قائد الجيش الجزائري يصرّ على إجراء انتخابات الرئاسة في موعدها المحدد

وضع قيادي إسلامي بارز تحت الرقابة القضائية بسبب التهجم على مسؤولين

TT

قائد الجيش الجزائري يصرّ على إجراء انتخابات الرئاسة في موعدها المحدد

في الوقت الذي أمرت فيه محكمة بالعاصمة الجزائرية بوضع قيادي إسلامي تحت الرقابة القضائية بسبب تصريحات حادة ضد كبار المسؤولين في البلاد، أكد نائب وزير الدفاع الفريق أحمد قايد صالح أن انتخابات الرئاسة، المقررة في 12 ديسمبر (كانون الأول) المقبل «ستجري في موعدها المحدد»، وأعلن رفضه مطالب ودعوات للإفراج عمّن يسمون «معتقلي الراية الأمازيغية».
وأعلن قائد الجيش قايد صالح، أمس، أثناء وجوده بمقر «قيادة الدفاع الجوي عن الإقليم» بالعاصمة، أن الانتخابات «ستجري في موعدها، لأن هذا المسعى الوطني النبيل نابع من الإرادة الشعبية، التي تعني كافة فئات الشعب الجزائري باستثناء العصابة ومن سار في فلكها». ويقصد بـ«العصابة» رموز نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وأغلبهم في السجن حالياً.
وكان الضابط العسكري، الذي يعد الحاكم الفعلي في البلاد، يرد على المتظاهرين الذين طالبوا في حراك الجمعة الماضي بإلغاء تاريخ الاستحقاق، بحجة أنه «سيفرز رئيساً على مقاس السلطة». وأفاد قايد صالح، في خطابه الذي نشرته وزارة الدفاع، بأن «الشباب بلغ درجة عالية من الوعي، وهو مصمم على الذهاب إلى الانتخابات الرئاسية، مفشلاً بذلك مخططات العصابة وأذنابها، الذين تعودوا على الابتزاز السياسي، من خلال أبواق ناعقة تستغل بعض المنابر الإعلامية المغرضة، التي تحاول عبثاً عرقلة هذا المسعى النبيل»، من دون توضيح من يقصد. علماً بأن قائد الجيش درج على مهاجمة أشخاص، لكن لا يذكرهم مطلقاً بأسمائهم، ولا يوضح ما إذا كانوا سياسيين، ولا لأي جهة ينتمون.
وبحسب صالح، فقد «أدرك الشعب الجزائري برمته، باستثناء العصابة وأتباعها، أن جميع الشروط والظروف مهيأة لانتخاب رئيس الجمهورية الجديد، الذي سيطبق برنامجه بما يكفل بناء جزائر جديدة، لا مكان فيها للممارسات غير القانونية والبالية، والعقليات المتحجرة التي ذهبت وولت دون رجعة»، مشيراً إلى أن الشباب «غير مكترث بالاستفزازات والدعاية المغرضة، التي يسوقها أعداء الوطن من أجل عرقلة مسار الانتخابات، ولن ينجح هؤلاء في محاولاتهم اليائسة لتحييده عن مساره التاريخي مهما قالوا، ومهما حاولوا فرض أفكارهم البالية، لأن هذا الشعب قد أيقن أنه على السكة الصحيحة والدرب القويم، ولأن شبابنا الواعي قد كشف زيف هذه الألاعيب، ولم تعد تنطلي عليه مثل هذه الحيل، ولن يتراجع عن المكتسبات المعتبرة المحققة في هذه الفترة القصيرة».
ورد قائد الجيش على ناشطين وحقوقيين، طالبوا بالإفراج عن 20 متظاهراً، تم حبسهم بسبب رفع الراية الأمازيغية في الحراك. وعدّ صالح، في خطابه، أن ذلك «إهانة للعلم الوطني». وقال إن هذه المطالب «مرفوضة شكلاً ومضموناً، فالعلم الوطني هو رمز السيادة الوطنية، ورمز تضحيات ملايين الشهداء الأبرار، ورمز سيادة الشعب الجزائري برمته، والذي لا يقبل إطلاقاً المساس بالعلم الوطني»، مؤكداً أن القضاء «هو من يتولى أمر هؤلاء، باعتباره أيضاً رمزاً بارزاً من رموز دولة القانون، فهو يتمتع الآن بكل الحرية المطلوبة، ويعمل دون ضغوطات ولا إملاءات».
إلى ذلك، صرح المحامي والناشط الحقوقي عبد الغني بادي، بأن قاضي التحقيق بمحكمة الرويبة (الضاحية الشرقية للعاصمة) وضع أمس القيادي الإسلامي أحمد بن محمد رهن الرقابة القضائية، بعد أن وجه لهم تهم «إضعاف معنويات الجيش»، و«عرض منشورات من شأنها المساس بالوحدة الوطنية»، و«إهانة هيئة نظامية».
وحسب المحامي؛ فقد تم بشكل صارم تقييد حرية بن محمد في التنقل؛ إذ منع من مغادرة الحدود الإدارية لبلدية برج البحري (الضاحية الشرقية)، حيث يقيم، ومن مغادرة بيته يوم الجمعة، وهو يوم الحراك الشعبي، وأيام الثلاثاء التي تجري فيها مظاهرات طلاب الجامعات «إلا بإذن من القاضي وفي حالة الضرورة القصوى»، حسبما جاء في شروط الرقابة القضائية.
وفرضت المحكمة عليه أيضاً تسليمها جواز السفر، والامتناع عن التصريح للإعلام ولا حتى لقاء صحافيين. كما منعت عنه لقاء أي شخص له علاقة بالمظاهرات الشعبية. علاوة على مطالبته بالإمضاء على محضر لدى الدرك الوطني بالمنطقة التي يقيم بها مرة واحدة أسبوعياً، على سبيل التأكيد أنه لم يغادرها.
واعتقل الدرك بن محمد الاثنين الماضي بسبب مشاركته في حراك الجمعة الماضي، وإطلاقه تصريحات لفضائيات خاصة، عدت مسيئة للرئيس الانتقالي عبد القادر بن صالح، ورئيس أركان الجيش الفريق قايد صالح. وقد خضع بن محمد نهاية عام 2008 لإجراءات الرقابة القضائية، بسبب مشاركته في مظاهرات تضامناً مع غزة، خلال تعرضها للعدوان الإسرائيلي، لكنها رفعت عنه في 2016. وأسس القيادي الإسلامي حزباً في بداية تسعينات القرن الماضي، سماه «جبهة الجزائر للأصالة والمعاصرة»، لكن تم حله بموجب تعديل للدستور عام 1996، منع الأحزاب من «استعمال الدين والهوية لأغراض سياسية». وكان بن محمد مقرباً من «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» التي حُلت عام 1992 بعد اتهامها بالإرهاب.



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.