منطقة الأنديز بكاملها تغلي على نار احتجاجات السكان الأصليين

تعكس عميق الأزمات المتزامنة في فنزويلا والإكوادور والبيرو وكولومبيا وبوليفيا

احتجاجات السكان الأصليين تدخل يومها العاشر وترفض الحوار وتنادي بإسقاط الرئيس (أ.ف.ب)
احتجاجات السكان الأصليين تدخل يومها العاشر وترفض الحوار وتنادي بإسقاط الرئيس (أ.ف.ب)
TT

منطقة الأنديز بكاملها تغلي على نار احتجاجات السكان الأصليين

احتجاجات السكان الأصليين تدخل يومها العاشر وترفض الحوار وتنادي بإسقاط الرئيس (أ.ف.ب)
احتجاجات السكان الأصليين تدخل يومها العاشر وترفض الحوار وتنادي بإسقاط الرئيس (أ.ف.ب)

يتزامن التصعيد الذي تشهده الأزمة في الإكوادور مع أزمتين أخريين مفتوحتين منذ فترة في البيرو وبوليفيا، ما يجعل منطقة الأنديز بكاملها تغلي على نار الاحتجاجات التي تلعب مجموعات السكان الأصليين دوراً أساسياً فيها. هذه المنطقة التي تعودت منذ عقود على الأزمات والاضطرابات السياسية تشهد في هذه المرحلة دخول عنصر فاعل جديد على خط الصراعات الاجتماعية والسياسية، هم السكان الأصليون الذين ينشطون منذ سنوات ضمن حركات منظمة، ويشكلون في بعض الأحيان أكثر من نصف السكان، كما هو الحال في بوليفيا.
وبعد 10 أيام على اندلاع الاحتجاجات الشعبية الحاشدة في الإكوادور ضد الإجراءات التقشفية التي اتخذتها الحكومة، تجاوباً مع الشروط التي فرضها صندوق النقد الدولي للموافقة على قرض ميسّر بقيمة ٤.٥ مليار دولار، بدا واضحاً أن السكان الأصليين، الذين يقودون هذه الاحتجاجات، مصممون على مواصلة التصعيد حتى استقالة الحكومة، وتنحي رئيس الجمهورية لينين مورينو الذي أعلنت واشنطن أمس دعمها له، بعد أن أيدته 7 دول أميركية لاتينية، إضافة إلى إسبانيا والأمين العام لمنظمة البلدان الأميركية لويس ألماغرو.
كان رئيس الإكوادور قد كرر دعوته إلى الحوار مساء الجمعة، بعد المسيرة الحاشدة التي قادها السكان الأصليون نحو مبنى البرلمان في العاصمة كيتو، حيث وقعت مواجهات عنيفة مع قوات الشرطة، أسفرت عن وقوع عشرات الجرحى. وقال مورينو، عبر شريط فيديو على وسائل الاتصال: «لا بد من وضع حد لدوامة العنف، وإيجاد حلول للمشكلات التي تعاني منها البلاد، خصوصاً في الأرياف. أناشد قادة السكان الأصليين التجاوب مع دعوتي للحوار المباشر»، مضيفاً أن «البلاد تحتاج إلى الهدوء». ودعا قادة الاحتجاجات إلى مناقشة قرار الحكومة رفع دعم الوقود الذي دام 40 عاماً، والذي أثار موجة الاحتجاجات، وقال الرئيس: «دعونا نتحدث بشأن الجهة التي ستصل إليها هذه الموارد (التي سيتم توفيرها)، والتأكد من أنها ستذهب إلى الأكثر احتياجاً».
ورفض اتحاد السكان الأصليين (كوناي) مجدداً عرض المحادثات، وأكد موقفه الذي يطالب الحكومة بإعادة الدعم أولاً. وفي بيانه، قال إنه سيدخل فقط في مفاوضات مع لينين مورينو «بمجرد إلغاء مرسوم رفع الدعم عن الوقود». وشارك الآلاف من السكان الأصليين في مسيرة في العاصمة كيتو، مما أدى إلى اشتباكات عنيفة مع قوات الأمن، فيما دخلت موجة الاحتجاجات ضد تدابير التقشف الحكومية يومها التاسع. وأشعل المتظاهرون الحرائق، وألقوا الحجارة على شرطة مكافحة الشغب الذين أطلقوا بدورهم الغاز المسيل للدموع، وقاموا بحماية أنفسهم بالدروع. كما كرر رئيس «اتحاد القوميات الأصلية»، خايمي فارغاس، رفضه دعوة مورينو للحوار، ووصفها بالمهزلة، مؤكداً أن «المهمة الآن هي مواصلة الكفاح، وتجديد النشاط، والاستمرار في قطع الطرقات، والانتقال إلى احتلال مراكز المحافظات والمباني الرسمية».
وشدد فارغاس، مرة أخرى، في بيان صادر عن منظمته، أن «الحراك لن يتوقف حتى يخرج صندوق النقد الدولي من الإكوادور».
وكانت المظاهرات التي عمّت البلاد، أول من أمس (الجمعة)، قد شهدت انضمام مجموعات جديدة إليها، تشمل تنظيمات طلابية ونقابية موالية للرئيس السابق رافايل كوريا الذي يتهمه مورينو بالوقوف وراء الاحتجاجات وأعمال العنف والنهب والتخريب التي تكررت في المظاهرات الأخيرة.
وأعلن مورينو، في مقابلة تلفزيونية، أن جميع القرارات التي اتخذها في الأيام الأخيرة، مثل نقل العاصمة بصورة مؤقتة إلى مدينة غواياكيل الساحلية، ملحوظة في الدستور، مؤكداً أن «القسم الأكبر من الموارد التي ستوفرها التدابير الاقتصادية التي اتخذتها الحكومة مؤخراً سوف يخصص للقطاعات الأكثر احتياجاً ولإخوتنا السكان الأصليين».
كانت قيادات السكان الأصليين قد أعربت عن استيائها الشديد من إعلان مورينو، يوم الأربعاء الماضي، عن تشكيل طاولة للحوار، برعاية الأمم المتحدة والكنيسة الكاثوليكية، قبل موافقة المنظمات التي دعت إلى الاحتجاج. وتجدر الإشارة أن مجموعات السكان الأصليين كان لها الدور الحاسم في إسقاط 3 من الرؤساء السابقين، هم: عبد الله بو كرم وجميل معوض في تسعينات القرن الماضي، ولوسيو غوتيريس عام 2005.
ويحاول مورينو منذ بداية الاحتجاجات إلقاء اللوم على الرئيس السابق رافايل كوريا، الذي كان حليفه في الانتخابات السابقة، وكان نظامه إحدى الدعامات الإقليمية الرئيسية لنظام مادورو في فنزويلا، التي يتهمها مورينو أيضاً بالمشاركة في تحريك الاحتجاجات عبر عملائها. لكن اتحاد القوميات الأصلية رفض، في بيان أصدره أول من أمس (الجمعة) ما سماه «الانتهازية المفضوحة للرئيس السابق الذي حاربنا نظامه طوال 10 سنوات، واغتال كثيراً من رفاقنا، وهو يحاول اليوم استغلال حركتنا النضالية».
ويعكس هذا الموقف أن الأزمة التي تعيشها الإكوادور اليوم هي أكثر تعقيداً من مجرد مواجهة عقائدية بين طرفين كانا ينتميان إلى المشروع السياسي نفسه، وأصبحا اليوم على طرفَي نقيض. ويتابع المراقبون في منظمة البلدان الأميركية بقلق عميق تطورات الأزمات المتزامنة في الإكوادور والبيرو وكولومبيا وبوليفيا، حيث من المقرر أن تجري انتخابات عامة ورئاسية نهاية الأسبوع المقبل، يترشح فيها «إيفو موراليس» لتجديد ولايته للمرة الرابعة. وتجدر الإشارة إلى أن نظام موراليس هو الأخير فيما كان يسمى «المحور البوليفاري» في المنطقة، الذي تشكل بدفع وتمويل من الرئيس الفنزويلي السابق هوغو تشافيز.



أورتيغا وزوجته يشددان قبضتهما على نيكاراغوا

دانيال أورتيغا يحيي أنصاره في الذكرى الـ43 للثورة الساندينستا في 19 يوليو الماضي (رويترز)
دانيال أورتيغا يحيي أنصاره في الذكرى الـ43 للثورة الساندينستا في 19 يوليو الماضي (رويترز)
TT

أورتيغا وزوجته يشددان قبضتهما على نيكاراغوا

دانيال أورتيغا يحيي أنصاره في الذكرى الـ43 للثورة الساندينستا في 19 يوليو الماضي (رويترز)
دانيال أورتيغا يحيي أنصاره في الذكرى الـ43 للثورة الساندينستا في 19 يوليو الماضي (رويترز)

في إطار سعيهما لتعزيز قبضتهما على السلطة، يهاجم رئيس نيكاراغوا دانيال أورتيغا ونائبته وزوجته روزاريو موريو الكنيسة الكاثوليكية، بعدما عملا على سجن أو نفي شخصيات معارضة.
بدأ المقاتل السابق في جبهة التحرير الوطني الساندينية، بدعم قوي من زوجته، بالتأسيس لاستمرارية في السلطة منذ عودته إليها في عام 2007. وسمحت تعديلات دستورية في العامين 2011 و2014 برفع الحظر المفروض على إعادة انتخاب الرئيس، الذي كان منصوصاً عليه سابقاً في الدستور، حسبما تقول عالمة الاجتماع إلفيرا كوادرا التي تعيش في المنفى في كوستاريكا.
وتشير كودارا لوكالة «الصحافة الفرنسية» إلى أن أورتيغا (76 عاماً) «حوّل بذلك شكل الحكومة التي نصّ عليها الدستور» من أجل الانتقال إلى نظام «استبدادي» يضع «صنع القرار المطلق في أيدي الثنائي الرئاسي».
ومنذ القمع الدامي لاحتجاجات عام 2018 التي كانت تُطالب باستقالة الزوجيْن، تمرّ نيكاراغاوا بـ«أزمة مطوّلة لا يمكن تخطّيها» لأن أورتيغا وزوجته «أكّدا استمراريتهما في السلطة خلال انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) 2021. ومن خلال مأسسة الدولة البوليسية».
وأُعيد انتخاب أورتيغا لولاية رابعة على التوالي خلال انتخابات غاب عنها جميع منافسيه الأقوياء المحتملين، بسبب اعتقالهم أو إرغامهم على العيش في المنفى.
ولطالما دان المجتمع الدولي أفعال النظام في نيكاراغوا. وطالبت منظمة الدول الأميركية، أول من أمس الجمعة، الحكومة في نيكاراغوا بوقف «المضايقات والقيود التعسّفية» بحق المنظمات غير الحكومية ووسائل الإعلام والمنظمات الدينية والمعارضين. وطالبت أيضاً بـ«الإفراج الفوري عن السجناء السياسيين الذين يُقدّر عددهم بنحو 190».
ويعتبر المحلل والنائب السابق في نيكاراغوا إيليسيو نونييز، الذي يعيش هو أيضاً في المنفى، أن جبهة التحرير الوطني الساندينية «تنتقل من موقع الحزب المهيمن إلى موقع الحزب الواحد (...) مع خلق عبادة شخصية لا مثيل لها حالياً في أميركا اللاتينية».
ومنذ عام، تمّ اعتقال 46 معارضاً أو مجرد منتقد للحكومة وحُكم عليهم بالسجن لفترات تصل إلى 13 عاماً. وكان سبعة منهم يريدون الترشّح إلى الرئاسة.
- قمع الإعلام
وكانت وسائل الإعلام أيضاً من الأهداف الأولى للسلطة.
لم تعد صحيفة «لا برينسا» La Prensa، التي كانت تنشر نسخة ورقية، موجودة إلّا على الإنترنت، بعدما اختار صحافيوها المنفى خوفاً من الاعتقال، وذلك عقب مصادرة مقرّها وزجّ مديرها لورينزو هولمان بالسجن.
وأغلقت السلطات أيضاً المحطة التلفزيونية التابعة للكنيسة الكاثوليكية في نيكاراغوا، بالإضافة إلى عدة إذاعات في أبرشيات مختلفة، وعشرات وسائل الإعلام المستقلة.
في 15 أكتوبر (تشرين الأول) 2020. أصدرت نيكاراغوا تشريعاً يستهدف الذين يتلقون أموالاً من الخارج ويفرض تسجيلهم لدى السلطات بصفة «عملاء أجانب». وأثار هذا القانون انتقادات المجتمع الدولي لما يشكله من خطر على الصحافيين ونشطاء حقوق الإنسان.
وبموجب هذا القانون، اعتبرت أكثر من ألف مؤسسة ومنظمة غير حكومية كان بعضها يكرّس عمله للدفاع عن حقوق الإنسان، غير قانونية. وأغلقت جامعات خاصة ومنظمات ثقافية بين عشية وضحاها.
في يوليو (تموز) اضطرت راهبات مجمّع الإرساليات الخيرية الذي أسسته الأم تيريزا، إلى الرحيل من نيكاراغوا، وطُردن كأنّهن «منبوذات»، حسبما قال مركز نيكاراغوا للدفاع عن حقوق الإنسان.
- «كنيسة صامتة»
وتُظهر الكنيسة الكاثوليكية نفسها على أنها آخر معقل يحمي من الإجراءات التعسّفية. لكن الموالين للحكومة يعتبرون الكهنة والأساقفة الذين ينتقدون النظام «أنبياء مزيّفين».
ومنعت الشرطة أسقف ماتاغالبا (شمال شرق) المونسنيور رولاندو ألفاريز من التنقّل، منذ 4 أغسطس (آب)، مما يعكس ذروة الأزمة مع نظام يسعى إلى إسكات رجال الدين في الكنيسة الكاثوليكية المحلية لقمع أصوات المعارضة.
وقال ألفاريز في إحدى عظاته: «لطالما أرادت الحكومة كنيسة صامتة، لا تريدنا أن نتكلّم وأن نندّد بالظلم».