بيونغ يانغ تطلق صاروخاً باليستياً من غواصة قبل محادثاتها النووية مع واشنطن

خبراء يعتقدون أنها باتت قادرة على ضرب أبعد من شبه الجزيرة الكورية

أعلنت رئاسة الأركان الكورية الجنوبية أنّ صاروخاً  اجتاز صباح الأربعاء 450 كلم في اتّجاه بحر اليابان (أ.ب)
أعلنت رئاسة الأركان الكورية الجنوبية أنّ صاروخاً اجتاز صباح الأربعاء 450 كلم في اتّجاه بحر اليابان (أ.ب)
TT

بيونغ يانغ تطلق صاروخاً باليستياً من غواصة قبل محادثاتها النووية مع واشنطن

أعلنت رئاسة الأركان الكورية الجنوبية أنّ صاروخاً  اجتاز صباح الأربعاء 450 كلم في اتّجاه بحر اليابان (أ.ب)
أعلنت رئاسة الأركان الكورية الجنوبية أنّ صاروخاً اجتاز صباح الأربعاء 450 كلم في اتّجاه بحر اليابان (أ.ب)

أطلقت كوريا الشمالية صاروخا باليسيتيا من غواصة في المياه الواقعة قبالة ساحلها الشرقي بعد يوم من تصريحات متزامنة من جانب واشنطن وبيونغ يانغ بأنهما ستعقدان مفاوضات جديدة بشأن البرنامج النووي للأخيرة في غضون أسبوع. وأفادت وكالة الأنباء المركزيّة الكوريّة الشماليّة بأنّ «الصاروخ الباليستي من النوع الجديد أطلِق في وضع عمودي» الأربعاء في المياه قبالة خليج وونسان، في بحر الشرق، المعروف أيضا باسم بحر اليابان، مشيرة إلى أنّه من طراز بوكغوكسونغ - 3. وبحسب طوكيو، فإن جزءاً من الصاروخ سقط في المنطقة الاقتصادية الخالصة لليابان، وهي مساحة بحرية تقع بين المياه الإقليمية والدولية.
وأوضحت بيونغ يانغ أن الصاروخ «ليس له أي تأثير سلبي على أمن الدول المجاورة»، مضيفة أن ذلك «أطلق مرحلة جديدة في احتواء تهديد القوات الخارجية (لكوريا الشمالية) وتعزيز قوتها العسكرية للدفاع عن النفس». لكن أعربت واشنطن عن قلقها حيال هذه الخطوة التي تأتي قبل أيّام من الاستئناف المزمع للمحادثات النوويّة المتوقّفة. ودعا متحدّث باسم وزارة الخارجيّة إلى «الامتناع عن القيام باستفزازات» وإلى «بقاء بيونغ يانغ ملتزمة مفاوضات جوهريّة ومستدامة» بهدف إحلال الاستقرار في شبه الجزيرة ونزع السلاح النووي منها. وتأتي هذه التجربة الصاروخية غداة إعلان بيونغ يانغ إجراء محادثات السبت مع واشنطن على مستوى فرق العمل حول برنامجها النووي، في خطوة يُفترض أن تعيد إطلاق الآلية الدبلوماسية بعد ثمانية أشهر من قمة هانوي. وأعلن نائب وزير الخارجية الكوري الشمالي تشوي سون هوي الثلاثاء أن الجانبين وافقا على إجراء «اتصال مبدئي» في 4 أكتوبر (تشرين الأول) ومفاوضات على مستوى فرق العمل في اليوم التالي، من دون تحديد مكان عقد المحادثات.
وأضافت وكالة كوريا الشمالية أنّ الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون وجّه، كما نقلت الصحافة الفرنسية، «تهانيه الحارّة» إلى الوحدات البحثية المشاركة في عملية إطلاق الصاروخ.
وعادة ما تجري بيونغ يانغ مناورات عسكرية عشية المحادثات الدبلوماسية، وهي طريقة لتعزز موقفها في المفاوضات. وصرّح هاري كازيانيس من مركز دراسات «سنتر فور ذي ناشيونال إنترست» الأميركي: «يبدو أن كوريا الشمالية تريد تعزيز موقفها قبل بدء المفاوضات». وقال «يبدو أن بيونغ يانغ تريد دفع واشنطن إلى التخلي عن مطالبها بنزع السلاح النووي بشكل كامل مقابل رفع جزئي للعقوبات». وأعلنت رئاسة الأركان الكورية الجنوبية أنّ صاروخاً اجتازَ صباح الأربعاء 450 كلم في اتّجاه بحر اليابان، في شرق شبه الجزيرة الكورية، وحلّق على أقصى ارتفاع بلغ 910 كلم. وأضافت أنّ هذا الصاروخ «قد يكون من نوع بوكغوكسونغ - 1» أي أنّه صاروخ باليستي بحر - أرض أُطلق من غواصة. وتابع الجيش الكوري الجنوبي أنّ «أفعالاً من هذا القبيل (...) لا تساعد على تهدئة التوترات في شبه الجزيرة الكورية ونحضّ (بيونغ يانغ) مجددا على وضع حدّ لها فورا».
ويعود تاريخ أول تجربة لصاروخ «بوكغوكسونغ - 1» إلى 24 أغسطس (آب) 2016. وقد حلّق حينها على ارتفاع 500 كلم في اتجاه اليابان، ما جعل الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون يؤكد أن الأراضي القارية الأميركية باتت في مرمى غواصة تعبر المحيط الهادي. وفي يوليو (تموز)، نشرت وسائل إعلام كورية شمالية رسمية صوراً تُظهر كيم متفقداً غواصة جديدة، ما أوحى بأنّ بيونغ يانغ تطوّر نظام صواريخ باليستية بحر - أرض.
وقد يثبت إطلاق كوريا الشمالية صاروخا باليستيا بحر - أرض أن بيونغ يانغ تجاوزت مرحلة جديدة وباتت قادرة على ضرب أبعد من شبه الجزيرة الكورية. وأكد خبراء أن هذا الصاروخ الباليستي ارتفع إلى أقصى حدّ تقريباً.
ووصف الأستاذ في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا فيبين نارانغ أن مقذوف الأربعاء هو «نظام أسلحة نووية صريح» على عكس السلسلة الأخيرة من عمليات إطلاق الصواريخ الكورية الشمالية.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