اللاعبون الأساسيون في السياسة الإسرائيلية في ضوء انتخابات الكنيست الـ22

لا حكومة في المدى القريب

اللاعبون الأساسيون في السياسة الإسرائيلية في ضوء انتخابات الكنيست الـ22
TT

اللاعبون الأساسيون في السياسة الإسرائيلية في ضوء انتخابات الكنيست الـ22

اللاعبون الأساسيون في السياسة الإسرائيلية في ضوء انتخابات الكنيست الـ22

المهمة الأولى في إسرائيل الآن، بعد انتخاب الكنيست الـ22 هي تكليف أحد زعيمي الكتلتين الأكبر؛ بيني غانتس، أو بنيامين نتنياهو، تشكيل الحكومة المقبلة. غير أن المسألة المعقدة حقاً هي أن هناك عدة لاعبين في الساحة الحزبية يؤثرون على رئيس الدولة، رؤوبين ريفلين، في اتخاذه القرار، بينهم أفيغدور ليبرمان، وأيمن عودة، ومجموعة لاعبين يتحركون في الخفاء سيحسم أحدهم اللعبة.
مَن هو هذا اللاعب المرشح لحسم النتيجة؟ ما أوصافه وحساباته؟ وهل سيفلح... أم أن نتنياهو سيتمكن من حرق كل الأوراق عبر إشعاله حرباً ما تؤدي إلى تأجيل كل شيء، بما في ذلك تأجيل محاكمته بتهمة الفساد؟
ينشغل متابعو السياسة الإسرائيلية منذ ظهور نتائج انتخابات الكنيست (البرلمان) الـ22. في هوية وشكل الحكومة المقبلة، وبحق. فالسياسة الإسرائيلية باتت تؤثر على حيّز أوسع بكثير من شؤون الدولة العبرية الصغيرة. وصارت ذا تأثير على الشرق الأوسط وحتى بعض جوانب السياسة الدولية.
لكن هذه الحكومة لن تقوم في القريب، لأن نتائج الانتخابات أسفرت عن وضع شائك يحمل سمات الأزمة. ورئيس الدولة، رؤوبين ريفلين، صاحب صلاحية تعيين رئيس حكومة مكلف، حائر أكثر من الجميع. فلديه مرشحان لهذا المنصب، هما: خصمه اللدود رئيس الحكومة الحالي وزعيم «الليكود» بنيامين نتنياهو، ورئيس حزب الجنرالات «كحول لفان» (أزرق - أبيض)، بيني غانتس.
مشكلة ريفلين الأولى أن نتنياهو وجه له صفعة مجلجلة، ويمكن القول إنها مهينة، في الانتخابات قبل الأخيرة التي أجريت في 9 أبريل (نيسان) الماضي. ففي حينه، كلف ريفلين نتنياهو تشكيل الحكومة، لكنه فشل في مهمته. ومن ثم، كان عليه أن يعيد كتاب التكليف لرئيس الدولة كي يلقي بالمهمة على عاتق نائب غيره في «الكنيست». لكن نتنياهو التفّ على ريفلين، ولجأ إلى خدعة سياسية كانت بمثابة ضربة لمكانة وهيبة رئيس الدولة. إذ مرّر قانوناً معجّلاً في الكنيست حل بموجبه البرلمان نفسه، ما جرّ البلاد إلى انتخابات أخرى، وهو الأمر الذي لم يحدث من قبل في تاريخ السياسة الإسرائيلية.
وهكذا، فالقضية الآن هي: هل سيعيد ريفلين هذه التجربة... ويكلف نتنياهو مرة أخرى؟
حسب القانون، على ريفلين إجراء مشاورات مع قادة الأحزاب ليستمع منهم إلى توصياتهم بشأن هوية رئيس الحكومة المقبل، حسب وجهات نظرهم. فإذا كان هناك 61 توصية على أحد النواب سيكون رئيس الدولة ملزَماً بتكليفه لتشكيل الحكومة. ولكن، إذا لم يكن هناك 61 توصية، فإن القانون يتيح له أن يعين نائباً آخر يعتقد أنه قادر على تنفيذ هذه المهمة. وهنا يعطيه القانون مساحة واسعة لتحديد رئيس الحكومة المكلف. بناءً عليه، فإن كل الأنظار متجهة حالياً نحو ريفلين. ويخشى نتنياهو أن يصدر القرار بهذا الشأن بدافع من رغبة الانتقام منه، علماً بأنه كان قد اتهم ريفلين قبل شهرين بأنه يتآمر عليه مع أحد نواب «الليكود»، جدعون ساعر، الذي يحاول الإطاحة بنتنياهو من رئاسة «الليكود».
ريفلين، من جهته، قرر البدء في المشاورات مع قادة الكتل البرلمانية سريعاً، مع أن لديه مشكلة كبرى. فنتائج الانتخابات لم تعطِ صورة واضحة وقاطعة، واللاعبون في الحلبة السياسية الإسرائيلية اليوم لا يساعدونه على اتخاذ القرار الصحيح. ولكن من هم اللاعبون الأبرز:

