الجامعة العربية تطالب تركيا بالانسحاب الفوري من كافة الأراضي السورية

النظر في اتخاذ إجراءات عاجلة لمواجهة «العدوان»... والجبير يعتبره «تعدياً سافراً على وحدة واستقلال سوريا»

جانب من الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب في القاهرة (أ.ف.ب)
جانب من الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب في القاهرة (أ.ف.ب)
TT

الجامعة العربية تطالب تركيا بالانسحاب الفوري من كافة الأراضي السورية

جانب من الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب في القاهرة (أ.ف.ب)
جانب من الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب في القاهرة (أ.ف.ب)

قرر مجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية، اليوم (السبت)، النظر في اتخاذ إجراءات عاجلة لمواجهة «العدوان التركي» على سوريا بما في ذلك خفض العلاقات الدبلوماسية ووقف التعاون العسكري ومراجعة مستوى العلاقات الاقتصادية والثقافية والسياحية مع تركيا.
وأدان المجلس - في بيان أصدره في ختام أعمال اجتماعه الطارئ بمقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية بالقاهرة- العدوان التركي على الأراضي السورية باعتباره خرقاً واضحاً لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن التي تدعو إلى الحفاظ على وحدة واستقلال سوريا.
واعتبر المجلس العدوان التركي تهديداً مباشراً للأمن القومي العربي وللأمن والسلم الدوليين، مؤكداً على أن كل جهد سوري للتصدي لهذا العدوان والدفاع عن الأراضي السورية هو تطبيق للحق الأصيل لمبدأ الدفاع الشرعي عن النفس وفقاً للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة.
وطالب المجلس في بيانه تركيا بوقف العدوان والانسحاب الفوري وغير المشروط من كافة الأراضي السورية، مشدداً على أن هذا العدوان على سوريا يمثل الحلقة الأحدث من التدخلات التركية والاعتداءات المتكررة وغير المقبولة على سيادة دول أعضاء في جامعة الدول العربية.
كما طالب باتخاذ ما يلزم من تدابير لوقف العدوان التركي والانسحاب من الأراضي السورية، وحث كافة أعضاء المجتمع الدولي على التحرك في هذا السياق، مع العمل على منع تركيا من الحصول على أي دعم عسكري أو معلوماتي يساعدها في عدوانها على الأراضي السورية.
وأكد مجلس الجامعة الرفض القاطع لأي محاولة تركية لفرض تغييرات ديموغرافية في سوريا عن طريق «استخدام القوة في إطار ما يسمى بالمنطقة العازلة»، باعتبار أن ذلك يمثل خرقاً للقانون الدولي ويدخل في مصاف الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب التي تستوجب الملاحقة والمحاسبة القضائية الدولية لمرتكبيها، ويشكل تهديداً خطيراً لوحدة سوريا واستقلال أراضيها وتماسك نسيجها الاجتماعي.
وجدد المجلس التأكيد على مسئولية المجتمع الدولي لاتخاذ كافة الإجراءات الكفيلة بوقف تلك المحاولات وفرض التزام تركيا بقواعد القانون الدولي الإنساني، وحمل تركيا المسئولية كاملة عن أي تداعيات لعدوانها على تفشي الإرهاب أو عودة التنظيمات الإرهابية، بما فيها تنظيم «داعش»، لممارسة نشاطها في المنطقة.
وكلف المجلس الأمين العام لجامعة الدول العربية بإجراء اتصالات مع سكرتير عام الأمم المتحدة لنقل مضمون قرار مجلس الجامعة وتوزيعه على أعضاء الأمم المتحدة كوثيقة رسمية، والنظر في ترتيب زيارة لوفد وزاري عربي إلى مجلس الأمن لمتابعة الأمر والعمل على وقف العدوان التركي على الأراضي السورية.
وجدد المجلس التأكيد على وحدة واستقلال سوريا والتشديد على أهمية البدء الفوري في المفاوضات السياسية تحت رعاية الأمم المتحدة، خاصة في إطار اللجنة الدستورية التي أُعلن عن إنشائها مؤخراً، لتطبيق العناصر الواردة في قرار مجلس الأمن رقم 2254 والتوصل لتسوية سياسية للأزمة السورية وإنهاء معاناة أبناء الشعب السوري.
وقرر المجلس الموافقة على إدراج بند «التدخلات التركية في الدول العربية» كبند دائم على جدول أعمال مجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري، وتشكيل لجنة لمتابعة الأمر.
وانطلقت اليوم (السبت) بمقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية بالقاهرة أعمال الاجتماع الطارئ لمجلس الجامعة على مستوى وزراء الخارجية برئاسة وزير خارجية العراق محمد علي الحكيم وحضور الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط لبحث «العدوان التركي» على الأراضي السورية.
وقال الأمين العام للجامعة العربية في مستهل الاجتماع إن العملية العسكرية التركية في شمال شرقي سوريا «غزو لأراضي دولة عربية وعدوان على سيادتها».
من جانبه، أكد وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية، عادل الجبير، أن العمليات العسكرية التركية في شمال شرق سوريا بالغة الخطورة، وتشكّل اعتداء على قواعد القانون الدولي والإنساني.
وجدد الجبير في كلمته أمام الدورة غير العادية لاجتماع مجلس الجامعة العربية على المستوى الوزاري إدانة المملكة العربية السعودية لهذا العدوان الذي يشكّل تعد سافر على وحدة واستقلال وسيادة الأراضي السورية، داعياً المجتمع الدولي إلى الاضطلاع بمسؤولياته نحو مضاعفة الجهود الهادفة إلى الوقف الفوري للعمليات العسكرية في شمال شرق سوريا بوصفها تمثل انتهاكاً لسيادة سوريا وتهديداً للأمن والسلم الإقليمي.
وقال وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية إنه «بغض النظر عن الذرائع التي تسوقها تركيا، فإن خطورة هذا العدوان ينعكس سلباً على أمن المنطقة واستقرارها، كما أن من شأنه تقويض الجهود الدولية القائمة في مكافحة إرهاب تنظيم داعش في تلك المناطق، علاوة على ما يشكله هذا الاعتداء من خطورة على تعميق المآسي الإنسانية للشعب السوري».
وشدد الجبير على وقوف المملكة العربية السعودية إلى جانب الشعب السوري الشقيق، وعلى موقفها الداعي إلى الحفاظ على استقلال وسيادة سوريا، في ظل وحدتها الوطنية وسلامتها الإقليمية، منوّهاً إلى دعم المملكة للحل السياسي للأزمة السورية استناداً إلى إعلان جنيف (1) وقرار مجلس الأمن رقم (2254)، مع ضرورة تهيئة الأجواء للحل السياسي بما في ذلك خروج كافة الميليشيات المسلحة الأجنبية من سوريا.
وبيّن أنه «في سياق دعم الحل السياسي للأزمة السورية، فقد رحبت المملكة بإنشاء اللجنة الدستورية في سوريا، وستستمر في دعمها لكافة الجهود السياسية الأممية الرامية إلى حل الأزمة السورية سلمياً وفقاً للمبادئ والقرارات المُتفق عليها».
بدوره، أكد وزير الخارجية المصري سامح شكري أن المنطقة تشهد فصلاً جديداً من فصول عدوان تركيا على سوريا، مشيراً إلى أن تركيا تسعى لتنفيذ سياسات تنتمي لعهد قد ولى بلا رجعة، وتحاول الخروج من أزمتها الداخلية عبر العدوان على سوريا.
وقال شكري خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب الطارئ، إن «العدوان التركي على الأراضي السورية يحاول التخفي وراء ستار محاربة الإرهاب، وفي ذلك ما يثير السخرية والاستغراب في آن واحد في ظل الدلائل القاطعة التي تشير إلى مسؤولية تركيا وقيادتها عن دعم المنظمات الإرهابية بالمنطقة واحتضانها لكيانات وشخصيات ثبتت صلتها بالإرهاب وتسهيلها لانتقال المقاتلين الإرهابين بمختلف أنحاء المنطقة العربية».
وأضاف «من ثم، فإن الادعاءات التركية التي تحاول تبرير هذا العدوان السافر على سوريا بوصفه موجهاً ضد الإرهاب لا تؤكد أي شئ إلا تهافت منطق النظام التركي الذي يحاول خلط الأوراق ويريد التعمية على احتضانه للإرهاب ورعايته للمنظمات الإرهابية ضد دول المنطقة وشعوبها».
وشدد وزير الخارجية المصري على أن النظام التركي يحاول الخروج من أزمته الراهنة بالاندفاع في سياسته العدوانية ومحاولة اقتطاع نفوذ في سوريا وإجراء تغييرات ديموغرافية في سوريا، الأمر الذي يرتقي للحرب والجرائم ضد الإنسانية.
وأكد شكري إدانة مصر لهذا العدوان الذي لا يمكن النظر إليه سوى باعتباره اعتداء غير مقبول على أراض عربية لبلد عربي شقيق. وذكر بموقف مصر الثابت الداعم لاستقرار كل البلدان العربية، ورفض أي عدوان على أي دولة عربية. كما شدد على رفض مصر الكامل للتدخلات الإقليمية الهادفة لزعزعة الاستقرار الإقليمي.
فيما طالب وزير الدولة للشؤون الخارجية في الإمارات، أنور قرقاش، بوقف العدوان التركي، وطالب بخروج تركيا وقواتها وكل القوات الأجنبية من سوريا، قائلاً إن الإمارات تدعو المجتمع الدولي للاضطلاع بمسؤولياته لوقف الهجوم التركي على سوريا.
وأعلن أيمن الصفدي وزير خارجية الأردن رفض بلاده وإدانتها أي عدوان على سوريا وأي تهديد لوحدة أراضيها وأمنها، وطالب تركيا الوقف الفوري للهجوم على الشمال السوري، مطالباً أن يكون المسار السياسي هو السبيل الوحيد لحل الأزمة السورية.
وقال الصفدي «علينا تفعيل الدور العربي الجماعي للتوصل إلى حل سياسي ينهي هذه المأساة التي يبقى الشعب السوري ضحيتها الأولى».
وأدان رئيس الجلسة وزير الخارجية العراقي محمد علي الحكيم الهجوم التركي على سوريا، وطالب الجامعة بإعادة عضوية سوريا فيها.
ويعقد الاجتماع بناء على طلب مصر الذي يترأس وفدها وزير الخارجية سامح شكري، وتأييد عدة دول عربية وبالتشاور مع وزير خارجية العراق رئيس مجلس الجامعة على المستوى الوزاري في دورته الحالية.
ويشارك في الجلسة وزراء خارجية مصر والسعودية والإمارات والبحرين وتونس ولبنان والكويت والأردن وموريتانيا، فيما مثل المندوب الدائم لكل من قطر والسودان وفلسطين بلادهم في الاجتماع، ومثل الجزائر أمين عام الشؤون الخارجية.
وقُبيل انطلاق الاجتماع الوزاري الطارئ، أكد وزير الخارجية المصري خلال استقباله وفداً من «مجلس سوريا الديمقراطية»‫ أن مصر تولي أهمية كبيرة لوحدة سوريا وشعبها وسلامتها الإقليمية وتحرص دائما على العمل على صيانة ذلك، كما تقف على مسافة واحدة من جميع مكونات الشعب السوري.
وصرح المتحدث باسم وزارة الخارجية بأن أعضاء الوفد أطلعوا شكري على تطورات الأوضاع الميدانية المتصلة بالعدوان التركي على سوريا. كما استعرضوا مجمل التأثيرات الخطيرة والتحديات ذات الصلة فضلاً عما يرتبط بذلك من عواقب إنسانية جسيمة على الأرض وموجات النزوح الجماعية بالإضافة إلى التبعات السلبية للعدوان التركي على مسار محاربة تنظيم «داعش» في سوريا والمنطقة.
وأعرب شكري للوفد عن إدانة مصر للعدوان التركي على سوريا واعتباره احتلالاً لأراضي بلد عربي شقيق، مؤكداً على أن مقاومته تُعد «حقاً شرعياً» للدفاع عن النفس بموجب المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة.


مقالات ذات صلة

أبو الغيط يحذر من مغبة القانون الإسرائيلي بحظر «الأونروا»

العالم العربي الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط (أ.ف.ب)

أبو الغيط يحذر من مغبة القانون الإسرائيلي بحظر «الأونروا»

وجَّه الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط، اليوم (الخميس)، رسالتين يحذر فيهما من مغبة القانون الإسرائيلي بشأن حظر نشاط «الأونروا».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الخليج الأمير عبد العزيز بن سعود خلال إلقائه كلمته في الحفل السنوي لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية (واس)

اتفاقية تعاون سعودية ـ مغربية متعددة المجالات

أبرمت السعودية والمغرب اتفاقية للتعاون في عدد من المجالات التي تجمع وزارتي «الداخلية السعودية» و«العدل المغربية».

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الخليج القادة أمام القمة: مستقبل المنطقة والعالم على مفترق طرق

القادة أمام القمة: مستقبل المنطقة والعالم على مفترق طرق

أجمع عدد من قادة الدول العربية والإسلامية على رفض حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، واستمرار العدوان على لبنان.

عبد الهادي حبتور (الرياض )
خاص أكد حسين في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن القمة العربية والإسلامية تعقد لدعم الشعبين الفلسطيني واللبناني (تصوير: بشير صالح) play-circle 01:10

خاص وزير الخارجية العراقي لـ«الشرق الأوسط»: مخاوف توسع الصراع مازالت كبيرة

قال وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين لـ«الشرق الأوسط» إن مخاطر توسع رقعة الصراع في المنطقة ما زالت كبيرة؛ بسبب استمرار الحرب على غزة ولبنان.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
الخليج جانب من الجلسة الافتتاحية للقمة العربية الإسلامية في الرياض العام الماضي (واس)

خلال عام... قمة الرياض توحّد الموقف العربي والإسلامي لدعم غزة

استطاعت القمة العربية الإسلامية التي عُقدت في الرياض العام الماضي، بدعوة من السعودية، وضع قضية غزة في صدارة الاهتمام العربي والإسلامي

عبد الهادي حبتور (الرياض)

تقلبات المناخ تهدد الأمن الغذائي في اليمن

الجفاف واضطرابات المناخ يضربان الأراضي الزراعية ويتسببان في خسائر كبيرة للمزارعين اليمنيين (رويترز)
الجفاف واضطرابات المناخ يضربان الأراضي الزراعية ويتسببان في خسائر كبيرة للمزارعين اليمنيين (رويترز)
TT

تقلبات المناخ تهدد الأمن الغذائي في اليمن

الجفاف واضطرابات المناخ يضربان الأراضي الزراعية ويتسببان في خسائر كبيرة للمزارعين اليمنيين (رويترز)
الجفاف واضطرابات المناخ يضربان الأراضي الزراعية ويتسببان في خسائر كبيرة للمزارعين اليمنيين (رويترز)

يشتكي غالبية مزارعي الحبوب في اليمن من تراجع إنتاجهم سنوياً بسبب تقلبات المناخ وتغير مواسم الأمطار وما تسببه غزارتها غير المتوقعة من جرف للتربة وتخريب للأراضي، وهو ما يتسبب لاحقاً في الإضرار بأمنهم الغذائي خلال الأشهر المقبلة التي تدخل فيها البلاد حالة من الجفاف الموسمي.

وينتهي، منتصف الخريف، موسم زراعة الحبوب في غالبية أنحاء اليمن، بالتزامن مع انخفاض درجات الحرارة وانقطاع الأمطار الموسمية ودخول البلاد في حالة من الجفاف، ويبدأ المزارعون حصر إنتاجهم من الحبوب وتخزينها للاستهلاك، كما يتم تخزين الزرع كأعلاف للمواشي التي تعاني من جفاف المراعي وشح الحشائش والأعشاب التي تتغذى عليها.

وبقدر ما يشعر المزارعون بالفرح خلال فترة جمع محصول موسم زراعة الحبوب، التي تشهد احتفاليات متوارثة تتعدد فيها الأغاني والأهازيج، يخالطهم شعور بالحزن بسبب اضطرارهم لانتظار موسم الأمطار المقبل لأشهر طويلة، وأملهم بهطول أمطار شتوية تساعدهم في زراعة أنواع أخرى من الحبوب.

امرأتان يمنيتان في محافظة تعز تنقلان العلف لتخزينه كغذاء للمواشي بعد انتهاء موسم الحصاد وبدء مواسم الجفاف (البنك الدولي)

يقول سعيد محمد، وهو مزارع مخضرم في مديرية الشمايتين جنوب محافظة تعز (جنوب غرب) إن فصلي الخريف والشتاء يشهدان في الغالب تراجعاً كبيراً في الإنتاج الزراعي، لكن بعض الأعوام قد تشهد سقوط أمطار خفيفة تساعد بعض المزارعين في إنتاج كميات محدودة من حبوب مختلفة عن تلك التي أنتجوها خلال الموسم السابق.

ويوضح المزارع السبعيني في رسالة نقلها لـ«الشرق الأوسط» أحد أبنائه، بسبب عدم خبرته في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، أن بعض المزارعين يحتاطون لمواسم الجفاف بتجميع مياه السيول في خزانات مبنية من الحجارة والأسمنت لزراعة أنواع من الخضراوات، بينما ينتظر آخرون هطول الأمطار الشتوية الخفيفة، وهي نادرة ويقضي المزارعون شتاءهم في انتظارها.

الأمل بأمطار الشتاء

ينتج المزارعون خلال موسم الأمطار الصيفية الذرة الشامية والذرة الرفيعة بأنواعها ومن البقوليات اللوبياء، أما في الشتاء فيكتفون بالذرة الشامية والشعير والعدس والخضراوات.

لكن المزارع حسين أحمد، من مديرية القبيطة التابعة لمحافظة لحج (جنوب)، يشير إلى أن أمطار الشتاء عادة ما تكون وخيمة على المزارعين، خصوصاً مالكي المواشي التي قد تعاني لأسابيع وأشهر طويلة من الجوع وانقطاعها عن المرعى، واعتمادها على ما جرى تخزينه من أعلاف.

مزروعات حبوب يبست في انتظار الأمطار بسبب عدم خبرة المزارعين اليمنيين بتغير مواسم الأمطار (غيتي)

ويبين أحمد، لـ«الشرق الأوسط» أن الأمطار الشتوية تأتي خفيفة وعلى مدى أيام طويلة متصلة مصحوبة بانتشار ضباب كثيف، خصوصاً في المرتفعات الجبلية، ويمنع المزارعون من استخدام الأراضي بشكل جيد، بينما لا تتمكن المواشي من مغادرة مأواها بسبب هذه الأمطار.

إلا أنه، وبعد انقشاع الضباب وتوقف الأمطار، تعود الحياة إلى المراعي التي تعود الحشائش للنمو فيها، وهو ما يفيد المزارعين في الحصول على المزيد من الألبان ومنتجاتها.

وتساهم أمطار الشتاء، على ندرتها، في زيادة المياه الجوفية بفضل هطولها البطيء والطويل مما يساهم في تغلغلها داخل طبقات الأرض وفقاً للخبراء الجيولوجيين، كما تعمل على تحسين جودة الإنتاج الحيواني.

وتراجعت المساحة التي تحتلها زراعة الحبوب في اليمن من أكثر من 585 ألف هكتار قبل الحرب الدائرة في البلاد منذ عام 2014، إلى أقل من 529 ألف هكتار بحسب بعض البيانات والتقديرات عن هيئات حكومية وأخرى تحت سيطرة الجماعة الحوثية، أي بما يزيد على 56 ألف هكتار، من إجمالي المساحة المحصولية المقدرة بـمليون و 124 ألف هكتار.

استثمار بلا ضمانات

يستمر موسم زراعة الحبوب أكثر من 5 أشهر، ويبدأ غالباً منتصف مايو (أيار) الذي يشهد إلقاء البذور في التربة، لينتهي في أواخر أكتوبر (تشرين الأول) وبدايات نوفمبر (تشرين الثاني) بحصد السنابل، ثم نزع الزرع.

مزارع يمني يحصّل منتوجاً قليلاً من قصب السكر الذي يزرع على نحو محدود في البلاد (رويترز)

ويرى الخبير الزراعي محمد سيف ثابت أن أوضاع المزارعين في السنوات الأخيرة تتشابه في جميع الفصول، خصوصاً مع تبدل مواسم الأمطار الصيفية وتغير مواقيتها، ما يصعِّب عليهم تحديدها أو توقعها، إلى جانب التغير الكبير في كمياتها وما تتسبب به من جرف للتربة وتخريب للأراضي.

ويقول ثابت في إيضاحاته لـ«الشرق الأوسط» إن ما يعاني منه المزارعون في الصيف خلال الأعوام الأخيرة، يشبه إلى حد كبير ما يمرون به في الشتاء، حيث يلجأ الكثير منهم إلى بذل جهد كبير وإنفاق أموال في تسوية الأرض ودفن البذور متوقعاً هطول الأمطار. إلا أن تلك البذور قد تتحلل قبل هطول الأمطار، أو تنبش الطيور التربة لتناولها، وهو ما يدفع بعضهم إلى دفن بديل عنها. أما إذا هطلت الأمطار ولم تنبت تلك البذور بسبب تحللها أو نبشها من قبل الطيور، فإنه يستحيل على المزارعين إعادة التجربة قبل أن تعود التربة إلى الجفاف مرة أخرى.

الذرة الرفيعة من أكثر أنواع الحبوب التي يفضلها المزارعون اليمنيون لسهولة الحصول على منتوج وفير منها (إكس)

وأبدى مصدر في وزارة الزراعة اليمنية انزعاجه من لجوء غالبية المزارعين إلى حصد سنابل الحبوب قبل نضجها وتناولها بعد شيها أو سلقها بوصفها وجبات إضافية، فيما يُعرف محلياً بـ«الجهيش»، وهو ما يتسبب في إهلاك الكثير من المحصول والإضرار بالأمن الغذائي للمزارعين خلال الأشهر اللاحقة.

وتابع المصدر الذي فضل عدم ذكر اسمه، أن هذه العادة المتوارثة أصبحت غاية لغالبية المزارعين، لكن الفارق أن المزارعين في السابق، قبل عشرات وربما مئات السنين،كانوا يعتمدون على «الجهيش» بوصفها وجبات أساسية، إلى جانب قلة استهلاكهم لها، في الوقت نفسه الذي يملكون فيه كميات من ناتج الحبوب يغطي موسم الجفاف.

أما في الوقت الراهن؛ فإن غالبية المزارعين يكتفون بالحصول على «الجهيش» ولا يقومون بتخزين سوى كميات قليلة من الحبوب.