رغم الأزمة السورية المستمرة منذ 3 سنوات ونصف السنة والوضع الاقتصادي الصعب الذي يعيشه السوريون، فإن هناك الكثير من المفردات المتوارثة والتقاليد التي لا يمكن لهم أن يتخلّوا عنها، ولو أنّ الأزمة قلّصت من حجم الاحتفاء بهذه التقاليد ومن نسبة المدعوين والمحتفين بها. ومن هذه العادات الاحتفاء بمناسبات الخطوبة والأعراس واستقبال المولود وختانه وعودة الحجيج من الديار المقدسة، ولكل من هذه المناسبات لدى السوريين مظاهر احتفائية خاصة يجري خلالها توزيع أنواع من الحلويات الجافة على المدعوين، وهي حلويات محلية الصنع كالراحة والشوكولاته والملبس وغيرها، حيث توضع في صرر وعلب تحضّر هي الأخرى بشكل فني أنيق يتلاءم والمناسبة السعيدة، ولذلك تخصص أشخاص وورش يدوية سورية بتصميم هذه العلب والصرر بأشكالها المختلفة، ومن هؤلاء السوري إبراهيم قصاص (أبو يمان) الذي أوضح لـ«الشرق الأوسط» قائلا: «أعمل منذ 20 سنة في تصميم علب الأفراح والمناسبات الدينية والاجتماعية التي توضع فيها الشوكولاته والملبس والنوكا والراحة، وغيرها من ضيافة المناسبات، ومن المعروف أن كل مناسبة وحفلة لها علبها الخاصة بها، فلمناسبة الولادات نصمم علبا من الكرتون أو المعدن على شكل عربات أو من الكريستال، حيث توضع فيها نماذج تتناسب وجنس المولود، ذكرا أو أنثى، أو توأما، ونضع اسم المولود على العلب، وعادة تكون لها ألوانها الخاصة أيضا، فعلب التوأم تكون بلون الكيوي أو الأصفر أو باللونين معا، فيما اللون الزهري للمولودة الأنثى، والأزرق السماوي للذكر. وهي تقدم للمهنئين بالولادات، وتوضع هذه العلب في سلال الضيافة ذات التصاميم المختلفة أيضا، وسابقا كان العروسان يستخدمان نفس سلّة ضيافة العرس لمباركات الولادة، ولكن حاليا غاب هذا التقليد وصارت هناك سلال خاصة بالولادة، ومنها مثلا سلّة قلّابة متحركة توضع فيها الضيافة ويتناولها الضيف القادم للمباركة، وهي تتحرك بشكل تلقائي بحيث يكون في كل قسم منها نوع من الضيافة، كالشوكولاته والملبس والراحة والنوكا وغيرها، وتوضع على طاولة وسط صالون الاستقبال، بحيث يقوم الضيف بتناول ضيافته وحده دون تقديمها من صاحب المناسبة، وعادة علب الأفراح التي توزع يمكن للضيف أن يحتفظ بها للذكرى بعد أن يتناول ما بداخلها من ضيافة».
«لمناسبة الخطوبة (يتابع قصاص) علب خاصة تكون باللونين الفضّي والذهبي، وهذه نستخدمها في دمشق منذ 30 عاما، وعادة يكون توزيع علب الضيافة الفضية للمهنئين من الرجال، والذهبية للمهنئات من النساء، ويكون فيها مفردات الضيافة التقليدية مع خصوصية مناسبة الخطوبة والزفاف، حيث يضاف نوع من الحلوى الدمشقية الجافة خاصة بهاتين المناسبتين يدعى (المشبّك)، وتتميز بارتفاع ثمنها، والسبب أن ضيافة الخطوبة والعرس تكون ثمينة».
ولكن ما أعداد وأشكال النماذج المتاحة؟ يبتسم أبو يمان: «عدّدْ ولا حرج! فالعدد يتجاوز 500 نموذج بمقاسات وألوان مختلفة. قد يأتينا زبون ويقول لنا أريد نموذجا من خيالي، فننفذه له، وعادة يكون من الخشب أو الكرتون، وبعمل يدوي، مع تفنن بهذه النماذج، كاستخدام فن التخريق على الخشب، والموزاييك، وحفر اسمي العروسين على علب الضيافة، ولقب الأسرتين المتصاهرتين، وبالطبع كل علبة تربط بشريط له رمزيته أيضا من ناحية اللون، فالبعض يطلب أن يكون اللون هو لون فستان العروس كالخمري والأبيض مثلا، وتختلف بشكل بسيط علب أفراح الخطوبة عن العرس من ناحية الألوان والإكسسوارات التي نضعها على العلب، فعلب الخطوبة نضع خاتمين عليها مصنعين من البلاستيك يلصقان على غلاف العلبة أو على الوردة التي تزين سطح العلبة.
كذلك هناك علب خاصة بمناسبة الحج والعمرة، وهي توزع بمناسبة عودة الحاج أو المعتمر من الديار المقدسة، وتكون العلبة مصنعة من الخشب ومحفورا عليها صورة الكعبة المشرفة أو الحرم النبوي، ومكتوب عليها (تقبل الله) أو (حج مبرور وسعي مشكور) مع اسم الحاج، وأحيانا تكون من الكرتون ومكتوبا عليها هذه العبارات بخط جميل.
في مناسبات أعياد الميلاد نصمم سلالا لها إكسسوارات الميلاد والفصح، ولكل منها ألوانه الخاصة، فألوان مناسبة الفصح أصفر وبرتقالي والأبيض والكيوي متداخل بعضها مع بعض، بينما في عيد الميلاد يكون اللون أحمر بشكل رئيس.
الموالد لها ضيافتها التقليدية التراثية، وهي صرّة الملبس، ولكن في العصر الحالي طورناها قليلا فجرى صنع الصرة من الأوركنزا أو التول وعليها نجوم وورق أشجار وهي بلون فضي أو ذهبي».
«هناك نماذج من خيالنا (يوضح قصاص) مثل شكل سفينة من الفلّين وذات شكل فني جميل تصلح لحمل علب الضيافة لكل المناسبات الاجتماعية والدينية، ونموذج قطار خشبي ثابت لمناسبة الولادة، ويظل تحفة فنية بسيطة معروضة في غرفة الولد بالمنزل أو في صالون الاستقبال».
ولكن ما واقع هذه المهنة اليدوية واستمرار الأزمة والحرب؟ يجيب أبو يمان متنهدا: «حاليا يوجد نحو 10 ورش يدوية تعمل في دمشق فقط، والعدد تناقص بسبب الأزمة التي تعانيها البلاد وانخفاض عدد الزبائن وغياب بعض العادات أو اقتصارها على ضيافات محدودة، والبعض صار يطلب منّا مثلا أن يستأجر ليوم المباركة طبق الضيافة المرتفع الثمن مثل نموذج السفينة أو القطار وغيرها ويعيده في اليوم التالي، كما يفعلون مع ثوب العروس».
«ولكن مهما اشتدت الأزمة (يؤكد قصاص) فإنّ عادات الضيافة لا تتغير؛ كونها تحقق بهجة العريس والعروس والمواليد الجدد، ولكن قد ينخفض مثلا عدد المدعوين للمناسبات لتخفيف تكاليف ضيافة المناسبة».
9:32 دقيقه
علب الضيافة مهنة اشتهر بها السوريون
https://aawsat.com/home/article/194756
علب الضيافة مهنة اشتهر بها السوريون
الحرب والأزمة الاقتصادية حدت من استخدامها
أشكال ونماذج ضيافة من تصميم سوريين خاصة بمناسبة المولود الذكر
- دمشق: هشام عدرة
- دمشق: هشام عدرة
علب الضيافة مهنة اشتهر بها السوريون
أشكال ونماذج ضيافة من تصميم سوريين خاصة بمناسبة المولود الذكر
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة

