مصر تسترد التابوت الذهبي للكاهن «نجم عنخ» من أميركا

نُهب وبيع بوثائق مزوّرة لمتحف المتروبوليتان في نيويورك

هُرّب التابوت بطريقة غير قانونية من مصر (أ.ب)
هُرّب التابوت بطريقة غير قانونية من مصر (أ.ب)
TT

مصر تسترد التابوت الذهبي للكاهن «نجم عنخ» من أميركا

هُرّب التابوت بطريقة غير قانونية من مصر (أ.ب)
هُرّب التابوت بطريقة غير قانونية من مصر (أ.ب)

تمكّنت مصر من استرداد التابوت الذّهبي للكاهن المصري «نجم عنخ» الذي كان معروضاً في متحف «المتروبوليتان» في نيويورك. وشارك وزير الخارجية المصرية سامح شكري، في حفل تسلمه بمكتب المدعي العام الأميركي في ولاية نيويورك، مساء أول من أمس.
وقال شكري في تصريحات صحافية على هامش الحفل: إن «التعاون والجهد المشتركين اللذين بذلتهما سلطات الدولتين وأسفرا عن استعادة القطعة الأثرية المهمة، يعكسان مدى التعاون الوثيق والعلاقات القوية بين مصر والولايات المتحدة الأميركية»، مشدداً على «حرص مصر على حماية تراثها الثقافي أينما وجد». ولفت إلى «ضرورة التصدي بكل حزم لحالات تهريب الآثار والمقتنيات الثّقافية.
وتُولي السلطات المصرية اهتماماً كبيراً في مجال استعادة الآثار المصرية المهرّبة بالخارج في السنوات الأخيرة للحفاظ على تراثها وتاريخها الحضاري، عبر جهود مشتركة بين وزارتي الخارجية والآثار. وتُعدّ الولايات المتحدة من أكثر الدّول التي تتعاون مع مصر لإعادة القطع الأثرية المهربة من مصر، خصوصاً بعد توقيع مذكرة تفاهم بين وزيري خارجية البلدين في نوفمبر (تشرين الثاني) 2016 بشأن حماية الآثار المصرية من التهريب.
وقال شعبان عبد الجواد، مدير إدارة الآثار المستردة في وزارة الآثار لـ«الشرق الأوسط»: إن الأجهزة المصرية شكّكت في مستندات ملكية التابوت المصري الذي عرضه متحف «المتروبوليتان»، وقدمنا دعاوى إلى المحكمة العليا في مانهاتن بنيويورك للطّعن في صحة مستندات ملكية هذا التابوت الذي تم نهبه وتهريبه بطريقة غير قانونية خارج البلاد، وبعد جهود كبيرة حكمت المحكمة الأميركية بأحقية مصر في استعادة التابوت». مشيراً إلى أن «التابوت نادر جداً، ويحكي جزءاً مهماً من التاريخ المصري القديم».
وأوضح عبد الجواد، أن مصر وقّعت اتفاقيات مهمة عدة مع بعض الدول لاسترداد الآثار المصرية المهربة على غرار سويسرا التي أبرمت اتفاقية مع مصر عام 2010، وبموجبها تمكّنت مصر من استعادة عدد مهم من القطع الأثرية النادرة التي هُرّبت إلى هناك. وأشار إلى أن «مصر وقّعت كذلك اتفاقية مع إيطاليا نجحت من خلالها في استعادة قطع أثرية مهمة في الآونة الأخيرة بجانب قبرص، واليونان، والأردن، والسعودية، ويجري حالياً عقد اتفاقيات مع دول أخرى».
ويرجع تاريخ تابوت الكاهن المرموق نجم عنخ المطلي بالذهب إلى القرن الأول قبل الميلاد، وقالت السلطات المصرية، إن شبكة دولية لتهريب القطع الأثرية والفنية جلبته إلى نيويورك قبل عامين ثم باعته بأربعة ملايين دولار لمتحف المتروبوليتان للفنون الذي لم يكن يعلم بحقيقة الأمر.
وقال سايروس فانس، مدّعي مانهاتن، خلال مراسم إعادة التابوت لمصر: «خلصت تحقيقاتنا إلى أن هذا التابوت هو مجرد واحد من مئات القطع الأثرية التي نهبتها شبكة التهريب الدولية نفسها... ومن ثم فقد ترون ضبطيات مهمة أخرى».
وأشاد فانس بوحدة مكافحة تهريب الآثار التابعة لمكتبه لكشفها مجموعة من الوثائق المزورة والتمكن من تعقب أصل حيازة التابوت. وتُركّز الوحدة التي أنشئت قبل عامين على عالم الفنون في نيويورك بما فيه من متاحف ومعارض فنية ودور مزادات، على نحو يشبه كثيراً عمل فريق تقصي جرائم الفنون التابع لمكتب التحقيقات الاتحادي على المستوى الوطني.
وقالت السلطات المصرية، إن التابوت المليء بالنقوش المميزة ظل مدفوناً في محافظة المنيا بمصر طيلة 2000 عام، قبل سرقته في فترة الفوضى التي أعقبت ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011، ومن هناك مرّ برحلة تهريب طويلة تنقل خلالها عبر الإمارات، وألمانيا، وفرنسا، ونيويورك. وبعد عرضه بمتحف المتروبوليتان على مدى ستة أشهر، قدم المحقّقون في مكتب ادّعاء مانهاتن للمتحف أوائل هذا العام أدلة تثبت تزوير وثائق ملكية التابوت، ومنها وثيقة تُفيد بتصديره من مصر عام 1971. وكان المتحف قد أعلن في فبراير (شباط) الماضي، أنه وقع ضحية عملية احتيال عندما اشترى التابوت، وإنّه يتعاون مع تحقيق المدعي العام بالولاية.
في سياق منفصل، تستضيف مدينة سان بطرسبرغ الروسية نهاية العام الحالي، معرضاً للمستنسخات الأثرية المصرية من إنتاج وحدة إنتاج النماذج الأثرية بوزارة الآثار، لتعريف الشعب الروسي بالحضارة المصرية القديمة.
وأوضح الدكتور عمرو الطيبي، المدير التنفيذي لوحدة إنتاج النماذج الأثرية بوزارة الآثار، في بيان صحافي أمس، أن «هذا المعرض يأتي وسط اهتمام وإقبال واسعين من المواطنين الروس للتّعرف على الحضارة المصرية القديمة؛ مما يُسهم في الترويج والتسويق لزيارة مصر والتعرف على معالمها الأثرية والسياحية»، مشيراً إلى «أن المعرض سيطوف عدداً من المدن الروسية المختلفة؛ بهدف إتاحة الفرصة أمام أكبر عدد من جمهور الشعب الروسي، وبخاصة الأطفال لزيارة المعرض والتعرف على الحضارة المصرية القديمة من خلال مشاهدة عدد من أهم نماذج كنوز الآثار المصرية».
يضم المعرض 77 نموذجاً أثرياً من نماذج الآثار المصرية، من بينها رأس للملك أخناتون من الحجر الجيري يبلغ ارتفاعها نحو 1.5 متر، وتمثال نصفي للملكة نفرتيتي، وعدد من النماذج المتميزة من مجموعة الملك توت عنخ آمون، منها كرسي العرش، والعجلة الحربية، والقناع الذهبي المطعّم بالأحجار شبه الكريمة، بالإضافة إلى بعض أدوات الصيد، ومن أهمها علبة الصيد التي تحمل رسومات ومناظر رائعة للصيد، ومجموعة مميزة من حلي ومجوهرات الملك، ونماذج من مراكب الصيد التي عُثر عليها في المقبرة وعددها نحو خمسة وثلاثين مركباً، والكرسي الخاص بالاحتفالات والمناسبات الدينية الذي كان يستخدمه الملك أثناء ممارسة الطقوس والشعائر المختلفة.


مقالات ذات صلة

مصر تبدأ أعمال ترميم وتطوير متحفي أسوان والنوبة

يوميات الشرق متحف أسوان ينتظر الترميم والتطوير (وزارة السياحة والآثار المصرية)

مصر تبدأ أعمال ترميم وتطوير متحفي أسوان والنوبة

بدأت مصر مشروع ترميم وإعادة تأهيل متحفي أسوان والنوبة بجنوب البلاد لتحسين التجربة السياحية بهما

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق تمثال ثلاثي ضمن الكشف الأثري (وزارة السياحة والآثار)

مصر: اكتشاف تمائم وخواتم وحلي ذهبية بمعبد الكرنك

أعلنت مصر اكتشاف مجموعة من الخواتم والحلي الذهبية والتمائم بمعابد الكرنك في الأقصر، الجمعة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
سفر وسياحة عرض الصوت والضوء في "قلعة قايتباي" رحلة مشوقة عبر تاريخ الإسكندرية (مجلس الوزراء المصري)

«الصوت والضوء»... رحلة حيَّة في عمق التاريخ المصري القديم

ذا كنت في رحلة سياحية في مصر، فمع حلول المساء، ستجد أن عروض «الصوت والضوء»، المتنوعة والمنتشرة في المحافظات، اختياراً مثالياً للتجول عبر الزمن

محمد عجم (القاهرة)
يوميات الشرق تماثيل المتحف ترقص وتغني (إكس)

ترقص وتغني... فيديو مبتكر لتماثيل «المتحف الكبير» يلقى تفاعلاً مصرياً

تم تداول مقطع فيديو طريف على مواقع التواصل الاجتماعي في مصر، يُظهر تماثيل المتحف المصري الكبير وهي تتمايل على أنغام موسيقى صاخبة.

منى أبو النصر (القاهرة )
ثقافة وفنون مِجْمَرة على شكل رجل يحمل وعاءً تزينه أفعى مصدرها موقع البثنة في إمارة الفجيرة

مجمرة من موقع البثنة في إمارة الفجيرة

كشفت أعمال التنقيب الأثرية في الإمارات العربية المتحدة عن مواقع عدة تعود إلى العصر الحديدي، منها موقع البثنة في إمارة الفجيرة.

محمود الزيباوي

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».