رغم فشل الجهود الكبيرة التي بذلها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في نيويورك وقبلها في بياريتز، بمناسبة «قمة السبع»، من أجل توفير الأرضية للقاء قمة بين الرئيسين الأميركي والإيراني، فإن باريس ما زالت تتعلق بحبال الأمل وتعدّ أن الوقت ما زال يسمح بإجراء لقاء كهذا؛ أو بشكل آخر ومستوى أدنى. وما زالت باريس مقتنعة، وفق مصادرها، بأن الخطة التي طرحها الرئيس ماكرون والتي «لقيت قبولاً أميركياً وإيرانياً ما زالت صالحة» وبأنها «تشكل قاعدة واقعية» للعودة إلى طاولة المفاوضات أكان ذلك في إطار ثنائي أميركي ــ إيراني، أم في إطار أوسع كما تطالب بذلك طهران بحيث تستنسخ صيغة «5+1»؛ (أي الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن إضافة إلى ألمانيا) التي ولد الاتفاق النووي من حاضنتها.
بيد أن عامل الزمن لا يلعب لصالح الوسيط الفرنسي – الأوروبي، لأن هناك استحقاقاً رئيسياً بداية شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل؛ حيث تنتهي المهلة التي أعطتها طهران للعواصم الأوروبية الثلاث الموقعة على «اتفاق 2015» لتمكينها من العودة إلى الاستفادة من منافع الاتفاق النووي، وإلا فإنها ستعمد إلى تنفيذ خطوة إضافية بالتخلي عن بعض بنوده؛ الأمر الذي نبه منه وزير الخارجية الفرنسي أول من أمس.
ففي جلسة استماع؛ أمام لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، قال جان إيف لودريان: «يتعيّن في الوقت الراهن على إيران وعلى الولايات المتحدة اغتنامها (المبادرات) في وقت محدود نسبياً، لأنّ إيران أعلنت أنّها ستتخذ تدابير جديدة لخفض التزاماتها في اتفاق فيينا ببداية نوفمبر المقبل، ومن شأن هذه التدابير أن تفضي إلى مرحلة توترات وتصعيد جديدين». وفي رأي الوزير الفرنسي أنه يتعين على واشنطن وطهران «الاستفادة من المساحة السياسية الموجودة لمحاولة التقدّم».
تقول مصادر دبلوماسية أوروبية في باريس إن الوصول إلى بداية الشهر المقبل من غير إحراز أي تقدم «سيكون بالغ الحرج لباريس ولندن وبرلين»، لأن العواصم المذكورة «ستكون مضطرة لإعلان موقف من طهران ومن مصير الاتفاق النووي الذي ما فتئت تدافع عنه حتى اليوم رغم تخلي الرئيس الأميركي عنه وتوالي انتهاكات طهران لعدد من بنوده». وتضيف هذه المصادر أن إيران التي أخذت بنشر طاردات مركزية متطورة من الجيلين الرابع والسادس «سوف تمتلك قدرات إضافية لتخصيب اليورانيوم بدرجات مرتفعة لا علاقة لها بنسبة الـ4.5 في المائة» التي تخصب وفقها اليوم والتي تمكنها من إنتاج كيلوغرام واحد من اليورانيوم منخفض التخصيب في الشهر.
وتشير هذه المصادر إلى «الأمر» الذي أطلقه المرشد علي خامنئي مؤخراً وفيه طلب من الحكومة الاستمرار في تطوير البرنامج النووي رابطاً ذلك بهجوم عنيف على الأوروبيين أصحاب «الكلام الفارق».
يذكر أن العواصم الثلاث، وفق معلومات متوافقة، نبهت طهران من أن استمرارها في انتهاك الاتفاق سيدفع بها إلى التخلي عنه؛ لا بل إلى تفعيل آلية فض النزاعات المنصوص عليها في الاتفاق المذكور والتي امتنعت البلدان الأوروبية الثلاث حتى اليوم عن اللجوء إليها لترك الباب مفتوحاً أمام المفاوضات.
ويعني تفعيلها أن الملف الإيراني سينقل مجدداً إلى مجلس الأمن الدولي الذي يستطيع إعادة فرض عقوبات اقتصادية على طهران من غير الحاجة إلى قرار جديد. وتؤكد المصادر المشار إليها أن هذه الآلية بمثابة «سيف ديموقليس» المصلط على الرقبة الإيرانية. إلا إنها تعترف في الوقت عينه بأن اللجوء إليها يعني «انقطاع أي تواصل» مع الجانب الإيراني، وبالتالي التخلي عن الجهود الدبلوماسية وفتح الباب على المجهول.
يقوم المنطق الأوروبي على اعتبار أن استمرار طهران في انتهاكاتها، رغم تأكيدها على الاستعداد للتراجع عنها في أي وقت، يعني «تفريغ الاتفاق من محتواه» وبالتالي سيفقد التمسك الأوروبي به «أي معنى». ومنذ البداية، ربط الأوروبيون دعمهم وتمسكهم بالاتفاق ببقاء طهران داخله. وإذا كان الأوروبيون قد غضوا النظر عن تخلي إيران عن السقف المتاح لها من مخزون اليورانيوم المخصب أو تخطيها نسبة التخصيب بمعدل بسيط، إلا إن تشغيل الطاردات المركزية الحديثة «ينسف قلب الاتفاق» وبالتالي سيكون تمسك الأوروبيين به «غير مفهوم؛ بل لا معنى له». وتنبه المصادر الأوروبية إلى أن تطوراً من هذا النوع «سيعني التحاق أوروبا بالمواقف الأميركية» المتصلبة إزاء إيران، وبالتالي دخول إيران في عزلة دولية وخسارتها المساعي الأوروبية التي كانت تحاول إخراجها من عنق الزجاجة.
وقالت وزارة الخارجية الفرنسية إنها تطالب إيران بالإفراج عن فريبا عادلخواه؛ الباحثة الأنثروبولوجية التي تحمل الجنسيتين الفرنسية والإيرانية. وقالت المتحدثة باسم الخارجية الفرنسية أنييس فون دير مول، في إفادة صحافية يومية: «يتعين أن تتسم السلطات الإيرانية في هذه القضية بالشفافية، إضافة لكل القضايا المتعلقة باعتقال أجانب في إيران» بحسب «رويترز».
يبقى السؤال: هل سيفتح خلال الوقت المتبقي (حتى نهاية الشهر الحالي) باب أو كوّة في جدار الأزمة النووية الإيرانية؟ واضح أن طهران تشهد نزاعات داخلية بين خطين متضاربين، وفشل محاولة ماكرون في نيويورك في توفير مكالمة هاتفية بين ترمب وروحاني الذي كان ينتظر الضوء الأخضر من طهران، يدل على ذلك بوضوح تام. إلا إن تطورات المشهد السياسي الداخلي الأميركي تزيد بدورها من صعوبات الوساطة الفرنسية؛ حيث الرئيس ترمب يكرس جهوده لجبه محاولة الديمقراطيين تنحيته من منصبه. ولذا، فإن الآمال المعقودة على جهود ماكرون والدبلوماسية الفرنسية سوف تتضاءل رغم أن باريس ما زالت تعتقد أن هناك «فرصة» يتعين اقتناصها.
باريس تتمسك بـ«فرصة التفاوض» بين واشنطن وطهران
باريس تتمسك بـ«فرصة التفاوض» بين واشنطن وطهران
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة