«كما طائر الفينيق»... رسالة أمل مع فن الغرافيتي بأنامل «أشكمان»

يحلق على ارتفاع 30 متراً على جدار عمارة في بيروت

«أشكمان» يوقع اللوحة الغرافيتية «كما طير الفينيق» على عمارة في الأشرفية
«أشكمان» يوقع اللوحة الغرافيتية «كما طير الفينيق» على عمارة في الأشرفية
TT

«كما طائر الفينيق»... رسالة أمل مع فن الغرافيتي بأنامل «أشكمان»

«أشكمان» يوقع اللوحة الغرافيتية «كما طير الفينيق» على عمارة في الأشرفية
«أشكمان» يوقع اللوحة الغرافيتية «كما طير الفينيق» على عمارة في الأشرفية

على جدار مبنى بيروتي يقع في منطقة الرميل في الأشرفية ترتفع لوحة الغرافيتي «كما طائر الفينيق» الموقعة بأنامل الثنائي «أشكمان».
هذا الرسم الذي أزاحت الستارة عنه جمعية YES في الشارع المذكور، جاء بمثابة رسالة إيجابية أراد توجيهها الأخوان عمر ومحمد قباني للشباب اللبناني. يقف وراء هذه المبادرة النائب نقولا صحناوي، الذي شارك في حفل تدشين اللوحة بحضور محافظ بيروت القاضي زياد شبيب. ويعلّق صحناوي في المناسبة قائلاً «إنه نموذج صغير عما نستطيع فعله، فشارع الرميل كان منكوباً بسبب الأزمات الاقتصادية، وتراجعت أوضاعه، فأردنا أن نبدأ من هنا لتحسين الأوضاع، وستنسحب المشاريع على كل شوارع الدائرة الأولى لتحسين كل المنطقة».
وتمثل اللوحة أسطورة طائر الفينيق الذي ينبعث من تحت الرماد فيحثّ على النهوض والسير إلى الأمام مهما بلغت الظروف من صعوبة. وقد رسمها الثنائي الفني المذكور بألوان زاهية (أحمر وأصفر وبرتقالي)، على خلفية رمادية بعد أن زُخرفت بخطوط وأحرف عربية ترمز إلى لوحات «أشكمان» المعروف بها. أما قصة هذه اللوحة فتعود إلى النائب نقولا صحناوي الذي طلب من الأخوين قباني رسم لوحة غرافيتي على جدار عمارة تقع في منطقة الرميل التي يمثلها في المجلس النيابي. وهي تأتي من ضمن حلة جديدة ترتديها العمارات في تلك المنطقة إثر ورشة تجديد وترميم لشوارعها وبناياتها تشهدها حالياً.
«الفكرة راودتنا لانشغالنا مؤخراً بأزمات متنوعة يتخبط بها لبنان». يقول عمر قباني من فريق «أشكمان» لفنون الغرافيتي. ويضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «قررنا أن تحمل كمّاً كبيراً من الإيجابية، وفسحة أمل نحتاج إليها في هذا الوقت. ومن يشاهدها من أشخاص يمرون بقربها ومن شرائح اجتماعية مختلفة سيتأملونها بدقة ويستمتعون بكمية التفاؤل التي تنقلها إليهم بصورة لاشعورية».
وتبدو الرسمة لطائر الفينيق بحجم ضخم تغطي مساحة جدار لعمارة مؤلفة من خمسة طوابق. فيخيل لناظرها بأن الطائر حطّ لتوّه عليها فارشاً جناحيه الملونين والمزخرفين بأحرف عربية وقد وثّقت عيناه بعلامة التشكيل «الشدّة» والملونة بالأبيض لتبدو ثاقبة وصاحبة عزيمة صلبة. «إن اللوحة نفّذت بالفعل لتحمل كل إشارات القوة والعزم وللدلالة على ضرورة النهوض بإصرار المحارب الذي لا يتعب. فلقد مرت بلادنا بأزمات وحروب كثيرة وبقي شعبها متشبثاً بالأمل على الرغم من كل شيء، وهذه هي الرسالة الأساسية التي نطمح إليها من هذا الرسم». يوضح عمر قباني في سياق حديثه لـ«الشرق الأوسط».
والمعروف أن الثنائي «أشكمان» سبق وزيّنا عدداً من عمارات بيروت بلوحات من الغرافيتي، وبينها واحدة لفيروز وأخرى للراحلين صباح ووديع الصافي. أمّا أشهر لوحاتهما فتعود للشخصية الكرتونية «غريندايزر» التي اتبعاها عنواناً لمواضيع لوحاتهم المنفذّة في لبنان وخارجه.
ويعدّ فن الغرافيتي من الفنون الرائجة والمزدهرة حالياً في لبنان بحيث اكتسح جدران عمارات وطرقات رئيسية. وكذلك غطى منطقة بكاملها كما في الأوزاعي بعدما لبست حلة جديدة تحت عنوان «أوزفيل». فصارت هذه البقعة وجهة سياحية يؤمّها الأجانب والعرب فيستمتعون بمشاهدة جداريات ملونة بفن الغرافيتي التي شارك فيها فنانون من مختلف دول العالم.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».