توافد آلاف المتظاهرين، أمس، إلى ساحات الاحتجاج في مختلف المحافظات العراقية، في الوقت الذي وجه فيه «الحشد الشعبي» رسالة تأييد للمتظاهرين، وحذر مما سماها «إردات خارجية تتربص بالوطن».
وما زالت ساحة التحرير وسط العاصمة بغداد تشهد أعلى نسبة حضور، حيث يفد إليها مئات آلاف البغداديين من مختلف أحياء العاصمة، وعلى مدار الساعة، لكنها تشهد ذروة الحضور بعد فترة الظهيرة من كل يوم. ولم تفلح الإجراءات والخطوات التي تقوم بها السلطات العراقية، ومنها الإعلان عن تعيين آلاف العاطلين عن العمل في المؤسسات الحكومية ومنح الدفع المالية العاجلة للعاطلين، في امتصاص الغضب الجماهيري والتأثير على أعداد المتظاهرين.
ويميل بعض المراقبين إلى الاعتقاد أن السلطات العراقية تراهن على عامل الوقت لتجاوز مشكلة الاحتجاجات الكبيرة، حيث تأمل أن يتسرب الملل مع مرور الوقت إلى المواطنين، ويمنعهم من التواصل والحضور المنتظم إلى الساحات العامة للتظاهر.
غير أن بعض الأنباء المتداولة داخل الجماعات الفاعلة وبعض التنسيقيات بين صفوف المتظاهرين، تشير إلى رغبة تلك الجماعات في توسيع الاحتجاجات، وابتكار طرق جديدة، وفتح جبهات أخرى لم يكشف عن تفاصيلها، بهدف تحقيق مطالبها في الإصلاح، وإرغام رئيس الوزراء عادل عبد المهدي على الاستقالة.
وتؤكد بعض التسريبات إصرار جماعات الحراك على عدم الاكتفاء بالحضور إلى ساحة التحرير وترديد الشعارات.
في غضون ذلك، وبينما أعلنت مصادر صحية وحقوقية متعددة وفاة 4 متظاهرين بمستشفى الجملة العصبية في بغداد، نتيجة تأثرهم بإصابات مختلفة، نفت وزارة الصحة ذلك، وحمّلت «مَن يقوم ببث هذه الأخبار كافة التبعات القانونية». لكن عضو مفوضية حقوق الإنسان علي البياتي في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أكد «وفاة 6 أشخاص في مستشفى الجملة العصبية وواحد في مستشفى الكندي وآخر في مستشفى الشيخ زايد». وذكر البياتي أنها «ليست المرة الأولى التي تنفي بها وزارة الصحة نوعاً كهذا من المعلومات؛ هناك تعليمات مشددة بالكتمان والتحفظ، واللافت للنظر أن تقرير الرقابة المالية الأخير حول وزارة الصحة يشير صراحة إلى عدم دقة إحصاءاتها وأرقامها». ويضيف البياتي: «القضية واضحة، المظاهرات مستمرة، والنفس الحكومي لم يتغير، وإن قاموا بالنفي أم أثبتوا. المعادلة واضحة؛ الإجراءات الحكومية ذاتها متواصلة وسقوط الضحايا أمر متوقع».
وأكد البياتي أن المفارز الطبية التطوعية المنتشرة في ساحة التحرير، التي لا يقل عددها عن 10 مفارز «أكدت أنها تستقبل من 5 إلى 20 حالة حرق يومياً في الجلد، بالإضافة إلى حالات شلل مؤقتة لدى المتظاهرين نتيجة تعرضهم إلى الغاز المسيل للدموع». وأضاف أن «وجود حالات كهذه يثير الريبة حول المادة المستخدمة في هذه الأسلحة، حيث إنه من المعلوم أن الغاز الموجود فيها يسبب حالات تهيج للغشاء المخاطي للعين والجهاز التنفسي على الأغلب وبشكل وقتي، ولا يؤثر على الجلد، كحالات حرق، أو الجهاز العصبي، مما يتطلب التحقيق في المواد المستخدمة في هذه العبوات».
وكشف عن إصابة نحو 300 شخص ومقتل متظاهر واحد في المواجهات التي وقعت، أول من أمس، بين المتظاهرين وقوى الأمن.
من جانب آخر، شن إمام وخطيب جمعة الكوفة، ضياء الشوكي، أمس، وبحضور زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، هجوماً لاذعاً على الحكومة. وقال الشوكي في خطبته إن «العنف الذي واجهه المتظاهرون يُعد وصمة عار لا تُمحى من جبين السلطة المجرمة وأحزابها الفاسدة، لأنه خارج عن كل السياقات الدينية والقانونية والوطنية والأخلاقية».
وأضاف أن «الإدراك بإجرام السلطة وأحزابها وداعميهم من الداخل والخارج، وإن جاء متأخراً، إلا أنه يخدم قضية الإصلاح والمصلحين، رغم أن ثمنه كان باهظاً وموجِعاً ومأساوياً».
وتطرق الشوكي إلى ما سماه «أصواتاً رافضة لدخول التيار الصدري في المظاهرات، تحت عنوان (لا تركب الموجة)، وقد رأى الجميع ضرر هذا التوجُّه؛ فقد استفردت ميليشيات السلطة وأجهزتها القمعية بهم، فكان ما حصل من مأساة».
بدوره، وجه «الحشد الشعبي»، أمس، رسالة إلى المتظاهرين في بغداد والمحافظات، أكد وقوفه معهم ودعم مطالبهم المحقة وشعاراتهم الوطنية، وخاطب المتظاهرين عبر رسالته قائلاً: «استمروا في مظاهراتكم وحافظوا على سلميتها ولا تسمحوا لراكبي الأمواج باستغلالكم».
واتهمت رسالة «الحشد» ما سماها «إرادات أجنبية وعناصر دخيلة وأهواء سياسية تتربص بكم وبهذا الوطن، وتريد أن تدفع به إلى حافة الهاوية، وأن تُحدِث الفتنة والاقتتال الداخلي والفوضى والخراب».
وفي الأيام الأخيرة، تسارعت وتيرة الاحتجاجات التي راح ضحيتها 250 شخصاً على مدار الشهر الماضي، إذ اجتذبت حشوداً ضخمة من مختلف الطوائف والأعراق في العراق لرفض الأحزاب السياسية التي تتولى السلطة منذ عام 2003. ونصب الآلاف خياماً في ساحة التحرير بوسط بغداد، وانضم إليهم آلاف آخرون خلال نهار أمس، حسب وكالة «رويترز». وبحلول الظهيرة، كان المئات يتحركون في مسيرة إلى الساحة من الشوارع الجانبية، منددين بالنخب التي يرونها فاسدة تأتمر بأمر القوى الأجنبية ويحمّلونها المسؤولية عن تردي أوضاع المعيشة.
وفي الأيام الأخيرة، كانت الاحتجاجات سلمية نسبياً خلال النهار، إذ انضم إليها كبار السن والأسر الشابة، لكنها تتخذ طابعاً أكثر عنفاً بعد حلول الظلام، فيما تستخدم الشرطة الغاز المسيل للدموع والذخيرة الحية للتصدي للشبان الذين يسمون أنفسهم بالثوريين في الشوارع. وانضم الوافدون الجدد إلى أولئك الذين خيموا، الليلة الماضية، وقدموا لهم المساعدة. وتتحرك مجموعة من الشباب في الشوارع «لجعل الأمور مريحة» لغيرها من المحتجين.
وقال محمد نجم، الذي تخرج في كلية الهندسة لكنه عاطل عن العمل، إن الساحة أصبحت نموذجاً للبلد الذي يأمل هو ورفاقه في بنائه. وقال: «نقوم بتنظيف الشوارع، والبعض الآخر يجلب لنا المياه ويمدنا بالكهرباء». وأضاف: «(الساحة) دولة صغيرة. الخدمات الصحية بالمجان والنقل مجاناً بواسطة التوك توك... هذه الدولة كانت موجودة منذ 16 عاماً، وما فشلت في القيام به أنجزناه في سبعة أيام في التحرير؛ إذا لم يكن باستطاعتهم القيام بذلك فعليهم أن يرحلوا».
ويغني كثيرون عن الاعتصام، في الوقت الذي أصبحت فيه الخوذ والأقنعة الواقية من الغاز مشهداً عادياً. وجلست مجموعة من النساء في منتصف العمر يصنعن شطائر الفلافل.
وقالت أم إدريس، وهي أم لثلاثة خريجين جامعيين فشلوا جميعاً في العثور على وظائف: «نحضر الطعام للمتظاهرين. إنهم أبناؤنا وإخواننا... نحن هنا كل يوم حتى يسقط النظام».
ورغم الثروة النفطية الهائلة للعراق العضو في (أوبك)، يعيش كثير من العراقيين في فقر أو يفتقرون لسبل الحصول على المياه النظيفة والكهرباء والرعاية الصحية الأساسية والتعليم. ويقود الاحتجاجات شبان يريدون وظائف قبل كل شيء».
ويرى كثيرون أن الطبقة السياسية تخضع إما للولايات المتحدة أو إيران أو كليهما. ويستخدم البلدان العراق ساحة بالوكالة للصراع على الهيمنة الإقليمية. وقال أمير (26 عاماً)، وهو حلاق: «القيادة تحت سيطرة إيران. عندما نتقدم بمطالب يجب ألا نتحدث مع الحكومة بل يجب أن نتحدث مع إيران. ليس لدينا حكومة».
وكانت وكالة «رويترز» أفادت هذا الأسبوع بأن فصيلاً قوياً تدعمه إيران فكر في التخلي عن عبد المهدي، لكنه قرر إبقاءه في منصبه بعد اجتماع سري حضره جنرال من الحرس الثوري الإيراني. وأكد مسؤول أمني إيراني أن الجنرال قاسم سليماني حضر اجتماع الأربعاء، قائلاً إنه كان هناك «لتقديم المشورة».
وقال الرئيس برهم صالح، أمس، إن عبد المهدي مستعد للاستقالة إذا اتفقت الكتل الرئيسية في البرلمان على بديل. ويقول المحتجون إن هذا لن يكون كافياً لأنهم يريدون إلغاء النظام السياسي لفترة ما بعد صدام بأكمله، الذي يوزع السلطة بين أحزاب طائفية، الأمر الذي لا يعطيهم حافزاً كافياً للإصلاح.
وأضاف أمير: «لا نريد الإطاحة بعادل عبد المهدي فحسب، بل وكل الفاسدين. فماذا لو استقال؟ ماذا سيحدث؟ سيأتون بشخص أسوأ... هذا ليس كافياً. ماذا عن الباقين؟ لا نريد الأحزاب». وشهدت محافظات أخرى احتجاجات مع امتداد الاضطرابات في معظم مناطق الجنوب الشيعية. وحاول بعض المتظاهرين في البصرة الغنية بالنفط إغلاق الطريق المؤدي إلى «حقل مجنون» النفطي، ونصبوا خيمة اليوم دعماً للاحتجاجات في بغداد، لكن مصادر نفطية قالت إن العمليات لم تتأثر.
الحكومة العراقية تناور عبر حزمة إجراءات... والمحتجون إلى ابتكار طرق جديدة
«الحشد الشعبي» يحذّر من {حافة الهاوية}... وخطيب الكوفة يشن هجوماً لاذعاً على السلطات
الحكومة العراقية تناور عبر حزمة إجراءات... والمحتجون إلى ابتكار طرق جديدة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة