سنوات السينما

ويس ستودي في «جيرونيمو»
ويس ستودي في «جيرونيمو»
TT

سنوات السينما

ويس ستودي في «جيرونيمو»
ويس ستودي في «جيرونيمو»

Geronimo‪:‬ An American Legend
> إخراج: وولتر هِل
> الولايات المتحدة (1993)
> تقييم:

وعود منقوضة ومصير بائس
يذهب فيلم «جيرونيمو، أسطورة أميركية» لما هو أبعد من مجرد القول إن «الهنود الحمر» هم المواطنون الحقيقيون للقارة الأميركية وللولايات المتحدة بالذات. فيلم المخرج الجيد وولتر هِل ينتمي إلى تلك الأعمال التي تشيد ببطولة محاربين يدافعون عن أراضيهم أمام غزو الأميركيين البيض لها. وعبر إشادتها تتحدث عن قوّتين غير متكافئتين تقود الأولى القيادة العسكرية بكل قدراتها وتحتوي الثانية على المقاتلين من قبيلة الأباتشي، بقيادة زعيمها جيرونيمو، الذين رفضوا الانصياع بترك السلاح جانبا والاستسلام لمصير من الحياة في المعسكرات.
ينتمي الفيلم كذلك إلى سينما الغرب الأميركي الذي اتهم، من قبل الآيديولوجيين، بأنه دائماً ما صوّر القبائل الأميركية من وجهة نظر معادية. مثل «سهم مكسور» (دلمر ديفز، 1950) و«خريف الشايين» (جون فورد، 1962) و«ليتل بيغ مان» (آرثر بن، 1970) ثم «رقص مع الذئاب» (كيفن كوستنر، 1992)، يمضي «جيرونيمو، أسطورة أميركية» منتقداً المعاملة التي تعرضت إليها القبائل الأميركية ممثلة هنا بالقبيلة التي حاربت المد الاستيطاني طويلاً.
ما يفعله المخرج هِل هو منحهم حق الدفاع عن أراضيهم، من ناحية ومن ناحية أخرى تقديم جيرونيمو، وهو شخصية حقيقية حاربت الجيشين الأميركي والمكسيكي في ثمانينات القرن التاسع عشر لأكثر من عشر سنوات بـ34 مقاتلاً فقط، كبطل يدافع عن حقوق ما تبقى من شعبه وأرضه.
نجد مات دامون في دور الضابط الذي سيتلو علينا تعليقه الصوتي على الفيلم على شكل ذكرياته حول الحملة التي أطلقت للبحث عن الزعيم الهندي جيرونيمو (أدّاه الممثل ويس ستودي وهو من قبيلة شيروكي أساساً) بقيادة الجنرال كروك (جين هاكمن). منذ البداية يحدد الفيلم، كما كتبه جون ميلوس (مخرج آخر جيد ومنسي) اختياراته: الحكومة الأميركية كانت أخلّت بوعدين قطعهما العسكر مع جيرونيمو. إلى ذلك، فإن المكان الذي كان تم نقل القبيلة إليه صحراوي لا ينفع الحرث فيه ولا يوجد في جواره أي حيوانات يمكن صيدها لدرء الجوع. تبعاً لذلك قرر جيرونيمو العودة إلى السلاح ومقاتلة البيض الذين نقضوا الاتفاق. الجنرال كوك في مقابلته الأخيرة مع جيرونيمو يحاول أن يثنيه فيحدّثه عن إحلال السلام، وأن عليه ترك سلاحه فيكون جواب جيرونيمو أكثر عقلانية متسائلاً عن كل تلك الوعود المبرمة لتحسين مستوى المعيشة بالنسبة لأبناء جلدته. وفي إحدى أصدق العبارات وأكثرها عمقاً يقول له والكاميرا ترينا من ورائه الأرض الواسعة: «خلق الله هذه الأرض الكبيرة لماذا على الأبيض أن يحتل المزيد؟».
في الفيلم هناك دوران آخران لكل من جاسون باتريك في دور قائد يرفض تنفيذ المهام الموكلة إليه بمذبحة جديدة وروبرت دوفال في دور كشّاف يعمل لحساب الجيش. هناك ذلك المشهد الذي نراهما فيه يدخلان حانة لجأت إليها عصابة تجتز فروات رؤوس الأباتشي لتبيعها. تصعيد المواجهة يحمل توتّـراً كبيراً قبل أن ينفجر الموقف عنفاً.
هناك إيحاء غير مؤكد أن هِل صنع الفيلم الأميركي الأفضل له وعينه على الموضوع الفلسطيني لتشابه الظروف والقضايا والمصائر، لكن من دون شطط ومغالاة، لا يمكن التأكد من ذلك ولو أنه احتمال وارد.
باعتبار أن واحدة من العثرات التي تواجه المخرج والمنتج وولتر هِل في الكثير من أفلامه الأحدث (آخرها The Assignment سنة 2017) تكمن في السيناريوهات التي ينفذها، فإن «جيرونيمو…» يأتينا سهلاً ومثيراً ويحمل قيمة فنية وتاريخية عالية في الوقت ذاته. وهو واحد من مئات الأفلام التي اختار النقاد العرب غض النظر عنها على أساس أنه «فيلم وسترن».


