مصر: تصاعد الانتقادات البرلمانية للحكومة يعزز توقعات التعديل الوزاري

رئيس «النواب» قال إنها «تُرهق» المجلس... وشدد إجراءات حضور أعضائها

TT

مصر: تصاعد الانتقادات البرلمانية للحكومة يعزز توقعات التعديل الوزاري

تصاعدت وتيرة الانتقادات البرلمانية للحكومة المصرية، معززة التوقعات بشأن قرب إجراء تعديل وزاري في البلاد، وذلك بعد عام ونصف العام تقريباً على تولي رئيس مجلس الوزراء الحالي، مصطفى مدبولي، المنصب، وفي أعقاب مظاهرات نادرة ومحدودة شهدتها البلاد قبل أسابيع رفعت شعارات مناوئة للحكم، وأخرى مؤيدة ضخمة داعمة لسلطة الرئيس عبد الفتاح السيسي. وفي حين حث رئيس مجلس النواب (البرلمان)، علي عبد العال، أمس، أعضاء المجلس على «تكثيف التواصل مع المواطنين في دوائرهم، وخصوصاً الشباب، والتحدث معهم بلا سقف، لإزالة كل ما يعلق في أذهانهم من معلومات مغلوطة»، شدد كذلك إجراءات حضور ممثلي الحكومة للجلسات العامة، وألزم الوزراء المعنيين بـ«حضور 5 على الأقل» منهم للمناقشة.
ومن المقرر أن يمثل مدبولي، أمام البرلمان، اليوم (الثلاثاء) «لإلقاء بيان للحكومة، وكذلك تقديم تقرير عما حققته من برنامجها الذي نالت ثقة البرلمان لتحقيقه». وقبل أيام تعهد عبد العال بأن يكون للبرلمان «وقفة شديدة ضد الحكومة»، قائلاً «لن نترك الشعب ومصالحه بعيدة عن هذه القاعة، ولن نسمح لكل المسؤولين التنفيذيين أن يصدّروا المشاكل لرئيس الجمهورية وعليهم أن يتحملوا المسؤولية وأن يحنوا على الشعب الذي ينتظر منهم الكثير». ودائماً ما يشكو رئيس البرلمان، وأعضاء اللجان المتخصصة من غياب التمثيل المناسب من الحكومة في جلسات «النواب». وفي مطلع الشهر الحالي، تحدث رئيس البرلمان، في مستهل دور الانعقاد الأخير للمجلس، عن قرب إجراء «إصلاحات سياسية وحزبية وإعلامية»، خلال المرحلة المقبلة، التي وصفها بـ«جني الثمار»، بعد فترة انتقالية «استلزمت إجراءات قاسية»، على حد قوله.
وقال عبد العال، أمس، إن «المجلس لن يسمح بحضور أقل من خمسة وزراء في كل جلسة عامة»، رافضاً أن «يقتصر الأمر على حضور نواب أو مساعدي أي وزير، باستثناء بعض الوزراء (الداخلية، والخارجية، والدفاع) ممن يتطلب عملهم التحرك الميداني داخلياً وخارجياً».
وخاطب رئيس البرلمان، وزير شؤون مجلس النواب عمر مروان، أمس، ممازحاً، على ما يبدو، بالقول إن «الحكومة تتعبنا، وتسبب لنا إرهاقاً... ولا نعرف لماذا؟».
ولم تقتصر الانتقادات البرلمانية الموجهة للحكومة على أحاديث رئيس «النواب»؛ إذ بدأت «هيئة مكتب» البرلمان، العمل على «تحديد موعد مناقشة لسبعة طلبات مناقشة عامة مقدمة من النواب بشأن بعض سياسات مجلس الوزراء، وتطرقت إلى سياسة الحكومة بشأن، التعليم، وتنمية الاستثمار في سيناء، ونتائج تطبيق استراتيجية مواجهة الفساد». وكانت الدعوات لتوسيع «هامش الحريات»، وإجراء «إصلاحات سياسية وإعلامية»، في مصر، شهدت زخماً كبيراً، بعدما دخلت «نقابة الصحافيين»، على خطها، بالدعوة للالتزام بمواد الدستور الضامنة «لحرية العمل، وحظر فرض الرقابة على وسائل الإعلام أو مصادرتها أو وقفها».
كما شهد البرلمان، أمس، تأكيداً من أعضاء لجنة «الزراعة والري»، في أول اجتماعاتها في دور الانعقاد الجديد، على «استخدام الأدوات الرقابية كافة تجاه الحكومة لمواجهة تقاعس أي مسؤول عن حل وحسم مشكلات المواطنين». كما قررت «لجنة الشؤون الاقتصادية»، أمس، استدعاء «وزراء المجموعة الاقتصادية لعرض تقييمهم لما تم من إجراءات تتعلق ببرنامج الإصلاح الاقتصادي خلال السنوات الثلاث الأخيرة».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.