بنيامين نتنياهو (الليكود)
بنيامين نتنياهو، رغم نكسته بالأمس، يظل أخطر اللاعبين في الحلبة؛ فنتائج الانتخابات دلت بوضوح على انخفاض قوته الحزبية والشعبية بصورة كبيرة، إذ دخل الانتخابات وهو يرأس كتلة برلمانية تضم 39 نائباً («الليكود» بـ35 مقعداً، وحزب «كلنا» برئاسة وزير المالية موشيه كحلون بـ4 مقاعد)، ومعه حزب جديد يدعى «موريشت» بقيادة موشيه فغلين، الذي أقنعه نتنياهو بأن ينسحب من المعركة ويدعو الناس إلى التصويت لـ«الليكود» مقابل قطع وعد له بأن يعينه وزيراً. وعليه، إذا قدّرنا قوته بمقعدين اثنين، يكون نتنياهو خاض المعركة بـ41 مقعداً. ولكن النتائج دلت على أنه حصل على 31 مقعداً فقط، أي أنه خسر 10 مقاعد.
جاءت خسارة نتنياهو لعدة أسباب:
أولاً، هو الذي تسبب بإعادة الانتخابات والجمهور يعاقب عادة من يجره إلى انتخابات زائدة، كلفتها تقارب مليار دولار أميركي.
وثانياً، خسر نتنياهو أصوات الإثيوبيين، فقبل ثلاثة شهور قتلت الشرطة شاباً إثيوبياً لأسباب تافهة، وأثار هذا الحادث غضباً شديداً على الشرطة والحكومة.
وثالثاً، خسر نتنياهو أصوات سكان البلدات اليهودية المحيطة بقطاع غزة، لأن هؤلاء يشعرون بأن نتنياهو فشل بوقف صواريخ «حماس». وهم يتهمونه بأنه يجري مفاوضات للتفاهم مع «حماس»، ويسمح لقطر بتمويلها بقيمة 30 مليون دولار تدخل إلى القطاع في كل شهر، ومع هذا، الصواريخ لم تتوقف.
ورابعاً، بدأت وسائل الإعلام تنشر مقاطع من بروتوكولات التحقيق مع نتنياهو وبقية المتهمين والشهود في ملفات الفساد الموجهة ضده، وفيها تفاصيل مذهلة عن مستوى الفساد ورخصه. وعلى سبيل المثال، كشفوا كيف اتصلت زوجته سارة، ذات مرة، من القدس، بجارها الثري في بلدة قيساريا الساحلية، وطلبت منه أن يرسل لها صابونة حلاقة في يوم السبت. فتساءل: «أنت تريدينني أن أرسل إليك صابون حلاقة من قيساريا إلى القدس اليوم (السبت)؟ ألا يوجد عندكم صابون حلاقة حقّاً؟ فأجابته: هل تريد أن يخرج رئيس الحكومة من البيت من دون صابون حلاقة؟»، فأرسل إليها الصابون بسيارة أجرة خاصة. وتوجد مثل هذه القصص وأكثر.
وخامساً، الجمهور بدأ يمقت نتنياهو ويشعر بضرورة تغييره.
رغم كل هذا، نتنياهو لا يستسلم. فهو يعرف بأنه في حال خسارة منصبه في رئاسة الحكومة سيجلس في قفص الاتهام بسبب ملفات الفساد الثلاثة المفتوحة ضده. وهو لذا يسابق الزمن. ففي الثالث من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، سيعقد المستشار القضائي للحكومة جلسة استماع له، ليقرّر بعدها توجيه أو عدم توجيه لائحة اتهام ضده. والمقرّبون من الملفات يؤكدون أن المستشار أبيحاي منلبليت، كان يتمنى أن يستطيع منح حبل النجاة لنتنياهو، فهو الذي شغل منصب سكرتير حكومته. ونتنياهو هو الذي عيّنه مستشاراً قضائياً. لكن الملفّات قوية، وفيها أدلة راسخة، لدرجة أنه لا يستطيع الامتناع عن توجيه لائحة اتهام ضده.
بالمختصر إذن، فإن نتنياهو يريد أن يبقى رئيس حكومة بأي ثمن، لأنه في رئاسة الحكومة يستطيع إدارة المحكمة من مركز قوة. لكنه في حال تعيينه وزيراً في حكومة برئاسة غانتس، مثلاً، سيكون عليه الاستقالة من الوزارة في حال توجيه لائحة اتهام ضده. وعندما نقول: «بأي ثمن»، نقصد ذلك. فمن شأن نتنياهو أن يسعى لإشعال حرب إذا استطاع، كما كشف عشية الانتخابات، إذ سبق أن حاول شنّ حرب على قطاع غزة لكن قادة الجيش رفضوا، والمستشار القضائي أبلغه بأن هذا غير قانوني. في الوقت الحاضر يحاول نتنياهو الاكتفاء بالألاعيب السياسية؛ إذ خرج إلى الجمهور بعد الانتخابات، يخطب وكأنه حقق النصر. وجمع رؤساء الأحزاب اليمينية والدينية، واتفق معهم على التوجه إلى مفاوضات الائتلاف ككتلة واحدة، مؤلفة من 55 نائباً (الليكود: 31 وحزب اليهود الشرقيين المتدينين «شاس»: 9 مقاعد، وحزب اليهود المتدينين الغربيين «يهدوت هتوراة»: 8 مقاعد، وحزب «يمينا» المتطرف: 7 مقاعد). ووقعوا على وثيقة أعدها لهم يتعهدون فيها بألا يدخلوا أي ائتلاف حكومي إلا جماعة معه.
وبعد هذا توجه إلى غانتس يقترح عليه اللقاء معه للتحدّث حول إمكانية تشكيل «حكومة وحدة وطنية» معه.

بيني غانتس (أزرق - أبيض)
بيني غانتس، اللاعب الأول، من حيث عدد الأصوات، والثاني من حيث الأهمية، إذ حصل على 33 مقعداً، أي بخسارة مقعدين عن الانتخابات الأخيرة. وتُعتبر هذه النتيجة بمثابة نجاح كبير نسبياً لحزبه، الذي أصبح منافساً جدياً على السلطة في غضون ثمانية شهور من تأسيسه. وتفوّق على نتنياهو رغم أنه أدار معركة انتخابية باردة، بلا إثارة وبلا حماس.
أهمية غانتس تكمن فيما يمثله ويعبر عنه من مصالح؛ فهو جنرال في الجيش شغل منصب رئيس الأركان حتى عام 2015. ومعه أربعة رؤساء أركان سابقون، بينهم وزير دفاع سابق. ومعه ضباط كبار سابقون في الاستخبارات والشرطة.
إنه ببساطة يمثل مصالح «المؤسسة الأمنية» الإسرائيلية بكل صنوفها. وعندما فُرزت نتائج التصويت بين الجنود، تبين أن غانتس حظي بعدد أصوات أكبر بكثير من نتنياهو. ووفقاً لحسابات مهنية، فلو كان الإسرائيليون يسلمون الانتخابات للجيش لكانوا انتخبوا غانتس بلا منازع، إذ حصل على 38 في المائة من الأصوات مقابل 31 في المائة لنتنياهو.
غانتس رفض دعوة نتنياهو، ورد عليه بالقول إنه هو الفائز في الانتخابات. وفي محادثات سرّية غير مباشرة بينهما قال غانتس إنه وعد الجمهور بحكومة وحدة مع «الليكود» لكن من دون نتنياهو، ولكن إذا كان يصرّ على الاستمرار في الحياة السياسية فإنه (أي غانتس) مستعد لقبوله وزيراً في منصب كبير، نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية مثلاً. لكن غانتس يعرف أن نتنياهو لن يوافق على هذا العرض؛ فهو يريد فقط منصب رئيس حكومة، لذا بدأ يجس النبض لدى بقية الكتل.
مع غانتس يوجد الآن 44 نائباً مضموناً، هم 33 من حزبه، و6 من حزب العمل - جيشر بقيادة عمير بيرتس، و5 من حزب «ميرتس» المتحالف مع إيهود باراك. وهو يحاول التفاهم مع أفيغدور ليبرمان، الذي حصل على 8 مقاعد، فيصبح له 54 نائباً. ولكي يتغلب على نتنياهو، يحتاج غانتس إلى تأييد النواب العرب في «القائمة المشتركة». وهنا توجد معضلة مزدوجة: فأولاً، ليبرمان يرفض أن يوصي على غانتس عند رئيس الدولة إذا كان العرب سيوصون عليه أيضاً. وثانياً، في «القائمة المشتركة» نفسها يوجد خلاف محتدم حول الموضوع، فرئيس القائمة، أيمن عودة، يؤيّد التوصية على غانتس في حال التوصل معه إلى اتفاق يتعهَّد فيه بأن يستأنف المفاوضات السلمية مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ويتعهَّد بإلغاء قانون القومية، ويلتزم بتحقيق المساواة للعرب. ولكن هناك قسماً غير قليل يرفض أي تفاهم مع أي حزب صهيوني على أي شيء.

أيمن عودة (القائمة المشتركة)
في الحلبة السياسية ثمة إقرار بأن شخصية أيمن عودة أسهمت إسهاماً كبيراً في نجاح «القائمة المشتركة». ولم يكن ذلك فقط بسبب قربه من الناس ومن جيل الشباب، بل بالأساس بسبب طروحاته السياسية الجديدة والجريئة؛ إذ قال إنه يؤيد الدخول في ائتلاف حكومي مع قوى اليسار والوسط الإسرائيلية، إذا وافقت على شروطه، باستئناف عملية السلام على أساس حل الدولتين مع الرئيس الفلسطيني، وتعهَّدت بإنهاء سياسة التمييز، وإلغاء قانون القومية، وانتهجت سياسة مساواة كاملة للعرب. وكمن يقرأ الخريطة السياسية العربية في إسرائيل، يعرف عودة أن 72 في المائة من الجمهور العربي و80 في المائة من مصوّتي «القائمة المشتركة» يريدون للنواب العرب أن يؤثروا على الحياة السياسية في إسرائيل، وألا يبقوا في موقع المعارضة وسياسة الاحتجاج والرفض.
غانتس أبدى تجاوباً مع عودة بشكل مبدئي، طالباً أولاً أن يوصي عليه كرئيس حكومة مكلّف، وأن يصوت مع مندوب حزب «كحول لفان» لتولي منصب رئيس «الكنيست» في 3 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل. وسيكون على عودة أن يقنع رفاقه في «القائمة المشتركة» بذلك، وهذه مهمة تبدو صعبة للغاية، وفيها يواجه عودة معارضة من داخل حزبه (الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة)، وليس فقط في بقية أحزاب «القائمة المشتركة». مع هذا، يحاول عودة إقناعهم بذلك من خلال التحذير بأن عدم التوصية على غانتس يعني أن يحظى نتنياهو بهذا التكليف، والتخلف عن دعم مرشح «كحول لفان» لرئاسة «الكنيست» يعني أن يتولاها ممثل نتنياهو، يولي أدلشتاين.

أفيغدور ليبرمان (إسرائيل بيتنا)
منذ بداية المعركة الانتخابية الأخيرة، وضع أفيغدور ليبرمان خطة لأن يكون «بيضة القبان» في الحلبة السياسية؛ فهو يصرّ على تشكيل «حكومة وحدة وطنية» بين «الليكود» و«كحول لفان»، يكون هو فيها الإشبين. وهو يرفض سعي نتنياهو إلى ضم الأحزاب الدينية لهذه الحكومة، وفي المقابل، يرفض رغبة غانتس في ضم العرب.
بفضل هذا الموقف، حظي ليبرمان بثمانية مقاعد، بعدما كانت كتلته من 5 نواب فقط في انتخابات أبريل. ولكن ليبرمان يُعتبر أحد أكثر السياسيين مَنهجية. ولقد سهّل المهمة على غانتس عندما قال إنه سيمنع إجراء انتخابات ثالثة هذه السنة، أي أنه في النهاية سيسهم في وضع حلول للعقبات. ولهذا يحاول غانتس إقناعه حالياً بأن التعاون مع «القائمة المشتركة» سيكون مؤقتاً. ويقول له: «نحصل على تأييد العرب فقط للتوصية أمام الرئيس فهم ليسوا معنيين بالدخول إلى الائتلاف. وهكذا، فنقيم حكومة من دونهم، وندخل إليها (حزب الليكود) من دون نتنياهو لاحقاً. فنتنياهو سيسقط عن الحلبة بمجرد تكليفي بتشكيل الحكومة، لأن المستشار القضائي للحكومة سيوجه له لوائح الاتهام».
وهكذا يبني غانتس كثيراً على تعاون ليبرمان، لكن هذا لا يفصح بعد عن قراره النهائي. وفي هذه الأثناء يجري محاولات لسحب نواب من «الليكود» لصالحه، من أولئك المتذمرين بصمت من نتنياهو.

من أين يمكن أن يأتي الحل ؟
> هناك إجماع في الوسط السياسي الإسرائيلي على أنه لن تقوم حكومة في هذه المرة إلا إذا تراجع أحد اللاعبين الكبار عن تصريحاته الانتخابية، وأعلن أنه «بسبب حالة الطوارئ التي وصلنا إليها، وبسبب القناعة بأن التوجه لانتخابات ثالثة أمر خاطئ بشكل فاحش لا يجوز تكراره... قرّر تغيير موقفه».
مَن سيكون هذا اللاعب؟ حتماً، نتنياهو لن يكون، لأن تراجعه يعني دخوله السجن. لكن هناك من ينصحه علناً بأن يبرم صفقة شاملة: الاتفاق مع النيابة على إلغاء الاتهامات ضده مقابل اعتزاله السياسة. مثل هذا الأمر حصل في إسرائيل ذات مرة، إذ جرى إقناع رئيس الدولة عيزر فليتسمان بالتخلي عن منصبه مقابل إغلاق ملفات فساد ضده. ومن ثم، نزل عن كرسيه باحترام.
غانتس كان قد أعلن أنه لن يخدم في حكومة واحدة مع نتنياهو، وبالتأكيد، ليس تحت رئاسة نتنياهو. وعن هذا يصعب التراجع. لكنه في حال قبول «الليكود» برئاسة نتنياهو في حكومته ومنحه وزارة مهمة، يمكن أن يكون هذا الإجراء مؤقتاً إلى حين يتقرر مصير لوائح الاتهام. وعندها يستقيل نتنياهو وتصبح كتلة «الليكود» صالحة أكثر للتحالف. ولذا، فإن ليبرمان يبدو أقرب الشخصيات السياسية إلى التراجع، ولعب دور المسؤول الذي يضع مصلحة البلاد فوق مصلحته الشخصية. وبما أنه تعهَّد بأنه لا يسمح بإعادة الانتخابات، فهو من أجل الإيفاء بالوعد يمكن أن يتراجع عن أحد، أو بعض، مطالبه.
طبعاً، هناك آخرون يمكنهم أن يتراجعوا عن مواقفهم من الأحزاب الأخرى، مثلاً:
- أرييه درعي، رئيس حزب «شاس». فمع أن درعي التزم لنتنياهو، فإنه في حال تكليف غانتس، والتوصل إلى قناعة بأن نتنياهو لن يستطيع تشكيل حكومة، قد يغير موقفه وينضم إلى غانتس. وللعلم، كان قد صرح بعيد الانتخابات بأن «اليهود يدخلون الآن إلى شهر التسامح ويزيلون خلافاتهم ويتآخون من جديد». وربما تكون هذه إشارة إلى التسامح مع خصومه، وبالذات، يائير لبيد، من حزب غانتس، وأفيغدور ليبرمان.
- أييلت شكيد (وزيرة العدل السابقة) ونفتالي بنيت، من حزب «يمينا». هذان السياسيان المتطرفان سارعا إلى الانفصال عن حزب «يمينا» والعودة إلى حزبهما السابق (البيت اليهودي)، ولهما اليوم 3 من نواب حزب «يمينا». ومن غير المستبعد أن يتقدّما خطوة أخرى إلى اليسار وينضما إلى غانتس، خصوصاً أنهما على خلاف شديد مع نتنياهو.
- عمير بيرتس، رئيس حزب العمل. بيرتس في اليسار اليوم، وكان من القلائل في هذه الانتخابات الذين تحدثوا عن عملية السلام، ودعا غانتس إلى إدخال العرب في الائتلاف الحكومي معه، لكنه في الوقت نفسه يرى أن لديه مسؤولية كبرى لإنقاذ حزبه من الاندثار. فـ«حزب العمل»، هو الذي قاد الحركة الصهيونية منذ تأسيسها قبل 120 سنة، وأسس إسرائيل وقادها بلا منازع من 1948 وحتى 1977، وعدة سنوات بعدها. ويرى كثيرون فيه أنه لن تقوم قائمة لهذا الحزب إلا إذا انعطف يميناً واسترد مؤيديه.
- أعضاء في حزب غانتس، يسعى نتنياهو لسحبهم من صفوف حزبهم، وضمهم إلى «الليكود» مقابل مغريات كثيرة.
كل هذه احتمالات واردة، سبق أن شهدت الحلبة السياسية الإسرائيلية مثيلاً لها في التاريخ. فإذا لم يكن هناك تغير جماعي لدى أحد الأحزاب أو أكثر، سيكون تغير وخيانات فردية تؤدي إلى تغيير في القوى. ولكن التغيير الذي يمكن أن يحدث ولا أحد يصمد فيه، هو أن يقنع نتنياهو الجيش بشن حرب، وعندها يتأجل كل شيء، بما في ذلك محاكمة نتنياهو.



أميركا اللاتينية منقسمة إزاء التعايش مع ترمب «العائد»

الرئيس الأرجنتيني اليميني خافيير ميلي مع ترمب "حليفه الأكبر" في واشنطن خلال فبراير (شباط) الماضي (رويترز والرئاسة الأرجنتينية)
الرئيس الأرجنتيني اليميني خافيير ميلي مع ترمب "حليفه الأكبر" في واشنطن خلال فبراير (شباط) الماضي (رويترز والرئاسة الأرجنتينية)
TT

أميركا اللاتينية منقسمة إزاء التعايش مع ترمب «العائد»

الرئيس الأرجنتيني اليميني خافيير ميلي مع ترمب "حليفه الأكبر" في واشنطن خلال فبراير (شباط) الماضي (رويترز والرئاسة الأرجنتينية)
الرئيس الأرجنتيني اليميني خافيير ميلي مع ترمب "حليفه الأكبر" في واشنطن خلال فبراير (شباط) الماضي (رويترز والرئاسة الأرجنتينية)

من شائع القول، أن الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة يجب أن تكون مفتوحة لمشاركة جميع سكان العالم، لما لنتائجها من تأثير سياسي واقتصادي وأمني على الصعيد الدولي الواسع. لكن مما لا شك فيه أن أميركا اللاتينية التي تعد «الحديقة الخلفية» لواشنطن، والتي طالما كان ليد الإدارات الأميركية الطولى وأجهزة استخباراتها الدور الحاسم في تحديد خياراتها السياسية والاقتصادية، هي الأشد تأثراً بوجهة الرياح التي تهبّ من البيت الأبيض. «الصوت اللاتيني» كان هذه المرة موضع منافسة محتدمة بين الجمهوريين والديمقراطيين خلال الحملة الانتخابية، وكان راجحاً في كفّة المرشح الفائز، كما دلّ على أهميته قرار الرئيس العائد دونالد ترمب اختيار منافسه في الانتخابات الأولية، السيناتور الكوبي الأصل ماركو روبيو، لمنصب وزير الخارجية في الإدارة الجديدة. إلا أن ردود الفعل في بلدان أميركا اللاتينية على فوز دونالد ترمب بولاية رئاسية ثانية، جاءت متفاوتة ومتأرجحة بين القلق الدفين في أوساط الأنظمة اليسارية والتقدمية، والابتهاج الظاهر بين الحكومات والأحزاب المحافظة واليمينية المتطرفة.

أول المحتفلين بفوز الرئيس دونالد ترمب والمُنتشين لعودته إلى البيت الأبيض كان الرئيس الأرجنتيني اليميني المتطرف خافيير مَيلي الذي سارع، بعد أسبوع من إعلان الفوز، لملاقاته في مقره بولاية فلوريدا حيث أعرب له عن «استعداد الأرجنتين الكامل لمساعدته على تنفيذ برنامجه».