مقالات ذات صلة

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يوميات الشرق رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يتطلّع مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» لمواصلة رحلته في دعم الأصوات الإبداعية وإبراز المملكة وجهةً سينمائيةً عالميةً. بهذا الإصرار، ختم فعالياته.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
سينما «من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة

محمد رُضا‬ (سانتا باربرا - كاليفورنيا)
سينما «موعد مع بُل بوت» (سي د.ب)

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم.

محمد رُضا‬ (لندن)
يوميات الشرق فيلم «الحريفة 2» اعتمد على البطولة الشبابية (الشركة المنتجة)

«الحريفة 2» ينعش إيرادات السينما المصرية في موسم «رأس السنة»

شهدت دور العرض السينمائي في مصر انتعاشة ملحوظة عبر إيرادات فيلم «الحريفة 2... الريمونتادا»، الذي يعرض بالتزامن مع قرب موسم «رأس السنة».

داليا ماهر (القاهرة )

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
TT

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)

RENDEZ‪-‬VOUS AVEC POL‪-‬POT ★★★

* إخراج: ريثي بَنه (فرنسا/ كمبوديا)

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم. ويُذكّر الفيلم أن الصحافة في تاريخها العريق، دائماً ما وجدت نفسها أمام مسؤوليات وتحديات عديدة. في هذا الفيلم الذي أخرجه ريثي بَنه عن الأحداث التي عصفت في بلاده سنة 1978 اقتباسات عن كتاب الصحافية إليزابيث بَكَر (Becker) وعن تجربتها بصفتها واحدة من 3 صحافيين دُعوا لمقابلة بُل بوت، رئيس وزراء كمبوديا وأحد قادة منظمة «الخمير الحمر» (Khmer Rouge) المتهمة بقتل ما لا يقل عن مليون و500 كمبودي خلال السبعينات. الصحافيان الآخران هما الأميركي ريتشارد دودمان، والأسكوتلندي مالكوم كالدويل.

لا يبدو أن المخرج اتّبع خُطى الكتاب كاملةً بل تدخّل بغايةِ ولوج الموضوع من جانب الحدث الذي وضع حياة الثلاثة في خطر بعدما جاءوا للتحقيق ومقابلة بُل بوت. في الواقع دفع الأميركي حياته ثمناً لخروجه عن جدول الأعمال الرسمي والتقاطه صوراً تكشف عن قتلٍ جماعي. وفي الفيلم لحظة مختصرة لكنها قاسية التأثير عندما يَلقى الصحافي حتفه غرقاً في نهر دُفع إليه.

الفرنسية إيرين جاكوب التي تؤدي شخصية الكاتبة بَكَر تُعايش بدورها الوضع بكل مأساته. تُفصل عن زميلها ولم تعد تعرف عنه شيئاً، وتمر بدورها بتجربة مخيفة لم تكن تعلم إذا ما كانت ستخرج منها حية.

في باطن هذا الفيلم الجيد على تواضع إنتاجه، تُطرح أسئلة فيما إذا كان الصحافي يستطيع أن يقبل التحوّل إلى جزءٍ من البروباغاندا. وهل هو أداة لنقل الرأي الرسمي بغياب حرية التعبير؟ وماذا لو فعل ذلك وماذا لو لم يفعل؟

هو ليس بالفيلم السّهل متابعته من دون معرفة ذلك التاريخ ودلالاته حول العلاقة بين النُّظم الفاشية والإعلام. والحرية التي لا تُمنح لصحافيين محليين هي نفسها التي لا تُمنح كذلك للأجانب ما دام عليهم نقل ما يُقال لهم فقط.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

‪THE‬ WRESTLE‪R‬ ★★

* إخراج: إقبال حسين شودهوري (بنغلاديش).

يقترب الرجل المسن موجو (ناصر أودين خان) وسط أشجار ليست بعيدة عن شاطئ البحر وينتقل من واحدة لأخرى ماداً يديه إليها كما لو كان يريد أن يدفعها بعيداً أو أن يُزيحها من مكانها. ومن ثَمّ يتركها ويركض صوب أخرى ليقوم بالفعل نفسه قبل أن يعود إليها. يبعث هذا المشهد على تكراره سخرية غير مقصودة. قد تكون طريقة قديمة لممارسة تمارين المصارعة أو التدريب الوحيد المُتاح في تلك القرية، لكن موجو جادٌ في محاولته لدفع الأشجار إلى الخلف أو تغيير مواقعها، استعداداً لملاقاة مصارع أصغر منه سنّا وأكبر حجماً في المباراة المقبلة.

«المصارع» (أبلبوكس فيلمز)

هناك كثير مما يتأمله المخرج شودهوري بطيئاً قبل تلك المباراة وما بعدها. بعضُ المشاهد لديها نسبة معقولة من الشِّعر الناتج عن تصوير الطبيعة (ماء، أشجار، حياة... إلخ) وبعضها الآخر لا يفضي إلى تقدير خاص. في نصف الساعة الأولى يعكس المخرج شغفاً ما بتصوير شخصياته من الخلف. عندما يتخلى المخرج عن هذه العادة لاحقاً، يستبدل بتلك اللقطات سلسلة من المشاهد البعيدة عن شخصياته في الغالب. هنا يتحسّن تأطير اللقطات على نحوٍ نافع ولو أن شغله على الدراما يبقى غير ذي مكانة.

يطرح الفيلم مشكلة رجلٍ لا يريد الاعتراف بالواقع ويتحدى من هو أكثر قوّة منه. يحقّق طموحه بلقاء المصارع الآخر ويخفق في التغلب عليه. في الواقع يسقط أرضاً مغشياً ومن ثمّ نراه لاحقاً في بيت العائلة قبل أن يعود إلى تلك الأشجار ليصارعها. المخرج (ثاني فيلم له) طموح، لكن أدواته التّعبيرية وإمكانياته التي تفرض نفسها على السيناريو وحجم الفيلم بأسره، محدودة.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

ONE OF THOSE DAYS WHEN HEMME DIES ★★★

* إخراج: مراد فرات أوغلو (تركيا).

قرب نهاية الفيلم يبدأ الشاب أيوب مراجعة ما مرّ به طوال اليوم. لقد انطلق غاضباً من المُشرِف على العمل عندما شتم أمّه. يعمل أيوب في حقلٍ لتجفيف الطاطم. ويعرف المخرج كيف يوظّف المكان، درامياً (سهل منبطح تحت شمس حامية وصعوبة العمل)، وجمالياً (تلك الثمار المقطوعة إلى نصفين والملقاة فوق شراشف على مد النظر).

«أحد تلك الأيام التي مات فيها هيمي» (مهرجان مراكش)

نقطة الخلاف أن أيوب يُطالب بأتعابه، لكن المُشرف على العمل لم يتقاضَ المال بعد ليدفع له، مما يؤجّج غضب أيوب فينشب شجار بينهما. يركب دراجته النارية وينطلق صوب بلدته. في منزله مسدسٌ سيتسلّح به وفي البال أن يعود لينتقم. معظم الفيلم هو رحلة على الدراجة التي تتعطل مرّتين قبل إصلاحها عند المساء. الأحداث التي تقع على الطريق وفي القرية الصغيرة تُزيّن الموضوع بشخصيات تدخل وتخرج من الحدث الرئيسي الماثل. في أحد هذه الأحداث الثانوية يُساعد أيوب رجلاً عجوزاً اشترى بطيخة ولا يستطيع حملها، فيوصله والبطيخة إلى داره. وفي مشهد آخر يستمع لتوبيخ زوج شقيقته لأنه كان عرض عليه العمل في شركته ورفض. لا يقول لنا الفيلم لماذا رفض ما ينتقص من بنية الموضوع وأسباب عزوف أيوب على تنفيذ وعده لنفسه بالانتقام.

اعتمد المخرج هذين المشهدين وسواهما لملء الوقت الممتد بين عزم أيوب على الانتقام وعزوفه عن ذلك. لكنه هذه المشاهد ضرورية رغم أن الفيلم ينتهي من دون أن يبني حجة دامغة لقرار أيوب النهائي. هذا الفيلم دراما مصوّرة جيداً ومكتوبة بدراية، رغم الهفوات المذكورة.

* عروض حالياً في مهرجان «مراكش»

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز