الحب ومكابداته... شعرياً

رشا أحمد تتخذه دالاً مركزياً في ديوانها «بضوء أكثر شحوباً»

الحب ومكابداته... شعرياً
TT

الحب ومكابداته... شعرياً

الحب ومكابداته... شعرياً

تتنوع أسئلة الحب ومكابداته، في ديوان «بضوء أكثر شحوباً» للشاعرة رشا أحمد، معبرة عن القلق والضجر من الحياة، ومن الحب نفسه، الذي يشكل دالاً مركزياً في الديوان، تدور حوله المشاعر والرؤى والانفعالات ومفارقات الأزمنة والأمكنة، سواء عبر حضورها المنقضي في الماضي، كعلامات وإشارات خاطفة، أو من خلال حضورها الراهن المثقل بالمكابدات النفسية والعاطفية.
فما الحب إذن، بل ما الشعر، ما الحياة... ثلاثة تساؤلات قلقة تشكل بعفوية ورومانسية ناعمة وموحية مدار الرؤية في هذا الديوان، فسؤال الكتابة هو نفسه سؤال الحب، تطرحه الذات الشاعرة في النصوص، وتنوع مداراته واشتباكاته مع العالم، كأنه مفتاح الخلاص من ربكة الوجود والحب معاً، هذه الربكة التي لم تثمر سوى ضوء شاحب، يضجر من نقيضه الآخر الأكثر سطوعاً، لأنه يحمل ضمنياً نفياً له... إنها متاهة الخطى الضائعة والأبواب الموصدة وراءها يذبل الحب ويتناثر كمبرر هش للبقاء، ويصبح رهاناً خاسراً على الكذب والصدق معاً، بينما يبقى الحب الذي يختزل سؤال الإنسان عن مصيره معلقاً في أفق الحلم ومصادفات الروح والحياة... تطالعنا هذه المكابدات في النص الأول بالديوان «في فمي ثلاثة أحرف»؛ حيث يصبح اسم الشاعرة نفسها جزءاً من هذه الربكة، ويتخفى على شكل بوح مضمر في النص، حسبما تقول فيه:
«يحدثُ أن أكتبَ
نصّاً حزيناً
يشبهني تماماً
أجلسُ على الحافة
أدلَّي ساقيَّ
وأفتح أزرار قلبي.
يدَّعي حبيبي
أني امرأة صالحة للحبّ
يقولُ إنني لا أشبهُ أحداً
ويعرفُ أيضاً
أن ذاكرتي معطوبة
خطفها خريفٌ ما
لست مشغولة بمواعيد الفصول
كل ما يهمُّني
أن تتلكَّأ نسمة في الكأس»
تتواثب حركة النص هنا، ما بين الداخل والخارج؛ مشكلة حالة من التجانس بين ما هو حسي ومعنوي، في بناء الصورة الشعرية، وتسهم في تدفق المشهد الشعري بخفة واخزة كأنه ضربات فرشاة مرتجلة فوق مسطح اللوحة، تختزل موقف الذات الشاعرة من واقعها المشوش المضطرب، وتكسب غواية الحب في الديوان نبرة درامية، تتنقل أصداؤها عبر نصوصه السبعة، بدلات رمزية شفيفة، فيما تقف الذات على مسافة بينها وبين موضوعها، ما يتيح لها أن تسائله، وتلوِّح بالرغبة في التمرد عليه، والبحث عن فضاءات أخرى للضوء بمنظور واقعي، وليس بمنظور علاقات غير كفؤة، يختلط فيها الوهم بالحقيقة، فلا شيء آخر تراهن الذات عليه سوى الحب، تشتهيه وتريده صنواً للضوء والنور والأمل والحرية، إنه اللحظة التي يمكن أن تلمس فيها نفسها بسلام ودفء، دون ذلك، لا شيء في مرآة الحب سوى المزيد من العتمة والغياب والفقد... يطالعنا هذا المعنى في النص الثاني «عن أيد صغيرة بيضاء»، التي تراوح فيه الشاعرة، بين فضاء الأنا، وفضاء الآخر، موفرة مساحة للذات، تتأمل من خلالها المشهد المتشابك من زوايا بعيدة ومتنوعة، فتقول على لسان الذات الشاعرة، وكأنها صوت الآخر المخاطب:
تحتسي كلَّ صباحٍ
خيباتها..
تقرأ الجريدة
تبحث عن نعي ما
تركه لها عاشقٌ
كعربون حزن.
عن أيدٍ صَغِيرَة
بيضاءَ
تمسحُ عن وجهها الغبارَ
ما تبقَّى من فتات الليلِ
من أرصفة النهار.
لا عصافيرَ تتقافزُ فوق الحافة
لا شيءَ
كلُّ ما بها
قابلٌ للخسارة
إلا أنتَ..
يشكل الاستثناء الوحيد في جملة «إلا أنتَ» نافذة مخاتلة للرجاء والأمل، لكن الذات الشاعرة لا تطمئن إلى هذه النافذة كثيراً، إنما تطمئن للشعر، وتثق فيه، لأنه ببساطة شديدة دليلها الوحيد إلى لذة الحب والحياة، وأنه من دون ذلك، يصبح العالم كائناً شريراً لا يطاق، لذلك سرعان ما تعود في النص نفسه إلى ضمير الأنا المفرد، تلوذ به، فهو المكان الأرحب للمكاشفة والتشابك والتقاطع بين الضرورة الطبيعية للوجود والضرورة الشعرية والشخصية للذات... يقول النص فيما يشي بذلك:
أثقلني حبُّكَ
حتى صرتُ لا أعرفني
تسللتْ إلى ملامحي
تجاعيدُ غيابكَ
أعطني يدكَ
حتى أهزَّ أغصانَ قلبي
أنا لم أكن
سوى أنثى
تلتقطُ الحُبَّ
تصرخُ
تبكي
ولا تنسى
أن تتكوَّرَ
أكثرَ حين يقضمها
ظلُّك!!!
إن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل الحب موقف من الحياة يصلح لرثاء الذات، أم أنه موقف من الذات يصلح لرثاء الحياة، خصوصاً أن الشاعرة تدرك أن الشعر هو الوجه الآخر للحياة، هو كتابها المفتوح على براح الحب وتداعياته، في الشارع، ودبيب خطى البشر، وتحولات الطبيعة والأشياء، كما أنه ليس ثمة حقيقة خالصة من الحب، تستطيع أن تمشي وحدها بلا هذا الدبيب، أو تلتمس ولو ظلاً بائساً له. لذلك تدع الحب يتناثر برموزه ودلالاته في الديوان كأنه عناقيد برق خاطفة، لا تصادره أو تسيّجه بأطر عاطفية ونفسية معينة، بل تتركه يبتكر مدارات فرحه وحزنه ولذته، بل أحياناً تتركه يكسر لعبته كأنه طفل، يتعلم الحب فوق عتبة اللغة والحياة. إنه سؤال شائك ولاهث عن المعرفة والحقيقة، معرفة الذات وحقيقة ما يدور حولها، لجعل الحياة فضاءً لطيفاً، ينبثق منه الجمال بحرية، دون قيود أو إكراهات تفرضها الضرورة وجاذبية التوازن كمبرر للوجود... فلا بأس أن ترهف الذات السمع للحب من نوافذ غامضة، ولا بأس أيضاً، أن ترسم هذه الصورة لقلبها، وكأنها ظلٌّ لراحلين قفزوا فوق الروح، قائلة في نص يشارف المعنى نفسه بعنوان «الذين قفزا فوق روحي»:
«كأرجوحة بالية
قلبي
يتحرك ببطء».
......
«عن العمر
الذي غافلني
ومضى
عن العابر
الذي
رفض مشاطرتي
كأس حزني الشائخة.
أنا مثلكَ
أيضاً مهزومة
ومقسومة
تماماً من منتصف الطريق
من منتصف القلب».
لا تنحصر صورة الحب في الديوان في العلاقة النمطية بين صوتين كائنين، رجل وامرأة، ذكر وأنثى، كما أنه ليس عادة أو ترفاً لضرورة ما، بل تكمن صيرورته في كونه سؤالاً مفتوحاً على العناصر والأشياء، يشكل انحياز الذات لفضائها الخاص، وأيضاً محاولة مستمرة لإعادة الفهم والإدراك. وهو ما تجسده الشاعرة قائلة:
«ليس من عاداتي تأويلُ الخطاب
لا أهتمُّ بما بعدَ الحداثة
قبلَ الحداثة
في المنتصف
على اليمين
من أعلى أو من أسفل
لا تعارض يا حبيبي
بين كفِّ البحرِ وصدركَ
فقط الأخير شاطئي الخاصُ...»
ورغم تعدد صور الحب ومفارقاته في النصوص، إلا أنه تصبح أكثر حميمية حين تلصق بصورة الأمومة، فكأن الحب في جوهره فعل أمومة، وهو ما يطالعنا على نحو لافت في نص «لو.. أنني أم الشاعرة» تستحضر فيه صورة الأم:
أمِّي:
حين يأتيني الموتُ
سأضيء بيتي بشموعٍ كثيرة
ألوِّنُهَا بسماءِ روحي
وأشعلُ موسيقا خافتة
سأعطيهِ
ما يستحقهُ
وأنتفضُ بعيداً
لأعانقِك!
لا تكف الذات الشاعرة عن تقليب صورة الحب، محاولة الإمساك بفعاليته في مرآة المعرفة، فتغادر رموزه الشائعة المألوفة مثل قيس وليلى، أو روميو وجولييت، وتحاور رولان بارت، صاحب «لذة النص»، و«الكتابة في درجة الصفر»، تستدعيه، وتحيل إليه في نص مفعم بحوارية شعرية، بين ذات شاعرة تنفر من أن تتحول شروط الإبداع إلى قيود، تحد من طاقته على حرية الحب، وبين مفكر يريد أن يؤسس هذه الحرية على ضوابط وقواعد، تضمن للحب الاستدامة... تقول الشاعرة في هذا النص:
سيدي «بارت»
كم أنت أبلهُ
العاشقُ لا يشكو الحبَّ
لكنه حين يشتد المطرُ
يتوه منه مقبض الباب.
كان كسولاً جداً
كلما اقتربَ من ظلّينا
وأعلنَ موتَ الحبّ.
هل كان يقصدُ موتَ المؤلف
أشكُّ في ساعة الميدان
في بوصلة الروح
أشكُّ في بسمة الموناليزا
في درجة الصِّفر.
«بارت»..
هل تحبُّ أم كلثوم
هل أضاءت ليلك
بالآهات
هل رمت منديلهَا
في لذّة النّص».
فهكذا... تدخل أم كلثوم إلى النص في هذا الديوان الشيق، ليس من باب التناص ودواله الشائعة، إنما من باب التساؤل عن لذة أخرى أبعد من لذة النص، تعيد تكوين المشهد بنغمة أكثر تجريداً، وفي مشهد شعري لافت لا يسعى للخلاص من الحب إلا بالحب نفسه.



كاتدرائية نوتردام الفرنسية تتعافى من الحريق... وتكشف عن هيئتها الجديدة للعالم

جانب من كاتدرائية نوتردام دو باريس في باريس، بعد ترميمها، 29 نوفمبر 2024 (رويترز)
جانب من كاتدرائية نوتردام دو باريس في باريس، بعد ترميمها، 29 نوفمبر 2024 (رويترز)
TT

كاتدرائية نوتردام الفرنسية تتعافى من الحريق... وتكشف عن هيئتها الجديدة للعالم

جانب من كاتدرائية نوتردام دو باريس في باريس، بعد ترميمها، 29 نوفمبر 2024 (رويترز)
جانب من كاتدرائية نوتردام دو باريس في باريس، بعد ترميمها، 29 نوفمبر 2024 (رويترز)

بعد أكثر من 5 سنوات من أعمال ترميم واسعة، كشفت كاتدرائية نوتردام في العاصمة الفرنسية، باريس، عن هيئتها الجديدة للعالم، اليوم الجمعة، بعد تعرضها لحريق مدمر عام 2019.

تُظهر هذه الصورة مذبح الكنيسة الذي صممه الفنان والمصمم الفرنسي غيوم بارديه، في قلب كاتدرائية نوتردام دو باري في باريس، 29 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

جاء ذلك خلال الزيارة الأخيرة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى موقع البناء ليشاهد بنفسه التصميمات الداخلية التي تم ترميمها قبل إعادة افتتاح الكاتدرائية الشهيرة في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) المقبل.

ويتم بث زيارته التي تستمر ساعتين على الهواء مباشرة. وتظهر أعمال حجرية تم ترميمها وألوان نابضة بالحياة، وغيرها من ثمار جهود إعادة الإعمار الهائلة، وفق وكالة «أسوشييتد برس».

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون محاطاً برئيس مؤسسة «إعادة بناء نوتردام دو باري» العامة وبرئيس أساقفة باريس يزور كاتدرائية نوتردام دو باري في باريس، 29 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

دخل ماكرون عبر الأبواب الأمامية العملاقة للكاتدرائية والمنحوتة بدقة، وحدّق في الأسقف بدهشة. وكان برفقته زوجته بريجيت ورئيس أساقفة باريس وآخرون.

وانضم ماكرون إلى مجموعة تضم 700 من الحرفيين والمهندسين المعماريين وكبار رجال الأعمال والمانحين، وأشاد بالحرفية والتفاني وراء جهود الترميم.

السيدة الأولى الفرنسية بريجيت ماكرون، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس مؤسسة «إعادة بناء نوتردام دو باري» العامة فيليب جوست، ووزيرة الثقافة والتراث الفرنسية رشيدة داتي، ورئيس أساقفة باريس لوران أولريش يزورون كاتدرائية نوتردام دو باري في باريس، 29 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

ومن المقرر أن يعود ماكرون في السابع من ديسمبر لإلقاء خطاب وحضور تدشين المذبح الجديد خلال قداس مهيب في اليوم التالي.

وتأتي زيارة ماكرون بمثابة بداية لسلسلة من الأحداث التي تبشر بإعادة افتتاح التحفة القوطية التي تعود إلى القرن الثاني عشر.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وزوجته بريجيت برفقة رئيس مؤسسة «إعادة بناء نوتردام دو باري» العامة فيليب جوست، يزورون كاتدرائية نوتردام دو باري في باريس، 29 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

وترى إدارة ماكرون أن إعادة الإعمار تمثل رمزاً للوحدة الوطنية والقدرة الفرنسية.