أيضاَ، المعارضة البرازيلية التي يقودها الرئيس اليميني المتطرف السابق جايير بولسونارو - الذي يخضع حالياً للمحاكمة بتهمة التحريض على قلب نظام الحكم وهو ممنوع من السفر خارج البلاد - لم تكن أقل ابتهاجاً من الرئيس الأرجنتيني أو المعارضة الفنزويلية التي عادت لتعقد الآمال مجدّداً على رفع منسوب الضغط الأميركي على نظام نيكولاس مادورو اليساري في فنزويلا والدفع باتجاه تغيير المعادلة السياسية لصالحها.

حذر في المكسيك

في المقابل، حاولت السلطات المكسيكية من جهتها إبداء موقف حذر على الرغم المخاوف التي تساورها من أن يفي الرئيس الأميركي العائد بالوعود التي قطعها خلال الحملة الانتخابية حول الهجرة والتجارة ومكافحة المخدرات، والتي تجعل من المكسيك أكثر بلدان المنطقة تعرّضاً لتداعيات السياسة الشعبوية المتشددة التي ستتبعها إدارته الثانية اعتباراً من العام المقبل. ومعلوم أن ترمب كان قد جعل من بناء «الجدار» على الحدود الفاصلة بين المكسيك والولايات المتحدة عنواناً لحملته الانتخابية الأولى وأحد ركائز حملته الثانية، إلى جانب خطابه العنصري المناهض للمهاجرين المكسيكيين الذين يشكلون الغالبية الساحقة من المهاجرين اللاتينيين إلى الولايات المتحدة. كذلك، كان ترمب قد هدد الرئيسة المكسيكية الاشتراكية الجديدة كلاوديا شاينباوم بفرض رسوم جمركية بنسبة 25 في المائة على السلع المستوردة من المكسيك ما لم تمنع تدفق المهاجرين من أميركا الوسطى إلى الولايات المتحدة عبر أراضي المكسيك.

الرئيسة شاينباوم قلّلت من شأن تهديدات ترمب، وقالت إن بلادها - كالعادة - «ستتمكن من تجاوز الأزمة»، لكن لا أحد يشك في أن الدولة المرشحة لأكبر قدر من الضرر جرّاء عودة ترمب إلى البيت الأبيض هي المكسيك، أولاً نظراً لكونها الشريك التجاري الأول للولايات المتحدة، وثانياً لأن العلاقات بين البلدين المتجاورين هي أشبه بزواج لا طلاق فيه.

من جهة ثانية، كان لافتاً أن سوق المال (البورصة) المكسيكية لم تتعرّض لأي اهتزازات تذكر بعد إعلان فوز ترمب، خلافاً لما حصل بعد فوزه بالولاية الأولى عام 2016. وهو ما يدلّ على التأقلم مع أسلوبه والتكيّف معه، وأيضاً على متانة «اتفاقية التجارة الحرة» بين المكسيك وكندا والولايات المتحدة كإطار يحكم المبادلات التجارية بين البلدان الثلاثة.

المشهد البرازيلي

في البرازيل، كما سبقت الإشارة، كان الرئيس السابق جايير بولسونارو بين أوائل المهنئين بفوز دونالد ترمب. إذ أعرب عن ابتهاجه لهذا «النصر الأسطوري الذي منّ به الله تعالى على الولايات المتحدة والعالم»، في حين اكتفت حكومة الرئيس الحالي اليساري الحالي لويس إيناسيو (لولا) بالطقوس الدبلوماسية المألوفة، بعدما كان «لولا» قد أعلن صراحة دعمه لمرشحة الحزب الديمقراطي نائبة الرئيس المودّعة كمالا هاريس.

أكثر من هذا، تابع إدواردو بولسونارو، نجل الرئيس السابق والعضو في مجلس النواب البرازيلي، عملية فرز نتائج الانتخابات الأميركية في منزل ترمب بفلوريدا، حيث صرّح بعد إعلان الفوز: «ها نحن اليوم نشهد على قيامة مقاتل حقيقي يجسد انتصار الإرادة الشعبية على فلول النخب التي تحتقر قيمنا ومعتقداتنا وتقاليدنا». وبالمناسبة، لا يزال بولسونارو «الأب» عازماً على الترشّح للانتخابات الرئاسية البرازيلية في عام 2026. على الرغم من صدور حكم قضائي مُبرم يجرّده من حقوقه السياسية حتى عام 2030 بتهمة سوء استخدام السلطة والتحريض على الانقلاب.

بالتوازي، كان «لولا» قد تعرّض للانتقاد بسبب تأييده الصريح لهاريس، الذي ضيّق كثيراً هامش المناورة أمامه بعد هزيمتها. لكنه علّق بعد تهنئته ترمب: «الديمقراطية هي صوت الشعب الذي يجب احترامه».

اليوم يعتقد أنصار بولسونارو أن المشهد السياسي الأميركي الجديد، والدور الوازن الذي يلعبه الملياردير إيلون ماسك داخل إدارة ترمب، قد يشكّلان ضغطاً على الكونغرس البرازيلي والمحكمة العليا لإصدار عفو عن الرئيس البرازيلي السابق يتيح له الترشح في انتخابات عام 2026 الرئاسية. أما على الصعيد الاقتصادي، فتخشى البرازيل، في حال قرّر ترمب رفع الرسوم الجمركية وفرض إجراءات حمائية، خفض صادراتها إلى الولايات المتحدة وتراجعاً في قيمة موادها الخام. كذلك، من شأن إغلاق السوق الأميركية أمام السلع الصينية أن يؤدي إلى خفض الطلب على المواد الخام التي تشكّل عماد المبادلات التجارية البرازيلية. أما على الصعيد البيئي، فقد حذرت وزيرة البيئة البرازيلية مارينا سيلفا من أن الأسرة الدولية ستكون مضطرة لمضاعفة جهودها للحد من تداعيات أزمة المناخ إذا قرر ترمب المضي في تنفيذ سياساته البيئية السلبية المعلنة.

مَيلي متحمّس ومرتاح

الرئيس الأرجنتيني خافيير مَيلي، من جانبه، احتفى بفوز ترمب على وسائل التواصل الاجتماعي، وتعهد بالتعاون مع إدارته لتنفيذ برنامجه الانتخابي، معوّلاً على استثمارات أميركية ضخمة في القطاعات الإنتاجية الأرجنتينية. وانضمّ أيضاً إلى «التهاني» من معسكر اليمين الأرجنتيني الرئيس الأسبق ماوريسيو ماكري، الذي يشارك حزبه المحافظ في حكومة مَيلي الائتلافية، والذي سبق أن كان شريكاً لترمب في صفقات عقارية في الولايات المتحدة.

يُذكر أن ترمب كان قد لعب دوراً حاسماً في منح صندوق النقد الدولي قرضاً للأرجنتين بقيمة 44 مليار دولار أميركي عام 2018 ما زالت عاجزة عن سداده. وفي حين يأمل مَيلي بأن تساعده الإدارة الأميركية الجديدة بالحصول على قرض جديد من صندوق النقد يحتاج إليه الاقتصاد الأرجنتيني بشدة للخروج من أزمته الخانقة، فإنه يعرف جيداً أن ترمب سيكون بجانبه في «الحرب الثقافية» التي أعلنها على اليسار الدولي وأجندته التقدمية.

فنزويلا وكوبا

في الدول الأميركية اللاتينية الأخرى، علّق إدموندو غونزاليس أوروتيا، مرشح المعارضة في الانتخابات الرئاسية الفنزويلية - المنفي حالياً في إسبانيا والذي تدلّ كل المؤشرات على فوزه - علَّق على فوز ترمب بوصفه هو أيضاً الفائز الذي اعترفت به دول عدة بينها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، فقال: «هذه إرادة الشعب الأميركي وأهمية التناوب على الحكم».

أما زعيمة المعارضة ماريا كورينا ماتشادو، التي اضطرت للتنازل عن ترشيحها لصالح غونزاليس بعدما جرّدها القضاء من حقوقها السياسية - فقد هنأت ترمب بقولها: «نعرف أنك كنت عوناً لنا دائماً، والحكومة الديمقراطية التي اختارها الشعب الفنزويلي ستكون حليفاً موثوقاً لإدارتك».

من الجانب الآخر، اختارت الحكومة الفنزويلية اليسارية التزام الحذر في تعليقها الأول على فوز ترمب، وجاء في تهنئتها البروتوكولية: «نوجه التهنئة لشعب الولايات المتحدة على هذه الانتخابات. إن فنزويلا على استعداد دائماً لإقامة علاقات مع الإدارات الأميركية في إطار الحوار والرشد والاحترام». وأضاف البيان الذي صدر عن الرئاسة الفنزويلية مستحضراً خطابه المعهود: «إن الاعتراف بسيادة الشعوب وحقها في تقرير مصيرها هو الأساس لقيام عالم جديد يسوده التوازن بين الدول الحرة»، في إشارة إلى المفاوضات المتعثّرة منذ سنوات بين واشنطن وكاراكاس لإيجاد مخرج من الأزمة الفنزويلية التي تمرّ اليوم بأكثر مراحلها تعقيداً. وهنا تجدر الإشارة إلى أن ترمب كان قد فرض إبان ولايته الرئاسية الأولى ما يزيد عن مائة عقوبة على فنزويلا، وانتقد بشدة قرارات إدارة بايدن برفع بعضها. غير أنه ليس واضحاً بعد كيف ستكون مقاربته لهذا الملف، خاصة، أن فنزويلا يمكن أن تساعد على تلبية الاحتياجات الأميركية من الطاقة في ظروف دولية معاكسة بسبب الحرب في أوكرانيا والاضطرابات في الشرق الأوسط.

وبما يخصّ كوبا، تحمل ولاية ترمب الثانية في البيت الأبيض معها أيضاً «سحباً سوداء» فوق كوبا التي تتوقع تشديد العقوبات والمزيد منها. وكان ترمب قد حطّم جميع الأرقام القياسية في العقوبات التي فرضها على النظام الكوبي، وأدرجها على قائمة «الدول الراعية للإرهاب»، الأمر الذي يضفي صعوبات جمّة على علاقات الدولة الكوبية المالية مع الخارج. ويلفت أن الحكومة الكوبية - حتى كتابة هذه السطور - لم تعلّق بعد على فوز دونالد ترمب بولاية ثانية.

تحمل ولاية ترمب الثانية في البيت الأبيض

معها «سحباً سوداء» فوق كوبا

التي تتوقع تشديد العقوبات

الرئيس المكسيكية الاشتراكية كلاوديا شاينباوم (رويترز)

كولومبيا تثير موضوع غزة

كولومبيا أيضاً يسود فيها الترقّب الحذر لمعرفة الوجهة التي ستسير بها العلاقات بين ترمب والرئيس الكولومبي اليساري غوستافو بترو اللذين لا يجمع بينهما أي رابط شخصي أو عقائدي. بيد أن هذا لم يمنع بترو من توجيه رسالة تهنئة إلى الرئيس الأميركي العائد لعلها الأكثر صراحة في مضمونها السياسي والمواضيع التي ستتمحور حولها علاقات المعسكر التقدمي في أميركا اللاتينية مع الإدارة الأميركية اليمينية المتشددة الجديدة. وجاء في رسالة بترو: «إن السبيل الوحيد لإغلاق الحدود يمرّ عبر ازدهار بلدان الجنوب وإنهاء الحصار»، في إشارة واضحة إلى العقوبات الأميركية المفروضة على فنزويلا وكوبا. ثم تناولت الرسالة موضوع غزة، الذي يستأثر باهتمام كبير لدى الرئيس الكولومبي، وأوردت: «الخيار التقدمي في الولايات المتحدة لا يمكن أن يقبل بالإبادة التي تتعرّض لها غزة».

باقي اليمين يرحب

في المقابل، اكتفت رئيسة البيرو، دينا بولوارتي، التي منذ سنة لا تتمتع بتأييد سوى 8 في المائة من مواطنيها، بتوجيه رسالة تهنئة «للمرشح دونالد ترمب على فوزه في الانتخابات الديمقراطية التي أجريت في الولايات المتحدة»، بينما غرّد دانيال نوبوا، رئيس الإكوادور اليميني الذي تشهد بلاده أزمة سياسية وأمنية عميقة منذ أشهر، على حسابه مرحباً: «مستقبل زاهر ينتظر قارتنا بفوز دونالد ترمب».

وفي تشيلي - التي يحكمها اليسار - كان أول المهنئين خوسيه أنطونيو كاست، زعيم الحزب الجمهوري اليميني المتطرف الذي يطمح للفوز في الانتخابات الرئاسية العام المقبل. وفي المقلب الآخر، على الصعيد الرسمي بادر وزير الخارجية التشيلي ألبرتو فان كلافيرين إلى التهنئة المبكرة قائلاً: «نتيجة الانتخابات كانت واضحة وكاشفة على أكثر من صعيد. نقيم علاقة دولة مع الولايات المتحدة، والعلاقات هي بين الدول، ونطمح لأفضلها مع حكومة الرئيس ترمب الجديدة». أما الرئيس التشيلي اليساري غابريل بوريتش، الذي كان آخر المهنئين بين زعماء المنطقة، فجاء في رسالته: «تؤكد تشيلي التزامها توطيد العلاقات مع الولايات المتحدة من أجل تحقيق تنمية شاملة، واحترام حقوق الإنسان والعناية بالديمقراطية».

 

حقائق

واقع العلاقات والمخاوف في أميركا الوسطى

في أميركا الوسطى، وتحديداً السلفادور، وعلى الرغم من العلاقات الجيدة التي تربط رئيسها نجيب أبو كيلة (الفلسطيني الأصل) مع دونالد ترمب، كما تَبيّن خلال الولاية الأولى للرئيس الأميركي المنتخب، فإن ثمة مخاوف ملموسة من التهديدات التي أطلقها ترمب خلال حملته الانتخابية بطرد جماعي للمهاجرين غير الشرعيين. للعلم، فإن ملايين من مواطني السلفادور يعيشون في الولايات المتحدة بصورة غير شرعية، ويُشكِّلون مصدر الدعم الاقتصادي الأساسي لعائلاتهم في وطنهم الأم. وحقاً تعدّ تحويلات المهاجرين الواردة من الولايات المتحدة المحرّك الرئيسي لاقتصاد السلفادور، إذ بلغت في العام الماضي ما يزيد على 5 مليارات دولار.وراهناً، يسود الاعتقاد بين المراقبين الأميركيين اللاتينيين - على امتداد القارة - بأن دونالد ترمب، الذي استطاع خلال 8 سنوات أن يهدم المجتمع الأميركي ويعيد تشكيله على مزاجه وهواه، يشكّل اليوم - في أحسن الأحوال - مصدر قلق عميق بالنسبة لبلدان المنطقة. ويتوقع هؤلاء أن تكون التداعيات المحتملة لولايته مرهونةً بأمرين: الأول، مدى اعتماد هذه البلدان سياسياً واقتصادياً على الولايات المتحدة. والثاني، أين سيكون موقع أميركا اللاتينية بين أولويات السياسة عند الإدارة الجديدة في واشنطن.