تحقيق: مئات العمال يموتون سنوياً بسبب ارتفاع الحرارة في قطر

الإجهاد الحراري يطول عدداً من العاملين في قطر (غارديان)
الإجهاد الحراري يطول عدداً من العاملين في قطر (غارديان)
TT

تحقيق: مئات العمال يموتون سنوياً بسبب ارتفاع الحرارة في قطر

الإجهاد الحراري يطول عدداً من العاملين في قطر (غارديان)
الإجهاد الحراري يطول عدداً من العاملين في قطر (غارديان)

كشف تحقيق صحافي أن مئات العمال الأجانب في قطر يموتون بسبب الإجهاد الذي تسببه درجات الحرارة المرتفعة.
وذكرت صحيفة «الغارديان» البريطانية في التحقيق الذي نشرته اليوم (الأربعاء)، أن مئات الآلاف من العمالة الوافدة في قطر كانوا يعملون لساعات طويلة تصل إلى 10 ساعات يومياً خلال الصيف، وذلك في درجات حرارة تصل إلى 45 درجة مئوية.
وأشارت الصحيفة إلى أن مئات العمال من فئة الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و35، يموتون سنوياً أثناء العمل في قطر بسبب درجات الحرارة، خلال محاولة إنجاز أعمال بناء الملاعب قبل كأس العالم لكرة القدم عام 2022.
وأظهر تحليل أجرته الصحيفة لبيانات الطقس الرسمية على مدار 9 أعوام، أنه رغم وجود حظر للعمل خلال ساعات الذروة، فإن العمال يبقون غير آمنين، وإن أي شخص يعمل في الهواء الطلق يتعرض لمستويات قاتلة من الإجهاد الحراري بين شهري يونيو (حزيران) وسبتمبر (أيلول)، والتي يقول أطباء القلب إنها تؤدي إلى أعداد كبيرة من الوفيات كل عام.
وأشارت «الغارديان» إلى دراسة حديثة، أظهرت أن العمل في درجات حرارة عالية يولّد ضغطاً كبيراً على القلب، وأن الإجهاد الحراري الشديد يؤدي إلى نوبات قلبية قاتلة وغيرها من الوفيات باضطرابات قلبية وعائية.
كما نوهت الصحيفة إلى بحث حديث منشور في مجلة «كارديولوجي جورنال» المعنية بدراسات طب القلب، وأعدته مجموعة من العلماء البارزين، والذي أفاد بأن الوفيات كانت على الأرجح ناجمة عن ضربات شمس، مما يكشف العلاقة بين وفاة 1300 عامل نيبالي بين عامي 2009 و2017 وارتفاع درجات الحرارة. وذكر البحث أنه في الأشهر الأكثر برودة وصلت نسبة الوفيات إلى 22 في المائة، بينما ارتفعت تلك النسبة إلى 58 في المائة في أشهر الصيف.
وأوضح دان أتار، أستاذ أمراض القلب ورئيس قسم الأبحاث في مستشفى جامعة أوسلو، أنه: «من خلال بحثنا كان واضحاً أن العمال يتم توظيفهم جزئياً على أساس صحتهم، ويصلون إلى الخليج قادرين على العمل». وأشار إلى أنه رغم أن الشباب لديهم معدلات منخفضة جداً من الأزمات القلبية، يموت المئات منهم كل عام في قطر بسبب مشكلات القلب والأوعية الدموية، موضحاً أن تلك الوفيات سببها ضربات شمس قاتلة، وتابع: «لم تتمكن أجسادهم من تحمل الإجهاد الحراري الذي يتعرضون له».
وأوضح الباحث أن نحو 200 شاب من بين 571 ماتوا نتيجة أمراض القلب والشرايين بين 2009 و2017، كان من الممكن إنقاذهم لو تم تنفيذ تدابير الحماية المتعلقة بالحرارة المرتفعة، كجزء من برامج الصحة والسلامة المهنية.
وذكر التحقيق أن عدد العمال الوافدين إلى قطر ارتفع إلى 1.9 مليون، في إطار استعداد البلاد لاستقبال كأس العالم 2022، وأن كثيراً من هؤلاء الوافدين هم من نيبال والهند وبنغلادش وباكستان، قدموا من أجل بناء الملاعب والطرق والفنادق التي ستخدم البطولة.
ومن بين الوفيات من العمال الوافدين، 11 عاملاً سجلت وفاتهم اللجنة العليا في قطر، وهي الهيئة المسؤولة عن صحة العمال وسلامتهم، وذلك في العام الماضي. وذكرت اللجنة أن وفاة تسعة منهم كان بسبب النوبات القلبية المفاجئة أو فشل التنفس.
وقال نك ماكغيهان، مدير منظمة «فير- سكوير بروجيكتس» التي أجرت تحقيقاً عن الإجهاد الحراري وحقوق العمال الوافدين: «مع تبقي عامين على كأس العالم، يجب التحقيق في الأعداد المرتفعة لوفيات الشباب الناتجة عن السكتات القلبية في قطر». وأضاف أنه منذ سنوات يعمل نشطاء حقوق الإنسان على رفع الوعي بتأثير الإجهاد الحراري على معدل وفيات العمال.
وتحدثت الصحيفة مع عدد من العمال في أغسطس (آب) الماضي، وقالوا إنهم يعانون من مجموعة من الأعراض المرتبطة بدرجات الحرارة المرتفعة، بما فيها الحساسية الجلدية، والصداع، وتغير في الرؤية، وصعوبة التنفس. وقال أحد عمال البناء من نيبال: «في دقيقة واحدة، يغمرني العرق».
وأوضحت الصحيفة أن الوفيات الناتجة عن الإجهاد الحراري كان من الممكن تجنبها في حالة الحصول على المساعدة الطبية العاجلة، لكن بعض العمال الذين قابلتهم الصحيفة قالوا إن صاحب العمل كان يرفض منحهم بطاقات الرعاية الصحية أو السماح لهم بدخول مراكز الرعاية الطبية في حالة شعورهم بالتوعّك.



مصر: اكتشاف ألسنة وأظافر ذهبية من العصر البطلمي بالمنيا

مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)
مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)
TT

مصر: اكتشاف ألسنة وأظافر ذهبية من العصر البطلمي بالمنيا

مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)
مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية، السبت، عن اكتشاف ألسنة وأظافر ذهبية وعدد من المقابر تعود للعصر البطلمي، مزينة بنقوش وكتابات ملونة، بداخلها مجموعة من المومياوات والهياكل العظمية والتوابيت، وغيرها من اللقى الأثرية.

وتوصلت البعثة المشتركة بين مصر وإسبانيا من خلال جامعة برشلونة ومعهد الشرق الأدنى القديم، إلى هذا الكشف الأثري أثناء عمليات التنقيب بمنطقة البهنسا في محافظة المنيا (251 كيلومتراً جنوب القاهرة).

وأكد الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار بمصر الدكتور محمد إسماعيل خالد، أهمية هذا الكشف، واعتبره سابقة في الاكتشافات الأثرية، قائلاً: «للمرة الأولى يتم العثور بمنطقة البهنسا الأثرية على بقايا آدمية بداخلها 13 لساناً وأظافر آدمية ذهبية لمومياوات من العصر البطلمي، بالإضافة إلى عدد من النصوص والمناظر ذات الطابع المصري القديم، والتي يظهر بعضها لأول مرة في منطقة البهنسا؛ مما يُمثل إضافة كبيرة لتاريخ المنطقة، ويسلط الضوء على الممارسات الدينية السائدة في العصر البطلمي»، وفق بيان لوزارة السياحة والآثار.

لوحات ومناظر تظهر لأول مرة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وأوضح أستاذ الآثار بجامعة القاهرة ومدير حفائر البعثة المشتركة الدكتور حسان إبراهيم عامر، أنه تم العثور على جعران القلب موجود في مكانه داخل المومياء، في إحدى المقابر المكتشفة، بالإضافة إلى العثور على 29 تميمة لـ«عمود جد»، وجعارين وتمائم لمعبودات مثل «حورس» و«جحوتي» و«إيزيس». في حين ذكر رئيس البعثة من الجانب الإسباني الدكتور أستر بونس ميلادو، أنه خلال أعمال الحفائر عثرت البعثة على بئر للدفن من الحجر المستطيل، تؤدي إلى مقبرة من العصر البطلمي تحتوي على صالة رئيسة تؤدي إلى ثلاث حجرات بداخلها عشرات المومياوات متراصّة جنباً إلى جنب؛ مما يشير إلى أن هذه الحجرات كانت قد استُخدمت كمقبرة جماعية.

وأضاف رئيس البعثة أنه «إلى جانب هذه البئر تم العثور على بئر أخرى للدفن تؤدي إلى ثلاث حجرات، ووجدوا جدران إحدى هذه الحجرات مزينة برسوم وكتابات ملونة، تمثل صاحب المقبرة الذي يُدعى (ون نفر) وأفراد أسرته أمام المعبودات (أنوبيس) و(أوزوريس) و(آتوم) و(حورس) و(جحوتي)».

إلى جانب ذلك، تم تزيين السقف برسم للمعبودة «نوت» (ربة السماء)، باللون الأبيض على خلفية زرقاء تحيط بها النجوم والمراكب المقدسة التي تحمل بعض المعبودات مثل «خبري» و«رع» و«آتوم»، حسب البيان.

مناظر عن العالم الآخر في مقابر البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وكان اللافت للانتباه، وفق ما ذكرته البعثة، هو «وجود طبقة رقيقة من الذهب شديدة اللمعان على وجه المومياء التي يقوم بتحنيطها (أنوبيس)، وكذلك على وجه (أوزوريس) و(إيزيس) و(نفتيس) أمام وخلف المتوفى». وأوضحت أن «هذه المناظر والنصوص تمثل صاحب المقبرة وأفراد أسرته في حضرة معبودات مختلفة، وهي تظهر لأول مرة في منطقة البهنسا».

وقال الخبير الأثري المصري الدكتور خالد سعد إن «محتويات المقبرة توضح مدى أهمية الشخص ومستواه الوظيفي أو المادي»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «مصر وجدت الكثير من الدفنات المماثلة من العصرين اليوناني والروماني، وكانت الدفنة سليمة؛ لم يتم نبشها أو العبث بها».

ويوضح الخبير الأثري أن «الفكر الديني في ذلك الوقت كان يقول بوضع ألسنة ذهبية في فم المومياوات حتى يستطيع المتوفى أن يتكلم كلاماً صادقاً أمام مجمع الآلهة».

ألسنة ذهبية تم اكتشافها في المنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

أما بالنسبة لتلابيس الأصابع (الأظافر الذهبية)، فهذا تقليد كان ينتهجه معظم ملوك الدولة الحديثة، وتم اكتشافها من قبل في مقبرة «توت عنخ آمون»، وكانت مومياؤه بها تلابيس في أصابع اليد والقدم، وفي البهنسا تدل التلابيس والألسنة الذهبية على ثراء المتوفى.

وتعدّ قرية البهنسا (شمال المنيا) من المناطق الأثرية الثرية التي تضم آثاراً تعود للعصور المختلفة من المصري القديم إلى اليوناني والروماني والقبطي والإسلامي، وقد عثرت فيها البعثة نفسها في يناير (كانون الثاني) الماضي على عدد كبير من القطع الأثرية والمومياوات، من بينها 23 مومياء محنطة خارج التوابيت، و4 توابيت ذات شكل آدمي.

مناظر طقوسية في مقابر منطقة البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وفسّر الخبير الأثري العثور على مجموعة من الأواني الكانوبية في المقابر بأنها «تحفظ أحشاء المتوفى، وهي أربعة أوانٍ تمثل أربعة من أولاد (حورس) يرفعون أطراف الكون الأربعة، وفقاً لعقيدة الأشمونيين، ويتمثلون في ابن آوى والقرد والإنسان والصقر، ويوضع في هذه الأواني المعدة والأمعاء والقلب والكبد، وكانت على درجة عالية من الحفظ، نظراً للخبرة التي اكتسبها المحنّطون في السنوات السابقة».

وأشار إلى أن «اللقى الأثرية الأخرى الموجودة بالكشف الأثري مثل الأواني الفخارية والمناظر من الجداريات... تشير إلى أركان طقوسية مرتبطة بالعالم الآخر عند المصري القديم مثل الحساب ووزن القلب أمام ريشة (ماعت)؛ مما يشير إلى استمرارية الديانة المصرية بكافة أركانها خلال العصر اليوناني والروماني، بما يؤكد أن الحضارة المصرية استطاعت تمصير العصر اليوناني والروماني».

بدورها، أشارت عميدة كلية الآثار بجامعة أسوان سابقاً الدكتورة أماني كرورة، إلى أهمية منطقة البهنسا، واعتبرت أن الكشف الجديد يرسخ لأهمية هذه المنطقة التي كانت مكاناً لعبادة «الإله ست» في العصور المصرية القديمة، وفق قولها، وأضافت لـ«الشرق الأوسط»: «هذه المنطقة كانت تضم العديد من المعابد والمنشآت العامة، فهناك برديات تشير إلى وجود عمال مكلفين بحراسة المنشآت العامة بها؛ مما يشير إلى أهميتها».