديمة في طرابلس الليبية.
فعلى مدار ثلاثة أيام تفاعل ليبيون في مناطق بـ«غرب البلاد» مع معرض أقامته مؤسسة «دواية» لفن الحروفيات في نسخته الرابعة، بالشراكة مع ألمانيا، وبمساهمة 11 فناناً من تونس والجزائر والمغرب، بالإضافة إلى ليبيا، فأنتجوا 30 عملاً في فن الخط ومهاراته.
جزء من هذا الإبهار استوقف قطاعاً كبيراً من جمهور المعرض، خاصة أمام أعمال الفنان التونسي محمد سحنون، التي قدمها في ثوب قرآني، التي نحتها بطريقة مغايرة على الخشب واختار لها لوناً أبيض ناصعاً، ولم تختلف أعمال سحنون عن لوحات الفنانين الجزائري يزيد خلوفي، والمغربي الزاهرة عبد الفتاح بلالي، من حيث الإتقان، لكن الأخيرين قدما أعمالاً مغايرة مضمونها نصوصاً تراثية ممزوجة بالتأثيرات اللونية التي تنقلت بسلاسة بين الظل والضوء، والفراغ والكتلة.
ورأى الفنان العارف حسان، عضو بمؤسسة «دواية» أن المعرض أعاد صياغة فن الحروفيات وأكسبه تفرداً، خرج به عن حدود الاعتياد إلى آفاق الاندهاش، وأسبغ عليه أثواب الحسن والتجديد فظهر سنة إثر أخرى مختلفاً في الرؤية بليغاً في المعنى أنيقاً في محضره صادقاً في جوهره وماتعاً للعين والروح، يطاول سماء الإبداع فيكاد يحتويها بتشكيلاته اللونية ومعانيه الغنية».
وزاد حسان من قراءته، فقال إن المعرض «كشف عن مشاهد ذاب فيها الحب ولهاً في اللون، حيث رسمت الريشة رقصة عشقهما بصمت يصرخ بالجمال الذي يأسر الألباب»، متابعاً: «ربما لأجل هذا يستمر الناس بالعودة إلى هذا البراح الفني الساحر والذي حين يغادرون فضاءاته يبقى لسان حالهم يقول إلى (دواية) آخر جديد متجدد في العام المقبل».
وفسّر حسان سبب الإقبال الكبير للجمهور على المعرض، وأرجعه، إلى أن «ذلك الجمال الباهر للأعمال المُقدمة، هو ما جعل آخر أيام المعرض كأوله، من حيث الازدحام والحضور الكثيف من الجمهور من مختلف الأعمار، الذي توافد للاستمتاع بالأجواء الفنية التي تغمر المكان».
ورغم الأوضاع المتوترة في العاصمة الليبية، بسبب الحرب، فإن أعمال الفنانين الليبيين، شكلت حالة من المتعة البصرية لجمهور المعرض، من بين هؤلاء أحمد البارودي وأشرف سويسي وروان المنتصر وصبري سلطان ومحمد الخروبي ومحمد القاضي وهيثم الغول ووائل الرعوبي.
ومعرض «دواية»، الذي أقيمت نسخته الأولى في عام 2016. يستعد حالياً لإقامة نسخته الخامسة في التاسع والعشرين من نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، في ألمانيا.
وقال السفير الألماني لدى ليبيا أوليفر أوفتشا في تغريدة له على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»: «قام فنانون وعشاق الفن بتقديم أعمالهم في دار إسكندر للفنون بطرابلس، وكذلك مناقشة دور الفن في فترات النزاع، والاستماع بلحظات من السلام... فخورون بكوننا شريكاً موثوقاً به من قبل مؤسسة دواية للفنون في تنظيم هذا الحدث».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».