من كان يصدق أن هرما مصنوعا من الزجاج الشفاف يمكنه أن ينافس برج «إيفل» المصنوع من الفولاذ، في اجتذاب السياح وزوار العاصمة الفرنسية؟ اليوم، بعد ربع قرن على افتتاحه في عهد الرئيس الأسبق فرنسوا ميتران، تحول هذا الصرح إلى ضحية لنجاحه الكبير كتحفة معمارية. إن المنافذ المؤدية إلى داخله لم تعد تتسع للجمهور الذي يصطف في طوابير طويلة منذ ساعات مبكرة كل يوم. لهذا قررت إدارة «اللوفر»، المتحف الأكبر في العالم الذي يحتضن الهرم في ساحته الشرقية، البدء بتنفيذ مشروع ضخم لتسهيل مرور الزوار من دون اختناقات أو عقبات باتت متكررة.
وإذا انتقلنا إلى حديث الأرقام فإن الهرم، في تصميمه الأساس، كان مهيأ لأن يستقبل لوحده سنويا 4.5 مليون زائر كحد أقصى. لكن عدد زوار المتحف واصل التصاعد حتى بلغ 9.3 مليون زائر خلال العام الماضي، وهو مرشح لتجاوز الـ10 ملايين مع نهاية هذا العام وأن يزيد على 12 مليونا في العقد المقبل. أما كلفة المشروع الجديد فتصل إلى 12 مليون يورو، على أن ينتهي العمل به بعد 10 سنوات. هذا مع العلم أن العيب لا يكمن في التصور الشامل والمسبق لتشييد الهرم، بل كان للتطورات السياسية التي مر بها العالم، ولا يزال، دور في نشوء الاختناقات عند بوابات الدخول بسبب الاحتياطات الأمنية وتفادي العمليات الإرهابية التي تفرض تفتيش حقائب الزوار والزائرات.
يمكن وصف هرم «اللوفر» بأنه العمل الفني المذموم الذي عرف كيف يقلب أعداءه إلى أنصار ومحبين. فقد ثارت الاعتراضات ضده منذ 1980. يوم وقع ميتران أسير سحر المشروع الذي تقدم به المهندس الصيني، الأميركي الجنسية، ليو مينغ بي، من بين كل المشاريع التي تقدمت بها للمسابقة مكاتب عالمية للهندسة. فالرئيس الذي كان معروفا بثقافته الواسعة وعشقه للتاريخ، لا سيما الفرعوني، كان يحلم بأن يضيف إلى المتحف الشهير لمسة معمارية تجمع ما بين الأصالة والحداثة. أي لمسة يمكن أن تفي بالهدف أكثر من الشكل الهرمي المتوارث من الحضارة المصرية العريقة؟ وكيف تكون الحداثة إن لم تكن مغامرة عبقرية تسمح برؤية المبنى الحجري القديم والثقيل للمتحف الباريسي من خلال منشور زجاجي شفاف يوحي بالخفة؟
لم يعد هرم «اللوفر» بوابة معمارية جميلة بل تحول إلى قطعة فنية يقف الزوار لتأملها والتقاط الصور معها. ملاحظة لا تفوت جان لوك مارتينيز، رئيس المتحف ومديره العام. إن عددا كبيرا من الزوار يكتفي بإلقاء التحية على الهرم، من الخارج، ثم ينصرف من دون أن يكلف نفسه عناء الدخول إلى المتحف للسلام على «الموناليزا» وجيرانها. ولعل الانتظار الطويل هو السبب. حيث يصل أحيانا إلى 4 ساعات قبل اجتياز العتبة، تليها مرحلة الوقوف أمام نقاط بيع التذاكر. ومع انطلاق ورشة التجديد، يزداد ملل الزوار الذين لا يمتلكون نعمة الصبر. مع هذا فإن الأشغال لن تمس بهياكل البناء بل ستعيد تنظيم مكاتب الاستقبال والاستعلامات وتزيد من عدد المرافق الصحية وخزائن حفظ المعاطف والحقائب في المساحة الواقعة تحت قاعدة الهرم، أي طابقه الأرضي. إنها المنطقة الأكثر جاذبية إذ تتيح رؤية قمة الهرم من خلال قاعدته الشفافة التي لا تحجب سماء باريس.
يوم رسم المهندس الصيني هذا الهرم، فإنه أراده معبرا موحيا بين الخارج والداخل، بين ضجيج المدينة وهدوء آثار العصور القديمة. بين الانشغال بما هو يومي وتأمل ما لا يبلى مع الزمن.
لكن هذا الهدف يكاد يضيع بسبب الزحام الحالي للسياح. إن 3 أرباع الزوار هم من الأجانب. ولهذا فإن القائمين على المتحف يودون أن يكسبوا الفرنسيين، والباريسيين بالأخص، أي أولئك الذين يجاورونه وقد يمرون به كل يوم ولا يخطر على بالهم، أو لا تسمح لهم مشاغلهم، بالتمتع بمشاهدة ما وراء هذه الجدران المغلقة على أسرار الحضارات وتجليات الفنانين.
تطوير الهرم الزجاجي الذي جدد شباب «اللوفر»
السياح يهرعون إليه والباريسيون يمرون به مرور الكرام
تطوير الهرم الزجاجي الذي جدد شباب «اللوفر»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة