للفنان المصري الرائد محمود سعيد لمسات خاصة وسحرية، يتميز بعشق للألوان، وإحساس مرهف بالضوء، يمزج في لوحاته ما بين الواقعية الحالمة والرومانسية، نرى ذلك في لوحاته، عبر نساء سمراوات ممشوقات القوام وبشرة بلون طمي النيل، أعينهن الواسعة تحمل السحر والغموض، أما النيل الأسمر ولونه الغني فهو مصدر لكثير من القوة والمعاني في لوحاته. سعيد الذي يعد رائداً للفن المصري الحديث لم يلق كثيراً من التقدير المستحق في حياته، ولكنه الآن يتمتع بثقل خاص وجاذبية تجعل من لوحاته التي تظهر بين الحين والآخر في صالات المزادات هدفاً لمقتنين دربوا أعينهم وحواسهم على التقاط موجاته الفنية المشحونة بصورة مثالية لمصر أبدعها سعيد.
بعد لوحته «آدم وحواء» التي ظهرت في مزاد دار سوذبي العام الماضي، تظهر هذا الموسم لوحة جديدة للفنان السكندري، تحمل كل عناصر الدهشة والجمال التي تميز لوحات سعيد. اللوحة تحمل اسم «بعد المطر»، نرى من خلالها منظراً يعيدنا للوحة «آدم وحواء» وكأننا أمام تكملة لها، من حيث الألوان والنخلات الباسقات ومياه النهر الزرقاء، في كل هذا نجدنا مبهورين، وأيضاً في حالة من النشوة بالألوان القوية والدافئة في ذات الوقت. «بعد المطر» تختلف عن «آدم وحواء» في أنها تخلو من الشخصيات، أمامنا فقط منظر لمنزل جذاب من الحجر بلونه الدافئ وفوقه سماء قد أفرغت خيرها وماءها على الأرض وما زالت تحمل بعض الغيوم المتفرقة، النخلة الباسقة والمثمرة تحرس الجانب الأيسر من اللوحة، شامقة تطاول السماء. بقية اللوحة تردد تيمات المبنى الحجري والأشجار، وربما نهر أو جدول من المياه الزرقاء. تستدعي اللوحة للذهن تصوير سعيد لمشاهد الريف المصري، المغلف بغلالة رومانسية تظهر تأثره بفناني الحركة التأثيرية والحديثة بأوروبا، وأيضاً تأثره بفناني عصر النهضة.
بالنسبة للخبيرة بدار «سوذبي» مي الديب، فلوحة «بعد المطر» تتشارك مع أعمال سعيد الأخرى في تصوير المكان والأجواء المحيطة، تقول لنا إن الناظر سينتقل إليه الإحساس بهذه اللوحة الساحرة. نرى أن السماء قد أغدقت خيرها على هذا المكان، ونحن الآن في مرحلة الارتواء والشبع و«النمو والبهاء وولادة شيء جديد»، وترى الديب أن الفنان عبّر في اللوحة عن «مرحلة انتقالية في حياته الفنية ستشهد نضوجه الفني وولادة أسلوب جديد».
رسم سعيد اللوحة في عام 1936 وهي الفترة التي مثلت أهم مراحله الفنية حيث يمكننا رؤية تأثير دراسته للفن الأوروبي، وتحديداً فن عصر النهضة بإيطاليا، وأيضاً تأثير فناني حركة ما بعد الانطباعية، وما فعله محمود بكل تلك المؤثرات خلق نوعاً من الواقعية المصرية الخاصة.
اللوحة التي لم تعرض من قبل بحكم وجودها ضمن مجموعة أحد المقتنين البارزين، ستقدمها «سوذبي» لجمهورها في الخليج العربي، من خلال معرض في دبي، يقام يوم 6 أكتوبر (تشرين الأول)، ثم تعود للندن لتعرض للبيع ضمن مزاد الفن العشرين وفن الشرق الأوسط في 22 أكتوبر، ووضعت لها الدار سعراً تقديرياً، يتراوح ما بين 300 ألف جنيه إسترليني إلى 400 ألف جنيه.
«بعد المطر» للفنان محمود سعيد في مزاد «سوذبي» المقبل بلندن
«بعد المطر» للفنان محمود سعيد في مزاد «سوذبي» المقبل بلندن
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة