ميعاري... لاجئ فلسطيني يجمع القطع التراثية ويذكّر بالوطن

ميعاري يتوسط زوار معرضه
ميعاري يتوسط زوار معرضه
TT

ميعاري... لاجئ فلسطيني يجمع القطع التراثية ويذكّر بالوطن

ميعاري يتوسط زوار معرضه
ميعاري يتوسط زوار معرضه

منذ نحو 15 سنة اعتاد اللاجئ الفلسطيني حسام ميعاري (43 سنة) الذي يسكن مخيم «عين الحلوة» الواقع في جنوب لبنان، جمع القطع الأثرية والتراثية التي تحمل في تفاصيلها رائحة البلاد وذكرى الوطن «فلسطين»، من حيث هجّر الاحتلال الإسرائيلي أهله قسراً عام 1948 حين أجبرهم على ترك منازلهم وقراهم بعد تدمير معظمها.
بشغفٍ شديد يُنظم ميعاري أوقات يومه بين العمل بمنجرته الخاصّة الواقعة في قلب المخيم، وتنقّله بين المدن اللبنانية التي يصل إليها بصورة دائمة، باحثاً عن قطعٍ فلسطينية قديمة، ليمارس بذلك هواية أضحت مع الوقت جزءاً من حياته، يبعث من خلالها رسائل الشّوق إلى أرض أجداده التي لطالما أخذه الحنين لترابها، على حد وصفه.
يقول في حديثٍ لـ«الشرق الأوسط»: «جمعتُ مقتنيات متعدّدة، منها بابور الجاز، والمسند، وأباريق القهوة والشّاي القديمة، وأواني الطّعام، وبراميل الخشب، والراديو»، مشيراً إلى أنّ تلك الأدوات كانت تمثّل أساس الحياة في كلّ بيتٍ فلسطيني قبل النّكبة، وترتبط ارتباطاً وثيقاً بقصصٍ متعدّدة لها علاقة بمناسبات الفرح والحزن، كما أنّ لكلٍّ منها وظيفته واستخدامه الخاص الذي يناسب المكان والزمان.
شارك ميعاري برفقة مقتنياته التي قارب عددها الثمانين قطعة، في نحو 16 معرضاً خلال السنوات الماضية، عُقدت جميعها في محافظاتٍ لبنانية. كان خلالها حريصاً على ارتداء اللباس القديم الخاص بالرجال الفلسطينيين قبل الاحتلال، وهو عبارة عن «قمباز، وسروال واسع، وكوفية يعتليها عِقال». وعرض هناك الأربعيني ما يملك من تحفٍ تراثية في مدارس وجامعات بمناسباتٍ وطنية مختلفة، مثل ذكرى يوم الأرض وذكرى النكبة الفلسطينية.
ميعاري لم يقف عند هذا الحد في طريق نشر التراث الفلسطيني. فهو لم يترك مناسبة للأهل والأصدقاء إلّا كان حاضراً فيها بملابسه الخاصّة ومعدات القهوة والأباريق النّحاسية التي تشدّ انتباه الناس ويزيد عمرها على 80 سنة. ويتابع: «أشارك الناس أتراحهم وأفراحهم بتقديم القهوة العربية أملاً بإحياء ذكرى الأرض السليبة عند كلّ الناس»، مبيّناً أنّ طقوس القهوة الصحيحة لا يجيدها إلّا الأصليون من أهل البلاد.
على ذلك يضرب مثالاً: «القهوة في الأفراح تُصبُّ باليد اليسرى وتقدَّم باليمنى، لأنّها تُعرف بيد (البركة والخير) أمّا في الأحزان فتُصبُّ باليمين وتقدم بالشّمال، لأنّ العرب القدامى لا يتفاءلون بها»، لافتاً إلى أنّ عدداً من القطع الأثرية يخصّصها لاستخدامه الشّخصي في المنزل، مثل «المسند» الذي يوضع في صدر البيت أو المضافة ويستخدمه الكبار للاتكاء عليه.
ويُصنع المسند من سعف النخيل وسنابل القمح، حين كان قديماً يشدّ الرجال قصبه وعيدانه، فيما تخيط النساء وجهه من القماش الزاهي والألوان الجذّابة، إضافة إلى أنهن كنّ يستخدمن المسلّات والخيطان السميكة ويغرزنها داخله وبين عيدان قصبه، لشدّها حتّى تصبح صلبة. وترجع أهميته، وفقاً لحديث ميعاري، إلى أنّه كان يُستدل على البيت المتماسك من خلال الانتباه لصلابته، منوهاً إلى أنّ صنعه مكلف جداً ولم يملكه إلّا أصحاب التجارة والمال.
خلال هذا العام، شارك ابن مدينة صفد، في مسابقة تراثية على مستوى الجمهورية اللبنانية أشرفت على تنظيمها منظمة الأمم المتحدة للتّربية والعلم والثّقافة «يونيسكو»، برفقة عدد من الأشخاص الذين كانوا يمثّلون تراث بلادهم فيما مثّل هو فلسطين، وحصل على المركز الأول بين المتنافسين، يعقّب: «فخور جداً بهذا الفوز، وهو حافز كبير يشجعني على الاستمرار»، مستدركاً أنّه يحلم بافتتاح معرضٍ دائم يعرض فيه ما جمعه من أداوت لجميع الناس.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».